تحت أشجار الزيزفون.. سيدة الرواية الرومانسية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لكل عصر رومانسيات تزيّنه، بعضها يلتصق، وبعضها الآخر يهاجر ليتألق على أيدي المبدعين في عصر جديد. وهذا ما حصل لرواية «تحت أشجار الزيزفون»، التي تُعتبر مع «غادة الكامليا» أشهر رومانسيتي حب في الأدب الفرنسي. إذ ولدت في فرنسا وألمانيا سنة 1832 على يدي الفونس كار. ثم ولدت في مصر سنة 1917 على يدي المنفلوطي، ثم في اندونيسيا سنة 1938 على يدي هامكا. ما السبب؟

الحب والطبيعة

تجري أحداث هذه الرواية في الريف الألماني، حيث نتعرف على ستيفن، وهو شاب حالم يتمتع بموهبة موسيقية ويحب الهدوء والطبيعة. يترك ستيفن منزل العائلة هربا من ضغوط والده الذي يريد أن يزوجه ابنة عمه الثرية ليتخلص من ديونه. يجول في الريف باحثا عن عمل كعازف موسيقي، ويستأجر غرفة في منزل السيد مولر، المولع بأزهار التوليب. وهناك يتعرف على أجمل أزهار التوليب، ابنته مادلين.

يبدأ ستيفن العزف على الكمان ونظره تائه في البساط الجميل من الورود. فيلمح مادلين تخطر في مشيتها. يتعلق بها نظره حتى تبتسم ويبتسم لها. فتنحي الأزهار وتطلق شجرة الزيزفون زفرة، ثم تمد أغصانها لتحملهما برفق الى ظلالها.

 فيجلسان ويطلقان العواطف والأحلام الخجولة، ثم ينهضان ويلوحان للشجرة بلقاء جديد. يغار النهر ويناديهما، فيركضان اليه كطفلين ويجلسان على ضفته ويتسامران معه بالحديث عن بيت صغير قرب الغدير، تحيط به حديقة مملوءة بالورود وأشجار الزيزفون. فينتشي النهر ويطلب منهما أن يقتربا أكثر، فيجذفان بالزورق الصغير حتى يشعرا بخفقات قلبه. فتهمس نسماته: أبارك حبكما، لكن السيد مولر لن يباركه.

الفراق

يستاء السيد مولر حين يعرف انهما مغرمان ويخبر ابنته أن ستيفن لايستحق حبها، فهو لا يملك شيئا ولن يستطيع أن يوفر لها الحياة الكريمة. تحاول مادلين إقناعه بالتريث وإعطاءه فرصة ليبني نفسه. فيرد عليها بطرد ستيفن من المنزل. يبكي ستيفن قهرا وحسرة، شاب مفلس من دون مأوى أو أمل، والحب الذي أتاه كخشبة الإنقاذ، فلت منه وتركه يغوص في القاع. لكن مادلين لن تتركه يغرق.

تختلي به وتحثه على العمل والكفاح لأجل حبهما، ثم تضع خصلة من شعره خاتما حول إصبعها وتعاهده على الوفاء. وتودعه قائلة: امض في الطريق وحدك، امض فارسا ينشئ بجهده مملكة، ينشئ ولاية، ينشئ منزلا.. ثم تعال الى والدي واطلبني.

الضياع

يعود ستيفن الى منزل العائلة ويحصل على مساعدة 1500 فلورين من عم ثانٍ يعطف عليه، ليلتحق بجامعة غوتنجين. بيد أنه سرعان ما يغادر المنزل مطرودا حين يرفض الزواج بابنة عمه. يذهب الى المدينة ويستأجر غرفة صغيرة ويعمل عازفا ويتواصل مع مادلين بالرسائل. ينزل صديقه ادوارد، وهو شاب طائش سيبلغ سن الرشد في وقت قريب ويتصرف بالثروة التي تركها له والده، ضيفا عليه.

ويشاركه الطعام والشراب. وتنزل مادلين ضيفة على صديقتها الثرية سوزان في المدينة. وهناك تنبهر بنمط حياة الأثرياء: الملابس الفاخرة والمجوهرات والسهرات الراقصة والحفلات الموسيقية والمهرجانات.

وعندما تخبرها سوزان انها على علاقة بشاب ثري وسيعقد قرانها عليه في وقت قصير، تطلعها مادلين على حبها لـ«ستيفن». فتسخر منها سوزان ومن الحب لشاب فقير، وتشجعها على الارتباط بإدوار، الثري. ثم ترتب لهما لقاء ويقع ادوار في حبها.

الخيانة

يموت عم ستيفن الطيب ويترك له ورثة عشرة آلاف فلورين سنويا. فيشمر عن ساعديه ويبني المنزل، حلم مادلين وحلمه، ثم يهيئ نفسه ليزورها ويطلب يدها. وعندما يدخل حديقة المنزل يجدها تتبادل الود والغزل مع ادوار الجالس الى جانبها، بينما اختفى الخاتم من خصلة شعره في إصبعها، وحل مكانه خاتم من الألماس. يعلم أن صديقه ادوارد، الذي ضحى لأجله..

وأنقذه من مشاكل كثيرة، خطب حبيبته وهما على وشك الزواج. تسودّ الدنيا في عينيه ويعصف الدوار برأسه، ويغادر الحديقة وهو يتعثر. ينهار ويدخل المستشفى. وعندما تزوره مادلين وادوار، يرضى بالواقع الجديد ويدفن حبه وحزنه في الموسيقى..

ويبدع ألحانا تمس شغاف القلوب، فيشتهر ويلمع نجمه في ألمانيا. أما مادلين فيهملها ادوارد بعد الزواج ويطلق العنان لأهوائه. فيبدد ثروته في القمار والسهرات الماجنة ويبيع القصر وأملاكه، ثم يعلن إفلاسه ويرحل الى مكان بعيد وينتحر، تاركا مادلين حاملا. فتضطر مادلين الى بيع منزل والدها لتسدد ديونه.

العودة الى النهر

تلجأ مادلين الى ستيفن بعد ولادة طفلتها وتفضي اليه بهمومها والضغوط التي تعرضت لها، حتى قبلت ادوارد زوجا ثم تطلب منه أن يسامحها. يساعدها ستيفن لتخرج من محنتها، لكنه يرفض بازدراء، توسلها الصارخ من أجل الغفران. يعود في أحد الأيام الى منزله، ويجد الطفلة في لفة ومعها رسالة مختومة.

ذكرت فيها مادلين أنها فقدت الأمل في الحياة وستنهي حياتها في النهر الذي بارك حبهما، ثم تطلب منه باسم ذلك الحب أن يعتني بالطفلة. يسرع ستيفن الى النهر لإنقاذها وينتشلها جثة. تعصر الآلام المبرحة قلبه ويستبد به الإحساس بالذنب والندم، فينتحر تاركا وصية يمنح فيها نصف ثروته الى صديقه فرتر، لقاء تربية طفلة مادلين التي يترك لها النصف الثاني من ثروته. يدفنونه، كما طلب، الى جوار مادلين.

الريف والمدينة

قال الشاعر الإنجليزي لورد بايرن، عبارة مؤداها ومغزاها أن «الله عز وعلا خلق الريف» ليكون عزيزا على قلوب الأدباء الرومانسيين. وكثيرا ما يعطون (الرومانسيون)، مثل الفونس كار، دورا للطبيعة في أشعارهم ورواياتهم. وفي هذه الرواية التي جعل شجرة الزيزفون عنوانها، يضعنا في تماس مع الحب والصداقة في الريف والمدينة.

إن مادلين في الريف تريد الحب الحقيقي الصادق، وفي المدينة تريده متحليا بالذهب وراقصا في السهرات. وستيفن ابن الريف يقف مع صديقه ادوار في وقت الضيق، وادوار ابن المدينة يسرق حبيبته منه.

المؤلف والرواية

تركت هذه رواية أصداء ترددت في أنحاء العالم وسارع المسرح والموسيقى والسينما العالمية الى اقتباسها في أعمال شتى. إنها باكورة أعمال المؤلف الفرنسي من أم ألمانية الفونس كار(1808-1890). وهي قصة حقيقية نقلها بشفافية الى الأدب. الحب فيها حقيقي والمعاناة فيها صادقة. الحوار طلق جذاب ورسائل الحب بين ستيفن ومادلين قصائد من شعر.

لذلك لا يكاد القارىء ينتهي من السطور الأولى حتى يتعلق بها ويقلّب بشغف الصفحات حتى يصل الى نهاية الحبيبين. وليس أدل على شهرتها أن هناك فنادق ومنتجعات وسفنا سياحية تحمل اسمها وتتخذ أزهار التوليب شعارا لها. كما أن هناك عشرة شوارع في فرنسا تحمل اسم الفونس كار، والشارع الذي يحمل اسمه في نيس يبيع الورود.

«ماجدولين»

يعرف القراء العرب أن مؤلف «ماجدولين: تحت ظلال الزيزفون1917»، هو الأديب الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي. لكن عددا قليلا يعرف أن مؤلفها الحقيقي هو الفونس كار. والغريب أن المنفلوطي لم يتقن الفرنسية ولم يقرأ الرواية.

وتذكر المراجع أن فؤاد كمال ترجمها له، فتأثر بها كثيرا وأعاد سبكها في قالب جديد تجلت فيه مقدرته اللغوية وخصائص بيئته المصرية. وفي غياب النص، اضطر الى الحذف والإضافة والى التطويل والتقصير وفق ذوقه الخاص.

«السفينة الغارقة»

لم يعرف الكاتب والباحث الإسلامي الإندونيسي حاج عبد الملك كريم أمر الله، الملقب بـ«هامكا» اللغة الفرنسية، لكنه كان يجيد اللغة العربية. وأجرى عدة رحلات الى البلاد العربية. وقرأ رواية المنفلوطي"ماجدولين"، التي تركت في نفسه انطباعا قويا.

وعندما رجع الى سومطرة، أعاد صياغتها في رواية «السفينة الغارقة» التي تعكس مشكلات المجتمع الإندونيسي العرقية ومأساة الحبيبين، اذا كانا من عرقين مختلفين. وفي هذه الرواية أخذت الشخصيات أسماء اندوسية.

Email