يمثل العام المقبل 2018، قيمة واستثناء نوعيين، كونه «عام زايد».. مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، والشخصية القيادية الفريدة التي يُحتَفل بها كل يوم في مجتمع الدولة. ويكتسب هذا العام أهمية خاصة فعلياً، حيث يصادف الذكرى المئوية لولادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1918 - 2004).


ويبدو لافتاً، وقبل حلول هذا العام ومناسبته الجليلة «عام زايد»، شروع المؤسسات والجهات المختلفة في النشاطات والتحضيرات النوعية لإبراز مآثر هذا القائد العظيم، بشتى السبل.

 وبشكل بارز عبر نشر دراسات جديدة تتناول فكر زايد كقائد وشاعر.. ومن بينها، كتاب الناقد الدكتور رسول محمد رسول «زايد في رحاب الشعر والشعراء»، الصادر أخيراً، عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية. ويحكي المؤلف في حواره مع «بيان الكتب»، عن دوافع هذا الكتاب، مبيناً أنه مختلف عن غيره، يكتسب مكانته من الشخصية العظيمة التي يرصد مراحل عطائها وإبداعها وتفردها:الشيخ زايد.


ويمثل الكتاب تجربة مهمة للباحث العراقي، وأستاذ الفلسفة الألمانية بجامعات عربية عدة، ضمن مسارات رحلته التي امتدّت لأكثر من 15 سنة مع شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ومقولاته وحكمه وخطبه، قارئاً ودارساً ومتابعاً للعلاقات الشعرية التي دخلت في تجربته، رحمه الله.

وعن هذا قال:«جمعت جمالية صنعة الشعر، مع التواصل الإنساني وهو ميزة الشيخ زايد». كما أكد أن قصائد الشيخ زايد تجسد بدقة شخصيته الفريدة بقيمها الرفيعة وإنسانيتها الكبيرة.
قراءة منهجية

ما الذي يُميز كتابك عن كتب أخرى، صدرت سابقاً وتناولت شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان؟


ليست فصول كتابي هذا الذي تناولت فيها بعض قصائد الشيخ زايد بن سلطان، محيطة بكُل إنتاجه الشعري، بل تناولتُ قصائد مختارة عدة من شعره، وقرأتها وفقاً لمنهجية سيميائية تبحث عن العلامات والقيم الجمالية فيها، وبعض القصائد قرأتها باحثاً فيها عن القيم الإنسانية المقولة شعراً، مثل قيمة التواصل، خصوصاً مع الشعراء، ولذلك جاء عنوان كتابي «زايد في رحاب الشعر والشعراء».
منذ متى بدأت العمل على الكتاب، وما المصادر التي اعتمدت عليها؟

بدأت أتعرّف إلى قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان منذ منتصف 2001، كنت أربط بين شخصيته ومنجزه الحضاري مع إبداعه الشعري، الذي كلّما أقرأه أكتشف فيه وحدة شخصية الشيخ زايد في حياته الخاصة والعامة، بوصفه باني هذه الدولة وحاكماً لها.

، وقائداً تنموياً طالما بقي يحث الخطى لجعل الإمارات بمقدمة الركب التنموي العربي الحقيقي وصولاً لمقاييس العالمية، أو بوصفه شاعراً رقيق المشاعر إنساني الوجود. ولذلك فكرت بالكتابة عن قصائده، وكان ذلك بنهاية 2007، لكنني أخذتُ أشد الرحال إلى عالمه الشعري أكثر وأعمق، ابتداء من 2009.


وكانت مصادري، دواوين شعر الشيخ زايد المنشورة قبل سنوات رحيله.. وهناك مصادر ومراجع أخرى كانت تعينني وتعنيني على الصعيد المنهجي أو المعلوماتي الخاص بالإمارات ومجتمعها.
وفرة ويسر

هل واجهتك صعوبات حين الاشتغال على الكتاب؟


لم أجد أية صعوبات، فالنصوص الشعرية مُتاحة، وأمتلك منهجيتي القرائية، فدخلت لعوالم قصائد الشيخ زايد بيسر. أما عملية نشر الكتاب فكانت يسيرة أيضاً بعد أن اقترح الناقد والروائي الدكتور عبدالإله عبدالقادر، المدير التنفيذي في مؤسسة سُلطان العويس الثقافية، نشر الكتاب في «سلسلة أعلام من الإمارات»، فكان اقتراحه في محله، وفي زمانه، لا سيما وأن سنة 2018 ستكون الذكرى المئوية لولادة الشيخ زايد «رحمه الله»، وسيحتفل الإماراتيون والخليجيون والعرب بهذه الذكرى العزيزة عليهم جميعاً.
صورة

ركّزت على بعض الجوانب في شعر الشيخ زايد، ومنها ما يجري تناوله للمرة الأولى، مثل موضوعة ومصطلح «الوالد»، فلماذا هذه الجوانب دون غيرها؟

كتبت من قبل عن صورة الأب في السرد الروائي الإماراتي والخليجي، فامتلكت خبرة بهذا المجال، ووجدت الفرصة سانحة لتناول هذه الموضوعة أو «الثيمة» في الشعر النبطي الإماراتي، وعندما قرأت إحدى قصائد سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، عن والده المغفور له الشيخ زايد، وهي بعنوان «بعد الرسول وصحبه تأتي لنا»، وجدت المعطيات فيها متاحة.

وهي قصيدة جميلة، قرأتها وفق المنهجية الباحثة عن المعطيات الجمالية والقيمية فيها.


ومصطلح «الوالد» يحضر في السلوك المجتمعي الإماراتي، على نحو جمعي وهو ما انعكس على الآداب الإماراتية، فالكثير من القصائد التي كتبها شعراء إماراتيون من الرجال والنساء تستلهم هذه الدلالات.

فيما يكتبون من قصائد بوصف المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بـكونه: الوالد لهم جميعاً، وهي ثقافة عمِل الشيخ زايد على ترسيخها في المجتمع الإماراتي بغية رص الصفوف نحو وحدة وطنية ومجتمعية وحضارية وثقافية، تعمل على خلق مجتمع ودولة متينة البناء.


أما عندما يكتب أصحاب السمو وسمو الشيوخ، أبناء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، قصائد في حب والدهم، فستتخذ طابع الخصوصية، وذلك مثلما نجد في قصيدة سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، الذي تعامل مع مفهوم «الأبوة» في دلالته الموضوعية عندما راح يستخدم ملفوظ «أبا الإمارات» في البيت الشعري السابع من القصيدة.
ثراء
إلى ماذا خلصت في بحثك في قصائد الشيخ زايد، وما أهم الجوانب التي ميزت شعره؟


بدت لي تجربة الشيخ زايد الشعرية ثرية في مضامينها، ومنها: القيمية، من حيث المعاني الإنسانية أو الجمالية، فهي متكاملة من هذه الناحية. كما أن تجربة الشيخ زايد الشعرية ذات طابع تواصلي ملحوظ لا تقتصر على بوح ما في الذات الشخصية، إنما تمتد إلى الذات الإنسانية.. ويبدو لي أنه من الاحتمال وجود قصائد أخرى غير منشورة للشيخ زايد أتمنى أن ترى النور قريباً.


وتمتاز قصيدة الشيخ زايد بسلاسة الإيقاع الموسيقي، وحلاوة اللفظ، وبساطة الكلمات، وغنى الصورة الشعرية فيها، وعظمة الانزياح الشعري من الناحية البلاغية.
امتداد

كيف تنظر إلى تجارب شيوخ آل نهيان الشعرية؟
تجربة الشيخ زايد الشعرية هي امتداد لتجارب شعراء آل نهيان الشعرية، ولكنها أيضاً اتسمت بملامح تفرد كثيرة. وخصصتُ ملحقاً ختمت به كتابي بعنوان «شعراء آل نهيان»، ولم أكن لأفعل ذلك لولا صدور كتاب بالعنوان ذاته عن (أكاديمية الشعر في أبوظبي)، وبدت تجربة شعراء آل نهيان الشعرية، بالنسبة لي بمثابة تأريخ إبداعي ووفرة شعرية كانت مرجعية الشيخ زايد في كتابة الشعر.

فضلاً عن حراك الواقع الذي عاشه زايد الخير، فالتاريخ الشعري لآل نهيان لم ينقطع..خصوصاً أن قرض الشعر واكب حكام آل نهيان منذ وجودهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وتبدو تجاربهم تحتاج إلى دراسات فنية وقيمية.

«زايد في رحاب الشعر » قراءات في إبداع وشخصية القائد الشاعر

يقدم كتاب «زايد في رحاب الشعر والشعراء»، لرسول محمد رسول، قراءة جماليَّة في قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سُلطان آل نهيان، إذ برز، رحمه الله، في رحابها، الإنسان والشاعر والقائد الحكيم الذي أعطى للقصيدة الشِّعريَّة الإماراتية وفرتها الوجودية، بل ومعناها وحضورها في الحياة الإنسانيَّة والأدبيَّة في الإمارات.
خصائص

يتألف الكتاب من 130 صفحة من القطع المتوسط، موزعة، بعد المقدّمة، على خمسة فصول ومُلحقين، وجاء الأول بعنوان «الوالد في شعر الشيخ سُلطان بن زايد»، وتناول فيه المؤلف قصيدة «بعد الرسول وصحبه تأتي لنا»، وهي قصيدة كتبها سمو الشيخ سُلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة، بحق والده الشيخ زايد، كشف فيها المؤلف عن جماليات القصيدة المؤلفة من 12 بيتاً شعرياً.


وجاء الفصل الثاني بعنوان «تجربة التواصل الإنساني.. الأنا والآخر شعراً»، وفيه يبين الباحث أن الشِّعر النبطيّ هو أحد الفنون الأدبية الأكثر تمثيلاً لموضوع «الآخر» في قصائد قرضها شُّعراء إماراتيون، وعلى رأسهم الشَّيخ زايد الذي كانت مسيرته الشِّعريَّة حافلة بصور تمثيل الآخر شعرياً في الكثير من قصائده، عندما كان خطابه الشِّعري لصيقاً بحياته القيادية والمجتمعية والأسرية، بما فيها من علاقات إنسانية فاعلة انعكست في قصائده الشِّعريَّة.

ويدرس المؤلف جماليات هذا التواصل بين الشيخ زايد ومانع سعيد العتيبة والشاعر حمد بن سوقات، ويبين كيف كان الشيخ زايد يحتفظ بعلاقات صداقة وثيقة مع رفاق العمر والوطن، لا سيما الشعراء، ومنهم: محمد بن سلطان الدرمكي.
مشاكاة

عنون المؤلف ثالث الفصول بـ«مرئيات الحياة المرئية»، ويتوقف عند قصيدة من قصائد الشيخ زايد بعنوان: «دنيا م أحلى وطرْها.. فيها زهتْ الأنوار»، وهي قصيدة حافلة بالمعطيات المرئية والنفسية والوجدانية، إضافة للمعطيات التي تصور جماليات الطبيعة.
وخصص الفصل الرابع للمرأة الإماراتية الشاعرة، التي قالت قصائد في الشيخ زايد، ذلك تحت عنوان «زايد في مخيال الشاعرات الإماراتيات»..

 واصطفى منهن المؤلف: مريم خميس «أم طارق» في قصيدتها «تسلم يا بوسُلطان دهر وسنينات»، وشمسة المحيربي في قصيدتها «بو خليفة طير السعد»، وأم عيسى المهيري في قصيدتها «الله كم زايد نحبَّه».


وبعنوان «المشاكاة في شعر الشيخ زايد»، جاء الفصل الخامس، وفيه استحضر الباحث من روائع ما دار من مُشاكاة شعريَّة بين المغفور له الشَّيخ زايد بن سُلطان آل نهيان، وصاحب السمو الشَّيخ محمَّد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وذلك في قصيدتين رائعتين من بين قصائد عدَّة؛ فقد كتب صاحب السمو الشَّيخ محمَّد بن راشد آل مكتوم، قصيدة إلى الشَّيخ زايد بعنوان «مرحبا بك عد ما قلنا»، وهي قصيدة ذات خطاب ترحيبي يدعوه فيها لزيارة دبي لحضور أحد مهرجانات سباق الهجن، فرد عليه الشيخ زايد بقصيدة مشاكاة أيضاً.


كما ضم الكتاب ملحقين، الأول بعنوان «الكُوس.. في ونَّة الظفرة الإماراتيَّة.. قيم وجدانيَّة وتعبيرات جماليَّة». والثاني «شعراء آل نهيان».