5 صنّاع أمل.. قصص ملهمة تنشر الإيجابية والتفاؤل

ت + ت - الحجم الطبيعي

الدكتور مجاهد مصطفى علي الطلاوي.. «طبيب المساكين»

«طبيب المساكين»؛ هكذا أسماه أهل قرية طلا في صعيد مصر. رأوا فيه الإنسان والصديق والابن والأخ والأب، الذي لا يخيّب أمل جيرانه وأهله، ولا يتركهم فريسة للمرض والعوز. عرفوه على مدى السنين الطوال عوناً وسنداً، يقيهم حرج السؤال في السقم، ويكفيهم همّ الدَين في المرض، ويقيل عثرات الكرام.

الدكتور مجاهد الطلاوي، تخرّج من كلية الطب، فحصل من فوره على تعيين في مستشفى القصر العيني في العاصمة المصرية القاهرة. ورغم أن زملاءه وأقرانه غبطوه على ذلك التعيين، اعتذر عن قبوله، واختار طائعاً أن يقدم وقته وجهده وعلمه ومعارفه لأهل قريته طلا، الكائنة بمحافظة بني سويف بصعيد مصر.

بسطاؤها صاروا عائلته الكبرى التي لأجلها يعمل ليل نهار، فامتدت تلك العائلة واتسعت عاماً تلو آخر.

الطبيب المصري كرّس حياته لمواجهة الفقر والمرض، وعاش على هذا النهج تنفيذاً لوصية والده الذي قال له في بداية مشواره المهني: «إن المرضى إن وردوا عليك أسلموا لك أغلى ما يملكون من حياتهم، واستأمنوك على أرواحهم وأموالهم، فلا تكن للأمانة خائناً، ولا تضيّع المسؤولية التي صارت إليك، بل كن على قدرها مع نفسك ومع أهل بلدك».

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من هذا القرار المصيري في حياة الدكتور مجاهد، استطاع ومن تطوع معه تشخيص وعلاج وتقييم وإحالة ما يقارب مليوني حالة على مدى أكثر من ثلاثة عقود بمعدل 60 ألف حالة سنوياً، وقام والعاملون معه بإجراء آلاف العمليات الجراحية.

يومياً يعاين الدكتور مجاهد مع فريقه من 200 إلى 250 حالة من قريته وقرى الصعيد التي سمع أهلها عن رأفته بحال المرضى البسطاء فقصدوه من كل مكان ينشدون على يديه التشخيص والعلاج على طريق الشفاء.

علي الغامدي.. «أبو الأيتام»

أراد أن يغيّر حياة الأيتام، فغيّروا حياته، وجعلوا منها نموذجاً لغرس الأمل دون مقابل في البقاع القصيّة والبلاد النائية والمجتمعات التي تغالب الجوع ساعةً فساعة وتكاد لا تجد ما يسد رمقها. وصارت حكايته قصة ملهمة قلّ نظيرها وصعُب تصورها حتى عليه؛ وهو الذي جاب عشرات الدول ورصد سنوات من عمره لهدف واحد وحيد منحه لقبه الأحب إلى نفسه «أبو الأيتام».

علي الغامدي، السعودي الذي عمل مدرباً للطيارين في مقتبل عمره، ترك كل شيء خلفه ساعياً إلى هدف حياته الأسمى الذي اختار فيه أن يكفل الأيتام في أقاصي قرى أفريقيا وآسيا، حتى وإن اضطر أحياناً لاقتراض المال وتسديده لاحقاً، لا لشيء إلا ليرى الابتسامة وشعور الأمان والثقة بالإنسان والإنسانية على وجوه الأطفال والمحرومين والمعوزين من أبناء تلك المجتمعات الفقيرة. ل

م يرزق الولد في بداية حياته، فقرر علي وزوجته كفالة يتيم، وإذا بالحمل يتم بعد هذا القرار بقليل.

فما تراجعا عنه، بل اعتبراه البوصلة الجديدة لحياتهما التي كرّساها منذ تلك اللحظة الحاسمة لرعاية الأيتام ممن فقدوا الأهل والسند. سافر أولاً إلى شرق آسيا وعمل على مدى أربعة أعوام على توفير الرعاية للأيتام في المجتمعات الفقيرة، بعد أن اطلع على أفضل ممارسات رعاية الإيتام في كلٍ من كوريا الجنوبية وهونغ كونغ وماليزيا والفلبين.

قرر بعدها أن يتوسع في عمله الإنساني نحو أفريقيا. جاب علي الغامدي 28 دولة أفريقية تعادل نصف دول القارة على مدى سنوات عديدة؛ مرت عليه سريعة تملؤ قلبه بالسعادة والرضا لرضا الأيتام الذين يمد لهم يد الحنو والمساندة والأبوة.

ستيف سوسبي.. فلسطيني الهوية

«اسمي ستيف سوسبي، وأنا فلسطيني. وهذه هويتي الفلسطينية، وهذا جواز سفري الفلسطيني الذي حصلت عليه هنا». هكذا يستهل الصحفي الأمريكي ستيف سوسبي المقيم في الضفة الغربية منذ عقود حديثه معك وهو يروي لك قصته التي بدأت قبل أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً عام 1989 حين كان يعمل صحفياً في القدس.

رأى من وراء الكاميرا طفلاً يبلغ من العمر 10 سنوات اسمه منصور وقد فقد قدميه وذراعه وإحدى عينيه، فوضع الكاميرا جانباً، ونزل ليعاين الواقع عن كثب كما هو دون تجميل، وزار الطفل في غرفة المستشفى التي تم نقله إليها.

هناك وفي تلك اللحظة بالتحديد رأى مسار حياته المستقبلي يرتسم بوضوح جلي أمامه، وقرر أن يكرّس حياته لمساعدة أطفال فلسطين. أدرك حينها أنه قادر على فعل شيء لهم، بأن يساند الأطفال الذين فقدوا أطرافهم ويحدث فارقاً إيجابياً في حياتهم، لأنه لم يرد لمنصور وغيره من الأطفال ممن لا ذنب لهم أن يبقوا حبيسي الكراسي المتحركة ويفقدوا فرصهم وأملهم بالمستقبل.

أسس عام 1991 «جمعية إغاثة أطفال فلسطين» التي نجحت منذ ذلك الحين في تغيير حياة المئات من الأطفال الفلسطينيين من المرضى والمصابين ووفرت العلاج والرعاية الصحية لهم أو سهلت نقلهم إلى الخارج وإقامتهم وعلاجهم حتى تماثلوا للشفاء.

ستيف اليوم يتحدث بعضاً من العربية المحكية بلهجة فلسطينية تؤهله لتبادل عبارات المزاح وتجاذب أطراف الحديث مع الأطفال الذين فقدوا أطرافهم. يطمئنهم ويسألهم عن أحلامهم ومستقبلهم. يهدئ من روع طفلة تبكي بعد تعرضها لإصابة خطرة، ويحكي لها ليخفف عنها حرقة الألم عن طفلته التي أسماها «جنّة».

أحمد الفلاسي.. «عون المرضى»

أحمد الفلاسي، إماراتي عاين الألم عن كثب أثناء رعايته والدته في مرضها الأخير، فلم يدر وجهه عنه، بل حدّق فيه ملء عينيه وفكر كيف يهزمه ويزيح ظلامه عن وجه أمه ومن يعانون مثلها من الفشل الكلوي.

شاهد معاناتها بصمت مع غسيل الكلى الذي يستمر لساعات، فيمضّ القلب وينهك البدن رويداً رويداً ويرسم شحوباً ودمعاً يتجمع في العين ولا ينهمر. رافق أمه في مرضها، يشد على يدها، ويطيّب خاطرها، ويسامرها أثناء ساعات الغسل الطوال إلى أن فارقت الحياة.

تلك التجربة تركت أعظم الأثر في نفسه. فخلال بحث عن أحدث المعلومات الطبية حول المرض، عرف أن بعض مرضى القصور الكلوي في المجتمعات الفقيرة ينتظرون الأيام والأسابيع حتى يحين دورهم في غسيل الكلى، وذلك ضمن شروط قد لا تكون صحية أبداً في العدد القليل من المنشآت الصحية البسيطة المتاحة في متناولهم في المناطق النائية.

وعرف أن المحظوظ هناك من يحوز على مكان في مراكز غسيل الكلى، حتى لو اضطر إلى تقاسمه مع آخرين يتبادلون فيه الأدوار، بدلاً من حقن الكورتيزون التي تصبح في المراحل المتقدمة من القصور الكلوي تؤلم أكثر مما تسكّن، فتثقل الكاهل وتمتص نسغ الروح. ذلك كان الحافز له ليعمل على تقديم المساعدة لهؤلاء والعمل على تغيير حياتهم.

البداية كانت مع مركز لغسيل الكلى في مستشفى مدينة مومباسا في كينيا، زاره فوجده في حالة يرثى لها قديماً متهالكاً يحتاج إلى كل شيء. فقرر الانطلاق من هناك. وبدأ يؤمّن للمستشفى احتياجاته وتجهيزاته الطبية حتى أصبح يمتلك أحد أفضل المراكز وأكثرها تقدماً على مستوى كينيا. وصار قسم غسيل الكلى الذي بناه أحمد وجهزه بالمعدات الطبية المتطورة يخدم 8000 مريض.

محمد جمعة بزيك.. «رفيق المتروكين»

تساءل، حين رأى أطفالاً مرضى بحالات طبية مستعصية متروكين لمصيرهم بعد أن أسلمهم أهلهم للمجهول، كيف يدع الإنسان فلذة كبده؟ وقرر كما يفعل منذ عقود أن يفتح لهم بيته ليرعاهم كأب وطبيب وممرض.

محمد جمعة بزيك، المهندس الليبي المقيم في مدينة لوس أنجليس في الولايات المتحدة الأمريكية، احتضن في منزله على مدى أكثر من ربع قرن أكثر من 80 طفلاً تم التخلي عنهم بعد اليأس من علاجهم وحالاتهم الطبية العضال. فأصبح الإعلام في الولايات المتحدة يلقبه «أبو الأطفال الميؤوس من حالتهم الطبية» بعد أن كرّس جلّ حياته لرعايتهم.

عمله معهم بدأ مع زوجته التي كانت متخصصة في حضانة الأطفال الذين يعانون الأمراض المزمنة والمستعصية، حيث عملا معاً على رعاية هؤلاء، ولم تثنهما وفاة ابن لهما في السادسة من عمره عن مواصلة مهمتهما الإنسانية، حتى وافت المنية زوجته عام 2015، فقرر الاستمرار وفاءً لذكراها وذكرى ابنه المتوفى.

كلما احتضن طفلاً اعتبره ابناً أو بنتاً له وتمسك معه ولأجله بأمل بقائه على قيد الحياة أطول فترة ممكنة. وبدل أن يكتفي بذرف الدموع على مصير هؤلاء، يعمل بصمت على مهمته الإنسانية المضنية جسدياً ونفسياً.

وهو يرعى منذ أكثر من ثمانية أعوام طفلة لا تسمع ولا ترى ولا تمشي وتعاني من مشكلات في النمو. قدّر لها الأطباء ألا تعيش سوى شهرين لا أكثر، لكنها ما زالت حتى اليوم حية ترزق في كنفه. ينظم لها مواعيد أدويتها الـ12 ويعطيها إياها في المواعيد المحددة على مدار اليوم، يحملها ويمشي بها يومياً ويحرك لها أطرافها ليجري الدم فيها.

Email