الفصاحة والبيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس لأحد أن يتكلم إذا كان شاعر «ياس» قد تكلم، ومن أراد أن يفتخر بالفصاحة والبيان، فليفتخر بآل مكتوم وآل نهيان، سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لله درّك، لله درّك، لله درّك..

..أقولها ثلاثاً.

لقد أثلجت صدري بهذه الثقة العالية وهذه الهمة الغالية، بل وهذه الإرادة وهذا العزم، نعم.. نعم.. وأنت لها ثمّ وأنت لها، ولقد رأيت فيك اليوم شاعرية من قال:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً

                         يغنيك محموده عن النسب

إن الفتى من يقول ها أنا ذا

                      ليس الفتى من يقول كان أبي

نعم.. نعم.. كم رأينا من أناس عظاميين يتفاخرون بعظام أصولهم، ولا يدرون أن مفاخر آبائهم انتهت على أيدي أمثالهم.

وكم من أناس آخرين عصاميين إذا افتخروا فإنهم يفتخرون بما حققوا بأيديهم من أمجاد وإنجازات، إضافة إلى أمجاد آبائهم وأجدادهم، ولأمثال هؤلاء الحق أن يقولوا:

لسنا وإن أحسابنا كرُمت

                 يوماً على الأحساب نتكل

نبني كما كانت أوائلنا

                     تبني ونفعل مثلما فعلوا

ما أحسن ما أنشدتُ أنا من الأبيات، وما أجمل ما أنشأتَ أنت يا سيدي من أبيات البطولية التي تعيد إلى أرواحنا وعزائمنا وأسماعنا مثل تلك المعاني الراقية، والقيم النبيلة السامية.

وأنت مَن؟ وابن مَن؟ وجدّك مَن؟

لذلك يحق لك أن تقول بصوت عالٍ:

الـمَجدْ لأهْـلِهْ ولا يـهمِّهْ سـليلْ المَجدْ

                     إذا تــطـايـرْ غــبــارْ ولامَــــسْ إنـعـولِـهْ

وعـنـدي خـيـارْ الـرِّمَكْ إذا الـلِّقا يـشتَدْ

                        إمـضَـمِّـرَهْ وجــاهـزهْ لـلـعـزْ مـشـكـولِهْ

أسـري إذا الـليلْ الأظـلَمْ داجنٍ مسوَدْ

                         ولـلـذيبْ سـريِـهْ بـظـفرْ ونـابْ مـكفولِهْ

وآعَــرفْ كـيـدْ الـلـيالي وهَـزلِها والـجَدْ

                       بـصـير عــارفْ زمـانـي مـجـرِّبْ إفـعولِهْ

أقول إن القصيدة غنية بالإشارات والكنى من العيار الثقيل، وعباراتها وإن كانت تحمل في طياتها معنى التورية أحياناً، إلا أنها صريحة وواضحة وضوح الشمس.

ولقد أخطأ كثيراً من دخل في خط المواكبة والمواجهة مع فارس محنّك مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وكان أولى بأمثال هؤلاء أن يقرأوا له كتاب «رؤيتي» ليعرفوا بأنه القائل:

ما كل من ركب الخيل خيّال، ولا كل خيال فارس، الخيّال من يركب الخيل، لكن الفارس من يعرف ما الذي يعنيه أن يكون على ظهر جواده، إنها الفروسية، وهذه ليست مجرد امتطاء الجواد، بل الشهامة والأصالة.

أجل.. واسمحوا لي أن أضع أكثر من خط تحت كلمة الشهامة والأصالة، والخيل أعلم بفرسانها كما ورد في الأمثال العربية.

سيدي صاحب السمو: وقولك:

وعـنـدي خـيـارْ الـرِّمَكْ إذا الـلِّقا يـشتَدْ

                    إمـضَـمِّـرَهْ وجــاهـزهْ لـلـعـزْ مـشـكـولِهْ

هذا البيت وحده في نظري يكفي أن يجعل من يسمعه يولي هارباً، لما فيه من مفاجآت الهول ومزلزلات القول.

وأنت يا سيدي كما عرفناك سلفاً، تفاجئ الناس بالبشائر في حال الرضا، وإذا غضبت فأنت قادر على أن تفاجئ الخصم بما لا يسره إذا لم يفهمك بلغة الأدب، وقديماً قال الشاعر:

تكفي اللبيبَ إشارةٌ مرموزة

               وسواه يُدعى بالنداء العالي

نعم.. وشتان بين الغـِـرّ الذي تنعّم في الديباج والحِلي والحُلل، وبين من ولد على ظهر الخيل وتمرس في معانقة القــُلل، وعاش وهو يربي ويروض الأسود في حِجره، وينام معها في حجرته، ولقد سمعت سموه يقول: حصل أن انفردت أنا والأسد في حجرة ثم ما كان من الأسد إلا أن يخرج من الشباك وأبقى أنا في الحجرة.

هذا وإنني أقرأ لك يا سيدي فيما بين السطور أكثر مما في السطور، لنقرأ معاً:

وآعَــرفْ مــنْ فـي الـمعكِّرْ دومْ تـتصيِّدْ

                 وتــقـولْ أشــيـا غـريـبهْ غـيـرْ مـعـقولِهْ

مـاحَـدْ سـلَـمْ مـنْ أذاهـمْ كِـلْ حَـدٍّ بَـدْ

                    حـتَّىَ الـنِّبي والصَّحابَهْ وناسْ مسؤولِهْ

تـركـتْ أهــلِ الــرِّدا فــي غـيِّـها تـمتَدْ

                        ونفسي بكسبْ العلا والمجدْ مشغولِهْ

هؤلاء يا سيدي هم الحسّد الذين لم يستطيعوا أن ينالوا ما نلته أنت من مجد، لذلك خيراً ما تفعله أنت اليوم عندما تسفّ في وجوههم الملّ، وتعرض عنهم كأنك لا تسمع ما يقولون كثُر أو قَلّ، والشاعر يقول:

دع الحسود وما يلقاه من كمَده

                   يكفيك منه لهيب النار في كبدِه

إن لُمتَ ذا حسد نفّستَ كُربته

                         وإن سكتّ فقد عذّبته بيده

وإنك يا سيدي مثلما تؤمن إيماناً جازماً بالله، وتتخذ رسوله قدوة لك وصحابته الأخيار، فإنك تعتز وتعتد بمن لا تشك في صداقته وصدق مودته، تعتز بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ومن هو هذا العضيد؟ ومن أبوه؟ ومن جدّه؟

إنه فوق ذلك زميلك في الدراسة، عندما كنتما تنهلان من مدرسة زايد البطولية، وحليفك في الفهم والكياسة، كلما تطلب الأمر شمّر عن ساعد الحزم ولبس لأمَته ولباسَه.

إن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، يرى العالم الحرُّ في قامته قامة زايد، وفي شهامته شهامة قائد، فهو امتداد لـجده «ياس» كما أنك امتداد لــِياس، ومن اعتدّ بعد الله بياس، لم يرَ المهانة ولم يأته باس، وإنني أتفق معك ويتفق معك كل الأحرار بأن سموه كما قلت:

ومـنْ كـانْ عـضدهْ مـحمدْ مـايهمِّهْ حَـدْ

                  بـوخالدْ الـشَّهمْ حـامي بـعَزمِهْ الـدُّولهْ

عـنده سـيوفْ الـمعالي مـرهفاتْ الحَدْ

                   فَ أغـمادها قـاطعِهْ يـا كـيفْ مـسلولِهْ

و عـنـده لــرَدْ الـعـدا لأجـنـادْ مــا تـنعَدْ

                   أهــلِ الـبـطولِهْ حـمـاهمْ مـاحـدْ يـنولِهْ

عـلـيـهْ دوم إعـتـمادي دايــم بــلا عــد

                  ويـحـل أصـعب الأمـور بـيسر وسـهوله

أعود فأذكّر قراء القصيدة ببعض المفردات والجمل التي استخدمها الشاعر الكبير في هذه القصيدة، وهي بمثابة مسامير في لوح خشبي، لا يستطيع أحد إخراجها بسهولة، ولو أخرجها فإن جروحاتها لا تندمل وتبقى، تعال إذن وأعِد الوقوف مع قول سموه:

«الـمَجدْ لأهْـلِهْ ولا يـهمِّهْ سـليلْ المَجدْ»، ثم قوله: «وعـنـدي خـيـارْ الـرِّمَكْ إذا الـلِّقا يـشتَدْ»، وقوله: «جــاهـزهْ لـلـعـزْ».

ثم تأمل في قوله: «أسـري إذا الـليلْ الأظـلَمْ»، وقوله: «ولـلـذيبْ سـريِـهْ بـظـفرْ ونـابْ»، وقوله: «عــارفْ زمـانـي مـجـرِّبْ»، وقوله: «وآعَــرفْ مــنْ فـي الـمعكِّرْ».

وتأمل بعمق في قوله: «أشــيـا غـريـبهْ غـيـرْ مـعـقولِهْ»، وقوله: «أهــلِ الــرِّدا»، وقوله: «ونفسي بكسبْ العلا والمجدْ مشغولِهْ».

وقوله عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: «عـنده سـيوفْ الـمعالي مـرهفاتْ الحَدْ»، وقوله: «و عـنـده لــرَدْ الـعـدا»، وقوله: «عـلـيـهْ دوم إعـتـمادي»، وقوله: «ويـحـل أصـعب الأمـور».

الله أكبر وهل يخفى شيء على حاكم ينام خلال أربع وعشرين ساعة أربع ساعات فقط، ويسهر على إدارة بلاده ومتابعة شؤون العالم عشرين ساعة.

لقد قلت لسموه في ثلاثاء من الثلاثاءات قبل موعد الغداء: سيدي هل قرأتم ما نشرته أنا اليوم في الصحيفة؟ وكان الوقت ظهراً؟ فرد سموه: أنا أقرأ الصحف أول ما تصدر، أقرأها من النسخة الإلكترونية في منتصف الليل، أي في حين أننا نغط في النوم.

ثم إنه لا يقرأ الصحف فقط، بل يتابع كل ما يصدر عبر وسائل الإعلام، أضف إلى ذلك قراءاته في كتب السياسة والاقتصاد والأدب، وبعد ذلك لديه وقت للرياضة أيضاً إما مشياً على القدم أو على السيكل، ولديه وقت أن يؤلف ويقرض الشعر.

والأهم أنه ليس لديه وقت ولا دقيقة ليسمع المهاترات وسفاسف القول، لماذا لأنه كما قال: «ونفسي بكسبْ العلا والمجدْ مشغولِهْ».

أسأل الله أن يبارك في وقتك وعمرك يا سيدي، ويجعل الفوز والنصر حليفك.

Email