سمفونية أندلسية الروح هادئة الإيقاع

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين يكتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دُبيّ، رعاه الله، في حَدَثٍ ما، تتجلّى في شعره صورة الوطن وجلاله العالي، فهو بحقٍّ ضميرُ الوطن وصوتُه الأعلى، وعلى أنغام شعره تتردد جنبات الوديان، وتلتمع حبات الرمال في قلب الصحراء، ولا عجب في ذلك، فصاحب السموّ هو الرجل الذي حمل اللواءَ وأخذه بقوّةٍ من يدٍ أمينة سهرت كثيراً، وهي تُعلّمه أعظم مناقب الفرسان وأصفى شمائل القادة الشجعان، فكان الوارث الصادق لمجد فارسَيْ الإمارات وشيخيها الكبيريَن المغفور لهما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، وهما الرجلان اللذان يدينُ لهما صاحب السموّ بكل ما في قلبه من صفاء، وما في عقله من ذكاء، وما في وجدانه من شعر وغناء.

اليوم، يحتفل الوطن كله بفرحةٍ هي الأغلى على قلب القيادة والشعب، ويحتفي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بعقد قران ثلاثة من أبنائه الصِّيد الميامين: سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، وسموّ الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد، نائب حاكم دبي، وسموّ الشيخ أحمد بن محمّد بن راشد، رئيس مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة، رعاهم الله جميعاً وأبقاهم ذخراً للوطن وقُرّة عينٍ للوالد الجليل.

وفي هذه المناسبة التي يليق تسميتها بفرحة الوطن، نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، قصيدة بديعة الشكل والمضمون، سجّل فيها هذا الحدث الأغلى، وعبّر من خلالها عن مشاعره بصفته والداً ربّى أبناءه على أشرف المناقب، وصقل أرواحهم على المجد وحب الوطن والإخلاص للقيادة، فكان حقّاً واجباً أن تنبري الأقلام المُحبة لمشاركة صاحب السمو هذه الفرحة الكبرى، وتقديم واجب التهنئة، والكشف عن المحتوى الفني والأخلاقي الباهر الذي اشتملت عليه هذه القصيدة الباهرة.

لــيــلُ الإمــــاراتِ أفــــراحٌ وألــحـانُ

                          وفـــي سـمـاها مــنَ الأنــوارِ ألــوانُ

بَــــدَتْ بـحُـلَّـتـها الـخـضـراءِ فـاتـنـةً

                        وقَـــــدْ تــفــتَّـحَ بــالــنُّـوَّارِ بُــســتـانُ

والــرِّيـحُ سَـجْـسَـجُ والـبـيـداءُ قـافـيَةٌ

                       ربــوعـهـا بـجـمـيـلِ الــــوَردِ تــــزدانُ

هذه هي قصيدة صاحب السموّ، أندلسية الروح، مزركشة الوَشْي، باهرة الحُلى، هادئة الإيقاع، يكاد كل حرف فيها ينطق بمعنى الفرح، وما زالت الشعراء تُخبّئ حرف النون كقافية فريدة للمواقف الرائعة، فهو يسعف في كلّ الأحوال، ويسمح للقلب أن يترنم، وللروح أن تتغنى بأعذب الألحان، وتبدع أروع الصور والتراكيب.

فها هي الإمارات قد غدا ليلها رافلاً في ثياب الأفراح الزاهية، تلتمع سماؤها بألوان النور الساطعة تعبيراً عن الفرحة الصادقة بهذه المناسبة السعيدة الغالية، وهي مثل عروس فاتنة الجمال تميس بثوبها القشيب الفتان، وقد ارتدت حُلّتها الخضراء، وأسعفت الطبيعة، فأشرقت بالنور والورد والأزهار، ويهبّ النسيم العليل الرقيق، ليضيف إلى أجواء الفرح جمالاً فوق جمال، فتتشكل من ذلك كله سمفونية رائعة التركيب، هي أشبه شيء بقافية حنون، تستخرج أجمل ما في النفس من الألحان.

وكيفَ لا وهْيَ في عُرسٍ قدِ احتَفَلَتْ

                       بــأحــمـدٍ ثُـــــمَّ مــكـتـومٌ وحــمــدانُ

فَــكُــلُّ ركــــنٍ بــــهِ عــطــرٌ وأغــنـيَـةٌ

                      وكــــــلُّ روضٍ بـــــهِ روحٌ وريـــحــانُ

أيَّــامُ أنــسٍ بــدَتْ تـجلي مـحاسنها

                       كـالـبَـدرِ والأنــجـمُ الـزَّهـراءُ نـيـشانُ

وكيف لا تزدهي الإمارات بهذا اليوم المجيد، وها هم ثلاثةٌ من فرسانها الكبار قد أنعم الله عليهم بنعمة الاقتران والسكينة، وقرّت عين والدهم بهم وهو يراهم في هذه الساعة السعيدة، فتجاوب الوطن كله مع هذه الفرحة، وتعطّرت أرجاؤه، وانبعثت موسيقى الفرح في جنباته، وأشرقت رياضُه بالروح والريحان والطيب والألحان، فانجلت محاسن الإمارات كما تنجلي السماء عن البدر المكتمل والنجوم الزهراء اللامعة، مثل نيشانٍ ينتطق به فارس شجاع في ظلمة الليل.

تـاهَتْ على الغيدِ في حلٍّ وفي حُلَلٍ

                      وأنـحَـلَّ مــنْ حُـلَـلِ الـظـلماءِ مـرجانُ

أنـجاليَ الـصِّيدُ أبـناءُ الـعُلا درَجـوا

                      عـلَى الـشَّهامَة مُـذْ كـانتْ ومذْ كانوا

ربَّيـتكمُ وســوادُ الـلـيل يـشـهَدُ لــي

                      كــمـا تُـرَبِّـي صـقـورَ الـجـوِّ عـقـبانُ

وتتنامى شريحة التصوير البديع في القصيدة، لكي تكتمل مشاعر الفرحة في قلب الوالد السعيد، فالقصيدة معمورة بالتشبيهات الرائعة النابعة من قلب صادق الفرحة، وروح مفعمة بالسعادة، حين يرى الوالد السعيد هؤلاء الفرسان البواسل الوارثين مجد أجدادهم الصّيد من آل مكتوم، الذين ربّاهم صاحب السموّ على أشرف المناقب وأنبل الصفات، حتى درجوا في مدارج العلا، وارتقوا في سلّم المجد، صقوراً مُحلّقة في سماء الوطن لا تعرف الخوف، ولا ترضى إلا بالمعالي من الأمجاد.

وصـغـتكمْ بـيـميني صَــوغَ ذي أدَبٍ

                    فــصـرتُـم الــيــومَ لـلـعـلياءِ فــرسـانُ

عـلَّمتكُمْ أنْ تـكونوا فـي الـعلا شُهباً

                   تَـنْـقَضُّ إنْ عُـرِّضَـتْ لـلـضَّيمِ أوطــانُ

وكــــان كــــل مـــرادي أن أجـهِّـزكـم

                   لـلـمـجد إذ كـــان لــلأجـداد مـيـدانُ

وتزداد معالم التربية الصحيحة وضوحاً ورصانة، وتزداد نغمة الفخر بهؤلاء الأبناء البَرَرة الذين صاغهم صاحب السموّ صياغة والد عميق الخبرة بالحياة، قد نهل من عيون الآداب، وارتوى من فنون الحِكَم، فكانوا عند حسن الظن، وطلعوا في سماء المجد بدوراً كاملات، يهتدون بضوء والدهم الساري في جنح الظلام مثل البدر المنير، فعلّمهم أن يكونوا مثل الشهب اللامعة التي تنقضّ على كل من تُسوّل له نفسه الاقتراب من حمى الوطن المنيع، فهم سيوف الوطن ودروعه السابغة، فإذا عرض للوطن ضيمٌ انتضى هؤلاء البواسل سيوف الشرف، وأعادوا كل مُعتدٍ إلى حده الذي لا يتجاوزه، وليس ذلك بالغريب على آل مكتوم، فهذه العائلة الماجدة منذورة منذ قديم الدهر للوطن ومجده وحمايته من كل سوء وشر.

ومـنـهجي كـان فـي تـلقينكم وطـني

                     وحـب شـعبي فـحب الـشعب بـرهانُ

وكـــــان زايـــــد تــاريــخـاً أدرِّســــه

                    لــكــم وأنــْعِــمْ بـــه لـلـمـجد عــنـوانُ

حـتى وصـلتم إلـى مـا كـنت أنشده

                    وأنــتـم الــيـوم لـــي فــخـر وتـيـجانُ

إنّ هذه القصيدة تتجاوز كونها تعبيراً عن فرحة والد جليل بفرحة أبنائه، تتجاوز ذلك لتكون نبراساً أخلاقياً تهتدي به الأجيال القادمة، وهي تُعاين نمطاً فريداً من التربية الراشدة التي رسّخها صاحب السموّ في نفوس أبنائه الشيوخ، حين وضع لهم مثلاً أعلى تجلّى في شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ذلكم القائد الذي لا تنساه الأجيال، والذي اجتمع في شخصيته ما تفرّق في غيرها، فكان مَجْمعاً للكمالات والفضائل، وكان مُعلّماً حقيقياً لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فآثرَ أنجاله بهذا المجد الخالد، وغرس في قلوبهم حب الوطن والقيادة وخفض الجناح للشعب، وتقديم الغالي والنفيس في سبيل مجد الوطن وإنسانه الشريف.

ثم كانت النتيجة في هذه الثمرة الرائعة التي يرى فيها صاحب السموّ تاجاً من المجد يضعه على هامة الوطن، ويفتخر به بين رجالات الزمان.

وإذ وصــلــتـم مــواصـيـل الــرجــال

                    وفـي سـن الـرجولة تـأسيس وبـنيانُ

والــيـوم أكـمـل جـهـدي إذ أزوِّجـكـم

                  وبــالــزواج يــتــم الــديــن والــشـانُ

فـأكـرموا مــن لـهن الـحق واحـترموا

                   زوجـاتـكـم، فـالـهـدى بـــر وإحـسـانُ

وطوبى ثم طوبى ثم طوبى للفتاة التي يوصي بها صاحب السموّ بو راشد الذي هو مدرسة في كرم الأخلاق وشهامة القلب ونبل الروح والفؤاد، فها هو يوصي أبناءه في هذه اللحظات الخالدة من أعمارهم المباركة بأن يكونوا جبالاً عالية في حسن التعامل وكرم الأخلاق مع زوجاتهم، فإن أكرم الرجال أخلاقاً هو من كان كريم الأخلاق مع أهل بيته، وها هو صاحب السموّ قد أكمل واجبه الأبوي العطوف نحو أبنائه حين اختار لهم أكرم الأنساب، وتمّم لهم نصف دينهم بالزواج، فلم يبق عليهم إلا تقوى الله في النصف الثاني، لتكون هذه الوصايا الإنسانية الرائعة نموذجاً يُحتذى، وقدوة يتأسى بها العقلاء، ولا يكتفي صاحب السموّ بالإشارة والتلميح في هذا المقام، بل يجزم بالأمر بإكرام المرأة والإحسان إليها، فإن ذلك عنوان كرم الرجل وأصالة أخلاقه.

ولـتـلـزموا نــهـج آبـــاء لــكـم سـلـفو

                 فــجـدكـم راشــــد والــمـجـد أقــــرانُ

وعـــامــلــوا الــــنـــاس بــالــمـعـروف

               واخذوا بطانة الخير إذ للخير أعوانُ

وتأكيداً لكل ما سبق، يؤكد صاحب السموّ، في وصاياه الجليلة، ضرورة صيانة ميراث الأجداد من الشرف والكرامة وحسن الخلق، فمن كان له جَدٌّ كالشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم فليس أمامه إلا التخلق بأكرم الأخلاق، فأمانة الأجداد لا يصونها إلا كرام الرجال، وما كان راشد إلا عنواناً للمجد، ونموذجاً للشرف العالي، فحريٌّ بمن انتسب إليه أن يسير على طريقه مهما كلفه ذلك من بذل وتضحيات، ولا يتجلى ذلك إلا في معاملة الناس بالحسنى، واتخاذ بطانة الخير التي تُعين على فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين والإحسان إلى الضعيف ونصرة المظلوم، وهو النهج الذي يسير عليه صاحب السموّ ولا يرتضي سواه منهجاً وبديلاً.

لـكـم أبــارك مــن قـلـبي وأنـصحكم

                          نـصـيـحة مـــن أبٍ يــحـدوه إيــمـانُ

بـــأن تـكـونـوا بـقـلـب واحـــد أبـــداً

                          بــذاك يـمـتد طــولَ الـدهـرِ سـلطانُ

ثم كانت الجوهرة الأخيرة في هذه القلادة الفاخرة، فجاءت مباركة من قلب والدٍ عطوف تبتهج جوانحه بفرحة أبنائه، وتبتسم ثناياه حين يراهم يدرجون إلى بيوتهم رجالاً شرفاء وسادة نجباء، فصاحب السموّ يتكلم من قلب الوالد الذي يريد لأبنائه كل الخير، لتكون النصيحة الأخيرة لهم بالاتحاد وعدم التفرق، فإنّ ذلك هو الضمانة الأكيدة لبقاء مجدهم وصيانة ميراث آبائهم، يوصيهم، حفظه الله، ولسان حاله يقول:

تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكسُّراً

                       وإذا افترقنَ تكسّرتْ آحادا

سيدي صاحب السموّ، تعجز الكلمات عن التعبير، فاقبل مني هذه الكلمات تهنئة صادقة من قلب يحبك ويعرف كرم أخلاقك وطيب معدنك، وطابت أيامك بالسعادة والسرور، وحفظ الله أبناءك أصحاب السموّ الشيوخ ذُخراً لك وللوطن.

Email