يكرَّم في أغسطس الجاري عن رواية «ليلة النار»

يعقوب الشاروني: استخدام «العامية» يمزّق عالمنا العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بأكثر من 400 مؤلف تحدث مع أطفال العالم العربي ولاعبهم وعبَّر عنهم، ونقل عوالمهم بكلمات راقية عذبة تنمي مداركهم وتهذبهم. وصفه توفيق الحكيم بأنه «صاحب موهبة تجلت في مسرحية «أبطال بلدنا» التي ظفرت بالجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب»..

إنه رائد أدب الطفل الحديث في مصر والعالم العربي يعقوب الشاروني، الحائز على عديد من الجوائز؛ منها جائزة الآفاق الجديدة من معرض بولونيا الدولي لكتاب الأطفال بإيطاليا.

وعبر السطور التالية تحاور «البيان» أديبًا تخلى عن القضاء والمحاماة ليعيش مع الأطفال ويعبر عنهم، مشدداً على أهمية أدب الأطفال في بناء الأجيال، ومحذراً من استخدام «العامية»، كون ذلك يضر الفصحى ويمزق عالمنا العربي، فإلى نص الحوار:

بدايات وريادة

توصف بأنك «رائد أدب الأطفال في العالم العربي».. فكيف كان توجهك إلى هذا العالم العصيّ على كثير من المبدعين؟

هذا يعيدنا إلى البدايات، إلى مرحلة المدارس الابتدائية والإعدادية، وقتها كنت عاشقًا للمسرح، قرأتُ جميع الكلاسيكيات المسرحية من مكتبة مدرستي الإنجليزية، وقد أجدت منذ المرحلة الابتدائية اللغتين العربية والإنجليزية؛ ما أتاح لي قراءة الكلاسيكيات بالعربية والانجليزية.

كذلك كنت محظوظًا ببائع متجول يؤجر لنا الكتب. إضافة إلى ذلك، استفدتُ من أخي الأكبر يوسف الشاروني أحد رواد القصة القصيرة. ولعشقي للمسرح وصلت إلى رئاسة فريق التمثيل في مدرستي الثانوية، وبدأت الجمعيات الخيرية تطلبني لإقامة حفلات وروايات.

وفي سنة أولى جامعة اشتركت في مسرحية «عطيل»، وعشت في المسرح وأحببته وكتبت له، وقمت بتعليم نفسي بصورة دارس حر بعيدًا عن الدخول الأكاديمي.

وفي عام 1959 أقام الرئيس جمال عبدالناصر مسابقة حول انتصار المصريين على حملة لويس التاسع الذي تم أسره في دار ابن لقمان، وكنت وقتها أعمل في سلك القضاء، فأجلت كل مشاغلي وتفرغت بالكامل لكتابة القصة، وقدمت في المسابقة مع 200 شخص؛ لأفاجأ بعدها بأنني الأول على المتسابقين جميعًا، بينما كان الثاني الأديب علي أحمد باكثير رحمه الله والثالث الكاتب المسرحي محمود دياب.

وماذا بعد؟

بدأتُ أفكر في رحلتي مع الكتابة، وأنها لم تعد مجرد هواية؛ بل ترجمة لموهبة حقيقية. وحينما تسلمت الجائزة من عبدالناصر توجهت بكلمة للحضور في المنصورة بجوار دار ابن لقمان، في تلك اللحظة شعرت - مع التقدير والحفاوة - بضرورة ترك القضاء لأتفرغ للأدب، وبعد عامين أقامت مؤسسة المسرح مسابقة بالعامية، وفزت بالجائزة الأولى، وفي عام 1967 أنشأ وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة هيئة قصور الثقافة، فتقدمت بطلب انتدابي إليها، وبعد ذلك جاءت لي منحة لدراسة العمل الثقافي مع الجماهير في فرنسا، وبالفعل ذهبت، وحينما عدت عملت مديرًا لقصر ثقافة بني سويف، ومن هنا بدأت علاقتي المباشرة بالأطفال.

تُرجمت كتاباتك إلى عديد من اللغات.. فعلى ماذا يدلل ذلك؟

الكتابة القيّمة هي التي تلفت القارئ والباحث والناقد، لكن دعيني أعترف بأن كتاباتي تُرجمت بالصدفة، ولكل كتاب حكاية؛ مثلًا هناك كتب تُرجمت من قبل مترجمين أجانب تواصلوا معي، مثل قصة «حكاية رادوبيس»؛ حيث تواصلت المترجمة الإيطالية معي .

وقد قرأتْ عددًا من كتاباتي وطلبت كتابة قصة ليتم نشرها بالإيطالية قبل العربية، وهذه تعتبر الشهرة الكاملة بالنسبة إليّ؛ أن يُتعرف على الكاتب من خلال إبداعه وقدرته للوصول إلى الطفل.

الطفل والتكنولوجيا

تربويًا.. كيف ترى تأثير الأجهزة التكنولوجية الحديثة على الأطفال؟

آخر ما وصلتْ إليه الدراسات الحديثة تشير إلى أنه بالقطع يجب ألا يتعرض الطفل قبل عامين إلى أي نوع من أنواع الشاشات؛ حيث تعد الحواس الخمس النوافذ التي يتواصل بها مع العالم، بينما التكنولوجيا تحجب هذه الخبرات التي يمكن أن يكتسبها الطفل بحواسه في المحيط.

وعلى الوالدين أن يربطا الطفل بالواقع والألعاب الملموسة، وكذلك الكتب، قبل إتمامه عمر السنتين؛ لأن الطفل في هذه السن يمكنه اكتساب ملايين الخبرات، وكل الوقت الذي نضيعه أمام الشاشات يفقده خبرة حقيقية، والمعلومات التي بالأجهزة الإلكترونية يكتسبها مع عمر الخامسة والسادسة.

وسائط معرفية

على ذكر التكنولوجيا.. هل يمثل الكتاب الإلكتروني تهديدًا لنظيره المطبوع؟

الكتاب الإلكتروني لن يمحو المطبوع أو الورقي. بالتأكيد له حضور ووجود، لكنه لن يمحو الكتاب المقروء، وهناك كتب لا يمكن الاكتفاء من طباعتها، مثل القواميس ودائرة المعارف وأمهات الكتب والمراجع والأطلس للخرائط وهي كتب يتم طباعتها والاهتمام بها على عكس الكتب الأخرى التي يمكن تداولها إلكترونيًا لتزويد رقعة القراءة.

لا مستقبل للكتاب الإلكتروني رغم الرواج له؛ حيث إن الوسيط المستخدم سيتغير وستكون وسائطه غير صالحة للاستعمال، وهذا بحسب السوق العالمية.

وماذا عن الكتاب المسموع بالنسبة إلى الطفل في مرحلة التعلم الأولى؟

الكتاب المسموع من أهم الأسباب التي تجعل الأطفال يستقبلون اللغة الفصحى أو اللغة بصورة عامة، فالكتاب المسموع يساعد على الربط بصريًا لدى الطفل بين شكل الكلمة وصوتها، وتعتبر الوسيلة الحديثة للقراءة والتعلم لدى الطفل؛ حيث تكسبه مهارات القراءة وما قبلها.

اللغة الفصحى

العامية لهجة متداولة على لسان الجميع ويتأثر بها الطفل وتكون لغته.. فكيف ترى استخدام العامية في الكتابة للأطفال؟

لا بد أن يتعلم الطفل اللغة الفصحى، لكن بصورة مبسطة في البداية، وعملي ككاتب أطفال أن أقدم لهم الدراما والحكاية بلغة عربية صحيحة مبسطة، من خلال استخدام المرادفات؛ فاللغة العربية تتمتع بوجود مرادفات عديدة، فمثلًا يمكن أن استخدم «الشباك بدلًا من النافذة» ..

وكذلك «يجري بدلًا من يعدو» ومثلهما من النماذج، وعلى الكاتب استغلال الحصيلة اللغوية للغة العربية التي تتيح عديدًا من الفرص.

ولا أحبذ استخدام العامية؛ لكن يمكن استخدام الكلمة الفصحى الأقرب إلى الحديث اليومي. وأرى أيضًا أن استخدام العاميات يضر بالكتاب والقارئ؛ حيث يجعله حكرًا على عاميته. نحن العرب لدينا لهجات متعددة، واستخدام اللهجات العامية يضر باللغة العربية لدى الطفل وكذلك يضر بالعالم العربي ويمزقه؛ لهذا أفضّلُ استخدام اللغة العربية الفصحى الأقرب إلى الحديث اليومي للطفل.

حماس للقراءة

هناك تركيز من قبل دور النشر على كُتب الكبار وتناسي كتب الأطفال. كيف تقيم الوضع؟

القراءة في عالمنا العربي تفتقر للحماسة من قبل القراء، وهذا ينعكس بدوره على كتاب الطفل، رغم أنه من أهم الكتب التي على المكتبات ودور النشر الاهتمام بها؛ إذ توفر للطفل المستقبل والمنفذ للمعرفة.

لكن خلال السنوات الأخيرة بدأت بعض الدول الاهتمام بمعارض كتب الأطفال.. فما رأيك فيها؟ وكيف تشارك في تنمية هذا الأدب؟

معارض أدب الأطفال أفضل ما توجهت إليه الدول العربية وانتبهت إلى أهميته؛ حيث تجمع بين الكُتّاب والباحثين ويشارك كلاهما برؤيته حول مستجدات المشهد الأدبي للطفل، ومن أبرزها معرض الشارقة القرائي للطفل، كما أن تونس وسلطنة عمان وغيرهما من الدول العربية بدأت تطلق العنان لأدب الطفل، وهذا بالتأكيد يعود على الطفل بالفائدة.

ما النصيحة التي توجهها إلى الكتاب سواء الأطفال أو الكبار؟

أهم ما أنصحهم به هو تنظيم الوقت وتنظيم العمل؛ فهذان العاملان أساس ما يقوم به الكاتب، كذلك إتقان ما يتم كتابته، فضلًا عن الاهتمام بما يقدم للطفل وعدم الاستخفاف به، والتعامل معه بما يتلاءم مع قدراته.

«ليلة النار» رواية تنتمي إلى أدب الطفل وتعبّرعـــن عزيمة الكبار

«ليلة النار» رواية رغم انتمائها إلى أدب الطفل؛ إلا أنها تعبر عن عزيمة الكبار ووسع الحيلة والحكمة. فقصة الرواية تبدأ مع احتراق سوق القلعة الشعبي والتهام كل ما يملكه الأهالي الفقراء من طعام وأشياء، ويتوقف عقل الكبار فلا حيلة لهم، كيف يعملون على بناء السوق من جديد قبل أن يهل الصباح ويأتي عساكر البلدية ويمنعوهم من العودة إلى أرض السوق مجددًا!

يخرج الطفل «مختار» وأخته «ياسمين» بفكرة إعادة بناء السوق والوقوف بأفكارهم الإيجابية في وجه استحالة التنفيذ التي يفكر بها الكبار؛ فالمهمة صعبة ويصعب إنجازها في ليلة، مع هذا يبتكر الطفلان وسائل مختلفة لتغيير الواقع والشد من عزيمة الكبار، وتتعاون معهم شيخة السوق الحكيمة لتغيير الواقع.

ولا يتوقف دور الطفلين عند هذه النقطة الشجاعة والإيجابية فحسب؛ بل يقفان أمام جشع صاحب الملايين، وهو أحد التجار الذي يريد خداع الجميع والاستيلاء على الأرض بالتزوير ليُخرج البائعين الفقراء دون أن يمنحهم شيئًا.

تكشف القصة في الطفل ملامح إيجابية وناضجة وشجاعة، كما أنها رسالة تحفيزية للأطفال والكبار معًا؛ فتقدم إيمانًا واضحًا بدور الأطفال وقدرتهم على قراءة الواقع والتغلب على الصعاب ومواجهة التحديات بشجاعة وثبات وحكمة يمكن أن يفتقدها الكبار في أحلك المواقف.

اختيار الأسماء للأطفال لم يكن هباء أيضًا؛ حيث اسم «مختار» الصبي البطل يشير إلى أنه المختار لتنفيذ هذه المهمة والمنقذ لقوم فقدوا ما لديهم وفقدوا الرؤية لما هو قادم، كما أنهم فقدوا العزيمة لتغيير واقعهم المرير، كذلك هو المختار للإيجاب والتفكير بإيجابية.

أما «ياسمين» فهي الزهرة التي تفوح عطرًا وتفرض حضورها على جميع الأزهار، تستطيع أن تحلق في السماء مستلهمة من عزيمة أخيها وتنشر الإيجابية كما تنشر الياسمين رائحتها في البساتين.

ويقول الشاروني عن روايته: «اخترت في تلك الرواية موضوعًا اجتماعيًا يحمل أبعادًا أخرى متنوعة، تعبر عن خروج الروح والتفاؤل والعقل من قبل سوق تعرض للاحتراق وفقد من به الطاقة، مع هذا تخرج القوة من صبي وفتاة يستطيعان مواجهة الظلم والتحديات بكل قوة وعزيمة..

كما أوضح في الرواية اختلاف الرؤى من خلال رؤية الناس للأطفال وحقيقتهم». «ليلة النار» اسم يجذب القارئ ويعكس ملامح الأحداث المثيرة التي تحملها الرواية بين طياتها؛ لتكون ليلة النار بداية لجنة الأطفال.

 

Email