«أطفال المواقع الافتراضية» استغلال عائلي مرفوض

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اعتبر قانونيون وأكاديميون، استغلال الأطفال من قبل ذويهم، ونشر مقاطع فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء على سبيل الترفيه أو لغايات الكسب المادي ونيل الشهرة «هي ممارسات غير مسؤولة من الناحية القانونية، وتعد انتهاكاً حقيقياً للتدابير اللازمة التي كفلها القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016، بشأن قانون حقوق الطفل «وديمة»، محذرين من التصرفات والانتهاكات التي يقوم بها بعض الأهالي، ولا يدركون أنها تعد استغلالاً لأطفالهم، لتحقيق الشهرة على المواقع الافتراضية، أو التسلية، وغايات الكسب المادي، وفيها انتهاك خطير لخصوصية الطفل، لافتين إلى أن القضية جدلية على المستوى الاجتماعي، إذ تجد أن الكثير من الأصوات التي تعتقد بأن ما يحصل هو انتهاك للطفولة، وبين من يراها حرية شخصية، تتعلق به وأطفاله.

المشرع الإماراتي، أفرد فصلاً كاملاً للعقوبات، تحدث عنها المحامي عبد الله الكعبي رئيس الهيئة الإدارية بجمعية الإمارات للمحامين والقانونيين فرع أبوظبي، قائلاً: «إن من يقوم باستغلال الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأغراض معينة، منها الشهرة أو كسب تعاطف الآخرين، عبر ظهور الأطفال بصور أو مقاطع فيديو كوميدية أو ساخرة، وهذه السلوكيات منافية تماماً لقوانين الدولة، وتتراوح عقوبتها من الغرامة بمبلغ 5 آلاف درهم، حسب نص المادة 60، لا سيما إذا خالف نص المادة 34 من هذا القانون، وتصل العقوبة حتى 50 ألف درهم، مع الحبس، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف حكم المادة 36 سابقة الذكر من هذا القانون».

انتهاك خصوصية

وقال: «إن قانون حقوق الطفل «وديمة»، أورد مادة فقرة إهمال الطفل، بمعنى أن عدم قيام الوالدين أو القائم بأعمال الرعاية، باتخاذ التدابير اللازمة، للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية من الخطر، وحماية حقوقه المختلفة، وذلك لأنه مجازفة حقيقية ببراءة الصغار، وعبث واضح بمستقبلهم، وتلويث فكري وأخلاقي وسلوكي للطفولة، ولعل أكثر ما يثير القلق، هو سعي بعض الآباء والأمهات، لتحويل أطفالهم إلى نسخ باهتة عن المشاهير، من حيث الإسفاف وتقليد المظهر، لرفع نسب المشاهدة، والمؤسف أن عدداً من الأهالي، يجتهدون في سلخ أطفالهم عن أعمارهم الحقيقية، فنرى، على سبيل المثال، طفلاً أو طفلة لم تتجاوز الأربع سنوات، يظهر خوفه بردة فعل من الشخص الذي يعطس أمامه، وكأنه يعي ما يحيط حوله، وهذا بدوره انتهاك للمصلحة العليا للطفل، التي نصت عليها المادة الأولى أيضاً من أحكام قانون الطفل (وديمة)، حيث أكدت في فقرة المصلحة الفضلى للطفل على «جعل مصلحة الطفل فوق أي اعتبار، وذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف، ومهما كانت مصالح الأطراف الأخرى»».

وعد الكعبي هذه الممارسات «انتهاكاً لحق الطفل في احترام خصوصيته»، وفقاً للنظام العام والآداب، كما نصت المادة 5 بقانون حقوق الطفل، حيث أكدت على احترام خصوصية الطفل، وفقاً للنظام العام والآداب العامة، ومنع هذا القانون استغلال الأطفال بأي صورة كانت، حيث نصت الفقرة المادة (33) بالفقرة 7 منها، على عدم استغلال الطفل بأي شكل من الأشكال، ومن ذلك تعريضه للتسول أو استغلاله اقتصادياً.

كما حمى هذا القانون، الطفل من أي عمل أو سلوك يعرض سلامته العقلية أو النفسية أو الأخلاقية للخطر، وذلك بنص المادة 34 من هذا القانون، كما حظر القانون بالمادة 36 منه، على تعريض الطفل لأي عمل من شأنه التأثير في توازنه العاطفي أو النفسي أو العقلي أو الأخلاقي.

وأضاف، حرصاً من الدولة على حقوق الطفل، أمرت بإنشاء سجل بوزارة الشؤون الاجتماعية، بنص المادة 55 من هذا القانون، يقيد فيه حالات سوء معاملة الأطفال، ولا يجوز الاطلاع عليه إلا بأمر النيابة العامة أو المحكمة المختصة.

ولفت المستشار القانوني معتز فانوس، إلى مسألة في غاية الدقة، وهي أن الشهرة تعرض الطفل للدخول في عالم ضخم، مليء بالمغامرات واللقاءات والتجارب والأشخاص، وتحت الأضواء بصفة مستمرة، ما يتسبب في فقد الطفل لذة الطفولة، فلا يستطيع اللعب، لأن الأنظار عليه، ولن يسمح له أن يكون شخصاً عادياً، كما سيجد عبارات مدح وثناء مستمر، ويبحث عمّن هم أكبر سناً، كي يتماشى مع ميولهم وطموحاتهم، لذا، لن يعيش طفولة سليمة، وسيتخذ القرارات التي لا تتناسب مع عمره، مشيراً إلى تصدي المشرع الإماراتي لهذه الانتهاكات، فكرس بالقانون 3 لسنة 2016 (قانون حقوق الطفل «وديمة»)، لما لها من تأثير في سلامته النفسية والعاطفية، وتكوين شخصيته على المدى القريب والبعيد.

واعتبر استغلال الأطفال في تقديم محتويات غير لائقة «أمر مرفوض دينياً وقانونياً ومجتمعياً»، ويجب التنبيه ومساءلة أولياء الأمر، وتوقيعهم على تعهد لدى السلطات المختصة، بعدم التكرار، ‏وفي حال تكرار هذه التجاوزات، تتخذ إجراءات قانونية رادعة، مع الإعلان عن نوع المخالفة، والحكم أو العقوبة المتخذة وأسبابها، ردعاً لهم وردعاً للآخرين، ‏فكل ما من شأنه الإساءة للطفل أو إيذاؤه، مجرّم قانوناً.

وحذرت موزة الشومي نائب رئيس جمعية حماية الطفل من استغلال الأطفال وتصويرهم وتزيين السلوك الانحرافي لهم ولغيرهم من الصغار، مشيرة إلى المادة 26 من قانون حماية الطفل وديمة والتي تحظر نشر أو عرض أو تداول أو حيازة أو إنتاج أي مصنفات مرئية ومسموعة ومطبوعة أو ألعاب موجهة للطفل تخاطب غرائزه أو تزين له السلوك المخالف للنظام والآداب العامة أو يكون من شأنها تشجيعه على الانحراف في السلوك، موضحة أنه يعاقب كل من يقوم بذلك بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مئة ألف درهم ولا تزيد على 400 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقالت: من المعيب استغلال الأطفال، هؤلاء سيكبرون ويصبحون ضحايا تنمر لاحقاً بسبب هذه الفيديوهات، فالطفل ليس سلعة للشهرة والاستغلال المادي، داعية إلى ترك الطفل ليعيش براءته لأن تداول الصور يضر بهم.

وذكرت أن ولي الأمر مسؤول مسؤولية كبيرة أمام نشر وتداول واستغلال حسابات التواصل بوضع ابنه موضع سخرية أو تلفظ بسب وقذف وأنه مساءل عليها ويحاسب قانونياً. وأضافت: لاحظنا فيديوهات يتم من خلالها استغلال الطفل لتزيين السلوك السلبي والاستهزاء بهذا السلوك فيتوهم الطفل المتلقي أو المشاهد بأن السلوك عادي ما يخل بنظام الآداب العامة التي تربى عليها المجتمع.

تنامي الظاهرة

الدكتور أحمد العموش من كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم علم الاجتماع، قال: نلاحظ خلال أزمة «كورونا»، تنامي ظهور الأطفال عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على سبيل الترفيه أو الاستعراض، لحاجة مادية للعائلة، أو رغبة في الشهرة، والتسلية خلال فترة البقاء في المنازل، معتبراً هذا السلوك «شكل من أشكال الإساءة للطفل»، كونه يصبح عرضة للإساءة اللفظية والتنمر، بعد أن جعله مشاهَداً من قبل الآلاف من البشر على المواقع الافتراضية، منبها مما قد يحدث للأطفال لاحقاً، من انعكاسات سلبية، قد تدخلهم في دوائر من الحزن والعزلة وخطر الاكتئاب، والميل نحو العنف بالتصرف، معتبراً وضع الطفل في مجموعات تعليمية ترفيهية أو نشاط علمي وتصويرهم، أمراً محموداً، لكن عرض مقاطع مصورة غير مرغوب منها سوى التسلية والشهرة، فمرفوض قطعاً، محذراً من مغبة تزايد استغلال الأطفال عبر هذه المواقع، مطالباً في السياق ذاته، بمساءلة الأسر التي تقوم بذلك، من خلال الجهات المعنية.

مساءلة قانونية

قال المستشار القانوني معتز فانوس: «إن «عدم العلم بالقانون»، لا يعفي الجاني من المساءلة القانونية، وأفرد المشرع جملة من الضوابط التي تحمي حقوق الطفل، أهمها اعتبار مصلحة الطفل فوق أي اعتبار، وكذلك ضرورة تمتع الطفل بحياة حرة وآمنة ومتطورة، حسب ما جاء بالفقرة 1 من المادة 2 من هذا القانون، ومنها أيضاً، ما جاء بالفقرة 7 من المادة 20 من هذا القانون، التي ضمنت للطفل النمو العقلي والوجداني والاجتماعي واللغوي.

كما اعتبر المشرع الإماراتي استغلال الطفل اقتصادياً، مما يتسبب في تهديد سلامته النفسية والعقلية والأخلاقية، عملاً محظوراً، لأنه يمس بحقوقه المحمية بالقانون، حسب نص المادة 33، لذلك يمنع التصوير بغرض النشر لصور أو مقاطع فيديو كوميدية أو ساخرة للطفل، أو محرجة، فيها استهزاء أو سخرية من وعلى الطفل، لأنها مخالفة للضوابط القانونية».

Email