سفير الدولة في واشنطن للبرنامج الأسبوعي لموقع «المونيتور»:

التخطيط الاستباقي عزّز نجاح الإمارات في احتواء «كورونا»

يوسف العتيبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد معالي يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة الأمريكية، أن التخطيط الاستباقي عزّز قدرة الإمارات على مواجهة واحتواء فيروس«كورونا» المستجد «كوفيد 19»، مشيراً إلى أن جاهزية القطاع الصحي وما تتضمنه من رعاية فائقة قللت من أعداد الوفيات جراء الفيروس، وساعدت على تحقيق نسب شفاء عالية بالمقاييس العالمية.

وقال: إن توجّه حكومة دبي الحالي يجعلني أؤمن بأننا سنخرج من الأزمة أكثر فاعليةً ومرونةً، سيما في مجال تقديم الخدمات التي ستتحوّل برمتها إلى إلكترونية. وأضاف: إن الإمارات قدمت حتى اليوم أكثر من 708 أطنان من المساعدات لأكثر من 62 دولة، استفاد منها نحو 708 آلاف من المهنيين الطبيين.

جاء ذلك خلال استضافته في البرنامج الأسبوعي لموقع «المونيتور» الذي يتناول مواضيع الساعة حول العالم مع صنّاع القرار ومهندسي ملامح السياسات، حيث استعرض أبرز ما تمرّ به المرحلة في ظل جائحة «كوفيد 19» وتأثيراتها خاصة على منطقة الشرق الأوسط، إضافة لنظرته الثاقبة حول معظم قضايا المنطقة في ظل المتغيرات التي تعصف بالعالم.

وتالياً نص الحوار:

أزمة عالمية

* لنتحدث عن أزمة «كوفيد 19» وقد أذهلنا أن الإمارات التي بها 10 ملايين نسمة لم تسجل حتى اليوم سوى 37018 إصابة و273 حالة وفاة فقط مقارنةً بالولايات المتحدة التي تعتبر 30 مرة أكبر من حيث تعداد السكان، لكن معدلات الوفيات فيها بلغ 0.7%، في حين أن المعدل في العالم يصل إلى 6 %، فكيف لنا أن نحذر البقية ونتعلم مما تقوم به الإمارات وكيف لذلك أن يفيد السياسات المتبعة لدينا؟.

الإمارات حققت نجاحاً لأن حالات الوفيات فقط 273، مع أني لا أتمنى لأحد أن يعاني أو يموت لسبب مماثل، وأعتقد أن نجاح الإمارات يعزى لاتخاذها خطوات في مرحلة مبكرة، وقد كنت هناك في ديسمبر الماضي وشهدت تقديم الجهات المختصة لدينا تقريراً يومياً حول فيروس «كورونا». ولم يكن من أحد حينذاك يتصور أننا سنصل إلى ما نحن فيه اليوم، لذا لا أريد القول إننا تنبّأنا.

لكن من المؤكد أننا قد خططنا في مراحل مبكرة، وبدأنا الاستعدادات على جميع الصعد، بدءاً بقطاع الرعاية الصحية مروراً بوضع الأنظمة والقوانين والإجراءات التي سنتبعها، ومع أن 37018 حالة ليس بالرقم البسيط، إلا أننا بالمقابل نجحنا في إجراء الفحوصات لأكثر من 20 % من سكان البلاد.

لذا وكما أشرت فإنه بوجود 10 ملايين نسمة فإننا قد تخطينا حاجز المليوني فحص ولا نزال مستمرين، وجمع ذلك الحجم الهائل من المعطيات أوضح الصورة لنا حول عدد الإصابات وكيفية التعامل معها والحالات التي يجب عزلها أو لا.

كما أنه توجد لدينا إجراءات صارمة بالفعل فيما يتعلق بالانتقال والسفر، وقد أخذت تخف شيئاً فشيئاً اليوم، لكني أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن تكون هناك مقاربة حكومية شاملة، وهذا ما نتحدث عنه فيما يتعلق بقطاع الرعاية الصحية والمواصلات العامة والاقتصاد والأمن الغذائي، وكل ما يمكن أن تتخيله قد خضع لدراسة فريق متخصص يدرس الأوضاع، ويتخذ بناءً عليه المقررات التي بسببها نقول اليوم إننا حققنا النجاح.

* سمعنا أنه في الإمارات يتم إدخال المريض على الفور إلى المستشفى في حال جاءت نتيجة الفحص إيجابية، هل هذا صحيح؟.

تماماً، ولهذا السبب فإن معدل الوفيات منخفض لأن الشخص المصاب يحصل على العلاج في حال كانت نتيجة الفحص إيجابية، كما يحدد مكان التواجد وإمكانية فرض الحظر، وهذه مقاربة معيارية أثبتت فاعليتها في التعامل مع فيروس «كورونا».

*توجد تقارير تتحدث عن تمركز الإصابات في بيئة العمالة الأجنبية في منطقة الخليج، فهل اختبرت الإمارات مثل هذا المشهد؟.

حصل ذلك بالفعل، لكن مع أني لا أملك المعطيات المفصلة وتوزيع الحالات، أقول لك: إن بعض المواطنين الإماراتيين قد تبين إصابتهم بالفيروس وجاءت نتائج فحوصاتهم إيجابية، إضافةً لمغتربين من بلدان غربية وعمال في قطاع البناء، وهذا أمر طبيعي نظراً لتنوّع البيئة الديموغرافية الإماراتية.

لذا فإنه حيث حصل اختلاط للعمال بالعائدين من خارج الدولة مصابين على الأرجح بالفيروس ظهر التفشي، واعتمد مبدأ حظر التنقل الصارم لـ 24 ساعة، بما في ذلك من تفاوت بالتطبيق تبعاً لمدى التزام الناس بقواعد التباعد الاجتماعي أولاً، لكننا نخطط لمواصلة مراقبة الأوضاع لضمان الحدّ من تفشي الفيروس.

*ماذا عن إجراءات الفحوصات في المطارات ومراكز التسوّق لما لذلك من أهمية في استباق الأحداث ضمن ما طرحته من رؤية الحكومة الشاملة؟.

أعتقد أن الناس لا يزالون مترددين حيال الخروج من المنزل حتى في ظل الإرشادات والإجراءات والفحوصات، ولا يشعرون بالارتياح للتواجد في الأماكن العامة والطائرات إلا إذا كانوا مضطرين لذلك بالفعل، ونحاول أن نجعل الأمر آمناً قدر المستطاع بالنسبة لهؤلاء، فإن ذهبت إلى أحد مراكز التسوق ترى أن هناك مرحلة عمرية لا يسمح لها بالتواجد هناك.

إضافةً إلى القيود على أعداد المتواجدين في مساحة معينة في وقت محدد، إضافةً لاتباع مبدأ التعقيم وحظر التجوال في مناطق محددة من المدينة وتعقيمها بانتظام، لذا فإننا نحاول خلق بيئة آمنة وصحية، ومع ذلك تقاوم شريحة من الناس فكرة التواجد في الأماكن العامة.

* أرسلت الإمارات مساعدات لأكثر من 62 دولة، وهو حسن تعامل والتزام في ظل الاقتصاد القائم وانخفاض سعر النفط، فما تصورك لدور الإمارات ودبلوماسية «كوفيد 19» التي تتبعها؟.

أجل، قدمت الإمارات حتى اليوم أكثر من 708 أطنان من المساعدات لأكثر من 62 دولة، استفاد منها نحو 708 آلاف من المهنيين الطبيين، وقدمنا هبات للولايات المتحدة شملت 500 ألف من معدات الفحوصات التي كان يصعب الحصول عليها هنا، وأعتقد أن الفكرة الأساسية هو أنه ما لم تتعاون دول العالم معاً فلن نتمكن من التغلب على أزمة «كورونا»، وإذا قمنا بحلّ المشكلة في أوروبا دون آسيا أو في أمريكا دون إفريقيا مثلاً فلن نكون قد تخطينا الأزمة فعلاً، لذا يجب أن تتمثل رؤية القيادات في مساعدة تلك الدول التي لا تملك القدرات والإمكانات لإجراء الفحوصات.

وتعقب الحالات والتعامل مع «كورونا». لأنه كما التحديات الأخرى الكبرى كتغير المناخ مثلاً أو الأوبئة الأخرى، فلا بدّ من أن نقوم بالتصدي لها معاً، وأعتقد أنه لهذا السبب ترى مثل ذلك التنوع في جهات المساعدات التي نقدمها، سواء في أوروبا أو إفريقيا أو آسيا وحتى الولايات المتحدة.. رؤيتنا في الإمارات تقضي بالتعامل مع «كورونا» أينما كان في العالم إذا أردنا أن ننتصر في النهاية.

*أرسلت الإمارات شحنتين من المساعدات الطبية على الأقل إلى إيران، وقد لمسنا نبرة دبلوماسية وإيرانية مغايرة أكثر لطفاً سيما بتأكيد وزير الخارجية الإيراني أنه لن ينسى مساهمات الإمارات في هذه الأوقات، فهل ترى أن في ذلك إمكانية لحصول تغيير في العلاقات؟.

يمكنني أن أجيب هنا عن الشق من السؤال المتعلق بكيف ننظر إلى مسألة تقديم المساعدات عموماً، سواء لإيران أو لغيرها من الدول، وأعتقد أننا ننظر للأمر على أنه مسألة إنسانية. فإذا كانت دولة ما بحاجة للمساعدة فإننا نضع الاعتبارات السياسية جانباً، ونحاول تقديم المساعدة من باب إنساني، وأعود وأكرر أننا كمجتمع دولي لن نهزم الجائحة ما دمنا لا نتحدّ لمواجهتها معاً. وسواء كانت إيران أو غيرها من الدول تحتاج للمساعدة فإننا على المستوى الإنساني نمضي قدماً لتقديم العون.

أما ما يتعلق بإسهام تلك المبادرة أو المساعدة في تغيير موقف الدولة الأخرى، وسياستها حيالنا فإن ذلك شق يتعلق بها للإجابة عنه.

* هل ترى أية مؤشرات على تلقف إيران لموقفك القائل بأن اتفاقية التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية بين أمريكا والإمارات هي المعيار الذهبي؟.

حين بدأنا التفكير بمقاربة القوة النووية والنظر فيها، إنما فعلنا لأنه توجد لدينا طاقات كبرى وأساسية، ومعظم الناس لا تعرف أنه بالرغم من امتلاكنا لمصادر نفطية هائلة، فإننا مصدّر مهم للغاز الطبيعي، ومع استمرار نمو الاقتصاد كان من المهم لنا وجود مخزون آمن من الطاقة، لذا ذهبنا في الاتجاه النووي.

وفي مجال تفكيرنا بالأمر أدركنا أن السبيل الأمثل والأكثر أماناً للحصول على الطاقة النووية، يكمن في تجاوز عملية التخصيب وإعادة التصنيع التي تُعدّ الجزء الأخطر، لذا طرحنا هذا النموذج وقمنا بالتفاوض مع الكونغرس الأمريكي، سيما العضو هاورد بيرمان، الذي أشار إلى أن ذلك هو ما يجب أن تكون الأمور عليه، وأنه المعيار الذهبي الواجب اتباعه فيما يخص التعاون النووي بين أي دولتين.

لذا حاولنا المساعدة وقمنا بعرض هذا النموذج، حيث بإمكاننا إنتاج الطاقة النووية من خلال تأجير الفيول، ومن هنا نود لأي دولة أخرى سواء إيران أو غيرها اتباع هذا النموذج لأنه أثبت فاعليته أولاً: لناحية الأمان والدعم الدولي الذي يحظى به، ثانياً:

أن الدولة تحظى بميزة اختصار الخط الزمني، كما أن الالتزامات المالية تكون أقل بكثير، مما يمنح معنىً للمسألة من أي جهة تنظر إليها. وأعتقد أنه لا يزال بإمكاننا القيام بالكثير في هذا المجال وتقديم نموذج لتحتذي به بقية الدول.

*الإمارات وأمريكا على علاقة وثيقة تجاه رؤية المشهد في منطقة الخليج والتهديد الإيراني، فهل تؤيد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي؟.

أعتقد أنه يجب معرفة ما الذي ستقوم به إيران هنا في ظل التوتر القائم في المنطقة وحملة الضغوطات المستعرة وأزمة «كورونا»، وأظن أنه لا داعي لحصول أي تصعيد يؤدي إلى مزيد من الزعزعة في المنطقة، كما أظن أننا لن نشهد تغييراً جوهرياً في الموقف الإيراني حتى نوفمبر المقبل، في ظل موقف ترامب الصريح بالعودة إلى مرحلة التفاوض للتوصل إلى اتفاق أفضل، وهذا ما لا أراه مطروحاً من الجانب الإيراني.

*موقف الإمارات من النزاع العربي الإسرائيلي سبق أن أشرت إلى أنه مع إطلاق الخطة في يناير الماضي، فإنها طرحت نقطة بداية مهمة للعودة إلى المفاوضات، فهل تظن أنه لا يزال طرح ترامب قائماً في ظل تعنت نتانياهو وإصراره على مخطط الضم في يوليو المقبل، سيما في ضوء تحدث وزير الدولة للشؤون الخارجية معالي الدكتور أنور قرقاش عن ضرورة وقف الحديث عن ضم الضفة؟.

لا بدّ من القول: إنك قرأت موقف معالي الدكتور أنور قرقاش بدقة، لكني أقول: إنها لا تزال نقطة بداية للجلوس إلى طاولة المفاوضات وطرح الأمور كما هي دون التوصل بالضرورة إلى حل، لكني إلى الآن لا أرى أية مفاوضات تحصل، وأود القول:

إن قرار الضم من شأنه تعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ويزيد من الضغوطات على أشقائنا في الأردن، ويشعل فتيل الاحتجاجات في الشارع، كما أنه مختلف تماماً عن مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب.

*القيادة الفلسطينية تلغي اتفاقاتها مع أمريكا بسبب قرار نتانياهو فهل تظن أنها خطوة صائبة من جانب الرئيس محمود عباس؟

أظن أنه لم يتبقَ الكثير من الخيارات المطروحة أمام الفلسطينيين، وأجزم بضرورة العودة للتفاوض كمدخل ما.

*صراع آخر أقرب إلى الإمارات، يجري في اليمن. فما هو موقفكم، وكيف تنظرون إلى المساعي الأممية هناك سيما في ظل الإعلان مؤخراً عن تخفيض حجم المساعدات بنسبة 75 %؟.

إننا نقترب من موعد مضي عام من انسحاب القوات الإماراتية من اليمن، باستثناء بعض القوات، ومن المهم أن نعرف، بالرغم من ميل الناس لتسييس قضية اليمن، أنه طلب إلينا المشاركة في استعادة الشرعية من قبل الحكومة اليمنية ومجلس دول التعاون وتفويض من الجامعة العربية، وذهبنا فيما بعد إلى قرار مجلس الأمن 2216، لذا كان لدينا تفويض دولي وأمضينا عدة سنوات هناك، حيث اتخذت الحرب منحىً سياسياً.

القيادة تسير على نهج المؤسس في العطاء

قال معالي السفير يوسف العتيبة: إن الأعمال الإنسانية ليست بالأمر المستغرب على الإمارات، ولو حظي أحدهم بالعيش في زمن الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لأدرك عمق فلسفته القائمة على مسؤوليتنا في مساعدة المحرومين والأقل حظاً، التي نرى معانيها تتجسد باستمرار مع قادة الإمارات، وحيثما ذهبت من حول العالم سترى مشروعاً ما أسس له المغفور له الشيخ زايد على مبدأ وضع الإيديولوجيات والسياسة جانباً، وتقديم العون من منطلق إنساني بحت.

أما عن متابعة عمل الدبلوماسيين في زمن «كوفيد 19» فأشار العتيبة إلى أن التكيف هو سيد الموقف، وأن اللقاءات تجري عبر المنصات الافتراضية، وهو أمر سيتواصل مع غالبية الناس إلى أن يشعروا بأنهم في مأمن إذا خرجوا، وإلى حين توفر لقاح أو علاج ناجز.

وحول رؤيته للسياسة الأمريكية بحكم سنواته الـ12 سفيراً في واشنطن، قال العتيبة: إنه يرى استقطاباً يخالف موجة الاعتدال التي كانت تطبع الإدارات السابقة، وأن من شأن ذلك التطرف نوعاً ما أن يسفر عن تذبذب في السياسة الخارجية الأمريكية وتأرجحها، معتبراً أن ذلك ليس بالأمر الجيد، آملاً في العودة إلى الوسطية والاعتدال.

 

Email