عبدالقادر جبار: القصيدة الوطنية الإماراتية متفردة بلغتها ومعانيها

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتبنى الشاعر والناقد العراقي د. عبدالقادر جبار، مشروعاً فكرياً مهماً حول تحديد نظرية شعرية عربية، إذ يأتي كتابه الأخير «لؤلؤة النص...

جدل الأنساق في الشعرية العربية الإمارات أنموذجاً» استكمالاً لمنهجه ورؤيته في السياق. وكان للنص الإماراتي في دراسة جبار النقدية خصوصية معينة، إذ قال في حديثه لـ«بيان الكتب»: «دققت في المنطقة التي ينفصل فيها النص الإماراتي عن كل العوامل التي تضغط عليه من الخارج، بحيث يكون ممثلاً لخاصية السمات في القصيدة».

كما تحدث جبار في الحوار عن هاجسه النقدي، ودوافعه في هذا الخصوص. وهو يشدد في الحوار على أبرز ما خلص إليه في نتائج كتابه، والمتمثل في استنتاج أن القصيدة الوطنية الإماراتية متفردة بمستوى لغتها ومعانيها.

لماذا اخترت «جدل الأنساق في الشعرية العربية.. الإمارات أنموذجاً»، موضوعاً لدراستك؟

يأتي هذا الإصدار ضمن مشروع عربي كبير، بدأت العمل عليه منذ العام 2011، من المغرب ومن ثم وصل إلى العراق، والآن إلى منطقة الخليج، وهو بشأن تحديد نظرية شعرية عربية.

لغة الشعر

اخترت عدداً من التجارب لشعراء، مثل: حبيب الصايغ وإبراهيم محمد إبراهيم والهنوف محمد، وغيرهم. ما أسباب هذه الخيارات؟

جرى الاختيار على أساس قدرة النص على التعبير، عن مفهوم الشعر، أي ارتفاع اللغة من اللغة العادية إلى منطقة الشعر، وهذا الاختيار وقع بعد فحص دقيق لمجمل التجارب الشعرية في الإمارات، ولم يستند إلى الفكرة الموروثة بشأن الشعر، والتي تعنى بالوزن والقافية والجزالة والبلاغة، بل استند، إضافة لهذه العناصر، إلى حقيقة أن الشعر هو اللغة الخاصة في اللغة ذاتها.

ما الذي يضفيه ويشكله هذا الكتاب بالنسبة لمشروعك النقدي؟

من حيث المبدأ، درست التجارب الشعرية في كل قطر عربي. ووصلت إلى دولة الإمارات، ووجدت أن هناك بعض السمات الخاصة النابعة من خصوصية السياق الثقافي في الإمارات..

والذي يستند إلى الجغرافيا والتاريخ والاجتماع والاقتصاد، والبناء ومجمل أنماط التفكير والسلوكيات عند الإنسان الإماراتي. إذ هناك انفصال واتصال في الوقت ذاته، بين التجربة الإماراتية والتجربة العربية في الشعر، وفي المجالات الأخرى.

تيارات واتجاهات

أي أسلوب نقدي اعتمدت عليه في إنجاز الكتاب؟

لا توجد مدرسة يمكن أن تفي النص حقه من كل الجوانب، وهكذا اعتمدت على النقد ومفاهيم وأصول النقد الثقافي، الذي يكون جامعاً للتيارات والاتجاهات النقدية.

هل اتخذت هذه السلسلة النقدية التي تعمل عليها، عناوين فيها نوع من التشابه، أم هناك اختلاف؟

عن المغرب، صدر الكتاب بعنوان «غرب النص» في العراق «شرق النص». وفي الإمارات اعتمدت على الجغرافيا، لما وصل إليه العمق الثقافي الذي يتمثل في فكرة وثقافة الغوص والبحث عن اللؤلؤ، وهو ما شكل 95% من الاقتصاد الإماراتي، ما قبل عصر النفط، وهو أيضاً ما كان ملائماً ومعبراً عن الفكرة التي اشتغل عليها.

بين العمودي والنثر

ماذا عن الصعوبات التي واجهتك أثناء العمل على الكتاب؟

كانت على الصعيد الشخصي: تعدد النصوص وأنماطها، من القصيدة العمودية، والتفعيلة والنثر، والأشكال التي واجهتني هي تعدد قصيدة النثر، وفي ما إذا كانت تشكل تطوراً في الشعرية العربية أم قطيعة مع الشعرية العربية، ولو كانت تطوراً، فكل التجارب السابقة التي كتب فيها الشعراء بطريقة التفعيلة والعمود أصبحت إرثاً، ويمكن أن يكون معبراً عن مرحلة تاريخية معينة..

وإن كان الجديد هو القصيدة والأشكال الأخرى، ولو كانت القصيدة من التراث مع الموروث.. فهل هذه القطيعة صالحة في جماليات النص العربي، وهل أثبتت جدارتها.. وهل أصبحت نمطاً مألوفاً في الذائقة العربية.

كل هذا كان حاضراً أمامي لهذا أطلقت على العنوان «جدل الأنساق في الشعرية العربية... الإمارات أنموذجاً».

كم استغرقت من الوقت لإنجاز كتابك «لؤلؤة النص»؟

استغرقت سنة من البحث والتمحيص، كنت أبحث خلالها عن خاصية الثقافة الإماراتية والجغرافية والتاريخ السياسي، والعوامل المؤثرة في النص لفترة طويلة.

تخصص أكاديمي

لماذا اخترت مجال النقد، هذا المجال الشائك الذي قليلاً ما اشتغل عليه؟

أنا شاعر. وأكتب الشعر منذ العام 1980 ولدي أربعة دواوين، وأكتب شعر التفعيلة والعمودي والنثر، ولكن تخصصي الأكاديمي هو في مجال النقد الأدبي.

ودرست هذا المجال في كلية الآداب في جامعة بغداد، ولدي محاضرات في علم الجماليات في جمعية نقاد الفن العالمية، وهكذا اجتمعت الفلسفة والجمال وكونت هذه الرؤية في هذا المشروع الطموح، لأنه يتضمن ويعنى بنتاج ومضمون فكر كل الوطن العربي، في جانب إنتاج نظرية شعرية تقف على قدميها في مواجهة النظريات الشعرية.

«من المحيط إلى الخليج»

ما طبيعة الكتاب النقدي التي اشتغلت عليها قبل 2011؟

انتهيت من مشروع كتاب «قراءة في كتاب أهرامات النقد» في العام 2011. ويتناول التجربة العربية من المحيط إلى الخليج، في النقد، ودرست النقاد خارج الكتب، مثل تجربة كمال أبوديب وأدوارد سعيد، وغيرهما، وبماذا تتميز النقدية المغربية عن النقد في المشرق العربي، وهل النقد في المغرب يمكن أن يكون معبراً عن الشعرية وينتج نظرياته واتجاهاته.

وفي العموم، توصلت إلى نتيجة في هذا الكتاب، مفادها أن النقد العربي هو منظمة، ولكن غير متكاملة، تستند إلى التفوهات والمقولات النقدية الغربية، وخاصة في المغرب العربي، كونهم تأثروا بالثقافة الغربية، في حين أن الاتجاهات النقدية هي منظومة العلاقات بين المنتج النقدي في أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وهذه المنظومة غائبة عن النقد العربي، التي تنقل من الثقافة الفرنسية وتطبقها على النصوص.

كما بدأت في الكتاب بقراءة الشعرية في كل بلد.. وصولاً إلى نظرية شعرية عربية.

ما جديدك للأيام المقبلة ؟

عندي الآن كتاب جاهز للطبع بعنوان «جماليات الخرف والممانعة في العقلية العربية»، أبحث فيه عن بدايات الشعرية العربية في العصر الحديث، وهو ما اتفق عليه النقاد بشأن الثلاثي المصري «البارودي وشوقي وناجي». وأبحث فيه في ما إذا كانت فكرة ريادتهم صحيحة أم غير صحيحة، ورأيت أن الاتفاق بشأن ريادتهم غير صحيح.

يوضح الدكتور عبدالقادر جبار في كتابه «لؤلؤة النص.. جدل الأنساق في الشعرية العربية... الإمارات أنموذجاً»، أن الاتجاهات النقدية الحديثة والمعاصرة أدخلت حركة النقد العربي الحديث في إشكاليات مختلفة، وأبرز تلك الإشكاليات تتجه إلى الأسلوب الذي تمكن فيه قراءة الإبداع العربي.

قافلة الإبداع

وعبر 165 صفحة من القطع المتوسط، شكلت الكتاب الصادر بالتعاون بين وزارة الثقافة وتنمية المعرفة واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، يبين جبار أن قراءة المشهد الشعري الإماراتي مثلما كانت دافعاً لضم هذا المشهد إلى قافلة الإبداع العربي المعاصر بوصفه حلقة خاصة ومميزة في سلسلة الإبداع العربي..

فهي فعلياً ليست قراءة نهائية للنص، كما أنها تحتمل قراءات أخرى غير منتهية، مؤكداً أن لغة الشعر واحدة في الموزون وغير الموزون، وهي قناعة توصل إليها النقد العربي القديم، وتحدث بشأنها في كتابات وآراء حازم القرطاجني خاصة.

مستويان وعلاقة جدلية

ويقول جبار: الدراسة ليست منقطعة عن التراث النقدي العربي، ولكنها في الوقت نفسه ليست متصلة تمام الاتصال مع ذلك النقد وبين القطيعة والاتصال.

كذلك يشير إلى العلاقة الجدلية بين المستويين «العميق/ البحر، والسطحي/ الصحراء»، في نظرة الإنسان إلى الكون والطبيعة. فالبحر، كما يبين: هو المعادل الموضوعي لجذب الرمال، وهو الأفق المنفتح أمام الرغبات والأحلام والأرزاق. ويضيف الكاتب: إن مرحلة الغوص للبحث عن اللؤلؤ تشكل إرثاً ثقافياً واسعاً في حياة الإمارات في الشعر والقصص والروايات الشعبية.

خصوصية

يتناول عبدالقادر جبار في كتابه تجارب العديد من الشعراء الإماراتيين، واتخذ كل باب من أبواب كتابه عنواناً شكل مدخلاً لما طرحه، مثل: «حبيب الصايغ – محاولات في قنطرة الجنس الشعري – قراءة في قصيدة دائرة خلفان» و«إبراهيم محمد إبراهيم: لعبة المفارقة والصورة في سكر الوقت» كما يتطرق إلى تجارب غيرهما من الشعراء والمبدعين، مثل:

نجوم الغانم ومحمد البريكي والهنوف محمد وآخرين، وخصص جزءاً من الكتاب نشر فيها قصائد هؤلاء الشعراء. وليصل في دراسته إلى أن القصيدة الإماراتية ليست منقطعة عن الحاضنة الحضارية الإنسانية التي تعيشها الإمارات، مثلما هي غير منقطعة عن الحاضنة العربية، وهذا لا يعني إلغاء خصوصيتها وتميزها في المشهد الشعري العربي.

امتدادات

ويرى المؤلف أن التنوع في المشهد الشعري الإماراتي، امتد من القصيدة الذاتية المحضة إلى القصيدة الوطنية، ولم تكن رسالة الشعر حائلاً دون الارتفاع بلغة النص، بل ربما ارتفعت بشكل استثنائي في القصائد الوطنية، وهي ميزة تحسب لصالح القصيدة الإماراتية.

ويقول جبار في كتابه، إن النقد مهما حمل من إمكانات وأدوات عاجز عن الوصول إلى القراءة الكاملة، ويبقى اجتهاداً يجد أثره في عاملين رئيسيين هما مستوى القدرات التي يحملها للوصول إلى الجوهر الجمالي للنص أولاً، ومستوى الفائدة والمتعة التي يوفرها للمتلقي، لكي يتفاعل بشكل أكبر مع رسالة النص وآفاقه واتجاهاته وارتقائه على اللغة العادية اليومية.

 

Email