الأسود يليق بك

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسرد رواية "الأسود يليق بك"، لمؤلفتها، أحلام مستغانمي، تفاصيل ومواقف أحداث صراع بين فتاة ورجل، نشب عقب قصة حب بينهما. وتتنوع ساحات وقوع الأحداث في الرواية، لتمتد بين سوريا والجزائر. ونجد أحلام، مع تلك المحطات، تواصل الوصف والتعبير، بلغة شاعرية، تميزها سلاسة الالفاظ وعذوبتها، إذ نتبين أنها ذات طابع تأثيري عميق، تضفيه عملية انتقائها بعناية من قبل الكاتبة.

وهي توظفها لتلائم روحية الطرح والقضية المطروقة. وكذلك لتصوغ إيقاع موسيقى تعكس دلالات جمة عن حياة الإنسان، في متاهات الحب والصراع، ذلك خاصة في البلدان العربية التي تتجذر فيها حكايات معاناة المرأة في مجتمعها، والذي يهدد مصيرها، أحيانا.

وبكلمات اجتازت بها الصمت الى الكلام، تتحدث احلام مستغانمي عن حياة وقصة فتاة جزائرية في الثمانينيات من القرن الفائت، ساردة ما كان يتهددها في ظل توسع حلقات واشكال الإرهاب في بلادها، حينذاك. وتطلعنا على ان سلاح هذه الفتاة، في مواجهة تلك الاهوال، الموسيقى والغناء.

إذ تتصدى بهما لاسوداد الواقع المحيط. من دون ان تتوقف عن السعي الى البحث عن الافضل لمستقبلها. وهنا تعرفنا أحلام، على أن تلك الفتاة، كانت قد اختارت سوريا مقرا يحتضنها، بعد ان سلب الإرهاب منها عائلتها. وفي تلافيف هذه الهجرة عرفت أن قيمة الإنسان مرتبطة على الدوام بنبل مواقفه.

واستمراره في الوقوف عند مبادئه وما يؤمن به. وتحكي أحلام في هذه المرحلة، كيف ان الفتاة، تعرفت إلى احد أثرياء لبنان، في فترة إقامتها في سوريا. ولكنها، رغم ذلك، لم تنتظر من أحد أن يمدها بأدوات النجاح لتحقق ذاتها. بل أفلحت في خط طريقها، وتسطير ألمع قصص النجاح، بجهودها الشخصية.

نلحظ في الرواية، أن الكاتبة، تعمدت في سردها، عكس طبيعة الأحداث السيئة في بلادها وحجم المعاناة التي تعيشها المرأة الجزائرية في مجتمع محافظ يرفض الغناء والموسيقى. فبعد أن قتل الإرهابيون والدها، وشقيقها الوحيد، لتكون فتاة العشرين عاما ( اختها)، الضحية الثالثة من عائلتها، جاءت التهديدات الموجهة إليها، كعامل حثها للمسارعة الى هجرة الوطن، بهدف حفظ حياتها.

وهكذا مع والدتها السورية الى الشام، مبتعدة عن سوء الاوضاع في بلادها، ومكملة مسيرتها الغنائية، لتجعل من الأسود رمزاً استمر معها لفترة طويلة، الى ان انتهت بها الحال للتعرف على رجل ثري في بيروت، معتقدة أنها بهذه المعرفة، ستعيد شيئا من ما فقدته في بلادها. وتسلط أحلام، الضوء في جسد الرواية، وفق تسلسل زمني محكم.

إذ تنتقل بنا الى بيروت مع البطلة وحبيبها، حيث صادفت هناك أحداثا كانت نقطة تحول غيرت حياتها وتفكيرها، خاصة بعد قربها من عشيق يكبرها بعشرين سنة، رأى الأسود رمزا لها تميزت به عن غيرها لذا التصق بها. لكن المفارقة ان هالة، ترفض بعد اقترانها به، أن تستمر في تلك الصورة، فلا تبالي بسلطة قهره وماله، بل تتعمد أن تواجهه بشخصية اختلفت عن موقفها السابق، تاركة اللون الأسود، بعد أن كانت تعتبره رمزاً لهذا الحب، لتعلن رفضها ذاك الحب، وتقول أحلام مستغانمي في خلاصات روايتها :

"إن الفقير ثري بدهشته، أما الغني فهو فقير لفرط اعتياده على ما يصنع دهشة الآخرين". وهكذا، نتعرف على واقع تركيز الفتاة، عقب تلك التجربة القاسية، على حصد النجاح، ومتابعة الطريف في مسار حياتها، لتكون متميزة، مستفيدة من مفردات تجربتها القاسية، لتفادي ما يحبطها ويواجه أحلامها، إذ تبقى مأساة الحب الكبير، كما يرسخ إيمانها في الخصوص، ليست في موته صغيراً، بل في كونه، وبعد رحيله، يتركنا صغاراً.

 المؤلفة في سطور

 أحلام مستغانمي. أديبة جزائرية. حائزة على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس. حصلت على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998، عن روايتها «ذاكرة الجسد». لديها روايات عديدة، منها: فوضى الحواس، عابر سرير.

 الكتاب: الأسود يليق بك

تأليف: أحلام مستغانمي

الناشر: دار نوفل- بيروت 2013

الصفحات: 332 صفحة

القطع: المتوسط

Email