قصة الوطــــــن والإنسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثل بحرٍ هادر الأمواج، جاءت هذه القصيدة لسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، لتحكي قصة الوطن والإنسان.

ولتسرد حكاية الرجال الكبار الذين نهضوا بأعباء التأسيس والبناء والارتقاء، ولتكون وثيقة ترويها الأجيال للأجيال، فكان واجباً على أرباب القلم أن يقدموا لها القراءة بعد القراءة تنويهاً بشأنها وتخليداً لذكراها الفوّاحة بالطيب والمجد والعنفوان.

للشاعر فْـ مدح الوطن رغبه وللهاجس هيام

فالتنتخي فكره وتلقى من هجوسي معتصم

البحر لامواجه إلى ثارت الاعاصير احتدام

وانا كذلك هاجسي في ذكر داري يحتدم

يا دارنا دار الكريم اللي حكم شعبٍ كرام

تسـتاهلين نقـدّرك يا دارنـا دار الكــرم

منذ البداية، يفصح سمو الشيخ حمدان عن رغبته العارمة في كتابة هذه القصيدة التي تُمجّد الوطن ورجاله الكرام، مؤكداً أن هذا الوطن يستحق كل مدح وثناء، فهواجسه مشتعلة بهذه الرغبة الصادقة وهو ينتخي بهجوسه القوية، لكي تلبي له هذه الرغبة المكنونة في الأعماق، تماماً مثل البحر حين تثور أمواجه.

ولا يقف في وجهها أي عائق حيث تحتدم العواصف والأعاصير على سطحه المائج، وكذلك هو قلب سمو الشيخ قد ثارت به أمواج الفخر، واندفع بقلبه الشجاع الذكي لكتابة هذه القصيدة الدالّة على عمق محبة الوطن الذي أُسّس على أيدي فرسان كرام يستحقون التقدير والإجلال والاحترام.

على جماجم من نوى حدّك من عيال الحرام

تأسّـست دوله ورفّت رايه و ثبّـت حكُـم

حام الفلاحي زايد وزايد تعرفينه لا حام

حر ٍ مخاليبه تطش الدم وتقص العظم

تواضعه بين البشر وهو من اعلاهم مقام

خلاّه يكبر في عيون ملوك عصره والخدم

هذا هو الماضي وحاضرنا ومستقبل مدام

هذا حكيم أمّة محمد من عرب والاّ عجم

في هذا المقطع، يتوقف سمو الشيخ حمدان عند لحظة التأسيس الكبرى للدولة على يد المغفور له الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، إذ أبدى بسالة منقطعة النظير في سبيل تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد عقبات شديدة تجدها مبسوطة.

فيما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كتابه الجليل «قصتي»، حين حكى قصة نشأة الوطن، وها هنا يواصل نجله الباسل الإشادة بهذه اللحظة التاريخية المجيدة التي هي تاريخ الوطن، إذ كشف الشيخ زايد عن مخالب القوة، ووقف كالطود الشامخ في وجه جميع من عملوا على دفن الحلم.

ولكن شجاعته تجاوزت كل العقبات وأنجز الحلم، وسار في بلاده سيرة الملوك الكبار بتواضعهم وسموّ أخلاقهم، فكتب الله له المحبة في القلوب، وأجمع على جلالة قدره وحكمته كل العرب، حتى قال فيه إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي مادحاً تواضعه الجمّ وأخلاقه العالية:

يا زايد الخير أعلاكم تواضعكم

حتى رُفعتَ بفضل الله مقدارا

فكان الشيخ زايد، رحمه الله، هو حكيم الأمة، وشيخ الرأي فيها، وهي منزلة لا ينازعه فيها أحد.

خمسين عـامٍ لا نهـون وْلا نـذل وْلا نضـام

الخيل تسرج والسلاح يثور رفرف يا علم

وخمسين عام وْكل عام نقول هذا خير عام

فالحمد لله والشكر على ما فاض مْن النعم

وخمسين عام الشايب يسولف بها على الغلام

قبل التطوّر كيف كانت دارنا ذيب وْحـزم

وخمسين عامٍ للتسامح والأمل لا للخصام

وخمسين عامٍ نبني أمّـه تفتخر بين الأمـم

في هذا المقطع، يدخل سموّ الشيخ حمدان في مدار الزمن، حيث تبدأ قصة التأسيس والبناء والإعمار، فيستعرض أعظم ملامح التطور في نشأة البلاد، وأعمق ملامح التجديد، وكيف انتقل الوطن خلال هذه المرحلة الزمنية المجيدة من حالة حضارية إلى حالة حضارية أخرى، كانت الفرسان تحوطها بالشجاعة والبسالة والحفاظ على مقدّرات الوطن، ففاضت النعم على الوطن، وقابلها الناس بالشكر والثناء على الله تعالى.

وحكت الأجيال للأجيال قصة النهضة، وكيف أن الصحراء القاحلة التي كان يعوي فيها الذئب قد أصبحت روضة خضراء يقصدها جميع شعوب الأرض، لينعموا بخيراتها، ويستظلوا بأمانها، في إطار من التسامح وثقافة الأمل والإبداع والتجدد التي تتميز بها الإمارات بين جميع دول العالم، فكان هذا الوطن النموذج الذي تفتخر به الأمة على مر السنين والأعوام.

وخمسين عام وْنورنا يرهب خفافيش الظلام

وخمسين عام وحن لنا في عالي القمّه قـدم

وخمسين عام الصف الاوّل صفّنا خلف الإمام

اللي بعـدله ينصـف المظـلوم لا منه ظُـلم

وخمسين عام وزايد مشيّد لنا فوق الغمام

أمجـاد تحكي عن تـراث آبائنـا منذ القـدم

وخمسين عام ورؤية الدولة على احسن ما يرام

بْـهـمة أصـحاب القبور ننافـس كبار الهمم

ويواصل سموّ الشيخ حمدان سرد حكاية الوطن مع التاريخ والإنسان، فيحكي لنا كيف أن هذه الخمسين عاماً كانت نوراً تخافه الخفافيش التي لا تظهر إلا في الظلام، وخلال تلك المرحلة كان الوطن يرسّخ أقدامه في الذرى العالية للمجد، ويقيم العدل، ويحافظ على شعائر الدين، وينشر العدل، وينتصف للمظلوم، ولا يسمح لأهل الظلم والفساد بالتمدد في أرض الوطن الطاهرة.

وكيف كان الشيخ زايد، رحمه الله، هو المسؤول المباشر عن ترسيخ جميع مظاهر العدالة والتقدم والتسامح قيماً راسخة في حياة الشعب وإدارة الدولة، لتكون هذه المسيرة تواصلاً مع تراث الآباء والأجداد، لتظل رؤية الدولة خلال هذه الأعوام المجيدة على خير ما يرام، بحيث ظل أصحاب الهمم العالية حاضرين بيننا، برغم مغادرة أجسادهم عالم الدنيا والمثال.

وخمسين عامٍ ركب نهضتـنا له العليا مرام

قد تنفطم الأمجـاد لكن مجـدنا ما ينـفطم

وخمسين عام وروسنا تفخر على روس الأنام

كن الفـخـر أبٍ لنا عن جـد والطـــولات أُم

هنا الفخر هنا الطموحات الكبيرات العظام

هنا الفكر هنا العمل هنا الوفـا هنا الحزم

هنا تعلّم كيف تحقيق الطموحات الجسام

هنا يحقّـق حلمه المبـدع الى منّـه حـلم

وتزداد نبرة الفخر بالوطن وإنجازاته خلال هذه الأعوام الخمسين، إذ يبدع سموّ الشيخ حمدان في حكاية هذه الأمجاد البادية للعيان، فالمجد قد أصبح جزءاً من تركيبة الوطن، وإذا انفطم الناس عنه فإن الوطن لا ينفطم كنايةً عن شدة التمازج بين الفكر والعمل، لتكون القطعة كلها في هذا الموطن من القصيدة تنويهاً بجميع ملامح الإبداع في مسيرة الوطن الذي جعل الرؤوس تتطاول في الفخر.

وكأن الفخر والد وجدّ، وكأن فعل المكرمات يسري في الدماء كما يسري حليب الأم في العظام، ليركّز سمو الشيخ حمدان، بعد ذلك، على روح التصميم التي تتميز بها الإمارات، إذ يتم تحقيق الطموحات الكبيرة، ويحقق الإنسان جميع ما يصبو إليه.

هنا بدايـات الـولا والتوعـيه والالتـحــام

هنا نهايات التشرذم والطريق المنقسم

هنا توحّـد مجـتمع كان يعاني الانقـسام

وبفضل زايد أصبحوا ما بين خال وْبين عم

هنا يكون النصر من حظ الفعل ليس الكلام

هنا يكون الوعـي فـارس والتـخاذل منهزم

هنا المواطن والوطن حب وتفاني وانسجام

هنا المواطن والقـياده والتـكاتـف والهمم

هنا فقط مسك الوطن لان الوطن ماله ختام

لكن غـلانا يبتـدي به كل يـوم وينخـتم

في هذا المقطع، يتحدث سموّ الشيخ حمدان عن ملامح الوحدة الوطنية، والوعي النادر بقيمة الإخاء والوقوف في وجه كل من يدعو إلى الفرقة والتشرذم والانقسام، إذ يعلو صوت الفخر بصيغة التماسك الفريد داخل مجتمع الإمارات التي لا تعرف التفرقة بين أبنائها، وتسعى ليلاً ونهاراً في سبيل سعادتهم، فكانت ثمرة ذلك كله هذه العلاقة الرائعة من الحب والتفاني والانسجام البديع بين القيادة والشعب في معادلة نادرة الوجود في الأمم.

هنا هنا هنا هنا هنا هنا إلى الامـــام

هنا هنا هنا هنا هنا هنا إلى القمــم

هنا هنا هنا هنا هنا هنا كف السـلام

هنا هنا هنا هنا هنا هنا دق الخشـم

في هذه اللحظة، تبلغ نشوة المجد ذروتها، إذ يندفع سموّ الشيخ حمدان من خلال هذا التأكيد الجازم أن قدر الوطن هو السير إلى الأمام، ومد الكف بالسلام، ودق الخشم تعبيراً عن الحب والاحترام.

يقول أبو خالد لأبو راشد عسى عمره دوام

خمسين عامٍ يعزف الابـداع وبأحـلى نـغم

ويقول ابوراشد لأبو خالد هذا اللي يوم قام

قامت معـاه الأرض والـتـاريـخ ردّد والنِّعِـم

ويقول أبو خالد لأبو راشد هذا اللي ما ينام

رجلٍ يخزم المستحيل اللي لغيره ما انخزم

ويقول ابوراشد لأبو خالد هذا عوق الخصام

إلى نـوى صــرحٍ من البـاطـل يـردّه منهــدم

في هذا المقطع، يؤكد سموّ الشيخ حمدان عمق العلاقة الوثيقة التي تجمع بين صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذ يتذكر الجميع ما كتبه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد بمناسبة مرور خمسين عاماً على تولي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد مسؤولياته الجليلة في إدارة الدولة، وكيف أنّه وجّه إلى أخيه بو راشد رسالة رقيقة، يشكره فيها من أعماق القلب على جهوده العظيمة في خدمة الوطن، وقد ردّ عليه صاحب السمو بقصيدة جميلة يقول فيها:

مشكور بو خالد يا زاكي الفعايل

وأهدي لكم مني قصيد وتلاحين

وفي هذا المقطع، يستعيد سمو الشيخ حمدان أجواء هذا الإخاء العظيم، من خلال مساجلة يتخيلها ببصيرته الشعرية بين فارسي الوطن ونَسريْه الشجاعين، لتكون هذه القطعة من القصيدة واحدة من أروع ملامح الدلالة على عمق العلاقة وصفاء الأخوة التي تجمع بين هذين القلبين الكبيرين.

ويقول أبو خالد لأبو راشد هذا الرجل الهمام

استاذي اللي يصـنع الانجاز نفـسه من عدَم

ويقول أبو راشد لأبو خـالد أنا والعـلم عـام

تلميذ زايـد منهـجي منهجه وبنفس الرتـم

ويقول أبو خالد هذا محـمد عدوّ الإنهـزام

مكـسّـــر الأرقـــام ما خلاّ حـفـظه الله رقــم

ويقول أبو راشد هذا محمد وقصّاص العظام

بْسيف حقٍ لو دخل في المعركه تحسم حسم

ويواصل سمو الشيخ حمدان سرد ملامح العلاقة الطيبة بين فارسي الوطن، من خلال هذه المساجلة الشعرية الرائعة التي تحكي مناقب هذين البطلين اللذين يسهران على راحة العباد وصيانة البلاد، فكلاهما يعترف للآخر بأروع مناقبه، وكلاهما يقدّم مصلحة الوطن على جميع المطامح الشخصية، فقد تعلّما في مدرسة حكيم الجزيرة الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وحملا أمانة المسؤولية بكل شرف واقتدار وحفاظ على إيقاع التقدم والإنجاز.

ويقول ابو خالد هذا محمد مجـدّد الاهتمام

بْهـيبة الـدولـة وراسـم نهـضة بْـلاده رسـم

ويقول ابو راشد هذا محمد وصمّام النظام

هَـرَم عروبتنا وحنّـا ما نفــرّط فـي الـهَــرَم

محمّـدين الدار هم حصنه ودرعه والحزام

عَدّد عظـماء الـدول تلقـاهم أكـرم وآعـظم

من بينهم حشمه وهذي عادة الناس الحشام

ومن حشمة الاثنين شعب الشيخ زايد ينحشم

وما أروع الوطن حين يقوم على بنائه وخدمته وحمايته أهل القلوب الصافية والأخلاق الحشيمة، فهذه هي أخلاق الفرسان، ومن عادة الفرسان التعاون والإخاء.

وفي هذا المقطع يواصل سموّ الشيخ حمدان رسم ملامح البهاء في طبيعة هذه العلاقة التي تجمع بين هذين الفارسين النبيلين، فكلاهما يشيد بأجمل ما في الآخر من المناقب وجميل الصفات في مساجلة شعرية نادرة، تؤكد عمق هذه العلاقة وصفاءها، فكلاهما هرمٌ عالٍ من الخلق الكريم، وحصن حصين للوطن، ودرع متين لا تخترقه الرماح، فبهما يبلغ الوطن غاياته، ويسمو إلى أعلى مراتبه.

ياليت للتـاريخ بشـتٍ من فـخـر والاّ وسـام

من المعزّه كان واللي أقسم بنجـمه قَـسم

إنّـي لسلّـمها لهـم وأقـول وبكـل احتــرام

تـفــاخـري يا دارنـا فيهـم على كـل الأمــم

ويا لروعة هذا الختام المسك، حيث يتمنى سموّ الشيخ حمدان أن يكون للتاريخ «بِشت»، وهو الطيلسان من الفخر أو وسام نادر من المعزة والتوقير، لكان بادر إلى تسليمه إلى هذين الفارسين اللذين تفتخر بهما البلاد على غيرها من بلدان الدنيا، وكيف لا تفتخر بهذين النجمين الطالعين في سماء المجد، يضيئان سماء البلاد، وينيران الطريق أمام كل حاضر وباد.

 

Email