ميسون صقر القاسمي: الإبداع غدا ثقافة حياة في الإمارات

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تغوص في أعماق التاريخ في رواياتها، وتتباين من خلال شخوصها انتصارات الإنسان وانكساراته، مطوفة بعالم موازٍ للحقيقة وآخر ساحر بجمالياته وأزماته.. إنها الكاتبة الإماراتية ميسون صقر القاسمي، التي توضح في حوارها مع «بيان الكتب»، أنها في روايتها الأخيرة «في فمي لؤلؤة»، أوجدت حالة من التواتر بين الحديث والقديم، بين القول والصمت، بين الأنا والآخر، بين القسوة والطيبة، بين الواقع والخيال. كما تؤكد أن الإمارات تعيش عرس إبداع مستمر، وتشهد ازدهاراً نوعياً للثقافة والفكر، يماثل التطور في شتى الميادين الأخرى.

تتمحور «في فمي لؤلؤة»، الأحدث في إبداعاتك، حول عالم اندثر ورحل برحيل الغوض وراء اللؤلؤ. ما الذي رمتِه من كتابتها؟

في أية كتابة إبداعية لا نبحث عن المغزى بقدر البحث عن الكيفية الأدبية، وقد لا ننتصر للحقيقة والعدالة؛ فربما ينتصر الظلم أو القسوة من دون إرادة منا. أنتِ تنتصرين للشخصيات حالما تستطيعين رسمها جيداً.. المبدع لا يكتب الواقع فقط؛ بل يبحث عن واقع موازٍ للحقيقة وعالم سحري يستطيع أن يكتشف جمالياته وأزماته، هذا هو ما يعنيني في الأساس: الكشف الجمالي، يمكنك أن تكتبي عن حجرة في الطريق بجمال أكبر من كتابتك عن قضية كبيرة.

يحتاج عالم الرواية، في رأيي، إلى شخوص وأمكنة وتواريخ في بعض منها، وإن اختيرت هذه الطريقة في السرد فلا بد أن يضع الكاتب الشخوص والحكاية في زمن وموضوع. وقد اخترتُ ما يجعل قماشة الرواية واسعة وقادرة على خلق عالم سحري لم يُنظر إليه بعمق، انزاح كما تنزاح لحظةٌ للحظةٍ آتية بعدها، أستطيع من خلاله طرح الكثير من الإشكاليات وطرح الكثير من جماليات اللحظة السابقة. عالم لا ننظر إليه بشكل الحنين أو العاطفة، ولا بالنقد الجارح؛ بل كواقع فيه ما فيه من جمال وقسوة وعنف، وانمحى كما تنمحي الأحداث كأنها لم تكن موجودة أصلاً.

بين حالين

المشهدية التصويرية سمة غالبة في هذه الرواية؛ الأمر الذي يؤهلها لتكون عملاً سينمائياً أو درامياً. ما تعليقك؟

نعم، عملتُ على تصدر «المشهدية» في روايتي لتقترب أكثر من القارئ وتقرب له صورة ذلك الواقع البعيد، فيتداخل معها ولا يصبح مُشاهداً فقط؛ من هنا بحثت أيضاً عن جماليات كثيرة وتوطئات ومداخل للعمل، منها هذه «المشهدية»، بجانب الشعر والعامية في اللهجتين المصرية والخليجية، مع سرد أقرب إلى اللغة الشعرية في اللغة العربية.

متاهات

لمَ واقع تتالي فصول الرواية كحبات اللؤلؤ: حكاية داخل حكاية.. وما سبب كونها حافلة بمتاهات تخيم على مسار الأحداث؟

اخترتُ أن تكون روايتي رواية متاهات، كل متاهة تصل بي إلى الأخرى، وكل مشهد يصل بي إلى آخر، وكل حكاية متصلة ومنفصلة عن غيرها، وما يجمعها هو اللؤلؤ أو العقد المشدود حول هذه الحكايات، من غوص إلى استعمار إلى صراعات إلى حب إلى واقع، كبانوراما مشهدية لفكرة الاستغلال والحكايات التي من داخلها تنشأ رواية أخرى كـ«ألف ليلة وليلة» مثلاً. لم يكن في ذهني أي كتابة حداثية، لكن من الطبيعي أيضاً أنني لم أكتب بطريقة تقليدية تماماً.

لغة مقصودة

هل تدركين كم أنه يقترب سردك وأسلوب ديباجاتك في الرواية من عوالم الشعر؟

لا أستطيع الفصل التام بالمعنى الصارم بين هذين العالمين الإبداعيين؛ وهكذا جاءت لغة الرواية خليطاً من الشعرية والمشهدية والحوار والوصف، وممزوجة أيضاً بالمعرفة حيناً وبالشاعرية حيناً آخر؛ لذا اعتمدت في الوصف على الماضي والحالات الإنسانية العميقة، مثل الحب بين وليم وفكتوريا أو آمنة ومرهون، كذلك «شمسة». اتكأت فعلياً على هذه اللغة الشاعرية الحالمة الواصفة والمتعمقة داخل عمق الشعور أو الإحساس بالجمال أو القبح. كانت لغة مقصودة لتوصل المعنى وتحيي الفكرة. أنا أعتمد على كتابة مباشرة ثاقبة.

ولا أنكر استفادتي من الشعر والمعرفة. فلا فرق بين كتابة وأخرى إن لم يكن لكل منها ما يميزه. هنا، في هذه الرواية مثلاً، اعتمدت على المشهدية بشكل كبير كي تصل الحالة التاريخية بشكل أكثر تركيزاً وتشد انتباه القارئ إليها؛ فلكل فكرة طريقة كتابة.

عبودية أو حرية

شخصية «شمسة» حاضرة في روايتك الأولى «ريحانة» وكذا في الثانية «في فمي لؤلؤة». من هي وما تمثله بالنسبة إليك؟ وهل ستكون بطلة رواياتك المقبلة أيضاً؟

لم أفكر كثيراً في روايات قادمة، لكن هذه الرواية والرواية السابقة لها، كانتا عن طالبة تدرس في القاهرة، والحديث يدور بين عالمين: سواء عالم العبودية والحرية أو عالم السيد والعامل في مهنة الغوص، أو بين المستعمر وصاحب المكان؛ لذا لم أفكر في تغيير اسم البطلة. أما بالنسبة إليّ فهي حالة من الاغتراب والاكتشاف والبحث، لكن بارتباطها بالاسم ومعناه؛ فهو مُشرق يشي بالمستقبل أو الحاضر المملوء بالأمل.

تحول

ما تقييمك لمستوى الحراك الأدبي في دولة الإمارات العربية المتحدة؟

لدينا فوران كتابي في هذه الفترة، خاصة في الرواية؛ وهذا ينم عن تحول جذري من فكرة الجماليات إلى فكرة البناء داخل النص، ولهذا تطورت الكتابات من الشفاهي إلى الكتابي، ومن الشعري إلى السردي بكل أنواعه، إنه في حد ذاته، تحول كبير في فترة متناسبة مع التطور والاستقرار اللذين تنعم بهما دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب نهضتها الشاملة في الميادين كافة. وقد كانت هناك محطات أدبية مهمة، وكل مرة كان الازدهار يتمثل في شكل ما، كما أن الفترة التي نحن بصددها انتشرت وانتعشت بشكل منافس عالميا، مشروعات وأفكار النشر والجوائز ومعارض الكتب.

وفي العموم، أعتقد أن عرس الثقافة والإبداع في الإمارات لن يتوقف، بل إن النجاحات في الخصوص ستتوالى وترتقي أكثر.

6 مغاصات تختزن محارات الجمال وقصص الآلام

«يا حافظ الأرواح في الأرواح، يا منجي الألواح في لجج البحر، احفظ لنا هذا السنبوك، يا الله يا رزاق يا الله يا حافظ». بهذه الكلمات تستهل الكاتبة ميسون صقر القاسمي روايتها الأخيرة «في فمي لؤلؤة» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة.

خرائط اللؤلؤ

تأتي الرواية في نحو 600 صفحة متنقلة بين عوالم عديدة.. وبين ما هو خاص وما هو عام، وتتصدرها صورة للممثلة الأميركية مارلين مونرو وهي ترتدي عقداً من اللؤلؤ أهداه إليها زوجها الثاني، الرياضي الأميركي جو ديماغيو. وتحيلنا الصورة، التي تحمل خريطة لاستخراج اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي، إلى عالم آخر يكون البحث هو عنوانه الرئيسي.

«شمسة»، تلك الفتاة التي حضرت من عالم رواية «ريحانة»، وهي الرواية الأولى لميسون صقر القاسمي، تحل بطلة مجدداً في «في فمي لؤلؤة»، وتوجد، من خلال حياتها، حيوات وعوالم أخرى تكوِّن من خلالها معالم الرواية التي تتعرض إلى عالم الغوص واستخراج اللؤلؤ وتفجر مع أحداثها جوانب التيه والخوف.. حتى الوصول إلى الموت المحتوم، وذلك حتى تتوقف عمليات القتل بدافع استخراج اللؤلؤ.

صراع

تمتاز الرواية بكثرة أبعادها وحكاياتها، إذ نجدها ترسم متاهات متنوعة وحكايات متداخلة؛ فمن عالم «شمسة» وحكايات الجدة نلج معها إلى عالم «آمنة» و«مرهون» وصراع الغواصين في رحلة الموت، كذلك هناك حضور طاغ فيها لوجه الاستعمار الذي يكشف عن قبح الطمع في ثروات الشرق. بقراءة الرواية يكتشف القارئ نفسه أنه في سيرورة أحداثها يقف أمام عوالم متداخلة وصراعات لا تنتهي، منها الداخلي كما حال شمسة، ومنها الخارجي كما حال الغواصين.

لكن، ووسط هذه الصراعات لا تخلو الرواية من الحب وقصصه.

كما تقف الرواية على تلّ من البحث والسير في درب من الدروب التاريخية التي تعود إلى عقود بعيدة، كانت فيها فئة من الغواصين تعيش التهميش وتسكن في المتاعب والأحزان أحيانا، وكان يمكن، أحيانا، التضحية بفرد ما في عرض البحر، من أجل حبة لؤلؤ. هكذا، وكصندوق الـ«باندورا» الشهير في الميثولوجيا الإغريقية، تُخرج شمسة أسرار الماضي وتعيش الحاضر بروح ممزقة خائفة.

لغة مزدوجة

وتنقسم الرواية إلى ست «مغاصات»- فصول، إذ تتعامل الكاتبة مع وحدات بنائها وفصولها، على أنها مغاصات؛ وتستوحي من عالم الغوص الكثير من القضايا والحكايات، لتدرجها مستهلاً للفصول، كما تحضر لغة مزدوجة ما بين الفصحى في الوصف، وعامية الخليج وكذا اللغة العربية الفصيحة في السرد.

ونتبين مدى حرص الكاتبة على تأكيد عبارتها/‏‏عنوانها: «في فمي لؤلؤة»، إذ ترددها في شتى المحطات مدللة بصيغ رمزية على كونها عبارة توازي قولنا «في فمي ماء»، أي هناك كلام كثير لا بد من قوله: الكلام المحصور في الفم، ونستكشف في العمل تواتراً بين الحديث والقديم، بين القول والصمت، بين الأنا والآخر، بين القسوة والطيبة، بين الواقع والخيال.

تبدو البيئة الروائية في هذا العمل، وكأنها تحتم على مؤلفته أن تكتب عن أشخاص من الواقع، بما في هذا الواقع من عنف وصراع وقسوة، وحب ورومانسية، وبما فيه ما هو أعمق من ذلك؛ ونشعر مع محطاتها وحكاياتها أن الخيال والواقع مجتمعان مع بعضهما دون انفصال..وكذا أن الواقع أسطوري وسحري، على العكس من الحلم الذي يكون أقرب إلى الواقعي تماماً.

Email