تبجيلٌ واعتزازٌ بصاحب المرتبة السامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك أيام عظيمة عند العرب في الجاهلية، ومشهودة على مر الزمن، وقد حفلت بها كتب التاريخ والأدب، وتحدث عنها أصحاب اللسان أو أصحاب القلم بإسهاب، لأنها تروي وقائع وأحاديث بطولية، وكانت تلك الوقائع بمنزلة شهادات تصدر وتبين إنجازات القبائل وانتصاراتها، وهذا هو السموأل بن عادياء يقول في مناسبة:

وأيامنا مشهورة في عدوِّنا

لها غرر معلومة وحجولُ

سلي إن جهلتِ الناس عنا وعنهمُ

فليس سواء عالم وجهولٌ

فمن تلك الأيام التي لا تزال يشار إليها بأنها من أيام العرب المشهورة: «يوم البسوس»، و«يوم داحس»، و«يوم ذي قار»، و«يوم بعاث»، و«يوم نجران»، و«يوم حليمة»، و«يوم الإياد»، و«يوم اللوى»، و«يوم الفجار»، وهناك الكثير والكثير من الأسامي والوقائع ليس الآن مجال ذكرها وحصرها.

كما أن في الإسلام أياماً مشهودة، وهي أيام تعظم عند المسلمين، مثل: الأيام العشر من ذي الحجة، والأيام البيض من كل شهر، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الاثنين والخميس، وأيام العيد، وغيرها من الأيام التي جعل الدين الإسلامي لها حرمة واعتباراً، لا لذاتها، بل للشعائر والأعمال الخيرة التي تؤدى فيها.

وفي هذه الأيام، نرى الدول تتخذ أياماً أو مناسبات وتسميها دينية أو وطنية، وتضفي إليها هالة من التبجيل والاحترام، فمنها اليوم الوطني لقيام الدولة، ويوم الشهيد، ومنها رأس السنة، ويوم العلَم، ويوم المولد النبوي، ويوم الإسراء والمعراج، وهكذا.

إذاً، لا غرابة إذا احتفى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بيوم ميلاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ولا عجب أيضاً إذا سمَّاه سموه «اليوم العظيم»، وهو يوم عظيم طالما أن المحتفى به عظيم، فالعبرة ليست بالمكان بل المكين، وطالما في قاموس العربي يرد التفاؤل بيوم السعد والتشاؤم بيوم النحس، فإننا عرب مسلمون، يجوز لنا أن نتفاءل بيوم ميلاد قائد عظيم مثل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد.

شخصية استثنائية

كلنا نتفق على أن هناك شخصيات استثنائية، فالمغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، هم من تلك الشخصيات الاستثنائية، وأيام ميلادهم يُنظر إليها بأنها فواتح خير على الأمة، لذلك هنأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أخاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، قائلاً:

يومْ ميلادكْ يابوخالدْ عظيمْ

يا شريفٍ منْ شريفٍ لهْ مقامْ

يشهدْ التاريخْ أنِّكْ منْ كريمْ

زايدْ اللي بهْ فخرنا عَ الأنامْ

وأنِّهْ إختاركْ ولهْ رايٍ حكيمْ

في إختياركْ وقتْ سلَّمكْ الزِّمامْ

فاهمٍ طبعكْ ومامثلهْ فهيمْ

وإنتهْ مثلهْ في ذكاهْ والإفتهامْ

عظمة اختيار

نعم، عظمة المختار من عظمة الاختيار، أو العكس، عظمة الاختيار من عظمة المختار، وفي الأمثال: كثرة الأسماء تدل على عظمة المسمى.

ويروى عن عبد الملك بن مروان أنه كان يقول: «اختيار الرجل نصف عقله»، وهذا يعني أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، لم يرشح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، لولا أنه رأى فيه خصال النبوغ والنجابة والحكمة والفطنة.

والنجابة والأصالة لا تأتي من فراغ، بل من أصالة في الأرومة، وعراقة في التاريخ، ونبل في السيرة والمعرفة، وكرم في الأخلاق، وحنكة في ممارسة السياسة.

ومن خلال مجالسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان، الذي يعده معلّمه الأول، تيقَّن سموه بأن زايد معدن الفطنة، وموئل الجود، ومدرسة الأخلاق الفاضلة.

وتأكد بعد ذلك أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد نسخة طبق الأصل من والده الشيخ زايد، وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى هذه المنقبة العالية، والمرتبة السامية، والمقام الأجل لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بعد أن خبره من خلال هذه السنوات التي قضاها مع سموه في ميادين شتى، ابتداء من خيمة سيح سدير، وانتهاء بهذا اليوم الذي أصبح فيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يعتمد فيه على «المحمدين» في قيادة الدولة وإدارة الحكومة.

قيادة حكيمة

أجل.. القائد الحكيم لا يريد لبلده بالطبع إلا الخير، وإننا في دولة الإمارات، نحمد الله، على أن الله رزقنا بقادة حكماء خيرين، منذ أن وُجدنا على هذه الأرض، ورأيناهم أباً عن جد يعيشون مع شعوبهم كالأسرة الواحدة.

ما ذلك إلا لأنهم تربوا على مائدة القرآن والأدب الإسلامي الرفيع الذي يعلّم الشباب أن يقدسوا دينهم، ويحترموا رموزهم وولاة أمورهم، وأن يتبادلوا الرؤى والأفكار والمصالح وفق ما تتطلبه المصلحة العامة، أو على موروث أمتنا الثقافي الذي ورثناه نحن من أناس واراهم الثرى قبل قرون من الزمن، ولولاهم لما وصل إلينا شيء من آثارهم.

تبجيل واحترام

فصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، عندما يخاطب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بالقول:

الوطنْ بكْ عَزْ وإنتهْ لهْ زعيمْ

والشَّعِبْ لكْ فَزْ سِرْ بهْ للأمامْ

إنتهْ جنبتهْ الخطَرْ وأمسىَ سِليمْ

وعاشْ في خيرْ وسعادهْ وإبتسامْ

يقول سموه هذا القول المفعم بالتبجيل والاحترام والاعتزاز والاعتراف بدور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ويريد بذلك إيقاظ بعض الضمائر والبصائر النائمة التي لا تفهم إلا بالصوت العالي. ألا وإن التلاحم والتكاتف والتعاون والتراحم درب المحبة إلى القلوب، وهو أسلوب الحياة في الإمارات، وقد قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، منذ زمن بأن «البيت متوحد»، وسموّه دخل القلوب من أوسع أبواب المحبة والتواضع، والشعب ينظر له بأنه القدوة المختارة. وما يظهره من أدبيات التعامل بالرفق والحنان مع أسرته أو مع أفراد شعبه بين حين وآخر، يجعل الشعب يتعلقون به أكثر وأكثر، وبالأمس رأيناه وهو جالس في مجلس، كيف استقبل حفيدته ولوى على يدها، وكيف لوت حفيدته عليه وقبلت رأسه قبلة التبجيل والاحترام.

ورأينا في مشهد آخر كيف لوى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، على أحد رموز الثقافة وهو مكفوف البصر، ثم همس في أذنه وهو يقول من باب المداعبة: «أتعرفني أنا حمدان ابن محمد بن راشد».

أدب جمّ

هذا الأدب الجمُّ وهذا التقدير الراقي للآخرين، وراءه مربٍّ فاضل، فرحم الله زايد بن سلطان، وأطال الله في عمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي يخاطب «طويل العمر» صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في ختام القصيدة:

اللهْ يخلِّيكْ في الدنيا مديمْ

تحتفلْ وتعيشْ في خيرْ وسلامْ

الله أكبر، ومن منا لا يحب أن يدعو له صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لكنني أقول ليس كل الناس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فهنيئاً للمهنئ وهنيئاً للمهنَّأ، وهنيئاً لشعب الإمارات الموعود بالحب والفوز والنصر بقيادة المحمدين، إن شاء الله تعالى.

وفي النهاية، ليس لنا أن نسمي يوم ميلاد سموه إلا بيوم ميلاد الفخر، كما سمّاه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.

 

Email