تطبيقه يضمن الوضوح والدقة وسلامة النتائج

المنهج العلمي دعامة أساسية لإعداد مذكرات الرأي القانوني

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد اتباع المنهجية العلمية الواضحة والمعايير المحددة حجر الأساس لإعداد مذكرات الرأي القانوني، باعتبارها بحثاً علمياً متخصصاً له قواعده المميزة، وتبرز أهمية هذه المذكرات من كونها أداة هامة لمعرفة حكم القانون تجاه مسألة معينة استناداً إلى دراسة قانونية متخصصة ومتأنية، ويعتبر استخدام المنهج العلمي عاملاً هاماً في كتابة مذكرة الرأي القانوني، حيث يؤدي تطبيقه إلى إضفاء السمة العلمية على المذكرة، بما يضمن وضوحها ودقتها، وبقدر ما يطبق الباحث المنهجية العلمية في إعداد مذكرة الرأي القانوني بقدر ما تكون النتائج التي يتوصل إليها سليمة ومتوائمة مع أصول ومبادئ القانون، وأما إذا افتقد الباحث إلى هذه المنهجية فإن أفكاره تأتي مشوشة وتكون الأسباب التي استند إليها في إثبات الرأي القانوني غير واضحة، ما يؤدي إلى ضعف مستوى المذكرة وغموضها وعدم قدرة الجهة التي تقدمت بطلب الرأي القانوني على العمل بما تضمنته هذه المذكرة من آراء أو نتائج أو توصيات.

مراحل

وتمر عملية إعداد مذكرة الرأي القانوني بمراحل عدة، لكل مرحلة منها دور بارز في إنجازها وإخراجها إلى حيز الوجود، ويبدأ إعداد المذكرة عادة بتحديد الوقائع المتعلقة بالحالة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها، وذلك حسب تسلسلها المنطقي والتاريخي بحيث تكون مشتملة على كافة المسائل اللازمة لدراسة الاستفسار وإبداء الرأي القانوني بشأنه، وهنا لابد أن تكون الحالة أو الواقعة محل الاستفسار محددة وخالية من الاحتمال؛ لأن هذه الواقعة لن تكون كافية ومنتجة في إعداد المذكرة إلا إذا كانت واضحة ولا يشوبها أي نقص أو غموض، فالرأي القانوني السليم هو الذي يصدر بناءً على ثبوت كافة الوقائع المرتبطة بالحالة محل الاستفسار لا على افتراضها أو افتراض بعضها، ويجب على القانوني عند تحديد هذه الوقائع أن يقوم بتبسيطها وتحليلها والرجوع بها إلى عناصرها الأساسية وترتيبها ترتيباً منطقياً يتوافق مع تسلسلها التاريخي.

الوصف الدقيق

وعلى ضوء تحديد الوقائع على الوجه السالف بيانه، ينتقل القانوني إلى تحديد الاستفسار المطلوب، وذلك من خلال وصف الحالة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها وصفاً دقيقاً مانعاً للجهالة أو اللبس أو الغموض، وتحديد إطار الاستشارة المطلوبة بشكل دقيق، ويعتبر فهم الاستفسار أمراً في غاية الأهمية، فهو يعد العامل الجوهري في إعداد مذكرة الرأي القانوني، كما أن لهذا الفهم أثراً حاسماً في تحديد الأسانيد القانونية الواجبة التطبيق على الواقعة محل الاستفسار؛ لذا يجب على القانوني أن يفحص الاستفسار من أجل تحديد كافة العناصر القانونية والواقعية اللازمة للإجابة عليه، وأحياناً قد لا يكون الاستفسار المطروح محدداً بشكل دقيق، فيقع على عاتقه مهمة تحديد هذا الاستفسار في ضوء الوقائع الكافية والمنتجة والصحيحة المعروضة أمامه، أي يجب عليه أن يضع نفسه محل الجهة طالبة الرأي القانوني ويطرح على نفسه السؤال الذي كان على تلك الجهة أن تطرحه.

قواعد

وبعد أن يحدد القانوني الحالة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها وما يرتبط بها من وقائع وملابسات، فإنه يتعين عليه على ضوء ذلك أن يقوم بتحديد الأسانيد والقواعد القانونية ذات الصلة بهذه الحالة وهي التي سيتم الاستناد إليها في بيان الرأي القانوني المطلوب كالقوانين والقرارات والأنظمة واللوائح والتعليمات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقواعد الفقهية والسوابق القضائية وغيرها من الأسانيد القانونية الأخرى، ولا شك أن القيام بهذا الأمر يتطلب إلمام الباحث بالنظام القانوني السائد وما يتضمنه من تشريعات ناظمة لجميع الشؤون المختلفة في المجتمع ومواكبته لكل ما يطرأ على هذه التشريعات من تعديل وتغيير، ويعتبر حصر هذه الأسانيد والإحاطة التامة بها أمراً هاماً وأساسياً في إعداد مذكرة الرأي القانوني، حيث يترتب على إغفال أي منها قصور في الرأي أو عدم كفايته أو وقوع خطأ في النتيجة التي سيتم التوصل إليها.

التطبيق القانوني

وتأتي بعد ذلك مرحلة التطبيق القانوني، وفي هذه المرحلة يقوم الباحث بتطبيق النصوص القانونية على الاستفسار المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنه تطبيقاً صحيحاً وسليماً من خلال ربط الوقائع الثابتة لديه بالنصوص التي قام بتحديدها، ويتم هذا التطبيق من خلال شرح تلك النصوص بشكل مفصل واستخلاص المبادئ والقواعد القانونية والأفكار الرئيسة التي تحتويها والتي ستنبثق منها خلاصة الرأي ونتيجته النهائية.

وتعتبر هذه المرحلة هي الأهم والأصعب في إنجاز مذكرة الرأي القانوني، ففيها يتجلى إعمال الفكر القانوني بأوسع مدى، وفيها تظهر عبقرية القانوني وغزارة علمه وعمق فكره القانوني ومدى استيعابه للمبادئ القانونية العامة والأصول الثابتة، ففي هذه المرحلة تظهر مدى قدرة الباحث على فهم النصوص القانونية وتحليلها وسبر أغوارها ومدى قدرته على التفكير الإبداعي والخلاق، فمهمة القانوني ليست فقط إعطاء الجواب على الاستفسار القانوني المطروح بل لابد له أن يعلل هذا الجواب ويبرهن صحته ويقدّم الأدلة التي تؤكده.

التحليل

وعندما يقوم القانوني بهذا الدور فإنه يعتمد بشكل أساسي على ما توفر لديه من معلومات، وعلى ملكة الفهم والتحليل القانوني التي تكونت لديه نتيجة سنوات عمله المتراكمة، التي تمكنه من إبداء رأيه القانوني في المسائل والوقائع التي تحتاج إلى بيان حكم القانون بشأنها، ويتوقف مقدار الجهد الذي يبذله القانوني في هذه المرحلة على عدة أمور، ومن أبرزها مستوى صعوبة أو تعقيد الاستفسار القانوني المعروض، ومدى وضوح الوقائع والملابسات المتعلقة به، ومدى توفر البيانات المتصلة به، ومدى وجود معالجة تشريعية ناجعة وكافية للإجابة عن ذلك الاستفسار، وخلاصة القول أن هذه المرحلة هي التي يتوقف عليها صحة الرأي القانوني وسلامته ومدى حجيته في الإقناع.

توظيف

ولابد للقانوني بعد ذلك أن يصل إلى مرحلة استخلاص نتيجة الرأي القانوني، في ضوء التطبيق السليم للأسانيد القانونية على الحالة محل البحث، وتعتبر هذه النتيجة هي الجواب على الاستفسار المطروح وتعتمد دقتها وصحتها على التطبيق والتوظيف القانوني الصحيح للنصوص القانونية التي تم الاستناد إليها في إعداد المذكرة، وعلى قدرة القانوني على تحليل هذه النصوص وفهمها والوقوف على مراميها واستنباط الأحكام القانونية منها.

النتيجة

وفي النتيجة يجمع القانوني كل ما توصل إليه من حيثيات قانونية كوحدة واحدة، يعبر عنها بوضوح في نتيجة الرأي القانوني بحيث يكفي القارئ قراءة النتيجة ليتسنى له معرفة الرأي القانوني، لذلك لا تُكتب النتيجة إلا بعد الانتهاء من كتابة كافة الأفكار الرئيسية التي بُني عليها الرأي القانوني، ولابد أن تكون النتيجة مختصرة وأن ترد بشكل موجز وواضح ودقيق، إذ لا محل للإطالة عند بيان خلاصة الرأي، حيث إن التحليل الذي أوصل إلى هذه النتيجة موجود بين ثنايا الأفكار الرئيسة الواردة في مذكرة الرأي القانوني، وكذلك يجب أن تكون النتيجة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه الأفكار ومستخلصة منها استخلاصاً سائغاً ومنطقياً ومعقولاً.

نموذج

وبعد الانتهاء من صياغة مذكرة الرأي القانوني فإنه يتم إفراغها في نموذج خاص بهذا النوع من المذكرات، حيث يجب أن يتضمن هذا النموذج كافة البيانات والمعلومات التي اشتملت عليها المذكرة مثل اسم الجهة الطالبة للرأي القانوني ووصف الحالة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها، وسرد ملخص الوقائع المتعلقة بها، وتحديد النصوص والأسانيد القانونية ذات الصلة، والتطبيق القانوني لهذه القواعد والنتيجة التي تم التوصل إليها واعتماد السلطة المختصة لمذكرة الرأي القانوني وتاريخ اعتمادها.

صعوبات تعيق إصدار مذكرة الرأي القانوني

من الممكن أن يعتري عملية إعداد مذكرة الرأي القانوني العديد من الصعوبات التي قد تعيق إصدارها، ويمكن إجمال هذه الصعوبات بأمرين: يتمثل الأول في عدم وجود أو كفاية المستندات اللازمة لإبداء الرأي القانوني، إذ لابد أن تكون كافة المستندات المتعلقة بالحالة المطلوب بيان الرأي القانوني بشأنها متاحة للقانوني للاطلاع عليها، فإذا كانت هذه المستندات غير متاحة أو غير كافية فإن إعداد مذكرة الرأي القانوني المطلوب سيكون أمراً متعذراً وسيجد القانوني نفسه غير قادر على القيام بالمهمة المكلف بها، فهذه البيانات تعتبر مطلباً هاماً لدراسة الاستفسار والإجابة عليه إجابة قانونية صحيحة، وللتغلب على هذه الصعوبة فإنه ينبغي على القانوني بذل الجهود اللازمة للبحث والتقصي عن الواقعة المعروضة وطلب المستندات والمعلومات والبيانات المتعلقة بها سواء من الجهة التي تقدمت بطلب الرأي القانوني أو غيرها من الجهات الأخرى.

غموض النصوص

أما الصعوبة الثانية التي تواجه القانوني عند إعداده لمذكرة الرأي القانوني، فتتمثل في غموض النصوص القانونية الواجب تطبيقها على الحالة المعروضة عليه، وللتغلب على هذه الصعوبة فإنه لابد له أن يبذل جهداً كافياً للوقوف على دلالات هذه النصوص، وذلك من خلال تفسيرها وبيان حقيقة قصد المشرّع منها، حتى يمكنه إنزال حكمها على الوقائع واستخلاص الرأي القانوني منها، فمن الأعمال الهامة التي يجب أن يقوم بها القانوني عند إعداد مذكرة الرأي القانوني هو تفسير النصوص التشريعية المتعلقة بالاستفسار المطروح، ليخرج بعد تطبيقها على هذا الاستفسار بالرأي القانوني المطلوب.

رصانة

ولابد أن تكون مذكرة الرأي القانوني قوية ورصينة ويمكن التعويل عليها لمواجهة الحالة محل الاستفسار القانوني، واتخاذ الإجراء المناسب حيالها، وبالتالي فإن أي عيب فيها سيؤثر حتماً على جودتها، وعلى دقة وصحة الرأي القانوني الذي خلصت إليه وحجيته في الإقناع، ومن بين العيوب التي يمكن أن تعتري مذكرات الرأي القانوني، عدم توصيف الحالة محل الاستفسار القانوني بالشكل الصحيح والدقيق، أو إغفال أي سند قانوني له علاقة وثيقة بالاستفسار القانوني المطروح، وكذلك انعدام الترابط بين الأفكار الواردة في المذكرة أو تعارضها أو غموضها أو افتقارها للدقة، بالإضافة إلى الإسهاب في عرض الأفكار وضعف الصياغة اللغوية للمذكرة، إلى جانب عدم انسجام الأفكار الرئيسة التي بُني عليها الرأي القانوني مع نتيجته وخلاصته النهائية.

Email