لميس يوسف: النقد البنّاء أنار دروب نجاحي

الكاتبة الإماراتية: لميس يوسف

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجحت الكاتبة الإماراتية لميس يوسف، في تكوين بصمة إبداعية خاصة بها، فاستطاعت، خلال فترة زمنية قصيرة، شق طريقها الإبداعي بخطى واثقة في حقل الإبداع الروائي، مستندة إلى مخزون ثقافي ثر تحوزه. وهي تؤكد في حوارها مع «بيان الكتب»، أن العمل الإبداعي أغنى وأثمن حين يحمل رسالة مجتمعه ويعكس هموم وقضايا محيطه، فبذا يكون قريباً من القارئ ويترك أثراً ويحدث تغييراً.

كيف تولدت لديك فكرة روايتك «ملابس بيضاء في القدر»، وهل هناك أحداث معينة حصلت حفزتك على كتابتها، وكم من الوقت استغرق إنجازها ؟

انبثقت فكرة الرواية من حادثة هروب حقيقية حصلت أمام عيني، إذ كنا في رحلة عائلية في مدينة لندن في عام 2012 وكانت معنا مجموعة من أطفال العائلة، ومن ضمنها طفل مصاب بمتلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه، ولفت نظري ذلك الطفل بحركته المفرطة وثرثرته وعناده. وفي أحد الأيام هرب الطفل من بيننا في محطة (الأندرغراوند) هناك.

واختفى تماماً عن الأنظار، فعشنا حالة من الرعب طوال نصف ساعة من الزمن، وبعد أن وجدناه، كان سعيداً ولم يبدُ على وجهه أي خوف، فأخذت أفكر في تلك الحادثة: ماذا لو هرب ذلك الطفل لأكثر من نصف ساعة؟ ماذا لو لم نجده بعد ذلك ليكمل حياته في مدينة لندن بعيداً عنا ؟ ماذا لو هرب لمدة عشرين عاماً.. ما الذي سيحصل بعدها ؟

وانطلاقاً من هذه التساؤلات بنيت معمار روايتي لأحكي قصة وأعالج موضوعة. وأما بالنسبة للفترة التي استغرقتها في كتابة العمل، فهي عام ونصف العام.

الأفلام الوثائقية

ما المراجع التي استعنتِ بها في إنجاز الرواية.. هل عدتِ إلى كتب محددة في مجال تخصصي ما، وإن حصل ذلك، فما هي تلك الكتب والمصادر؟

روايتي عبارة عن محاولة مني لأجعل القارئ يرى الدنيا بعيون المصابين بمتلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه. وهكذا فإني شاهدت عدداً من الأفلام الوثائقية حول هذا المرض أوحت لي بالكثير من الأفكار.

وقرأت في الكثير من المواقع الإلكترونية الطبية، وتحدثت مع طبيبة نفسية ومعالج ماهر في المجال، كما جلست مع أطفال مصابين بهذا المرض، غاية ملاحظة تصرفاتهم عن قرب، وكل ذلك أعطاني حرية كبيرة وقاعدة ثرة وتمكناً في عملية الإبداع.

عائق

ما أهم الركائز الأساسية لنجاح الرواية أو القصة في رأيك ؟

أظن أن الرواية أو القصة الناجحة بحق، هي تلك التي تجعلنا نفكر فيها لأيام، حتى بعد الانتهاء من قراءتها. ولا يتوافر أو يتأتى ذلك إلا حين يجد القارئ في العمل الإبداعي الأدبي، شيئاً يشبهه ويلامسه من الداخل بشكل دقيق، بحيث يشعر بأنه جزء منه، أو أحد شخصياته. فتلك ركائز تجعل القارئ مندهشاً ومتسائلاً حول الكثير من الأمور فيها.

ما العوائق التي واجهتك خلال الكتابة ؟

ضيق الوقت يعتبر من أهم العوائق التي واجهتني، فالكتابة الروائية تتطلب صفاء ذهنياً وتفرغاً تاماً، وفي روايتي الأخيرة كتبت وكنت منشغلة ببرنامجي التلفزيوني، واجهتني صعوبة تقسيم الوقت والتركيز في كتابة الرواية، ولكنني تغلبت في النهاية على تلك المشكلة بالمثابرة.

أبعاد

كيف أسهم تكوينكِ الإعلامي في صقل موهبة الكتابة لديك ؟

بعد تخرجي في جامعة الشارقة - قسم الإعلام، عملت في المجال الإعلامي في إحدى الشركات شبه الحكومية في إمارة دبي، وكانت من ضمن مهام عملي كتابة الأخبار الصحفية باللغة العربية.

وكذا ترجمتها في بعض الأحيان من الإنجليزية إلى العربية، مما أثر في أسلوبي في الكتابة، إضافة إلى ذلك فهذه الوظيفة منحتني قوة الشخصية وتجارب رائعة ووسعت مداركي.. ثم انتقلت بعد ذلك لإعداد وتقديم برنامج تلفزيوني بعنوان «أبعاد ثقافية» على قناة «سما دبي»، ومن خلاله تعرفت على معظم الكتاب المحليين وقرأت لهم جميعاً.. كل ذلك منحني ثقة أكبر وأسهم في صقل موهبتي، وعزز قدراتي الكتابية.

قصص وحكايات

كيف تتحضرين للبداية في الكتابة، الروائية خاصة. وهل تخصصين مكاناً ووقتاً محددين لذلك؟

أنا كاتبة روتينية جداً، لا أغير وقت الكتابة ولا حتى مكانها، أعتبر نفسي كاتبة صباحية من الطراز الأول، حيث أرتاد مقهى معيناً، ويجب أن أحتسي قهوة معينة، وأستمع إلى موسيقى محددة أجعلها ترتبط بأجواء الرواية في ذهني، وأحب أن أكتب في مكان عام وأنا أراقب حياة الناس.

بمن تأثرت بمسيرتك الأدبية عموماً ؟ لمن تدينين بنجاحك في الكتابة ؟

في طفولتي كنت أقرأ لتشارلز ديكنز. وتأثرت به كثيراً، خاصة روايته «ترنيمة عيد الميلاد». كما تأثرت بكتابات: نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، حيث كنت أجد رواياتهما في مكتبة والدتي التي أدين لها بالفضل في نجاحي بهذا الميدان.. إذ استمرت تحفزني وتشجع استزادتي المعرفية وتقودني نحو معارض الكتب ومحافل الكتاب والثقافة.

كما أن والدي كان يشجعني على تأليف الحكايات ويستمع إلى القصص الطفولية التي كنت أقصها عليه باهتمام، وكان يستمتع بما يسمعه مني ويناقشني في القصص، وهو ما كوّن لدي مخيلة خصبة للكتابة.

بين السطور

النقد سلاح ذو حدين. ما قيمته بالنسبة لك ؟ وهل يعتبر محفزاً على الإبداع والعطاء، أم محبطاً للهمة ومساعداً على التقاعس والخمول ؟

النقد والنجاح يسيران جنباً إلي جنب، وأنا أحترم النقد. وشخصياً استفدت من النقد البناء الذي وجه لي بعد صدور روايتي الأولى، وطورت نفسي بسببه، من ناحية الأسلوب والحبكة وتسلسل الأحداث والشخصيات.. وغيرها. ولكن لا يمكنني اعتبار أي رأي شخصي نقداً، فذلك قد يكون مدمراً أحياناً بفعل غائيته وعدم موضوعيته.

أبيض وأسود

أين تجدين نفسك ومستواك ككاتبة وسط نظيراتك الإماراتيات ؟ وهل تظنين أن «ملابس بيضاء في القدر» أضافت لك بصمتك الخاصة ؟

أحاول أن أكون الكاتبة المشاكسة التي تصور المجتمع بطريقة حقيقية وواقعية بعيداً عن المثالية، وبذا أحرص على أن أظهر بالأبيض والأسود في المجتمع، وأظن أن هذا هو دور الروائي، أي أن يسلط الضوء على ما يحدث في الشوارع الخلفية المظلمة في المجتمع، ويطرح الأسئلة حولها.

ما رأيك في موجة النشر والمشاركات والإعجابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. هل تعتقدين أنها تساهم في متابعة القارئ للإنتاج الأدبي؟

أرى أنه لا ينجح كتاب في هذه الأيام من غير الترويج له عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فهي باتت تعتبر أداة تسرع من عملية الدعاية والإعلان عن كل ما يختص بنا من كتب وأخبار، إضافة إلى النقاش وتبادل الآراء حول الكتاب، كما تسهل عملية التواصل بين الكاتب والقراء والجمهور، وهناك الكثير من المواقع والصفحات المهمة في مجال القراءة ومن أهمها موقع «جوودريدز».

«ملابس بيضاء» في «قِدر» التعب والمعاناة

ترتكز الحبكة الرئيسية لرواية «ملابس بيضاء في القدر»، للميس يوسف، على محاور كثيرة متنوعة جوهرها قضية اجتماعية وإنسانية مهمة، تعالج معها جملة مسائل ونقاط منقوصة في حياتنا. وتدور أحداث الرواية حول أولئك الإخوة الصغار الذين تتخلى عنهم والدتهم في صغرهم، بسبب مرضهم.

واختارت الكاتبة أن تقدم في بداية روايتها، إهداء خاصاً وسمته بـ: إلى «ذلك الذي هرب مني في مدينة لندن في صيف 2012». وربما أن هذا الإهداء يمثل المضمون الرئيس والموضوعية النقاشية الأساسية في معالجات الرواية. إذ تركز في خضم هذا على الدعوة إلى احترام ومراعاة فئة مجتمعية مهمة.

استلهام

رواية «ملابس بيضاء في القدر» عنوان مستوحى من شخصيتين تقول لميس إنهما تقيمان في دواخل مخيلتها وفكرها: العمتان «صفية ورشيدة» اللتان تعانيان من هوس المثالية والخوف من الدنس ووسواس النظافة المزمن، فتعملان على غلي الملابس البيضاء في قدر كبيرة يومياً حتى تتأكدا من نظافتها.

وهكذا تقابلان معا الإخوة الثلاثة: برحي وخنيزي ولولو، المصابين بمتلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه، والذين يخالفون قوانين العمات الصارم، رغما عنهم بفعل مرضهم وما يفرضه من سلوك فوضوي. وتتسلسل الأحداث لنجد أن كل طرف يحول حياة الآخر إلى جحيم، في ظل هذا الصراع المتأتي من تناقض سمات العمتين والأطفال.

ولكن الحبكة الرئيسية للرواية تدور حول أولئك الإخوة الصغار الذين تتخلى عنهم والدتهم في صغرهم، بسبب مرضهم، فيعيشون في كنف جدهم وعماتهم، وتبدأ الأحداث كلها عندما يهرب الأخ برحي في صغره من منزل جده الصيفي في مدينة لندن، في ظروف غامضة، ولا يعثر عليه أحد بعد تلك الحادثة، وبعد أن تكبر أخواته يجتهدن في البحث عنه، رغم معاناتهن من مرض متلازمة فرط الحركة ونقص الانتباه.

فتات الكعك

لا ينقطع خيط السرد في الرواية أو يتوه عن محوره الأساس، ففي نحو 250 صفحة تواصل المؤلفة النبش والتحليل والوصف الدقيق في صلب موضوعة البحث، فتصور بشفافية وتأثير مشاعر من يعانون من نقص الانتباه وفرط الحركة، مستعينة بلغة متماسكة وأسلوب جذاب بعيد عن التعقيد.

وتقول لميس في أحد فصول الرواية «أوقفت العصافير طيرانها وبدأت بالاحتفال خارج المخبز، بفتات الكعك والعدس الأحمر الذي نثر من قبل خنيزي على تلك العصافير التي تعتاد على المكان أكثر ولا تغادره، ذلك لتسعد العجائز الوفيات للمخبز».

قطع متناثرة

برؤية سردية وأسلوب جديد حاولت الكاتبة في روايتها، تجاوز أنماط السرد التقليدية، فإيقاع العصر اليوم الذي نعيشه، من وجهة نظرها، جعل الأسلوب الإبداعي للكاتب يختلف عما كان عليه في الماضي. فوسائل التكنولوجيا فرضت مفردات سلسلة وبسيطة ولغة رشيقة مكثفة لإيصال الفكرة، وفي أحد فصول الرواية تقول الكاتبة:

«أمسكت بذكرياتها بقوة ورمت بقطعها المتناثرة بعيداً عنها وأخفتها حتى يأتي وقت مناسب، العالم في نظر سهاد العاني لوح أحجية تركيب كبير ترتب قطعها بحسب مكانها المناسب في تسلل القصة، وإن لم يكن مكانها مناسباً تتوقف وتفكر لبعض الوقت لتنظر إلى الفراغ الذي تخلفه بعض القطع بخوف، لأن خطاً واحداً من دون قصد، قد يكلفها عناء البدء مجدداً».

إهداء

قدمت الكاتبة في بداية روايتها إهداء قالت فيه «-بنبرة صوت مرتفعة-.. إلى ذلك الذي هرب مني في مدينة لندن في صيف 2012. على فكرة لم يكن الأمر مضحكاً على الإطلاق، ولم أعرف لم كنت تقهقه وأنت تراني في حالة الرعب تلك ؟ أوحيت لي بكتابة هذه الرواية، ولكن لا تكرر تلك الفعلة، فالهروب ليس مسلياً ومضحكاً في كل مرة».

وتتابع: «أعلم بأنه كلما ازدادت الأنوار البراقة في الخارج قوة انعكست خيالات سوداء داكنة مزعجة على قفصك الصغير، ولكن هذا ليس مبرراً للهرب، فربما لا أبقى في حياتك للأبد لأنقذك في كل مرة تهرب فيها».

Email