الفكرة، باعتبارها وسيلة للتعبير عن خواطرنا الفلسفية، تضعنا في خضم صراع داخلي يحفّز العقل، ويشحن العواطف، ويقودها إلى الإيمان بمنطقها، أو على أقل تقدير إعطائها مساحة للتوضيح والاستبدال؛ وهذه من أهم المحاور التي ارتكز عليها المؤلف حكمت البعيني في كتابه «ألف فكرة وفكرة»، الصادر عن دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، الذي تطلب إنجازه عامين كاملين من البحث الذاتي والتأمل العميق، وجاء في 224 صفحة.

قيم أخلاقية

يعتقد البعيني المؤلف الحاصل على شهادة الماجستير في القانون الدولي من الجامعة الأمريكية في واشنطن، أن الهدف من إصداره الأخير هو استنباط أفكار من الحياة وقياسها على تصرفات الناس وقيمهم الأخلاقية وإبداعاتهم اليومية من أجل البقاء. بمعنى آخر، هناك معلومات بيولوجية، وجينات وراثية، ومعادلات فيزيائية، وأنظمة بيئية، وقوانين كونية، تتحكم إلى حد كبير بتصرفاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين وأسلوب حياتنا.

ما هي هذه الأنظمة والقوانين والمعادلات، وكيف من الممكن لنا أن نستخدمها لتطوير قناعاتنا وتصرفاتنا؟ الجواب في كتاب «ألف فكرة وفكرة»، الذي استخدم الاستنباط والاستقراء للوصول إلى النتائج التي من الممكن للبشرية أن ترتكز عليها لتطوير ذاتها وتحصين مواقعها.

بصمة المرجعية

بما يتعلق بأهم العناصر التي يجب على القراء ملاحظتها عند اطلاعهم على الكتاب، يعتقد المؤلف حكمت البعيني، مدير العلاقات العامة والرئيس التنفيذي للسعادة والإيجابية بجامعة دبي: إن الملاحظة المهمة هي أن كل شيء في الحياة مترابط ومستوحى منه وإليه؛ فمثلاً نستطيع أن نكتشف من علاقة القمر بمرجعية الأرض وعلاقتهما معاً بمرجعية الشمس، أن كل شيء في الحياة له مرجعية (الفرد، العائلة، المجتمع الدولة.. الخ).

كما نستطيع من خلال التعرف على حياة بعض الطفيليات التي تعيش في قعر البحر، وتستطيع أن تستعيد عافيتها وتتغلب على جراحها بالعودة إلى الأماكن التي ولدت وترعرعت فيها، أي مواطن طفولتها، أن الإنسان يستطيع أيضا أن يعيش أفضل، ويستعيد قواه كلما عاد والتصق بالمكان الذي نشأ وترعرع فيه. وهناك أمثلة أخرى في كتاب «ألف فكرة وفكرة».

تمكين القارئ

وحول إذا ما كان يحمل بين طياته سياقا دراميا مستوحى من قصص ألف ليلة وليلة، عبر طرح أفكار متعددة دون تبويب محدد، يوضح حكمت البعيني، العضو بمركز دبي للتحكيم الدولي والمحقق السابق في قضايا حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، أن كتاب «ألف فكرة وفكرة» لا علاقة له بألف ليلة وليلة، ولكن جمالية هذا الرقم دفعته إلى استخدامه كعنوان للكتاب.

ويقول: كتابي هو أفكار غير مترابطة ولا تهدف إلى إلهاء الملك شهريار عن قتل عروسته شهرزاد، بل يهدف إلى تمكين القارئ من الانتقال من فكرة إلى أخرى متى شاء وكيفما شاء. هذا الكتاب بخلاف القصص والروايات المطولة يهدف من خلال فقراته المقتضبة لأن يكون كما هي حال البوستات الصغيرة على منصات التواصل الاجتماعي؛ فقارئ اليوم لا يشبه قارئ ألف ليلة وليلة.

لعبة الأرقام

ويشير حكمت البعيني، الأستاذ الجامعي والمستشار في مجال التواصل والاتصال الجماهيري، إلى أنه تعمد ترقيم الأفكار ليستطيع القارئ أن يقرأ ما يريد، وأن يقفز فوق ما لا يهمه منها، وأن يكون بوسعه العودة إلى الأفكار التي يود أن يقرأها مجدداً.

ويقول: أتمنى أن أنتج قريباً هذا الكتاب في «تطبيق» يتمكن القراء من خلاله لعب لعبة الأرقام من خلال الهواتف الذكية، وكل على طريقته، وبالرقم الذي يناسبه، كأسلوب يرمز لهوية الفكرة دون عنوان محدد أو شامل في مجموعة غير مترابطة من الأفكار الثقافية والسياسية، وكذلك العائلية والمجتمعية، وبوصفها خواطر صادقة تسرق لحظات أو ربما أياما للتأمل بحثا عن لحظة التنوير.

الفكرة 1001

وحول إذا ما كانت أصالة الأفكار المطروحة تقع بين جدلية التأثير التفاعلي لقوة الحكمة وصعوبة التطبيق، خاصة أن الكتاب لا يحمل خاتمة بالمعنى التقليدي، وينتهي عند الفكرة 1001 التي تقول بأن «مؤلف هذا الكتاب ليس دائماً على حق»، يقول حكمت الذي يحمل في رصيد مؤلفاته 4 كتب أخرى: لقد توخيت من هذه العبارة القول إننا كلنا، ومن دون استثناء يجب أن نعترف بأننا لسنا دائماً على حق.

والمقصود من ذلك هو أن ليس بيننا، نحن كبشر، من هو قادر على معرفة الحقيقة الكاملة وامتلاك المعرفة المطلقة، سواء أكان كاتباً أو معلماً أو عالماً أو سياسياً أو قاضياً أو غيره.