الحياة والحيوية أكثر ما يهمها ولا يمكن رؤيتهما إلا عبر نقيضهما

أليس أوزوالد:أرفض تسميتي شاعرة الطبيعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى اسم أليس أوزوالد يسطع تدريجياً في عالم الشعر منذ عام 1994، حتى غدا حصولها على لقب «شاعر البلاط» أمراً مطروحاً للتداول في بريطانيا. المعجبون الكثيرون بقصائدها يقولون إنها ابتدعت شيئاً خاصاً، صنفاً جديداً من الشعر، بعيداً عن الزخرفة، وهائلاً في تفاصيله، يحول الريف البريطاني إلى مشهد طبيعي داخلي، حيث تتحدث البجعات النافقة، ويطن الذباب، وتدب الحياة في كل شيء، عند طلوع الفجر المندى.

وُصفت أوزوالد في عام 2004 بأنها «الوريثة الشرعية لتيد هيوز»، وبأنها «شاعرة الطبيعة وشاعرة روحية»، لكنها تكره هذه التسميات التي تصفها بانها «مقاربة حضرية».

وتوضح في مقابلة أجرتها معها صحيفة «غارديان» البريطانية بمناسبة اطلاق ديوانها الجديد «الوعي بالسقوط»: «كثيراً ما يقال لي إنني أحيا في أنشودة رعوية، لكن الريف مثل المدينة، مليء بأشخاص قلقين وهمجيين، أكثر هشاشة من تجمع نباتي».

لكنها نظمت خمس مجموعات شعرية عن الطبيعة من إجمالي سبعة دواوين. وحققت لها قصيدتها «دارت»، عنوان ديوانها الثاني، الفوز بجائزة «تي إس إليوت» عام 2002.

وفي هذه القصيدة الطويلة، ستتبع أوزوالد مجرى نهر «دارت»، الذي سمي الديوان باسمه، من منبعه بوصف رقيق: «دغدغة تخرج من ضفته، ولادة مهر النهر» متجهاً إلى البحر حيث يصادف «كهوفاً يصعب أن يدخلها بمفرده لرهبتها/ الوبر الشعر الأظفار العظم». وستضبط هذه القصيدة أصوات الناس الذين يكسبون رزقهم على طول النهر.

صبر واجتهاد

لكن اوزوالد قامت بشيء بدا مختلفاً تماماً في ديوانها الشعري السادس «ميموريال» عام 2011، الذي وُصف بانه ترجمة لملحمة الإلياذة. مثل مخطوطة من الرق .

وقد محيت من دون أن تفقد أثرها، حولت أوزوالد هذا الملحمة القديمة إلى صراع بطولي بين أخيل وأجاممنون بالتركيز مرة أخرى على البسطاء من الناس، أولئك المحاربين من أمثال «هارباليون» الذي تصفه بأنه: «ليس مستعداً تماماً للحياة/ ليس صلباً تماماً في تنقله الدائم من قدم إلى أخرى».

عند انطلاقها، أشاد محرر أعمالها روبن روبرتسون بالصبر والاجتهاد والاهتمام الذي تظهره في أعمالها، وبـهذه «القوة السيميائية والساحرة» المتجذرة في التقليد الشفوي. وهي ستطلب من جمهورها في إحدى المناسبات أن يضع ديوانها الأخير جانباً، لأنها ستتلوه عن ظهر قلب: «انسوا النص الثابت، تعجبني فكرة أن القصائد كالأشكال الثلجية الذائبة التي تتلاشى، تكون موجودة في اللحظة فقط».

وهناك الكثير من الذوبان والتلاشي وسكرات الموت في عملها الأخير، سواء لمحاربين أو بجعات. وتقول إنها في قصائدها تنتقل باستمرار من المادي إلى الميتافيزيقي، ففي قصيدة «رأس مقطوع عائم في مجرى النهر»، تنجرف جمجمة أورفيوس في مجرى نهر «هبرون» بعد تمزيقها إرباً على يد «ماينادس»، فيما فمه ينطق:

«أنا لم أعد نفسي بل مصفاة/ تجفف الصوت من هذا الجرح الذي سينقطع ذكره»، وفي قصيدة أخرى نرى البجعة المتعفنة مندهشة من انحلالها بالطريقة نفسها، كما في أسطورة أورفيوس الذي يصدح رأسه بالغناء.

فهل يزداد شعر أوزوالد قتامة؟ تعترض الشاعرة على ذلك، وتقول: «الحياة والحيوية هما أكثر ما يهمني، لكن لا يمكن رؤيتهما إلا من خلال رؤية نقيضهما. فأنا احب التآكل، أحب الطريقة التي يكون بها موت شيء بداية لشيء آخر».

بحث متواصل عن الحيوية أفضى إلى تقنية غريبة في عملها، حيث تقوم بـ«الخربشة على قطعة من الورق قبل أن تمشي قليلاً وتكتب ما تتصوره»، وتقول: «هناك صفحة ميتة بينك وبين العالم اليوم، وهو ما لم يكن موجوداً لدى الشعراء الإغريق».

لغة مختلفة

قررت أن تصبح شاعرة في الثامنة من عمرها، عندما وجدت نفسها وحدها في إحدى الليالي «في غرفة مخيفة». ثم رأت الفجر يشرق، فأدركت أنها لا يمكن أن تصفه إلا بلغة مختلفة، فتقول: «ما زلت أتذكر الغيوم البيضاء في السماء الزرقاء، وحقيقة أنها لم تكن تقول شيئاً عما يحصل لي، على الرغم من أن وجودها الحقيقي كان يصدح بالمعلومات».

قضت طفولتها في التجوال، طبقاً لما يمليه عمل والدتها ماري كين مصممة الحدائق، وبعد المدرسة انتقلت إلى أكسفورد حيث قرأت الكلاسيكيات. وقد تعرفت إلى زوجها كاتب المسرحيات بيتر أوزوالد، عندما رشحها وإحدى أخواتها للعب دور جنديتين في عرض لمسرحية «يوليوس قيصر» ظناً منه أنهما توأم، وتقول عن ذلك: «اكتشفت حينها أنني لست ممثلة».

تركت أكسفورد للتسجيل في «جمعية البستنة الملكية» في ويزلي، كان حلمها أن تكون بستانية متنقلة، ليكون لديها الوقت للكتابة، لكن لأن أمها كانت بستانية مشهورة، فقد كانت تسند إليها تلك الوظائف التي تتطلب منها العمل بأقصى طاقتها.

عند اطلاق ديوانها السابع «الوعي بالسقوط» أخيراً، أوضحت أنها بدأت النظر إلى عملها ليس بوصفه قصائد بقدر ما هو منحوتات صوتية، لأن المنحوتة الصوتية تشير إلى وجود شيء ما في المكان.

مصدر إلهام

كانت قصيدة «دنت: قصيدة لنهر جف ماؤه»، التي حققت لها الفوز بجائزة «فوروارد» عن فئة أفضل قصيدة عام 2007، صرخة يأس على ما يحدث للبيئة، حيث «حورية ماء من عظم/ تحاول استدعاء النهر للخروج من الحجر الجيري».

وهي تحب أن تفكر في عملها أنه سياسي بدلاً من أن يقتصر على إرسال المناشدات من أجل كوكب الأرض، لكنها تقول: «وظيفة الشعر هي تغيير الجماليات، بدلاً من التصدي للنظام».

مصدر إلهامها الصبر، عندما نظمت قصيدة «تيثنوس» في ديوانها الأخير كان عليها الاستيقاظ عند الرابعة صباحاً على مدى أيام لتسجيل أوقات الفجر، ولتكتب عنها في وقتها الحقيقي. ومثل هذا التركيز كان مكلفاً عندما كان أطفالها صغاراً في السن، وهي ما زالت تحتفظ بملاحظة بعث بها لها ابنها، مررها تحت بابها، يقول فيها «أحس بوجع في بطني، وبوجع في سني، وفي كل جسمي».

لكن عائلتها كبرت في السن، وهي حرة في التغلغل أعمق في ذاتها، وتقول: «ما يثير اهتمامي هو عدد الطبقات التي يمكنك أن تحفر لتستخرجها في الشخصية، في الأعلى هذه الطبقات لديها أسماء، لكنك تغوص في الحيوانات والنبات لتصل إلى المعدن، وعند هذا المستوى من التركيز يمكنك الاستجابة لما هو غير بشري من خلال تحويل نصفك إليه».

تماماً مثلما يمكن للشجرة أن تكون حورية، يمكن أن يكون الشاعر بجعة متعفنة. فالشعر برأيها لا يدور حول اللغة، وإنما حول ما يحدث لدى استحالتها.

ديوان «الوعي بالسقوط» يحيي الريف البريطاني في الشعر

كان إعجاب نقاد الأدب بديوان الشعر السابع للشاعرة البريطانية أليس أوزوالد، بعنوان «يقظة السقوط» كبيراً إلى درجة أن بعضهم وصفها بأعظم الشعراء الأحياء في بريطانيا.

في ديوانها الأخير، هناك وصف لمناظر بريطانيا الطبيعية في منحوتات موسيقية، تستحضر فيها أشباحاً إغريقية رومانية درامية، وجيف حيوانات على قارعة الطرقات، تستلهمها من الأساطير ومن مشاهداتها الحية في حياتها، ليس فقط على ملاحظاتها الحادة للعصافير والوحوش والأزهار في الطبيعة، لكن أيضاً على الطوبوغرافيا والتاريخ والبشر والأبعاد الروحية.

وعلى عكس الدواوين السابقة لاوزوالد، فإن ديوانها الجديد مجموعة قصائد بدلاً من شعر طويل، باستثناء قصيدة طويلة واحدة بعنوان «تيثنوس»، تأتي في نهاية المجموعة، وتعد من أجمل قصائده.

ويعرف عن «تيثنوس» في الأسطورة الإغريقية، أن الفجر «إيوس» وقع في حب هذا الآدمي، فعاش «تيثنوس» للأبد، لكنه أصبح ضعيفاً بلا أحاسيس، والقصيدة التي نظمتها أوزوالد عنه، كتبت لتسمع في الظلام أولاً مع إشراقة الفجر البطيئة، وقد استغرقت تلاوتها من قبل أوزوالد 46 دقيقة عام 2014.

تتحدث عن الشباب والطعن في السن والحماقة وعمل العالم الطبيعي الذي لا يتوقف على هذا الكوكب، وطبعاً عن السحر الذي يكمن في أوقات الفجر، في أحد الأبيات تكتب: «أما عصافير الدوري التي كنت أراقبها تتطرز حالة التردد لديها بدرزات بنية إلى أن رتقت الوادي بأكمله/ تاركة ستراتها المتربة على الأرض، ومن ثم حياة أخرى تتلوها أخرى».

ويتخلل هذا الهوس بالفجر والغسق باقي قصائد المجموعة، في إشارة إلى الوجود الكلي للموت، الذي تشكل حياة «تيثونوس» تتويجاً لها، في عدم القدرة على الموت.

الساعات والمواسم ومجرى تيارات النهر تنتقل عبر قوافي الشعر. وترى صحيفة «غارديان» أن كل شيء في عمل اوزوالد ينبض بتلك الإيقاعات الطبيعية.

شعر تأملي

في المجموعة، هناك قصيدة «دنت: شعر لنهر جف ماؤه» والتي فازت بفضلها بجائزة «فوروارد» عام 2007، تأخذ اوزوالد تمثال حورية ماء رومانية قرب ضفاف دنت كمنطلق لمحاولتها لاستدعاء نهر غوسسترشاير الذي جفت مياهه للخروج من الجير الحجري، في شعر تأملي بعيداً عن أن يكون مغناة رومانسية. وهي تسأل ماذا يحصل لنهر عندما يكون خاوياً؟ وماذا تجد في أعماق قاعه؟

الكثير من أشعار الديوان تبدو مأخوذة من الحياة من الريف البريطاني عند أوقات الفجر. ومن الأبيات المعبرة هناك: «الساعات على أقدام العصافير الرقيقة/ جوقات الساعات القديمة نفسها/ تعيد ثيابها الصيفية إلى كوكب الأرض».

وتكتب أوزوالد في قصيدة الظل راسمة تطور الظلال «يقع ضمير المتكلم الفاعل المبني للمجهول/ منهاراً تحتي وكأنه جثة هامدة».

ومجدداً عن أوقات الانتقال بين النهار والليل، عندما يلعب الضوء خدعه، تلاحظ اوزوالد أن هوية الأشياء تصبح مائعة: «كما لو أنني قاطعت شيئاً ما/ كان يقع بخط مستقيم من عين السماء»، وعن لحظة الغسق: «تستسلم الأرض/ ووضوح العشب كالنعنع يبدأ بالتلاشي».

ويتدفق عنصر الماء عبر هذه المجموعة، كما هناك الكثير من العاطفة تجاه كل الأشياء، سواء كان الأمر لذبابات المنزل أو البجعات النافقة أو حوريات الماء الرومانية المصنوعة من عظام.

الشعر لا يدور حول

اللغة وإنما ما يحدث

لدى استحالتها

وُصفت أوزوالد في عام 2004 بأنها الوريثة الشرعية لتيد هيوز

ديواني الأخير ليس قصائد بقدر ما هو منحوتات صوتية

وظيفة الشعر تغيير الجماليات وليس التصدي للنظام

إضاءة

ولدت الشاعرة البريطانية أليس اوزوالد في باركشاير 1966. قرأت الكلاسيكيات في نيو كوليدج بأكسفورد، وتدربت كبستانية، وعملت في مشاتل عدة. حازت عدة جوائز شعرية، بما في ذلك جائزة «فوروارد» لأفضل مجموعة شعرية 1996، وجائزة «تي إس اليوت» لأفضل قصيدة 2002، وجائزة تيد هيوز عام 2010. وهي الآن ضمن لجنة التحكيم لجائزة غريفين للشعر 2016.

مقطع

أنا من يستطيع أن تطرف عينه لكسر وضح ضوء النهار..ويا لها من شاشة تنزلق بين العوالم هي طرفة العين.. أنا من استطيع سماع الثواني الثلاث الأخيرة في رأسي لكن الحاضر يعصى علي سماعه في هذه اللحظة القصيرة من التأمل أريد أن أتوصل إلى معرفة كيف يكون الانحدار خارج عقل الفجر..

Email