يكتب بلغة وردية عن وطنه الجريح

رفيق شامي: سأظل أغنّي حب دمشق ما دمت حياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد الروائي الألماني من أصل سوري، رفيق شامي، من أنجح الروائيين في الوقت الحاضر على الساحة الألمانية، كما تُرجمت رواياته إلى 28 لغة. ويتميز شامي بأسلوبه الساحر في القص، وبخياله الأخاذ، وبعباراته المنمقة، وبلغته الألمانية «الوردية» المترعة بالأجواء والصور الشرقية. يُركب شامي القارئ في أُرجُوحَة بين الشرق والغرب، وينقله بسلاسة بين أزمنة وحقب عديدة.

أصدر شامي روايته الجديدة «صوفيا أو كيف تبدأ كل الحكايات»، رواية رفيق شامي أغنية جديدة لهذا العاشق الوله بمدينته يروي فيها كما في رواياته السابقة أرضية وخلفية الأحداث التي وضع خطوطها قبل الثورة في سوريا.

في حواره مع «البيان» كثير من الشجن والحنين والذكريات:

طفولة وشباب

أنت كاتب معروف ومشهور جداً ليس في ألمانيا فقط وإنما في العالم، فكيف ترى كل ذلك؟

أنحدر من عائلة آرامية من معلولا القرية الشهيرة. لكن والدي الذي تزوج أمي عن حب وضد إرادة أهله هرب إلى زحلة ثم بيروت ليعود بعد سنوات إلى دمشق ويستقر فيها. أنا ولدت في حي العبارة الشعبي الواقع في المنطقة المسيحية قرب الباب الشرقي.

هناك أمضيت فترة الطفولة والشباب. الحي كان في زمن طفولتي يعج بالناس العجائبيين وأنا لم أنته حتى اليوم من وصفهم. كانوا دمشقيين أقحاح وأبناء قرى تدمشقوا وأكراداً وأرمنَ ودروزاً وعلويين ولاصق الحي جدار بجدار الحي اليهودي في دمشق. كانوا جميلين وبشعين متحررين ومتزمتين كرماء وبخلاء.

في هذا الحي المتواضع نشأت، وإذا فكرت ملياً سأجد أن الحي رباني أكثر من أهلي. هنا أحسست بأولى رعشات القلب. هنا تعلمت فن الروي لأصحاب لا يعيروك انتباههم إلا إذا سحرتهم وأنا أعتقد أن أهم درس تلقيته كان كره الملل والوعظ والبكائيات المنفلوطية التي كانت لا تثير إلا الضحك الوقح.

لا مجال بالطبع لتصوير الحياة بلون زهري فائح العطر لكني أعتقد أن هذا المجتمع لم يكن كسير النفس كما هو اليوم عليه. البداية كانت أيام جمال عبد الناصر والسراج الدموي وأكملها البعث إلى حد القرف. اليوم لا تجد أي وجه للحي فهو كالح كاذب مراوغ كما تعلم منذ أول تحقيق عند المباحث. أنا لم أفقد الأمل لكن ديكتاتورية لمدة 50 سنة تولد نفسية مقهورة.

بعد كل هذه السنوات كيف تتخيل دمشق التي تحضر بقوة في أغلب أعمالك ؟

دمشق ليست مدينة على خارطة إنما نمط حياة ضاع مني كما يضيع مفتاح بيت. دمشق لا تضاهيها مدينة وسأظل أغني حبها ما دمت حياً. أتخيل دمشق اليوم كامرأة هرمة تعبت وملأ قلبها اليأس، أواسيها أحياناً بأنها شارفت الموت أكثر من مرة ثم رفعت جبينها عالياً لتنهض كفتاة جميلة مدللة.

دمشق في خطر كبير لا يفيد التمويه بالهدوء المؤقت فهو نذير بالعاصفة. من سينحرها كما نُحِرت شقيقتها بغداد؟ من سيخلصها كما خلصت سايغون وبرلين لتعود إلى يومياتها ولهوها وضحكتها المميزة... لتصبح عن حق شامية.

دقائق وتفاصيل

من «الجانب المظلم للحب» إلى «سر الخطاط الدفين» وحتى روايتك الجديدة «صوفيا» هذه الروايات التي حازت إعجاب القراء والنقاد.. وبيعت مئات آلاف المرات في طبعات كثيرة وترجمات عديدة. ما سر شغف القراء بهذه الروايات الطويلة ؟

الأسلوب المميز فأنا كابدت الكثير لشق طريقي دون تقليد أحد، وبالتالي فإن رواياتي تقدم أحداثها بأسلوب مميز وليس كظل لهمنغواي أو تولستوي أو ايكو أو ماركيز، ثم كثافة اللغة رغم ضخامة الرواية فأنا أكره الكلام المدبج والممل والخطابية. ولكوني أمضيت عمراً كباحث كيميائي أهتم جداً جداً بالبحث والتمحيص في محتوى أي مقولة أو وصف.

ثم ولأنني سريع الملل (وذلك لمعرفتي بالعدد الهائل من الروايات الجميلة التي تنتظر القراءة) أعتني جداً بحبكة كل رواية بشكل مثير يسهل إيصال ما أريده دون وعظ... وهذا الأسلوب يجذب القارئ مهما تعقدت الرواية. أما من ناحية المحتوى فإن هذه الروايات الثلاث تعمق نظرة القارئ في وضع المجتمع الذي أنتجها.

وتلقي الضوء على دقائق وتفاصيل لا يمكن للصحفيين أو العلماء أن يحيطوا بها إحاطة الروائي. مجتمعاتنا أعقد من تفجير هنا ونهب بترول هناك. إنها وليدة تاريخ معقد لا يمكن إلا لمجلدات علمية أن تحيط به لكن رواية واحدة قد تنجح بذلك. فالرواية نافذة على نفس وتاريخ وثقافة شعب.

عقلانية الحب

يحضر الحب في كل أعمالك، هل لأن الحب قلعتنا الأخيرة ؟

الحب كما أفهمه يرتقي بالنفس البشرية لحدود لا يحيط بها العقل. العقلانية مفيدة جداً في زمن السلم أما في زمن الأزمات فإن العقلانية تنزع للانتهازية: تطرح على الذات أسئلة من نوع: ما هو ثمن مبادرتي وما خطرها على حياتي ووظيفتي ونجاحي ألا يمكن للآخرين القيام بها وأظل أنا سالماً؟ وكلما اشتد الخطر اقترحت العقلانية بأدلة مقنعة من أن الحياد ينقذنا وأن من يتدخل يجر نفسه للهلاك.

أما الحب فلا يسأل عن المنفعة. الحب يصهر أنفسنا مع نفس من نحب فنشعر وكأننا نفس في جسدين وبالتالي فنحن نعطي دون رجاء مقابل. الحب لا يأخذ المنفعة الذاتية بعين الاعتبار أو أنه ليس حباً. الحب لا يسأل عن المخاطر وجل سعادته يتبلور في إنقاذ من يحب وحمايته، لذلك لا يلتقي الحب مع الدولة ولا مع الديكتاتورية.

الحب إذن أكثر شجاعة مما توحي به تسميته ولذا يصب الطاغية كل اهتمامه لتنمية ورعاية عدو الحب الأكبر: التفرقة.

صدرت رواية «صوفيا» للروائي السوري/‏‏ الألماني رفيق شامي عن دار هانزر ميونيخ ألمانيا في سبتمبر وتصدرت منذ صدورها قائمة المبيعات في ألمانيا ولا تزال على القائمة.

أحبت صوفيا منذ صغرها الصديق كريم ابن عائلة ثرية من حمص لكنها تزوجت فيما بعد رجلاً غنياً من دمشق وظلت وفية لحبها الأول. بينما بقي كريم أستاذاً في مدرسة ابتدائية في حمص وانتقلت صوفيا مع زوجها إلى دمشق. فجأة قُتِلت أخت كريم لأنها تجاوزت الخط الأحمر المرسوم لها واُتهم كريم بجرم قتلها، لكن صوفيا وقفت إلى جانبه وأنقذت فيما بعد حياته بشجاعة بعد أن تمكنت من العثور على شاهد يعرف القاتل ومن دفعه لارتكاب جريمته.

أقسم كريم يومها بأن يقف إلى جانب صوفيا حتى ولو كلفه ذلك حياته، وافترق دربه عن درب صوفيا وعاش مآسي وأفراحاً حتى ذلك اليوم الذي جاءت صوفيا لزيارته وكان كلاهما قد بلغ الثمانين من العمر وذكرته بوعده وبكت لأن ابنها الوحيد سلمان يُلاحق في دمشق عام 2010 بتهمة جريمة قتل ملفقة.

معترك السياسة

كان سلمان، وهو ابن صوفيا الوحيد، قد دخل في الستينيات معترك السياسة كطالب جامعي وهرب في آخر لحظة من الموت والاعتقال. بعد أربعين سنة في المنفى وبعد صدور عفو في عام 2009 أراد سلمان أن يزور وطنه لأنه رغم نجاحه في تجارة المواد الغذائية بعد جهاد طويل في العاصمة الإيطالية روما. ظل يشعر بجرح حرمانه من مدينته التي يعشقها.

عاد سلمان ليجد دمــــشق كما هي لا كما في مخـــيلته، عاد ليجد أن أربعين سنة قد حولته لغـــريب في مدينته، وفجأة وفي اليوم السابع لزيارته يجد صورته في جريدة تشرين بتهمة قتل زوجة وزير.. كان سلفيون قد قتلوا المرأة قبل أربعة أسابيع من وصول سلمان إلى دمشق.. هنا تبدأ المطاردة من قبل المخابرات.

رفيق شامي لا يتكلم هنا عن الثورة أو الانتفاضة فقد رفض عدة عروض لكتابة «رواية الثورة» ما يهمه في هذه الرواية هو الزمن الذي يسبق الانتفاضة وهو الزمن الذي تبدأ فيه الأرض بالاهتزاز وطبقات الإسمنت المخابراتي بالتشقق تحت أقدام الناس دون أن يشعر بها إلا قلة قليلة من الناس.

إضاءة

رفيق شامي.. روائي سوري ولد عام 1946 في دمشق، أسس 1965 مجلة حائطية «المنطلق» في حيه واستمرت بالصدور حتى عام 1970. سافر إلى ألمانيا عام 1971 حيث عمل في ورشات ومصانع إلى جانب دراسته من 1971 ـ 1979 ونال درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية المعدنية. عمل في شركة أدوية كبيرة من عام 1980 وحتى 1982 ثم قدم استقالته ليتفرغ للأدب.

سلطة الحب

الرواية تتحدث عن خوف الناس وعن مراقبتهم لكل ما يقولونه خوفاً من عواقبه... وهكذا فهم يقولون ما لا يعتقدون به ولا يصدقون ما يقال لهم... ويشعر سلمان بألم الغربة في وطنه بعد لقائه برفاق الأمس الذين عاشوا جحيم المعتقلات وتركوا «السياسة» وهو ما يخطط له كل طاغية. ما يشعر به القارئ هو سلطة الحب ومقدرته الفائقة في إنقاذ آخر آثار الإنسانية في أرواح الناس التي حولها النظام لركام قبل أن يحول مدن سوريا لخراب.

مختارات

أساطير ثانيــة 1979

العبور الأول لثقب الإبرة 1985

يد ملؤها النجوم 1987

أساطير معلولا 1987

الحنين يسافر بدون بطاقة سفر 1988

حكواتي الليل 1989

صندوق العجائب 1990

الشجرة الطائرة 1992

رحلة بين الليل والصباح 1995

فاطمة وسارق الأحلام 1996

التقرير السري عن الشاعر غوته 1999

سبعة ممثليــن 1999

حنين السنونو 2000

لون الكلمات 2002

الوجه المظلم للحب 2004

في القلب دمشق 2006

Email