السعي على العيش واجب وفرض لازم

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل إنسان مدفوع بغريزته إلى المحافظة على نفسه والحرص على وجوده فلن يستغني مخلوق عن الأكل والشرب ليصون جسمه من الهلال ولا غنى له عن ملابس تقيه شدة الحر والبرد ولا بد له من سكن يؤويه وينام فيه ثم هو مدفوع بغريزته أيضاً إلى الزواج وتكوين الأسرة مشتاق إلى النسل والذرية وهو وحده المسئول عن إرادة بيته المكلف بالإنفاق على زوجه وولده قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، شعر الرجل بمسؤوليته وأدرك ضرورة السعي على نفسه وعياله فأشتغل بالزراعة والتجارة والصناعة والحرف وتقلد الوظائف يتقاضى مرتباً فكان كاتباً ومدرساً وخطيباً ومهندساً وكل ميسر لما خلق له وسبحان من قسم الأرزاق بمشيئته وفضل بعضها على بعض بحكمته: (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون).

هذا السعي على العيش واجب التكسب فرض لازم العمل سر النجاح، الضرب في الأرض ابتغاء فضل الله أمر مشروع احتراف الحرفة واتخاذ المهنة عمل محبوب عند الله قال صلى الله عليه وسلم (وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون) فإذا كان المال مطلوباً لكل إنسان محبوباً لجميع الناس يصرفونه في شئونهم فهل يترك الله عباده للمال والدنيا يطلبونهما من كل سبيل؟ ويسعون لهما بكل طريق هل يترك الإسلام الناس للمال يسرقه بعضهم من بعض ويغتاله ويغتصبه ويصل إليه بالغش والخديعة والنصب والاحتيال؟ الله الذي حرم على نفسه الظلم لا يرضى الظلم على عباده، الله الذي حد حدوداً لا يصح تجاوزها ووضع أصولاً لا يجوز مخالفتها هو الذي بين الحلال والحرام في الكسب والملبس والشراب والطعام (زين للناس حب الشهوات) وفتن ابن آدم بالمال والنعيم وامتزج حب المال بلحمه ودمه وخالط قلبه وتمكن من نفسه واتخذ بعضنا المال إلهاً معبوداً وحاكماً مطاعاً وإماماً متبعاً فقدم أوامره على أمر الله وتنفذ أحكامه ولو أسخطت الله وأضرت الناس وأفسدت الأخلاق وذهبت بالكرامة فكيف يرضى الله عن هذا الضلال المبين ؟ جاء الإسلام يبين طرق الكسب المشروعة وسبله المباحة جاء الإسلام يعلمنا أن المال وسيلة لا غاية وبداية لا نهاية وأنه ليس خيراً لذاته بل خيره في الاستغناء به عن الناس والإنفاق على العيال ومساعدة البائس والمحتاج وأنه ليس شراً لذاته بل شره في الشح به والبخل والطغيان بالمال وإنفاقه في الفسق والفجور والباطل والزور وأن المال قد يفتح لصاحبه النعيم وقد يفتح له أبواب الجحيم نادى الإسلام بأن الدرهم الحلال هو ما أخذته أجراً لعمل مباح أو ربحته في تجارة بحق أو ورثته بأمر الله وأن الدرهم الحرام ما أخذته بغير حق وحصلت عليه من عمل قبيح أو فعل محرم وما اغتصبته من صاحبه وما وصلك بدون استحقاق من ربا وميسر وأوراق اليانصيب ومراهنات الحمام وسباق الخيل وليس المقام الآن بيان أنواع الحلال وأصناف الحرام فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام» الحلال يرضي الله فيبارك فيه ومعنى البركة في المال أن يكفيك القليل ويغنيك بينما لا يكفى غيرك البركة في المال الحلال أنك إذا اشتريت به طعاماً أفادك في جسمك وصحتك وإذا اشتريت ثياباً حفظها لك الله زمناً طويلاً وإذا اشتريت به أرضاً للزراعة أو عمارة للاستغلال زاد الله زرعها وربحها وإنتاجها وإذا تصدقت به قبل منك وإذا تركته ميراثاً كان على الورثة خيراً ونعمة والمال الحرام لا خير فيه ولا نفع منه منزوع البركة عديم الفائدة الكثير منه لا يغنى والقليل منه لا يذكر.

Email