الاتحادُ سبيلُ المجدِ وبناءِ الحضاراتِ

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنَّ الاتحاد قوة، وهوَ البناء والنماء والحضارة، مَنْ تمسَّك بِهِ ازداد قوة وعزًّا ورفعة، والاتحاد سبيل المجد وبناء الحضارات، فهو يقوِّي الهمَم، ويبارك فِي الجهدِ، ويجعل المتحدين في مَأْمَن مِنْ كُلِّ عدوٍّ ماكر أو حاقد حاسد.

والاتحاد ليس خياراً استراتيجياً يلجأ إليه المسلمون عند الحاجة أو الضرورة، بل هو أصل من أصول الدين الكلية، وقاعدة من قواعده العظمى، والتفريط فيها معصية توجب غضب الله وعذابه في الدين والآخرة، قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً» (سورة الأحزاب: 39). مِنْ أجل ذلك حرصَ الإسلام على الاتحاد ووحدة الأمة الإسلامية وذلك عن طريق ما يأتي:

أولًا: الأمر بالوحدة وترك الفرقة.

وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على طلب الشارع لوحدة المسلمين، وبصيغ تؤكد على وجوبها ولزومها، وترتب العقوبة على التفريط في تحقيقها في الواقع. وفيما يلي بعض تلك الأدلة:

 

من القرآن الكريم.

قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ» (سورة آل عمران: 103). فقد أمر الأمة جميعاً بالاعتصام بحبل الله، ولم يوجه الأمر بالاعتصام بحبل الله إلى الأفراد، وإن كان واجباً على كل فرد على حدة. فالعصمة والاعتصام والاتحاد تعنِي القوة والمنعة والأمن والنجاة، وَحَبْل اللَّهِ العهدُ الذِي ارتضاه لهمْ، وهوَ مَا ينظِّمُ الأخلاق والممارسات، ويوجِّهُ شعوبَنَا لتحقيق طموحاتِ قادتِنَا وأولِي الأمر منَّا.

وقدْ فسَّرَ ابنُ مسعود رضيَ اللهُ عنهُ وغيره مِنَ السابقين قولَهُ تعالَى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً». بالجماعةِ، فحبْلُ اللهِ الجماعة، والجماعة نجاة. قوله تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (سورة الشورى: 13). قال البغوي رحمه الله: «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة»، (معالم التنزيل للإمام البغوي 7 /186.)، ويعبر بعض الدعاة المعاصرين عن هذا المعنى بأن قيام الدين على ركنين هما: كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، ولا يستقيم أمور المسلمين في الدين والدنيا إلا بهما.

 

من السنة النبوية

وردت في السنة النبوية المطهرة أحاديث كثيرة تؤكد ما ورد في القرآن الكريم من الأمر بالوحدة والاجتماع والنهي عن الاختلاف والفرقة، ومن تلك الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً فيرضى لكم: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

قال النووي رحمه الله: «وأما قوله صلى الله عليه وسلم (ولا تفرقوا): فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام، واعلم أن الثلاثة المرضية إحداها: أن يعبدوه، الثانية: أن لا يشركوا به شيئا، الثالثة: أن يعتصموا بحبل الله ولا يتفرقوا»، (شرح صحيح مسلم للنووي 12/11.).

2 ــ قوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة»، (سنن الترمذي: 4 / 465.). وقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بلزوم الجماعة في أحاديث أخرى كثيرة.

 

السيرة النبوية

لقد حرص النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ هجرتِه إلى المدينة علَى الاتحاد، فآخَى بيْنَ المهاجرين والأنصار، فكانُوا جميعاً يداً واحدةً وجسداً واحداً، فقَدْ طبقُوا تعاليم رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم، الذِي قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». ولَمْ يكتفِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِهذه المؤاخاة بيْنَ المهاجرين والأنصار، إنَّمَا عقد اتفاقاً معَ قاطنِي المدينة مِنْ غيْر المسلمين، حتَّى أبرم معَهُمْ معاهدةً، وكتَبَ بذلك وثيقةً تُسَمَّى بوثيقة المدينة، تلكَ الوثيقةُ التِي جمعَتْ كلَّ مَنْ يعيش بالمدينة مِنْ مسلمين وغيرِهِمْ، وعَلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم صحابتَه كيف يكون الاتحاد بسيرتِه ومواقفِه وجميع حياتِه، فهُوَ صلى الله عليه وسلم الذِي يبنِي ولاَ يهدِم، ويزرع بذور التعاونِ والاتحادِ بيْنَ الناسِ، ويجمعُهُمْ ويحذِّرُهُمْ مِنَ الفُرْقَة بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ». وبقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثاً وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلاَثاً، يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، وَأَنْ تَنَاصَحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَسْخَطُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ».

 

مقومات الوحدة والاتحاد

تقوم الوحدة الإسلامية والاتحاد على أسس متينة ومقومات وطيدة، ومن تلك الأسس والمقومات ما يلي:

 

وحدة العقيدة

فعقيدة المسلمين في الله تعالى وفي جميع أركان الإيمان واحدة، لا اختلاف بينهم في أصول الدين ومبادئه الأساسية، فالمسلمون كلهم يؤمنون بوحدانية الله تعالى، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالرسل، وباليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، قال تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمن بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، (سورة البقرة: 285).

 

وحدة الشعائر والشرائع

فجميع ما يطبقه المسلمون في عباداتهم من شعائر جملة واحدة لا تختلف، وكذلك ما يحتكمون إليه من الشرائع في شتى جوانب الحياة. وكذلك إذا تأملنا في مقاصد تلك الشرائع نجد جملة منها لتحقيق مصلحة الأمة الإسلامية، من حيث قوتها وتماسكها وتعاون أفرادها.

 

وحدة المصادر والمراجع

للدين الإسلامي مصادر ومراجع محددة يتلقى منها المسلمون جميعا العقائد والعبادات والأخلاق والشرائع، قال تعالى: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً»، (سورة النساء: 59).

 

وحدة القيادة

من أسباب قوة الأمة الإسلامية ودوام عزتها أن تكون قيادتها موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، حتى تقوم بوظيفتها في الخلافة في الأرض والشهادة على الناس على أكمل وجه وأتم صورة. ولقد كانت قيادة الأمة الإسلامية في عصور العزة والتمكين موحدة ومصونة من المعارضة والمشاقة، يدين لها الجميع بالسمع والطاعة والولاء والنصرة.

 

نهضة حضارية

شهدَتْ دولةُ الإمارات بفضل اللهِ فِي ظلِّ هذا الاتحاد الميمون نَهضةً حضاريةً كبيرةً، شهد بِها القاصي والداني، ففي مجال العلاقات الدولية صار للدولةِ حضورُهَا البارزُ ودورُهَا الريادِيُّ الفَعَّال فِي المحافل الدولية والرسمية، وجهدُها الكبير فِي حلِّ الكثير مِنَ المشكلات، ورأيُها المؤثِّر والمهمُّ.

وفِي المجالِ العمرانِيِّ والاقتصادِيِّ والحضارِيِّ تحولَت الكثير مِنْ رُبوع الدولة بفضل اللهِ تعالَى إلى واحات خضراء يانعة، أنبتَتْ أُكُلَهَا بفضْل ربِّهَا، قالَ تعالَى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا».

Email