«البيان» تسلّط الضوء على فصلين من كتاب سموّه «قصّتي»

محمد بن راشد: فلسفة راشد جعلت بلادنا أيقونة اقتصادية عالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن والده المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، قد بدأ حكمه بطاقة كبيرة وحماسة عالية وروح متَّقدة، وقال سموه:«إن كل يوم في حكم راشد كان مدرسةً بالنسبة لي.. في كل يوم فكرة، ومشروع، وحكمة»، مشدداً على أنه بسبب فلسفة راشد في الحكم التي أرساها فينا منذ نعومة أظفارنا أصبحت بلادنا اليوم أيقونةً اقتصادية عالمية.

جاء ذلك في كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الجديد، بعنوان «قصتي.. خمسون قصة في 50 عاماً.. سيرة ذاتية غير مكتملة»، والذي تسلّط «البيان» الضوء على فصلين منه، أحدهما بعنوان: «ثلاثة دروس مع بداية حكم راشد»، والآخر بعنوان: «1979 بين الحرب والسلام».

وقال سموه: «تعلّمتُ أن أصعب ما يمكن أن يفعله الحاكم هو تجاهل نصيحة صادقة»، مؤكداً أن «المشورة تضيف عقولاً إلى عقلك، وصناعة القادة تضيف أيادي كثيرةً وعظيمةً إلى يدك»، كما أن «القادة الذين نصنعهم يكونون عيوننا التي نرى من خلالها، وأيدينا التي نبني بها، وطاقات خلّاقة تُضاف إلى طاقتنا لتحقيق رؤيتنا التي نحلم بها»، مشدداً على «أنّ الاقتصاد دائماً هو ما يحرك السياسة».

وأضاف، في فصل «ثلاثة دروس مع بداية حكم راشد»، أن المغفور له الشيخ راشد علّمه ثلاثة دروس، هي في حقيقتها «ثلاث نصائح من حكيم ومعلِّم، أصبحت منهجَ حياةٍ لي، وفلسفةَ حكمٍ مع شعبي».

وذكر سموه أن الدرس الأول يتمثل في أن «الإنسان لا يتوقّف عن التعلُّم، والإنسان لا يولد كاملاً، وهو بحاجة إلى عقل غيره لاستكمال عقله ورأيه، وهو بحاجة إلى تعلُّم مستمر لا يتوقّف مهما بلغ من منزلة».

أما الدرس الثاني فإن «أهم صفات الحاكم الناجح أن يحيط نفسه بقادة أقوياء، ونحن نبحث عنهم دائماً، ولكن عندما لا نجدهم نصنع نحن القادة.. ومسؤوليتنا أن نصنع قادة، نعطيهم المسؤولية، ونشجّعهم حتى يصبحوا قادةً حقيقيين.. صناعة القادة هي صناعة التنمية»، في حين كان الدرس الثالث هو «القادة الحقيقيون هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون الأموال، وليسوا الساسة الذين يُصدرون الكثير من الضوضاء».

أما في فصل «1979 بين الحرب والسلام»، فأكد سموه أن «عام 1979 كان عاماً حافلاً، وينظر الكثيرون إليه باعتباره عاماً محورياً في تاريخ دبي، لكونه العام الذي شهد انطلاق ثلاثة من أكبر مشاريع الإمارة»، أول تلك المشاريع ميناء جبل علي، والثاني مصهر الألمنيوم الذي أنشأته وتملّكته شركة دبي للألمنيوم «دوبال» بقدرة سنوية أولية وصلت إلى 135 ألف طن، أما المشروع الضخم الثالث الذي بدأ ذلك العام فكان مركز التجارة الدولي في دبي الذي يُعرف اليوم باسم «مركز دبي التجاري العالمي».

وتعرّض سموه إلى الحرب العراقية الإيرانية التي استمرّت ثماني سنوات، مبدياً أسفه أن «توقفت بعد أكثر من مليون قتيل، وأكثر من تريليون دولار من الخسائر.. توقفت الحرب التي لم يربح فيها أحد، ولم نعلم حتى اليوم لماذا بدأت».

إلا أن سموه يذكر أن «إحدى النتائج الإيجابية للحرب أنها دفعت دول الخليج إلى التفكير بشكل جماعي لحماية نفسها، وتحقيق نمو اقتصادي لشعوبها»، مشيداً بالجهود الحثيثة التي بذلها الشيخ زايد خلال الحرب من أجل وضع أسس لمفاوضات تفضي إلى السلام الذي تمنينا أن يتحقق.

وأضاف: «كان عام 1979 هو العام الذي بدأنا ندرك فيه أن أحلامنا التي لا حدود لها يمكن تحقيقها، ولا توجد أي قوة يمكن أن تقف أمامنا»، وقال: «بعد أكثر من أربعين عاماً وهي ليست كبيرة في عمر الشعوب تتضح لك نتائج اختياراتك بين الحرب والسلام، بين المخاطرة في ميادين التنمية، والمخاطرة في ميادين السياسة».

وتالياً نص الفصلين من كتاب «قصّتي»..

ثلاثة دروس مع بداية حكم راشد

بدأ الشيخ راشد حكمه بطاقة كبيرة وحماسة عالية وروح متَّقدة. كل يوم في حكم راشد كان مدرسةً بالنسبة لي. في كل يوم فكرة، ومشروع، وحكمة.

أذكر أنه من القرارات الأولى التي اتخذها راشد بعد توليه مسؤولية الحكم تأسيس مجالس للبلدية والتجار وغيرهم من الأشخاص الموهوبين في مجتمعنا، من بناة ومهندسين وتجّار ومثقَّفين. وعندما سألته عن سبب دعوته كلّ هذه الوجوه الجديدة، نظر إليَّ بجدية وقال: «الإنسان لا يتوقّف عن التعلُّم.. نريد منهم أن يخبرونا كيف يريدون أن نبني دبي، ونريدهم أن يعلّموك كيف تكون قائداً، فقد بدأ تدريبك كذلك».

كان ذلك أول درس تلقيته على يد راشد. كان الكلام عميقاً وبسيطاً، وكنت أدرك عمقه وأهميته وعظمته كلما كبرت، وكلما زادت مسؤولياتي. نعم الإنسان لا يولد كاملاً، هو بحاجة إلى عقل غيره لاستكمال عقله ورأيه، وهو بحاجة إلى تعلُّم مستمر لا يتوقّف مهما بلغ من منزلة. القائد بحاجة إلى مشورة من حوله أيضاً، لكسب تأييدهم لخططه ومشاريعه، فلا يتكبَّر على النصيحة والمشورة إلا جاهل.

كبرتُ وتعلّمتُ أن الرسول «صلى الله عليه وسلم » كان يستشير أصحابه، وهو المعصوم من الخطأ، وهو الذي يأتيه الوحيُ من السماء. كبرتُ وتعلّمتُ أن أصعب ما يمكن أن يفعله الحاكم هو تجاهل نصيحة صادقة.

كبرتُ ورأيتُ حكاماً وحكومات عربية لم يهتموا بالاستماع لرأي شعوبهم وتطلّعاتهم بشأن الكيفية التي يريدون بها أن تُبنى دولهم. كبرتُ وشاهدتُ قادةً كباراً لدول عظيمة كان خطؤهم التاريخي الأكبر الذي أطاح بهم هو مستشاريهم المنافقين.

نعم، أحاطوا أنفسهم بمن يُسمِعهم فقط ما يحبّون سماعه، وما زلتُ أرى الخطأ ذاته يتكرّر حتى يومنا هذا. إنّ أسوأ ما يمكن أن يفعله القائد أو الحاكم هو الاختيار السيئ للمستشارين. كبرتُ وما زالت نصيحة الشيخ راشد صحيحة في كل يوم، ومع كل موقف.

في يوم آخر من أيام الشيخ راشد، وفي مجلس آخر من مجالسه، تعلّمتُ أيضاً شيئاً عظيماً ما زلت أطبِّقه حتى اليوم. كان الشيخ راشد يحدّث أحد الرجال في المجلس ويقول له: «أعتقد أنك نشيط ولديك قدرات قيادية، هل تستطيع إطلاقَ المشروع الفلاني ومتابعته حتى النهاية؟»، كنت أبدي تبرّمي لاحقاً وأهمس له: «لماذا قلتَ لفلان إنه قائد.. هو قليل الكفاءة ولا يستحق هذه الكلمة»، فيأخذ نفساً عميقاً ويرد عليّ بأن من أهم صفات الحاكم الناجح أن يحيط نفسه بقادة أقوياء، ونحن نبحث عنهم دائماً، ولكن عندما لا نجدهم نصنع نحن القادة. مسؤوليتنا أن نصنع قادة، نعطيهم المسؤولية، ونشجّعهم حتى يصبحوا قادةً حقيقيين.

لقد كانت حقاً كلمات من ذهب. قالها بكل بساطة، ولكنها سرّ عظيم من أسرار نجاح الدول وتفوُّقها. صناعة القادة هي صناعة التنمية. هذا هو الدرس الثاني. طبَّقتُ هذا المبدأ على مدى خمسين عاماً من حياتي ومسيرتي القيادية حتى اليوم، وخصّصتُ برامج لإعداد القادة وصناعتهم، واستثمرتُ بشكل شخصي في الشباب الطموحين الذين أحطتُ نفسي بهم في كل المناصب التي تقلّدتها. واليوم أراهم قادةً عالميين في مجالاتهم، وأفتخر بهم.

المشورة تضيف عقولاً إلى عقلك، وصناعة القادة تضيف أيادي كثيرةً وعظيمةً إلى يدك. القادة الذين نصنعهم يكونون عيوننا التي نرى من خلالها، وأيدينا التي نبني بها، وطاقات خلّاقة تُضاف إلى طاقتنا لتحقيق رؤيتنا التي نحلم بها.

الدرس الثالث الذي أودّ أن أرويه في هذا الفصل هو سؤال سألته للشيخ راشد عندما كنت صغيراً أيضاً، وهو عن القيادة أيضاً.

سألته: «من هم القادة الحقيقيون في هذا العالم؟»، أجاب: «القادة الحقيقيون اليوم ليسوا كالماضي. لقد تغير العالم. القادة الحقيقيون هم العمالقة الصامتون الذين يمتلكون الأموال، وليسوا الساسة الذين يصدرون الكثير من الضوضاء».

هذه الإجابة ما زالت تذهلني حتى اليوم؛ لأنني كل يوم أراها حقيقةً ماثلةً أمامي. إنّ الاقتصاد دائماً هو ما يحرك السياسة. الكثير من المحللين اليوم يقولون قبل تحليل أي ظاهرة سياسية: ابحث عن المال! حتى في الدول الغربية والديمقراطيات الكبرى، المال والاقتصاد هما اللذان يحركان السياسة.

أرى دولةً كبيرة، كالصين مثلاً، تتحدّى العالم كلّه بقوة اقتصادها، وتكسب الدول والولاءات والقوة الجيوسياسية بسبب وفرة أموالها وقوة اقتصادها. الدولة العظمى اليوم، الولايات المتحدة الأمريكية، هي الأولى عالمياً ليس بسبب قوتها العسكرية فقط، بل بسبب قوتها الاقتصادية.

تختصر هذه الإجابةُ الكثيرَ من فكر دبي وفلسفتها، والكثير الكثير من مواقف الشيخ راشد. كان يفضّل دائماً الابتعاد عن ضوضاء السياسة وتشابكاتها ومعاركها الصفرية، ويقول إنها لم تصنع لنا نحن العرب شيئاً.

كان كلُّ تركيزه وطاقته ووقته منصبّاً على المشاريع والاقتصاد، وكان يتجنّب أي شيء يمكن أن يجرّ بلادنا إلى مستنقعات السياسة. اعتمدتُ هذه الفلسفة وهذه النصيحة عن قناعة وإيمان وتجربة أيضاً عبر مسيرتي الطويلة.

واليوم، الكثير من العرب يرون بلادنا تعدُّ التجربة التنموية الأنجح في المنطقة، ويصوّت آلاف الشباب العربي في استطلاعات سنوية لبلادنا بوصفها النموذج الذي يتمنّون لدولهم أن تحذو حذوه، ويرون فيها الأمل للمنطقة، ويتمنّون الانتقال والعيش فيها لتحقيق ذواتهم وأحلامهم. وأصبحت بلادنا اليوم أيقونةً اقتصادية عالمية بسبب فلسفة الحكم هذه التي أرساها الشيخ راشد فينا منذ نعومة أظفارنا.

ثلاث نصائح من حكيم ومعلِّم، أصبحت منهجَ حياةٍ لي، وفلسفةَ حكمٍ مع شعبي.

1979 بين الحرب والسلام

تمرّ الدول باختيارات صعبة، حالها حال الأفراد، اختيارات بين معركة التنمية أو معارك السياسة، اختيارات بين استثمار مواردها في البناء أو حرق مواردها في المعارك، اختيارات بين السلام أو الحرب.

أتأملُ ذلك وأنا أستذكر عام 1979. كان عاماً رأيتُ فيه الاختيارات التي كانت تحدث في وطني، والاختيارات التي كانت تحدث في دول المنطقة بجانب وطني. وأرى اليوم نتائج تلك الاختيارات. بعد أكثر من أربعين عاماً تستطيع رؤية نتائج تلك الاختيارات بوضوح أكبر.

في دبي، كان عام 1979عاماً حافلاً. وينظر الكثيرون إليه باعتباره عاماً محورياً في تاريخ دبي، لكونه العام الذي شهد انطلاق ثلاثة من أكبر مشاريع الإمارة، أول تلك المشاريع ميناء جبل علي، والثاني مصهر الألمنيوم الذي أنشأته وتملّكته شركة دبي للألمنيوم «دوبال» بقدرة سنوية أولية وصلت إلى 135 ألف طن.

أما المشروع الضخم الثالث الذي بدأ ذلك العام فكان مركز التجارة الدولي في دبي الذي يُعرف اليوم باسم «مركز دبي التجاري العالمي»، والذي كان أطول مبنى في الشرق الأوسط، وواحداً من أكبر المباني في العالم آنذاك.

في ذلك العام، بدأنا نشعر بأننا في طريقنا لتحقيق قفزات كبرى، وبأن معركتنا لبناء وطننا بدأت تؤتي ثمارها، وأن العالم بدأ يعرفنا، كان عام 1979 هو العام الذي بدأنا ندرك فيه أن أحلامنا التي لا حدود لها يمكن تحقيقها، ولا توجد أي قوة يمكن أن تقف أمامنا. كانت طموحاتنا في قمتها، وتطلعاتنا لا سماء لها.

في هذا العام أيضاً، شهدنا ثورةً في إيران وتغيير نظام الحكم فيها، واعتلاء صدام حسين سدّة الرئاسة في العراق. وشهدنا في عام نفسه نُذرَ مواجهةٍ محتملة بين العراق وإيران، كقوتين في المنطقة سيكون لهما أثرٌ كبير على مستقبلنا.

كان التوتّر في المنطقة يتصاعد، أهم وأكبر جارين لنا على وشك مواجهة. لم تستطع القنوات الدبلوماسية مساعدة الدولتين على تلافي الحرب، ولكنني شخصياً ومن موقعي وزيراً للدفاع لم أستطع إلا أن أستعدّ لوقوعها.

ازدادت مسؤولياتي في ذلك الوقت أيضاً، فإضافةً إلى وزارة الدفاع، كنت ممتنّاً لإشراك الشيخ زايد لي في جهوده في الوساطة وإطْلاعي على منهجيته وسياسته من خلال مرافقته أثناء السفر أو تمثيله في اللقاءات الدبلوماسية لمحاولة تلافي الحرب.

ولكن في أواخر عام 1979 وبداية عام 1980، لاحظتُ أن العلاقات بين الدولتين اللتين تتمتعان بأكبر عدد من السكان وتملكان جيشين من أقوى الجيوش في المنطقة، قد بلغت نقطةً لا رجعة عنها. وكان هذا من أكثر الأمور المحزنة في حياتي، لأنني أدركتُ أننا ندخل نفقاً لا نعلم متى قد نخرج منه.

في 4 سبتمبر من عام 1980، اتهم العراق إيران بأنها قصفت مدناً حدودية من بينها خانقين ومندلي. وفي 22 سبتمبر، بدأت الحرب العراقية الإيرانية، واستمرت ثماني سنوات مدمرة. اخترنا البقاء على الحياد. لم تكن سنوات الحرب تلك بالنسبة إلينا سنوات ضائعة أو سنوات انتظار، بل أطلقنا أكبر ورشة عمل في بلدنا لتحقيق قفزات تنموية كبرى.

ولعل إحدى النتائج الإيجابية لتلك الحرب أنها دفعت دول الخليج إلى التفكير بشكل جماعي لحماية نفسها، وتحقيق نمو اقتصادي لشعوبها.

كان تأسيس «مجلس التعاون الخليجي» كمنظومة وحدوية إقليمية سياسية واقتصادية، مطروحاً على الطاولة. وكمؤيّد شديد للفدرالية، تحمستُ جداً لهذه الفكرة، وعزمتُ على مساعدة زملائي في مجلس التعاون الخليجي، بهدف تفعيل أجندتنا القائمة على الدفاع عن منطقة الخليج من خلال التعاون المشترك.

وفي 25 مايو 1981، أُعلن رسمياً عن تأسيس «مجلس التعاون لدول الخليج العربية». وفي شهر مايو، كنتُ أجلس بكل فخر وراء سمو الشيخ زايد عندما افتتح «قمة التأسيس» في أبوظبي. هذا ما كنتُ أحلم به، وهذه هي النيات الحسنة التي ستؤثر إيجابياً في المنطقة ككل.

تمنيتُ لو أن القادة في جميع البلاد العربية يفكرون بمثل هذه الصيغة من التعاون فيما بينهم لتحقيق السلام وخدمة الشعوب؛ وهو أمر يمكن تحقيقه بالتأكيد، فقد حققته مرتين في حياتي؛ في اتحاد الإمارات، وفي إنشاء مجلس التعاون الخليجي.

كنا نستطيع أن نبقى محايدين في الحرب، ولكننا أُجبرنا على حماية المنشآت النفطية في الخليج، حيث كانت مياه الخليج العربي في الثمانينات مسرحاً لما يُعرف بـ«حرب الناقلات» من خلال استهداف العراق وإيران ناقلات النفط والناقلات البحرية والتجارية لكل منهما، بهدف قطع الإمدادات العسكرية والاقتصادية للجيشين.

وامتدّ الاستهداف ليشمل السفن التجارية لدول المنطقة، التي ليست طرفاً في الحرب. لم نستطع الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء مهاجمة سفن النفط التجارية الخاصة بنا، ما دفعنا إلى نشر قواتنا المسلحة في البحر والجو. وفي أكتوبر من عام 1983 نظمنا أول تمارين مشتركة مع القوات المسلحة العُمانية والسعودية والبحرينية، إضافة إلى الكويتية والقطرية، تحت اسم قوات «درع الجزيرة».

خلال منتصف الثمانينيات، تعرّض عدد من ناقلات النفط التابعة لعدد من دول المنطقة في مياه الخليج العربي للقصف، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من الموظفين والعاملين فيها، والتأثير في الحياة البحرية في سواحلنا بسبب تسرب النفط إلى المياه. لذا، تحسبّاً للعواقب، سحبنا بعض سفننا إلى مياهنا الإقليمية.

لن أنسى الجهود الحثيثة التي بذلها الشيخ زايد خلال الحرب من أجل وضع أسس لمفاوضات تفضي إلى السلام الذي تمنينا أن يتحقق. وفي ذلك الوقت، أصبح عالمي كله يدور حول الأمور العسكرية والمخاوف الأمنية، وتمحور عملي حول حماية وطني، وذلك بعد أن أصبحت الحرب في المنطقة جزءاً من الصراع بين القوى الكبرى، خاصة بعدما أصبحت الولايات المتحدة طرفاً في حرب الناقلات.

في يوليو 1988، أطلقت السفينة الحربية الأمريكية «يو إس إس فنسنس» صاروخين بالخطأ على طائرة مدنية، تابعة للخطوط الجوية الإيرانية، بينما كانت متجهة إلى دبي، فقُتل جميع ركابها البالغ عددهم 290 شخصاً.

بعد أسبوعين من هذه الحادثة، أعلنت إيران رسمياً قبولها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 القاضي بالوقف الفوري للحرب العراقية الإيرانية.

وهكذا توقفت الحرب. توقفت الحرب بعد أكثر من مليون قتيل، وأكثر من تريليون دولار من الخسائر. توقفت الحرب التي لم يربح فيها أحد، ولم نعلم حتى اليوم لماذا بدأت.

بالمناسبة، «دوبال» اليوم هي خامس أكبر منتج عالمي للألمنيوم بعد دمجها مع شركة الإمارات للألمنيوم «إيمال»، وجبل علي أصبح يضم منطقة حرة فيها أكثر من 7000 شركة، وكررنا تجربته لندير اليوم أكثر من 78 ميناءً حول العالم.

أما مركز دبي التجاري العالمي فأصبح اليوم أكبر مركز لاستضافة المعارض في المنطقة، ويجمع أكثر من ثلاثة ملايين رجل أعمال وخبير ومختص سنوياً ضمن 500 فعالية. وأصبح شارع الشيخ زايد الذي بدأ بالبرج هو الشارع الذي يضم أكبر عدد ناطحات سحاب في الشرق الأوسط.

نعم، بعد أكثر من أربعين عاماً وهي ليست كبيرة في عمر الشعوب يتضح لك نتائج اختياراتك بين الحرب والسلام، بين المخاطرة في ميادين التنمية، والمخاطرة في ميادين السياسة.

Email