قانونيون ومختصون: يتميز بشموله للإيذاء النفسي والاقتصادي

قانون الحماية من العنف الأسري.. سياج يصون تماسك العائلة واستقرار المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد قانونيون ومختصون أن قانون الحماية من العنف الأسري الذي صدر مؤخراً يشكل سياجاً لمكافحة العنف بمختلف أشكاله، مؤكدين أن المشرع الإماراتي سباق دوماً في سن تشريعات وإقرار سياسات تحفظ كيان الأسرة وتحميها.

وأوضحوا أن مواد القانون الجديد شملت العنف النفسي والاقتصادي والفئات المتعرضة له بالحماية ما يسهم في الحد من الظواهر العنيفة، فالجاني عند علمه أن سلوكه مُجرم ويعاقب عليه القانون، فإنه سيرتدع ولن يتمادى فيه، إلى جانب حماية من يتعرضون للعنف بجميع أشكاله.

قانونيون واختصاصيون أكدوا أن أبرز ما أورده قانون الحماية من العنف الأسري هو أمر الحماية الذي يتم تطبيقه في سابقة هي أولى من نوعها بالدولة ويجوز من خلاله للنيابة العامة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب من الضحية إصدار أمر حماية يلزم المعتدي بعدم التعرض للمعتدى عليهم، وعدم الاقتراب من الأماكن المقررة لحمايتهم أو أي مكان آخر يذكر فيه أمر الحماية وعدم الإضرار بالممتلكات الشخصية لهم أو أي من أفراد أسرهم أو اتخاذ أي إجراءات أخرى تراها النيابة العامة لتضمينها في أمر الحماية يكون من شأنها توفير حماية فعالة لهذه الفئة أو لأي من الأشخاص المحتمل تعرضهم للأذى بسبب علاقتهم به، ويمكن أن يمتد أمر الحماية لستة أشهر، ومنح القانون النيابة العامة عرض الصلح على الطرف المعتدى عليه قبل التصرف في الدعوى وفقاً للضوابط والإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 35 لعام 1992.

ورأوا بأن مدة الحماية وهي ستة أشهر تعد كافية ومناسبة، حيث تتيح هذه المدة إيجاد الحلول الجذرية للمشكلة وإبعاد الضحية عن مصدر الخطر والتهديد، فيما مُنحت للنيابة الحق في اتخاذ أي إجراءات أخرى لتضمينها في أمر الحماية يكون من شأنها توفير حماية فعالة للمعتدى عليه أو لأي من الأشخاص المحتمل تعرضهم للأذى بسبب علاقتهم به، ويمكن أن يمتد أمر الحماية لستة أشهر.

وقالوا إن القانون يُكمل بناءً تشريعياً بدأ بقانون الأحوال الشخصية الاتحادي بما فيه من نصوص تهدف إلى حماية الأسرة وكيانها والحفاظ على روابطها بشكل أكثر تطوراً من غيره من قوانين حملت ذات الاسم في بلدان أخرى، واكتملت بقانون وديمة الذي له بالغ الأثر في حماية الطفل - كجزء مهم في الأسرة - من التحرش به والاعتداء عليه بأي شكل والذي بات يشكل طوق نجاة للكثير من الأطفال ويصبغ عليهم الحماية سواء داخل الأسرة أو خارجها، ونضج الهدف التشريعي بهذا القانون الوليد فأصبحت الأسرة بكامل عناصرها محمية ضد التعرض لحالات التحرش والإيذاء التي قد يتعرض لها بعض أفرادها من البعض الآخر فيها.

حلول

وقالت الشيخة عزة بنت راشد بن حميد النعيمي، رئيسة مؤسسة حماية للمرأة والطفل في عجمان: «إن القانون سيشكل الحماية المطلوبة للحالات التي تتعرض للعنف الأسري، حيث إن العقوبات المنصوص عليها في القانون تمثل عقوبات رادعة لكل مرتكب فعل عنف ضد أي فرد من أفراد الأسرة يشمله هذا القانون، كما أن مدة الحماية تعد كافية ومناسبة، حيث تتيح هذه المدة إيجاد الحلول الجذرية للمشكلة وإبعاد الضحية عن مصدر الخطر والتهديد».

وقالت النعيمي إن الأفعال الموسومة بالعنف والتي تصدر في العادة من أحد أفراد الأسرة الأقوى تزداد إذا تركت بلا عقوبة لمرتكبها، ولذلك ومن خلال خبرات مؤسسة «حماية» فإن العقوبات الرادعة تسهم بشكل كبير في الحد من الظواهر العنيفة وتقلل منها إلى درجة كبيرة؛ فالجاني يخشى العقاب وإذا ترك بلا رادع فإنه يتمادى، ولكن في حال معرفته أن سلوكه سلوك مُجرم ويعاقب عليه القانون فإنه يحد من هذا السلوك خوفاً من العقوبة.

وأوضحت أن القانون لم يحدد الجهات ذات الاختصاص في أمر الحماية ولكنه خاص بوزارة تنمية المجتمع، وبما أن مؤسسة حماية تمارس عملها تحت مظلة وزارة تنمية المجتمع فإن أمر الحماية يقع ضمن اختصاصها حكماً وهي تمارس هذا الدور فعلاً وجاء هذا القانون ليكون داعماً وسنداً لتحقيق أهدافها، إلا أن المؤسسة في الوقت الراهن تفتقر إلى مكان خاص بالإيواء وتسعى مع وزارة تنمية المجتمع والجهات الأخرى ذات الاختصاص لتوفير المكان المناسب لإيواء الحالات المعنفة.

ورأت الشيخة عزة النعيمي أن أكثر حالات العنف الأسري التي تعاملت معها المؤسسة هو العنف النفسي وهو ممارسات تقع في الغالب من الزوج ضد الزوجة والأبناء في حالة انفصال الزوج والامتناع عن النفقة، كما أن هناك حالات عنف وإهمال ضد الزوجة والأولاد من قبل الأب المعيل.

أهمية كبيرة

وذكر المحامي يوسف البحر أن دولة الإمارات تولي موضوع الحفاظ على الأسرة أهمية كبيرة باعتبارها النواة الأساسية في بناء المجتمع، مشيراً إلى أن اعتماد مجلس الوزراء لسياسة الحماية الأسرية وإطلاق وزارة تنمية المجتمع جملة من المبادرات الخاصة بهذه السياسة، ما هو إلا استمرار للجهود الرامية إلى الحفاظ على الأسرة من خلال آليات وإجراءات تجمع كافة جوانب حمايتها ومن بينها ما يتعلق بصلب عملنا في الجانب القانوني، وبالتالي فإن سياسة الحماية الأسرية ستساهم بشكل كبير في دعم العمل في الجوانب القانونية من خلال حماية الأسرة من العنف أو كل ما يساهم في تفكيكها.

وبين أن دولة الإمارات حريصة على الأسرة بكافة مكوناتها، فهناك قانون خاص بالأحداث وقانون بالأطفال «وديمة»، وقانون الأحوال الشخصية، وغيرها من القوانين التي تحافظ على أفراد الأسرة وحقوقهم، وإصدار قانون لحماية الأسرة سيعزز من مستقبل الأسرة الإماراتية المتماسك والقوي في الجانب القانوني.

وأضاف: سياسة حماية الأسرة مهمة جداً خاصة بعد إعلان مجلس الوزراء أنها تخدم كافة مكونات الأسرة من المرأة والطفل وكبار المواطنين والرجل وحتى أصحاب الهمم لحمايتهم جميعاً من العنف والإيذاء، فيما يشكل المرسوم رقم 10 لسنة 2019 في شأن الحماية من العنف الأسري إضافة نوعية للدولة السباقة في كافة المجالات.

تكامل تشريعي

واعتبر المستشار القانوني أشرف صقر أن المشرع الإماراتي سباق في الوصول إلى التكامل التشريعي في بعض المواضيع الهامة التي تمس أمن وسلامة المجتمع، مؤكداً أهمية قانون الحماية من العنف الأسري، لاسيما أنه فرض عقوبات رادعة على ضعاف الأنفس الذين يمارسون سلطانهم على من هم أضعف منهم فنجد أن هذا القانون شمل بالحماية كل أفراد الأسرة واعتنى بتحديده في المادة الرابعة منه ونجده أدخل طائفة جديدة وهم المشمولون بحضانة أسرة بديلة.

حماية قانونية

وقال المستشار القانوني رسمي راجي، إن قانون الحماية من العنف الأسري يعد سابقة أولى من نوعها، حيث يوفر الحماية القانونية التي كانت تندرج في السابق ضمن قانون العقوبات، ومنح كذلك النيابة حق إصدار قرار حماية للضحية إذا استشعر بخشية على سلامتها، كما ألزم بتقديم الدعم والمساعدة للضحية.

وأشار راجي إلى أن وجود قانون مستقل سيسهم في ضمان الحماية وعدم تكرار الاعتداء في حال وقوعه خشية التعرض للملاحقة القانونية التي أوردها المشرع في المادة رقم 8 بالقانون والتي أوردت عقوبات بالحبس والغرامة أو بالعقوبتين معاً، حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبالغرامة التي لا تزيد على 5 آلاف درهم أو بإحدى العقوبتين كل من ارتكب أي من أفعال العنف الأسري التي حددها القانون بـ4 أفعال، ومعاقبة بالحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن ألف درهم ولا تتجاوز العشرة آلاف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أمر الحماية الصادر، مشيراً إلى أن القانون يشكل نقلة نوعية تحسب لدولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بجهودها المتواصلة لدعم حقوق المرأة خاصة، إلى جانب ورود بند أمر عدم التعرض الذي يمكن إصداره عبر النيابة العامة شاملاً الأذى النفسي والاقتصادي والتي لم تكن مشمولة ضمن بنود قانون العقوبات.

وذكر أن القانون يعني بالحفاظ على لحُمة الأسرة وتماسكها من التفكك وما يتبع ذلك من آثار سلبية على الأبناء، كما أنه يُشكل سياج وقاية من جرائم العنف الأسري بشتى أصنافها وصورها، وهي التي باتت منتشرة نتيجة لجملة من الأسباب أهمها على الإطلاق ضعف الوازع الديني، وتخلي بعض الأسر عن دورها التربوي، وتأثير وسائل التكنولوجيا والانفتاح غير المدروس الذي خلف جملة من الآثار السلبية على المجتمعات.

قانون منصف

ورأت هيام أبو مشعل، مستشارة نفسية وأسرية، أن القانون ليس بغريب على دولة الإمارات العربية المتحدة التي تسن هذا القانون المنصف لأفراد الأسرة والمجتمع الإماراتي ككل، مشيرة إلى أنه رغم اختلاف النسيج المجتمعي وتعدد الأعراق والثقافات إلا أن الجميع يقع تحت مظلة القوانين والتشريعات المنظمة لشؤون الحياة بكافة تفاصيلها.

وأضافت أن القيادة الرشيدة في الدولة تعلم يقيناً أن أساس المجتمع هو الأسرة بأفرادها ومن هنا يصدر هذا القانون المنصف والرائع مع أن الإمارات تعتبر من أقل دول العالم في العنف الأسري ولكنها تسعى دائماً إلى تطوير التشريعات وتبني المبادرات التي تجرم العنف الأسري بكل أشكاله، وقد كان لهذا القانون نتائج إيجابية منها أن مجتمع الإمارات ينبذ كل سلوك يبتعد عن القيم والأخلاق ويشكل تهديداً مباشراً لاستقرار الأسرة الإماراتية وكل أسرة تعيش على هذه الأرض الطيبة المعطاة، فالأسرة كالقلب إذا صلحت صلح العالم أجمع، فصلاح الأسرة بالحب والوئام والحوار والود والتفاهم بين الأبوين والذي قد يساعدهم بالتغلب على التحديات التي قد تواجهها الأسرة من أجل المحافظة على الوجود الإنساني السليم، مشيرة إلى الحاجة إلى التشريعات والقوانين التي تحافظ على تماسك الأسرة واستدامتها.

قوة القانون تحمي امرأة من التعنيف وتعيدها إلى بيت الزوجية

واقعة تعامل معها موظفو مؤسسة حماية للمرأة والطفل في عجمان تتعلق بسيدة عربية في العقد الثالث من عمرها، تعثرت أعمال زوجها ومرّ بضائقة مالية فتغيرت أحواله وتصرفاته ومارس العنف النفسي والجسدي عليها لفترات طويلة، وانتهى به الأمر إلى طردها من المنزل وحين فقدت الزوجة المأوى، لجأت إلى مؤسسة حماية للمرأة والطفل فقدمت لها المؤسسة الدعم المادي والمعنوي والاستضافة، ومساعدتها على متابعة الإجراءات القانونية للحصول على حقها من زوجها.

وبعد مشوار طويل مع الإجراءات القانونية ودعــــوى الحصول على الحقوق وإجراءات طلب الطلاق للضرر، أيقن الــزوج أن زوجته في حماية المؤسسة وأنها قوية بالقانون، فتواصل الـزوج مع المؤسسة طالباً مساعدته في حلّ الخـلاف ودياً وأبــدى رغبته بالحفاظ على أسرته وزوجته وحضانة أطفاله ورعايتــهم.

وحين لمست المؤسسة الرغبة الصادقة من الزوج في الاحتفاظ بأسرته متماسكة، ولأن رسالة المؤسسة حماية الأسرة والحفاظ على تماسكها سعت بجهود من الشيخة عزة بنت راشد بن حميد النعيمي، رئيسة المؤسسة إلى الاجتماع بالطرفين لإيجاد الحلول المناسبة لأسباب الخلاف الأسري، وقد تم اللقاء في المؤسسة وعاد الوئام والحب الأسري يخيم على أجواء تلك الأسرة.

4 أفعال تضع مرتكبيها تحت طائلة العقوبات

يُعرف العنف الأسري بأنه كل فعل أو قول أو إساءة أو إيذاء أو تهديد يرتكبه أحد أفراد الأسرة ضد فرد آخر منها متجاوزاً ما له من ولاية أو وصاية أو إعالة أو سلطة أو مسؤولية وينتج عنه أذى أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي.

وحددت سياسة الحماية أربعة أنواع من الأفعال التي تضع مرتكبيها تحت طائلة عقوبات العنف الأسري، وهي الإيذاء الجسدي، والإيذاء النفسي، والإيـــذاء الجنســـي، والإيذاء الاقتصادي، والتي حددها القانون بالحبس والغرامة أو بالعقوبتين ومضاعفتها في حال مخالفة أمر الحماية باستخدام العنف تجاه المشمولين بأحكام المرسوم.

ترابط اجتماعي

ويهدف القانون إلى تعزيز الترابط الاجتماعي في الأسرة والمحافظة على كيانها، إلى جانب حماية حرمة الحياة الخاصة بما يتوافق مع الموروثات والعادات والتقاليد في المجتمع، فضلاً عن تقويم السلوكيات الضارة بالأسرة والمرأة والطفل والحفاظ على الموروثات الاجتماعية والأخلاقية والعادات والتقاليد والأعراف في الدولة.

ويشمل القانون الزوج والزوجة وآباءهم وأحفادهم، وأبناء أحد الزوجين من زواج آخر، ووالد ووالدة أي من الزوجين، والأقارب بالنسب أو بالمصاهرة حتى الدرجة الرابعة، والشخص المشمول بحضانة أسر بديلة وفقاً لأحكام التشريعات النافذة.

 

Email