أنا لا أتلصص.. ولكن مسكونة بالتأمل!

مريم الساعدي: الواقع وقود كتاباتي والخيال معملها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

مريم الساعدي من الكاتبات اللاتي أفرزتهن مرحلة التسعينيات. بدأت طريقها إلى النشر عام 2008 بصدور مجموعتها القصصية الأولى، التي حملت عنوان «مريم والحظ السعيد»، تلتها مجموعتان ثم رواية «مملكة النحل في رأسي».

أعمالها مميزة، سواء كان ذلك من ناحية الفكرة أم البناء القصصي، أما ما يشعر به متابعها، فهو أن في جعبتها مشروع كتابي مختلف قادم، وسواء كانت رواية أو قصة، فهي بالضرورة واقعية.. وساخرة.

في حوارها مع «البيان» تحدثت مريم الساعدي عن الواقعية، وعما تعنيه بالنسبة إليها:

التلبس بالتأمل

يشعر قارئ روايتك بأن ما تسلط عليه الضوء من أحداث وشخوص يجسد عالماً قصصياً واقعياً، ولكنه ساخر. وهذا ما يفصله عن الواقع المباشر، ما تعليقك؟

الواقع هو وقود كتابتي. ولكن ليس الواقع البحت. المباشر. فأنا لا أكتب سيرة ذاتية، ولكن أعمل عملاً أدبياً يجب أن يتم نسجه في معمل الخيال للأغراض الفنية. آخذ من الواقع شذرات، وخواطر، بينما أنا أستمع لقصة ما، أو.. أغنية. أو فيما أشاهد فيلماً، أو ألعب مع طفل، أو أرهف السمع لمحادثة تدور حول طاولة جانبية في مطعم.

أفعل ذلك لأغراض التأمل وليس التلصص؛ فالتأمل وقود الكتابة. واللحظة التي نجد أنفسنا متلبسين فيها بالتأمل، هي لحظة ولادة الفكرة التي يأخذها الفنان لمصنع الإبداع في عقله، ليحضر خلطاته الخاصة ممزوجة بأفكاره ومشاعره وتجاربه، وليخرجها في النهاية في قوالب، بتراكيب لغوية تمثل صوته الخاص على شكل عمل أدبي. والحس الساخر هو صوت الحياد، كي لا أسقط في فخ الوعظ والأحكام العامة.

نشعر أحياناً بالرواية كما لو أنها قصص قصيرة موحدة. بالطبع هذا لا يعني أنها ليست عملاً روائياً جيداً؟

لا أمتلك النفس الطويل لكتابة فصول طويلة متلاحقة لرواية على النمط الكلاسيكي. أردت أن أعكس الروح الواحدة المشتركة التي تربط الحكايات. هي ليست رواية صوت واحد، ولكنْ روح واحدة توحد العمل. وأرى أن الحياة في الأساس عبارة عن قصص منفصلة يوحدها السعي الجمعي نحو محاولة العثور على الأجوبة.

انشغال نفسي

الطبيعة الإنسانية، ومن يحاسب من؟ موضوع في غاية الأهمية كون حياتنا تسير كثيراً على هذا النمط، وأنت اشتغلت عليه بشكل جيد وإن كان موجزاً؟

أعتقد أنني اشتغلت دوماً على هذا الموضوع، سواء في القصص القصيرة التي نشرتها، أو المقالات، أو في عملي الأخير. ربما لأني منشغلة نفسياً بهذه المسألة، وأستشعرها كثيراً في حياتنا الحالية، أجد الأشخاص منشغلين طوال الوقت بمراقبة الآخرين لمحاسبتهم وتأطيرهم وإصدار الأحكام عليهم.

وكأن حياة الفرد منا وفضيلته وشهادة حسن سيرته وسلوكه لا تتحقق إلا إذا أثبت فساد الآخرين، فتراه يسعى طوال الوقت للبحث عن عيوب الآخر ونواقصه، متغافلاً عن عيوبه ونواقصه هو نفسه. المجتمعات البشرية لا تتطور إلا باحترام الخيارات الفردية وتقدير العقل النقدي النابع من نقد الذات.

البحث عن قلب

المرأة، الحب، الصداقة، موضوعات مهمة في رواية وقصة مريم الساعدي. هي تتناولها كجزء من هذا الحراك الإنساني، ثم ترسم تضاريسها الخاصة بحرفية، ما تعليقك؟

بالطبع هي جزء مهم من الحراك الإنساني. المرأة عنصر مهم وأساسي. موقف المجتمعات من المرأة هو ما يحدد إن كانت هذه مجتمعات متحضرة أو رجعية. ثم هناك الصراعات الوجودية التي على المرأة خوضها، فالمرأة مخلوق أكثر عمقاً مما يبدو، وأكثر قوة أيضاً رغم ما تبدو عليه من هشاشة. هي كائن يعاصر دوامات كثيرة كي يثبت أحقيته في الوجود.

ويظل الحب مبحثاً إنسانياً على مدى التاريخ. منذ خُلق الإنسان وهو يبحث عن وطنه في قلب آخر، عن الاحتواء والحنان والتفهم، وأن يجد دوماً من يخبره أن الأمور ستكون على ما يرام مهما ساءت الأحوال. يبحث الإنسان دوماً عن الطمأنينة بشتى السبل، كي يسكن صفير الريح في روحه.

موضوعات أساسية

مقدمة جميلة وضعتها في البداية كما لو أنك تلخصين الرواية: «في معنى الحياة، ولعبة الحب، وأنس الوحدة، وشكل الموت»، كيف تشرحينها؟

هي الموضوعات الأساسية التي تدور حولها الرواية، ويدور حولها الأدب في العموم. الحياة ومعناها وجدواها وتقبل الإنسان للنهاية، والسبل التي اتخذها ليهدئ من روع المجهول، والوجع على فقد الحياة المألوفة، عبر الإيمان والحب والاطمئنان للإنسان الشبيه، والفناء في الطبيعة الحميمة.

فراق وغربة..ووجوه منتقاة

تبدأ بقراءة مريم الساعدي فتشعر بإيقاعها الساخر الممزوج بالواقعية؛ هي في الحقيقة تكتب بينما تستجمع قواها الإبداعية والمعرفية لتواجه ما يمكن أن يجعلها تخشى البوح. والبوح هنا لا يتعلق بأسرار الآخرين، بل التعبير عما يدور في دواخلهم من مشاعر إنسانية متضاربة. من حب، وأنس، ووحدة، وخوف، وخيانة، وفراق، وغربة و.. ووجوه منتقاة من الحياة اليومية، تقدمها في مشاهد ولقطات قصيرة ساخرة.

بهذا القدر من الفكاهة تسأل الشخصية الرئيسة زميلاتها وزملاءها في العمل عمن يصلح غطاء الغسالة المكسور. ويبدو أنها ليست اللحظة المناسبة، فكلهم لا يسمعونها، عن زميلاتها تقول: «صوتي ليس خافتاً، لكنهن في المجمل مشغولات، أصواتهن الداخلية أعلى من أي صوت خارجي».

والعمل، بالإجمال، يمتلئ بقصص الحب. ولغة الرواية مكثفة، قوية أحياناً، وحالمة وحميمية أحياناً.. وهنالك كم من الخيال الواضح.

الكتاب:مملكة النحل

المؤلف:مريم الساعدي

الناشر:منشورات ضفاف-بيروت ط2 2019

الصفحات:166 صفحة

القطع:المتوسط

Email