زيارة محمد بن زايد إلى الصين.. نقلة نوعية في الشراكة ونجاح عابر لقوة الإمارات الناعمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثمرت الزيارة التاريخية، التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين، والتي استمرت على مدى 3 أيام، نجاحاً جديداً لقوة الإمارات الناعمة، وتحقيق نقلة نوعية جديدة في حجم الشراكة والتكامل مع هذا العملاق الآسيوي، الذي يعتبر اليوم أكبر القوى الصاعدة في العالم، على مستوى الاقتصاد والسياسة والتنمية البشرية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية والفضاء والنقل وغيرها.

وعكست الزيارة حجم الأهمية التي يوليها البلدان الصديقان لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بينهما، ودرجة الثقة العالية لدى القيادتين بأن ما هو مرصود لهذه الشراكة في تصنيع المستقبل يستند إلى موروث تراكمت إنجازاته على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الموثوقية والمصالح المتبادلة.

ففي الزيارات الثلاث السابقة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للصين منذ عام 2009، أُسِّست شراكة عتيدة للقطاع العام في البلدين، تكاملت مع الزيارة الرابعة بشراكة للقطاع الخاص جرى الإعداد لها باستفاضة، وبما يبرر المراهنة على مرحلة جديدة تأخذ فيها التنمية المتكاملة آلياتها التي تستلهم أدوات القوة الصناعية الخامسة.

وتبشّر الزيارة التاريخية، بفضل الرؤية الصائبة لقيادة الإمارات، وبدفع قوي من الإرادة السياسية لقيادتي البلدين، بمستقبل مزدهر، وتنمية مستدامة، وتعاون وأمن واستقرار، يصب في مصلحة جميع دول منطقتنا وشعوبها، وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لدى وصوله إلى بكين، بقوله إن دولة الإمارات وجمهورية الصين «تجمعهما تطلعات وطموحات ورؤى مشتركة للاستثمار في بناء الإنسان ولمستقبل يسوده الأمان والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.. الإمارات والصين ماضيتان بخطى طموحة بمسيرة تعاونهما نحو المستقبل الواعد».

«زيارة الدولة»، التي أسبغها البيان المشترك في ختام زيارة سموه، على صفة الزيارة، والتي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بدعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، تشير إلى سوية العلاقة الخاصة بين البلدين والشعبين الصديقين، وحرص الطرفين على وضوح الأولويات ومخاطبتها بما تقتضيه من التزام وبرمجة.

وتتعاظم أهمية هذه الزيارة بكونها الرابعة لسموه إلى بكين، وتتزامن مع الاحتفال بمرور 35 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبعد عام على الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني للإمارات، والتي شهدت الارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين إلى شراكة استراتيجية شاملة، وتنسيقاً استراتيجياً في مختلف القضايا، بما يخدم الأمن والسلم العالميين.

وتعتبر الصين اليوم ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2017 نحو 60 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى 70 مليار دولار بحلول 2020. كما يعيش في الإمارات نحو 200 ألف مواطن صيني، وهو أكبر عدد للجالية الصينية في الشرق الأوسط.

النجاح منقطع النظير للزيارة التاريخية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، الذي دلّ عليه الاستقبال الحافل، رسمياً وشعبياً، لسموه، إضافة إلى تحقيق أهداف هذه الزيارة، التي رسمت خريطة طريق لعلاقات راسخة بين الإمارات والصين تمتد، كما وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لـ100 عام مقبلة، لم يأتِ من فراغ، بل استند إلى أسس موضوعية، وأرقام ونتائج ومكتسبات حققتها دولتنا الفتية في زمن عجزت عنه كبريات الدول، لتقف بكل ندية وتعقد «شراكات الكبار» مع العملاق الصيني.

ثم إن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، لا يتردد، في أكثر من مناسبة، في التعبير عن إعجابه وسعادته بما يراه في فكر ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، من تماثل في النظرة حول مفاهيم ونهج التنمية المستدامة، وفي توافق الالتزام بثوابت التسامح وتوظيف القوة الناعمة لتعميم مناخات الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط والعالم.

كما منحت جامعة «تسينغهوا الوطنية» الصينية العريقة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد شهادة «بروفيسور فخرية» تقديراً لدور سموه ومبادراته في دعم العلوم المتقدمة والتكنولوجيا والابتكار، إضافة إلى تكريس جهوده في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين دولة الإمارات وجمهورية الصين، وتعد الشهادة أعلى وأرقى شهادة تقدمها الجامعة للقادة والرؤساء.

الإمارات اليوم، كما يراها القادة الصينيون، بوابة العبور إلى العالم العربي والشرق الأوسط، و«لؤلؤة لامعة على طول ممر الحزام والطريق»، كما وصفها وزير الخارجية الصيني.

وهي، بما تمثله من نموذج تنموي ناجح في المنطقة، تكتسب أهمية خاصة في الاستراتيجية الصينية، باعتبارها بوابة حيوية لأمن واستقرار المنطقة، فضلاً عن دورها المحوري والمؤثر عالمياً، لكونها قوة دافعة للتطوير والتنمية. وتبث هذه الرؤى المتوافقة بشأن شراكة فاعلة بين «الكبيرين» اليوم، التفاؤل في أوساط المراقبين، في ترسيخ استقرار المنطقة والسلام العالمي، خصوصاً لما تمثله المنطقة على وجه العموم، والإمارات خاصة، من أهمية استراتيجية للعالم أجمع.

جملة مكتسبات

حصاد وفير، ونجاح باهر، بكل المقاييس، حققته الزيارة التاريخية، تؤكد ذلك جملة المكتسبات التي حققتها مؤسساتنا وقطاعاتنا الاقتصادية، وما عقدته من شراكات واتفاقيات ومذكرات تفاهم. كما أظهر البيان المشترك تفاصيل برنامج العمل الذي يراد له أن يرتقي بالشراكة الاستراتيجية بين الدولتين إلى مرحلة أرحب من التكاملية القائمة على الالتزام الوثيق بتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.

في الجانب السياسي، أعطى البيان المشترك أولوية راجحة لحل القضايا الإقليمية والدولية بما يحقق الهدف الاستراتيجي المشترك في الاستقرار والتنمية، مؤكداً تظهير ثوابت الدعم المشترك في القضايا المتعلقة بسيادة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه وأمنه ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول بأي شكل من الأشكال، وانتهاك سيادتها، مع احترام مبادئ حسن الجوار.

وفي سياق ما تشهده منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط من مناخات غير مستقرة، فقد سجلت الأوساط السياسية في العاصمة بكين درجة الوضوح العالية في التزام الصين بدعم جهود الإمارات من أجل احترام سيادتها وسلامة أراضيها ووحدتها، مع تأكيد مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وقد حرصت القيادة الصينية، كما أوضح البيان المشترك، على تأكيد أهمية العمل على حماية أمن وسلامة إمدادات الطاقة عبر الممرات البحرية في منطقة الخليج العربي، وكان التأييد الصيني قاطعاً في تأييد دعوة المجتمع الدولي للتعاون في تأمين الملاحة الدولية وتأمين وصول الطاقة، مشيراً بالتحديد إلى تطابق المواقف التي ترى أن العملين التخريبيين اللذين طالا ناقلات النفط في المياه الإقليمية لدولة الإمارات في مايو 2019 ومضيق هرمز في يونيو 2019 يشكّلان تهديداً حقيقياً للملاحة الدولية، بما يبرر دعوة الجانبين إلى تبنّي موقف صارم وإدانة هذه الأعمال التخريبية الاستفزازية التي تهدد السلم والأمن الدوليين.

واستذكر البيان المشترك أن محطات العلاقة الإماراتية الصينية بُنيت على مدى خمس وثلاثين سنة أعقبت إقامة العلاقات الدبلوماسية، إلى أن اكتسبت الشراكة الاستراتيجية المقننة باتفاقية تضمن النمو الشامل السريع في التعاون بالمجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والأمنية والطاقة.

وهو يعرض البرمجة الإبداعية للمرحلة المقبلة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، أعاد البيان المشترك توصيف العلاقات الثنائية بأنها قائمة على مبادئ أساسية، أهمها السلم والتسامح والحوار والانفتاح على الثقافات الأخرى، مع ترسيخ الأمن والاستقرار والتعاون والتفاهم المشترك في ظل التطورات الحالية للأوضاع الدولية.

وأشار البيان المشترك إلى رزمة الاتفاقات ومذكرات التفاهم التي جرى التوقيع عليها في ختام زيارة احتفت بالذكرى السبعين لإقامة جمهورية الصين الشعبية والذكرى الخامسة والثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية، وشهدت منتدى اقتصادياً فريداً في زخمه الذي جمع نحو 600 شخصية من قيادات القطاعين العام والخاص في البلدين.

في سياق مزايا الوضوح والابتكار في برمجة آليات الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والصين، جاء البيان المشترك غاية في الوضوح، وهو يمنح المرحلة المقبلة من هذه الشراكة طابع الشمولية، لكونها ستشهد تكاملاً في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ونقل التكنولوجيا، مضافاً إليها الذكاء الاصطناعي وحماية البيئة والأمن الغذائي والثقافة والتعليم، وهو التكامل الشمولي الذي يشكّل نهجاً مشتركاً في الفكر القيادي بالبلدين الصديقين، مآله النهائي هو التنمية المستدامة التي ترسّخ الأمن والاستقرار في البلدين وفي العلاقات الإقليمية والدولية.

اهتمام دولي

استقطبت تفاصيل برنامج زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين، وما شملته من الحيثيات الكثيفة ومن حفاوة التجهيز المتبادل، التغطيات الإعلامية الدولية، التي وضعتها في سياق «القمم التاريخية». فقد تزامنت الظروف الإقليمية والدولية مع هذه الزيارة، وما شملته من اللقاءات القيادية، وهو الأمر الذي وضع هذه المناسبة في عين المناخات الدولية التي تقدّر تماماً الشراكة الاستراتيجية بين الصين والإمارات، وقدرتهما في الحفاظ على الاستقرار ومواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله.

13

شارك في «المنتدى الاقتصادي الإماراتي الصيني»، الذي استضافته بكين، خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين، أكثر من 500 شخصية من قيادات القطاعين العام والخاص في البلدين.

ويهدف المنتدى، الذي التأم تحت شعار «الشراكة المستدامة.. الاستثمار المستدام» إلى توسيع جسور التعاون بين القيادات الحكومية وممثلي الشركات والمستثمرين في الإمارات والصين، في نطاق شراكة تواصلت على مدى ثلاثة عقود، لترتقي إلى استراتيجية تشمل 13 محوراً رئيساً في مجالات التجارة والاستثمار والنفط والطاقة النظيفة، فضلاً عن السياحة والصحة والبيئة والفضاء والبناء والصناعات الابتكارية.

16

شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وشي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، مراسم تبادل 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.

وشملت الاتفاقيات والمذكرات، التي وقّعها البلدان، التعاون الدفاعي والعسكري، والبيئة، والتعاون العلمي والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي، وتفاهماً بشأن التعاون التجاري والاقتصادي مع أفريقيا، والتعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وتفاهماً بشأن إدخال اللغة الصينية ضمن مناهج التعليم في مدارس الدولة، وتعاوناً ثقافياً مع المتحف الوطني الصيني، وتفاهماً للتعاون في مجال النفط.

40

أبرمت شركة إعمار العقارية، على هامش زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الصين اتفاقية مع مطار بكين داشينغ الدولي لتنفيذ مشروع بقيمة 40.5 مليار درهم شاملة قيمة الأرض التي تبلغ مساحتها 5 كيلومترات مربعة من المطار البالغة مساحته 50 كيلومتراً مربعاً.

وبحسب مصادر عالمة، فإن المشروع سيسهم في تحقيق طموح الصين المتمثل في صدارة سوق الطيران العالمية. وكان للاتفاق تأثير إيجابي في سهم الشركة في سوق دبي المالي الذي ارتفع خلال التداولات 3%، قبل أن يتراجع ليغلق على ارتفاع 2.3%، مسجلاً أعلى مستوى له في 3 أشهر، ويلامس 5 دراهم.

Email