استعراض تاريخي ومقاربة فيزيولوجية

الذاكرة.. أسرارها وآليات عملها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يجيب كتاب "الذاكرة، أسرارها وآلياتها"، لمؤلفه لورون بورتي، عن كيفية اشتغال الذاكرة داخل الدماغ الإنساني، عبر استعراض تاريخي، أجراه المؤلف، شمل فترة بداية تطور مفهوم الذاكرة، ومن ثم تطور دلالته من العصور القديمة إلى البدايات الأولى لظهور السيكولوجيا العصبية.

ويتوزع الكتاب، الصادر، أخيراً، عن مشروع "كلمة"، والذي نقله إلى العربية، الدكتور عز الدين الخطابي، على أربعة فصول. يبحث فيها بورتي المحاور الرئيسة في الموضوع، مستشهداً بالرسوم التوضيحية التي تبين آلية عمل الذاكرة.

يستهل المؤلف كتابه بمقدمة. مما يقوله فيها: "إن سر الجهاز العصبي هو أهم سر أو السر الوحيد المدعم لكل الأسرار الأخرى. وتعتبر الذاكرة تلك القدرة على اكتساب المعلومة والحفاظ عليها واستعادتها".

كما يتطرق المؤلف إلى التقنيات التي ساعدت على تصنيف أشكال الذاكرة، وإلى التمييز بين ذاكرة ذات مدى قصير، وأخرى ذات مدى طويل، مفرقاً بين ذاكرة مرحلية وأخرى دلالية، وبين ذاكرة الاشتغال والذاكرة الإجرائية.

وتحت عنوان: "تاريخ مفهوم الذاكرة"، جاء الفصل الأول في الكتاب، موضحاً ماهية الذاكرة، منذ العصور القديمة وإلى فن الذاكرة في العصر الوسيط. ويشير توبي إلى أنه كانت ربة الذاكرة في الأساطير اليونانية القديمة "منيموزين"، التي عرفت أسرار الجمال والمعرفة معاً. وانتصبت أمامها الأوجه الثلاثة للزمن في حاضر دائم. كما رأى الفلاسفة القدامى، الذاكرة التي سقطت بهذا الشكل من سماء الآلهة فوق البشر، سراً من الأسرار.

وحاول أرسطو في مؤلفه حول الذاكرة، حل مفارقة البقاء الغامض للماضي لدينا، بشكل يجعله مرئياً ومحسوساً. وذلك كأنه غابر في الوقت نفسه. وكتب بهذا الخصوص: "كل شيء يسير وفق التداعيات، فكل ذكرى تستدعي الأخرى، وصورة شيء تجذب إليها صورة أخرى، عندما تقوم بين الطرفين، علاقة تشابه وتعارض، أو تجاور".

يبين المؤلف، أنه تأسس بعد ذلك، فن الذاكرة، تحديداً في القرون الوسطى، بناءً على هذه القوانين الثلاثة للتداعي. وأضيف إليها التحليل الفلسفي لوظيفة الذاكرة لدى القدماء، مقاربة تشريحية وفزيولوجية، قائمة على دراسة العلاقات بين الدماغ والوظائف الذهنية. ويعد أرسطو من السباقين لوضع ما سمي بالنظرية القلبية المركزية، التي تمنح للقلب دور توليد ومراقبة الملكات الذهنية. بينما عرض أفلاطون لنظريته الدماغية المركزية في محاورة فيدون: "هل العنصر الذي نفكر بواسطته هو الدم، أو الهواء أو النار، أم أنه لا واحد من بين هذه العناصر يقوم بذلك...".

ويفرد بورتي مساحة خاصة للحديث عن أصناف الذاكرة الإنسانية، في الفصل الثاني من الكتاب، مبيناً أنه توصل الباحثون إلى التمييز بين أشكال أو أنظمة عديدة للذاكرة. إذ شجعهم على ذلك، أكثر من قرن من الدراسات النفسية العصبية، التي بينت كيف أن المرضى المتضررين، يفلحون في تحقيق إنجازات عادية بخصوص بعض أصناف الذاكرة، ويشعرون باضطرابات حادة، إزاء أصناف أخرى.

ويعرض الفصل الثالث للتصوير العصبي الوظيفي للذاكرة، من خلال الأسس العصبية للذاكرة المرحلية، والأسس العصبية للذاكرة الدلالية، والأسس العصبية لذاكرة الاشتغال، وللذاكرة الإجرائية. كما يخصص المؤلف الفصل الرابع في كتابه للحديث عن تخصصات وتفاعلات قائمة بين بعض أنظمة الذاكرة. وهي كما حددها، مساحات جبهية مشتركة بين ذاكرة الاشتغال والذاكرة المرحلية والذاكرة الدلالية. وغير ذلك الكثير.

ويخلص المؤلف إلى أن الذاكرة استفادت منذ عشرين سنة، من تطور تقنيات التصوير العصبي، عن طريق تخطيط الأجزاء، وبواسطة الرنين المغناطيسي الوظيفي. وكذلك بفضل هذه التقنيات، جرى قبول وجود أنظمة متعددة للذاكرة. كما قدم التصوير العصبي معطيات جديدة تتعلق بطبيعة مختلف مكونات أنظمة الذاكرة. وأيضاً أسهم توسيع حقول الأبحاث في العلوم العصبية التجريبية وفي السيكولوجيا المعرفية عموماً. وفي استثمار تقنيات التصوير العصبي الحديثة، وفي تقديم معطيات متكاملة ودقيقة بخصوص طبيعة ووظيفة مختلف مكونات أنظمة الذاكرة.

وهو ما جعل الاهتمام بهذه العملية، موضوعاً علمياً بامتياز ستكرس له المؤسسات والمختبرات العلمية، جهداً كبيراً واستثماراً مالياً هائلاً، غاية الكشف عن الأنشطة المعقدة لدماغنا، بخصوص تذكر المعلومة واسترجاعها وإخضاعها إلى الترميز.

المؤلف في سطور

 المؤلف لورون بوتي. باحث فرنسي يعمل في المركز الوطني للبحث العلمي، يعمل منذ سنة 1996 ضمن مجموعة البحث حول التصوير العصبي الوظيفي. مكنته إحاطته العميقة بالأبحاث الجارية في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة. من الإلمام بأهم القضايا المتعلقة بالذاكرة الإنسانية في ارتباطها بأنشطة المناطق الدماغية.

وهو ما يفسر اهتمامه في تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي، والتي شكلت قنطرة عبور إلى حقول معرفية أخرى، اهتمت بدراسة الذاكرة، مثل: البيولوجيا العصبية والسيكولوجيا المعرفية والأنثربولوجيا.

الكتاب: الذاكرة أسرارها وآلياتها

المؤلف: لورون بوتي

المترجم: الدكتور عز الدين الخطابي

الناشر: مشروع "كلمة" التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة- 2012

الصفحات: 140 صفحة

القطع: المتوسط

Email