سعيد حمدان: الثقافة الإماراتية في أحسن حالاتها

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عشقٌ عتيقٌ وارتباطٌ لا تهمد شراراته، يحوكان نسيج علاقة سعيد حمدان مدير عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، بصنوف الثقافة والبحث التاريخي. ولكنه، أيضاً، وفي هذا الخضم، يبقى شغفاً ومسكوناً بجماليات وثراء ميدان العمل الصحفي.. إذ إنه الحديقة الغنّاء التي دلف منها إلى حقول المعارف والفكر والتجارب كافة.

سعيد حمدان، خلال حواره مع «بيان الكتب» يكشف عن آراء وأوراق كثيرة في جعبته تخص مسائل معرفية ومجتمعية وثقافية متباينة ومتفرعة، مشيراً إلى أن الحراك الفكري في الإمارات هو في مستوى رفيع حالياً، ومؤكداً في الوقت نفسه، أن صحافتنا، سبب موت النقد أو غيابه، ويجب أن تتحمل مسؤولية ترسيخ النقد الموضوعي وفرضه وتعويد المجتمع على تقبله.

فضاءات عالمية أتاحتها جائزة الشيخ زايد للكتاب، أمام مديرها العام، فنفحته فوائد كثيرة نهل معها من تجارب فكرية راقية :

الجائزة قيمة فكرية عالمية. وأي من المشتغلين فيها، سيرتوي من عيون المعارف والثقافات. إنها أضافت إلي الكثير. أدخلتني بقوة إلى عوالم الكتاب الدولي والترجمات.. عززت فيّ التمسك بالمصداقية. دربتني على الانفتاح الحضاري الخلاق.

لن يتأخر الحديث وسعيد حمدان، ليحط الرحال في ربوع الصحافة وأحوالها. إذ يوضح أنه من خلالها وفي ظلها، انغمس في رحاب الإبداع وصنوفه. كما أبحر معها على مراكب الحلم والعطاء..ومن ثم اهتدى عبر حدائقها إلى أقباس الأدب وينابيع التجريب والتعمق البحثي:

لا يمكنني وأنا أستذكر.. أو حتى أتأمل مراحل حياتي، أن أتصورها من دون عيشي الصحافة مهنة وعشقاً ورووحاً ومآلًا. إنها التي أمدتني بحكايات وروائع. صقلت شخصيتي وألهمتني طريق تمكين ثقتي بنفسي..عززت وغرست فيّ قيماً ومبادئ رفيعة. أكسبتني حب الناس ونفحتني الشهرة وعلمتني التواضع.

وصحيح أني ابتعدت عن الاشتغال والمتابعة فيها في هذه الفترة، لكنها تسكنني..وأنا الآن في استراحة محارب: أرقب المشهد وأتحين لعودتي، أنسب فرصة ووقت ومكان.

وأنا لا أبالغ إذا قلت إنني مسكون بالحنين الجارف إلى العصر الذهبي الذي عاشته الصحافة الإماراتية: في ثمانينيات القرن الفائت.

تجارب ملهمة

صحافة الإمارات معنية، بتصوره، في اعتماد آليات اشتغال لا تقليدية تتلافى معها أي قصور عن مسؤولياتها، وتعيد رونق تأثيرها فتعزز دورها كطبيب للمجتمع:

ألفت بداية إلى أن صحافتنا المحلية، سجلت نجاحات مهمة. لكن الحادث في راهننا، ومع بعض التجارب الصحفية التي نعايشها، وقوع قصور ملموس بشأن الدور المأمول منها على الصعيد الفكري والمجتمعي العام. وأعتقد شخصياً، أن من يتحمل المسؤولية هي فئة من أهل المهنة نفسها حوّلتها نحو مسارات الجمود والطابع البروتوكولي.

ولكن هذا، بطبيعة الحال، لا ينسيني أو يجعلني أُغفل واجبي في التنويه بتجارب ملهمة نوعية في ميدان الصحافة الثقافية، وعلى رأسها «بيان الكتب» الصادر عن جريدة «البيان»، كونه أثبت مع مرور السنين مكانته المؤثرة والقيّمة. كذلك سرتني كثيراً عودة ملحق «الاتحاد الثقافي». هذان هما نموذجا أملنا في التطوير على جبهة الصحافة الثقافية المحلية، والصحافة بوجهها العام.

ولكن، يجدر أن نتنبه إلى خطر غياب النقد عن صفحاتنا الثقافية وعن ميادين الأدب لدينا، ما جعل المحاباة تتسيد الموقف. إن الصحافة هي من تُحاسب على غياب النقد، كونها المعنية بترسيخ حضوره وبتدريب الناس على ضرورة تقبله ما دام موضوعياً وهدفه الارتقاء بالنتاج الأدبي والفكري.

مسؤولية وخيار

هو باحث شغِف بالتاريخ..لكنه يميل أكثر في مروجه، إلى شقه المرتبط بالصحافة والإعلام. وهو، في السياق، منهمك بمشروعات كتب ودراسات عديدة، ستضاف إلى ما أنجزه وما هو في مراحله النهائية لديه:

منبت شغــفي بالتاريخ بوجه عام، هو كوني ابن هذه البيئة المشربة بجماليات الماضي وفخار السلف وتفرد أعمالهم ومنجزهم. وفعلياً، غدوت متخصصاً ومهتماً أكثر في التبحر بالتأريخ للصـــحافة والثقافة في الإمارات، خاصة وأني وجدت نقصاً وتقصيراً حادين في الأولى. وأنوي، وقد بدأت ذلك عملياً، أن أسد هذه الفجوة عبر نتاجات متواصلة وشاملة. فالمراجع الصحفية التوثيقية قليلة.. بل نادرة.

إذ من المؤسف حقاً أن ما يرصد تاريخ صـــــحافة الدولة مؤلفات تُعد على أصابع اليد الواحدة، بينها: كتاب لأحمد نفادي عــــن«نشأة صحافة الإمارات»، كتــــاب عبدالله النويس «وسائل الإعلام في الإمارات». إضافة إلى محاضرات ودراسات للأديب عبد الغفار حسين والباحث بلال البدور سفير الدولة لدى المملكة الأردنية الهاشمية.

علينا أن نجتهد في التنقيب والتفتيش في الوثائق والمحفوظات لنغطي ونرصد تاريخ صحافة الإمارات بعد العام 1970. فهذا شبه غائب. إذ إن الكتب التي صدرت في شأن التأريخ لصحافتنا هي بمجملها عن الفترة الزمنية من 1920 إلى 1960.

إنني منهمك ومشغول في معالجة هذا النقص، حالياً، بالتركيز على جملة من مشروعات البحث والتأليف.. ومن ضمنها كتاب «حرائق الصحافة» الذي أتمنى الانتهاء منه قريباً. كما اعتزم إنجاز كتابي «خطوط أدباء وشعراء الإمارات» في الفترة المقبلة.

ويتابع حمدان حديثه:

وفي هذه الأيام، أنا موزع بين باقة مسائل دراسية رئيسة سأعمل على الانتهاء منها قريباً، وأولها دراسة مرجعية توثيقية عن تجربة مجلة «الأزمنة العربية» تتخصص بالقراءة والتعمق في محتوى المجلة، وتشتمل على لقاءات مطولة أجريتها مع مؤسسيها ومع الذين قادوا دفتها وعملوا بها، أضيء فيها على قصة نشأتها من الداخل، وعلى ما واجهته من محطات مفصلية.

ومن تلك الشخصيات التي حاورتها: محمد عبيد غباش، عبدالله الشرهان، عبد الحميد أحمد، د.عبدالله المطوع. أما المشروع الثاني الذي احتفظ بمادته وأرغب في إنجاز دراسته وكتابه، فهو حول الشخصيات التاريخية التي أثرت في صحافة الإمارات: حوارات مطولة مع الرواد عن تاريخ الصحافة المحلية وتجاربهم، وهؤلاء مثل: خالد محمد أحمد، غسان طهبوب. وصوّرت هذه الحوارات أيضاً، بالفيديو.

«خالدون رغم الغياب».. قامات بارزة ونفحات وفاء

يستذكر سعيد حمدان في جديده «خالدون رغم الغياب»، الصادر عن «قنديل» للنشر، قامات بارزة، رحلت إلى العالم الآخر، عرفناها وعايشناها بيننا، تميزت بوطنيتها وبعلمها وخلقها وأحلامها وإنسانيتها.

وفي المقدمة: المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي بنى وطناً متكاملاً متناسقاً ومتراص البنيان، حسب ما يشرحه الكتاب. كما بنى الإنسان فيه وشيد حضارة صلبة ومستمرة، وأمن مستقبلاً واعداً ومبشراً، كذلك رسخ ثقافة التسامح والعدل والمحبة والخير.

«وطني»

الكتاب يحفل بالاستذكارات وكذا الرثاء، في مقالات تجسد حالة وفاء وحب صادق، دبجها سعيد حمدان في لحظات فقد وفراق عارضاً لخصال مجموعة شخصيات مؤثرة، ولما تركته من أثر في نفسه.. وما حازته من قيمة تفرد في الفكر والعمل والنجاحات. وتمتد الفترة الزمنية لمقالات الكتاب، بين عامي 1987 و2015م، وتمثل الزوايا الصحافية التي كان يكتبها في العديد من الصحف والمجلات.

وقسم المؤلف كتابه إلى أبواب متباينة، أدرجها تحت مسميات متنوعة، مثل: «وطني» وفيه يستعرض سمات ومنجزات شخصيات وطنية من الإمارات. وأما «مشاهير» فيشتمل على شخصيات عالمية وعربية عرفت في حقول عطاء كثيرة، وضمن «زملاء» يرثي حمدان زملاء رحلوا عرفهم طوال مسيرة عمله الصحافي. وفي «شعر» يحكي براعة وفرادة شعراء غادروا عالمنا.

ويخصص الكاتب الباب الأخير تحت عنوان«واحة»ليتطرق إلى أناس بسطاء في مدينته الذيد، عرفهم وخبر طيبة كل منهم.

«يوم الرحيل»

يفتتح حمدان مقالات كتابه مع:«العظماء هكذا يرحلون» راصداً مدى نبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ورفعة مكانته، ولافتاً إلى أن رحيله أدمى قلوب الناس جميعاً..إذ إنه كان، رحمه الله، من بنى وأسس دولة راسخة مهابة قوية.. كما يتحدث عن إنجازاته وشيمه العربية الأصيلة. ثم يتبع هذا المقال بآخر، منها:«عام من غير زايد»، «يوم الرحيل».

لفتة مؤثرة

وفي «على ضريح زايد»، يبين المؤلف أنه في يوم العيد، وفي الذكرى الثالثة لوفاة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان أول عمل قام به صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بعد الصلاة، أن توجه من مسجد سلطان بن زايد الأول في أقصى غرب أبوظبي إلى شرقها، ليؤدي أهم واجب في ذلك اليوم، إذ وقف عند ضريح الأب القائد.

وكانت لفتة مؤثرة.. التقطتها عدسات المصورين، عندما نظر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، يميناً ويساراً ليطمئن إلى أن جميع أبناء زايد على جانبيه، قبل أن يرفع كفيه بالدعاء.

مبرزون وسير وإنجازات

وعقب ذلك، يتحدث المؤلف عن الراحل سيف بن غباش في ذكرى استشهاده، مؤكداً أنه شخصية وطنية لن تنسى. كما يرثي الشيخ محمد بن خالد القاسمي. وكذا شخصيات كثيرة مبرزة، من بينها: رحمة الشامسي، سلطان العويس الذي«زرع الخير في كل أرض»، جمعة الفيروز، حمودة بن علي، محمد مطر السويدي، جابر جاسم، محمد بن راشد الجروان، سلطان الشاعر.

كما يتطرق حمدان إلى مآثر وسيرة وإنجازات الراحل محمد خلف المزروعي.

«زملاء»

وفي باب «زملاء»، يرثي مؤلف الكتاب، ناجي العلي.. وزملاء عديدين، مثل: عثمان عبدالودود، المصور«كربيس» في البيان، مأمون عطية، محمد النوراني.

«صاحبة الجلالة» صقلت شخصيتي كما أمدّتني بحكايات وروائع وأكسبتني حب الناس

Ⅶ«بيان الكتب» نموذج متميز لنجاح الصحافة الثقافية إذ أثبت مكانته المؤثرة

Ⅶ لدي كتاب سيرى النور قريباً يسد النقص في المراجع المؤرخة لصحافة دولة الإمارات بعد 1970

Ⅶ أشتغل على دراسة عن «الأزمنة العربية» تقرأ في تجربتها والدور الذي لعبته

Email