سموه يفتتح ملتقى «حلف الفضول» ويكرّم الفائزين بجائزة الحسن الدولية للسلام

عبد الله بن زايد: التسامح نهج إماراتي راسخ

■ عبدالله بن زايد خلال افتتاحه الملتقى بحضور عبدالله بن بيه وسام برونباك | وام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، أن دولة الإمارات لديها نهج راسخ قائم على ترسيخ قيم التسامح والتعايش بين الشعوب والسلم، وتعزيز الحوار بين الأديان بما يحقق الخير للبشرية جمعاء.

جاء ذلك خلال افتتاح سموه، أمس، فعاليات الملتقى السنوي الخامس لـ«منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، الذي يُعقد في أبوظبي تحت عنوان «حلف الفضول - فرصة للسلم العالمي»، ويستمر لمدة ثلاثة أيام بفندق أبراج الاتحاد.

وأثنى سمو الشيخ عبد الله بن زايد على الدور البنّاء لأسياس أفورقي، رئيس دولة إريتريا الصديقة، والدكتور أبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية الصديقة، في صناعة السلام في منطقة القرن الإفريقي.

ورحب سموه بالمشاركين في ملتقى «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، الذي يُعقد في أبوظبي عاصمة «فضاء الإنسانية» ودار التعايش والتسامح والسلام، منذ قيامها على يد القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.

وتوجّه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بخالص التهنئة للشيخ عبد الله بن بيه ، رئيس منتدى تعزيز السلم رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، بمناسبة انعقاد الملتقى السنوي الخامس للمنتدى، تحت عنوان «حلف الفضول – فرصة للسلم العالمي»، حيث يجمع الديانات الكبرى في العالم على كلمة سواء.

وبارك سمو الشيخ عبد الله بن زايد جهود الجميع في العمل الدؤوب من أجل لمّ شمل العقلاء والحكماء من كل الملل والأديان لخدمة الإنسان وحماية الأوطان في كل زمان أو مكان، متمنياً لمنتدى «تعزيز السلم» المزيد من النجاح والإنجازات الخلّاقة التي يسجلها التاريخ بصفحات مضيئة في مسيرة صناعة السلام.

وكرم سموه الفائزين بجائزة الحسن الدولية للسلم لعام 2018 في دورتها الرابعة التي منحت إلى أسياس أفورقي، رئيس دولة إريتريا، والدكتور أبي أحمد، رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وتسلّم شهادة التكريم نيابةً عنهما سفيرا إريتريا وإثيوبيا لدى الدولة.

حضر افتتاح المنتدى وحفل التكريم محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، ومحمد مختار جمعة، وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، وصامويل برونباك سفير شؤون حرية الأديان في الولايات المتحدة الأميركية، والحاخام ديفيد روزن، عضو مجلس أمناء مركز الملك عبد الله لحوار الحضارات، وآدم أنجينغ، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وسارة خان، رئيسة لجنة مكافحة التطرف بالمملكة المتحدة، والدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، ومحمد سعد أبو بكر الثاني، سلطان سكوتو - نيجيريا، والدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، وعدد من المسؤولين.

ترحيب

من جانبه، رحب الشيخ عبد الله بن بيه بالحضور في أبوظبي، عاصمة التسامح والتعايش والسلام المستدام، معرباً عن سروره لأن «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» يجمع نخبة واسعة من العقلاء والحكماء من ثقافات وديانات وأعراق مختلفة.

وفي سياق الملتقى الخامس، أشار الشيخ ابن بيه إلى أن المنتدى استطاع من خلال الملتقيات السابقة أن يقدّم معالجة أصيلة وعلاجاً ناجعاً، وأن يُثري الساحة برؤية جديدة ورواية تجديدية في إطار الأوضاع الاستثنائية المتأزمة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي، ذلك لأن المنتدى لم يزل منذ محطته التأسيسية يضع نصب عينيه الأفق الإنساني الأرحب، من خلال الوعي العميق بدرجة التشابك بين مصائر الشعوب وأوضاعها في سياق العولمة المعاصرة، متوقفاً عند حلف الفضول الذي انعقد قبل الإسلام من أجل التضامن والتعاون على تفعيل قيم الخير والمعروف ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف.

وأكد الشيخ ابن بيه أن حلف الفضول الجديد يسهم في خلق آلية للتعاون والتعايش أكثر نجاعة، فهو مبني على القيم والفضائل، مشيراً إلى أن أهداف حلف الفضول الجديد تتمحور في صناعة جبهة من رجال الدين للدعوة إلى السلام ورفض استغلال الدين في النزاعات والحروب، إضافة إلى تأصيل المواطنة الإيجابية، واحترام جميع المقدسات والتصدي لاضطهاد الأقليات باسم الدين، وتزكية المعاهدات الدولية الرامية إلى إحلال السلام وتعزيزه، وإحياء القيم وإرساء الفضيلة.

قيم

من جانبه، أكد محمد بن عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أن الإسلام يعمل على إرساء وترسيخ قيم الخير والعدل والسلام، مشيراً إلى أن استضافة دولة الإمارات هذا المنتدى العام تؤكد هذه المعاني السامية.

وأضاف أن القيم الإنسانية النبيلة لديننا الحنيف التي حفظت الحقوق والحريات لم تكن من البشر إلى البشر، بل هي رحمة من الخالق للناس جميعاً، مؤكداً أن الإسلام عمل على صون حقوق الأقليات الدينية بشكل كامل.

نحو حلف فضول جديد

وبدأت الجلسات العلمية بجلسة صباحية تحت عنوان «نحو حلف فضول جديد»، تحدّث فيها الحاخام البرفسور روفين فايرستون، أستاذ ريجنشتاين المتخصص في اليهودية في العصور الوسطى والإسلام في كلية الاتحاد العبرية بالولايات المتحدة، فعرض تجربة اليهود من حيث الحقوق في التاريخ، وأشار إلى أنهم كانوا يفتقدون أبسط حقوقهم في العهد المسيحي، بعكس ما كانت عليه أحوالهم في العهد الإسلامي.

وقال إن اليهود على مدى تاريخهم كانوا يشكّلون أقليات محدودة في المجتمعات التي يقيمون فيها، ولكنهم في العصر الحديث راحوا يتجمعون في فلسطين حتى شكّلوا أغلبية، فتناسوا ما تعرّضوا له من ظلم، وراحوا يظلمون الأقلية العربية، لافتاً إلى أن هناك أقليات يهودية تعارض الصهيونية وتقف بثبات ضد الاضطهاد والظلم، وهذا ما يجعل حلف الفضول في هذه المرحلة مثيراً، ليس للأفكار فقط، وإنما للمخيلات، لما ينطوي عليه من قيم تشكّل قيمة إنسانية حقيقة.

وتحدث الدكتور رضوان السيد، فاعتبر أن حلف الفضول ينبع من مجتمع المروءة، ويمكن الاستئناس بسُنّته في رعاية المصالح العامة، وأخلاق المسؤولية في الوقت ذاته، فهذا هو مجتمعُ «المروءة» أو أخلاقُها التي كان عقلاءُ الناس وأخيارهم قبل الإسلام يتطلعون إليه وإليها.

وتناول السيد الضرورات الحاضرة التي تهدف إلى سلامة الدين، ودعم فكرة وممارسات الدولة الوطنية المدنية، والإسهام في صنع السلام في العالم، متوقفاً في هذه الظاهرة عند التأثيرات الكبيرة للصحويين في فقه الدين وتداعياته العقدية والتشريعية والشعورية، ورأى أن العمل القوي والشامل من أجل سلامة الدين، يشمل مكافحة العنف والتكفير والدعوة إلى السكينة، وتوسيع الآفاق باتجاه النهوض الفكري والديني، إضافة إلى تجديد التواصُل مع العالم وأديانه الكبرى وثقافاته.

سيل الفتاوى

وكشف الدكتور شوقي عبد الكريم علام، مفتي الديار المصرية الأمين العام لدور الفتوى في العالم، خلال الجلسة الثانية عن موضوع «فقه المعاهدات والمواثيق في الإسلام»، أن إدارة الفتوى في الأزهر الشريف قامت على مدى ثلاثة أشهر برصد موسّع للفتاوى التي يتم إصدارها عبر شبكة الإنترنت، شملت هيئات وأفراداً ومؤسسات وما إلى ذلك، عن علاقة المسلم بالمسيحي في المجتمع الواحد، إذ تم جمع أكثر من 5500 فتوى تحدّد الإطار الذي يتعامل فيه المسلم مع المسيحي، فجاءت النتائج صادمة، فقد وجدنا 70% من تلك الفتاوى تحرّم التعامل المسلم مع المسيحي، و20% من هذه الفتاوى تجعل من هذا التعامل مكروهاً، أي أن 90% من الفتاوى تمنع أن يتعامل المسلم مع المسيحي، وهي مساحة كبيرة تضيّق دائرة التعايش بين الإنسان وأخيه الإنسان، لافتاً إلى أن 10% فقط من تلك الفتاوى المرصودة أجازت تعامل المسلم مع المسيحي، متسائلاً: «هل يمكن أن تؤدي هذه النتائج إلى تعايش حقيقي في المجتمع ويحصل من خلاله توافق وعمل مشترك بين المجتمع الواحد؟»، وقال: «فإن الإجابة بكل تأكيد وصراحة تأتي بالنفي».

وأكد أن تلك النتائج بطبيعة الحال تأتي مخالفة لما كان عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، الذي كان يستقبل الوفود في المسجد النبوي الشريف، فاستقبل وفد نصارى نجران وأذن لهم بالصلاة في مسجده، لافتاً إلى أن دائرة التعايش مع الآخر في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومن جاء من بعده، كانت واسعة ورحبة، إلى أن جاءتنا تلك الفتاوى فضيّقت قيم التعايش السلمي بين الناس، مؤكداً أن سيل الفتاوى الذي نراه اليوم وجد كاستجلاب واستحضار لفتاوى قديمة صدرت في عهود سابقة لها سياقاتها وملابساتها، لا يمكن بحال أن تستقيم وتستوي مع تحديات العصر الحديث، وأمام هذه الهجمة الشرسة التي يعانيها الإسلام.

وأشار الدكتور علام إلى أن الدولة الوطنية في الإسلام هي صمام الأمان في عصرنا الحاضر، متسائلاً عن كيفية الحفاظ عليها في ظل الموجات المتتابعة من فتاوى أو أطروحات يتم تغليفها بغلاف ديني، ثم تنطلق إلى آفاق سياسية لتحقيق مآرب تؤدي على المستوى القريب أو البعيد إلى اضطرابات ونزاعات وتهديد للأمن والسلم في المجتمعات.

كذلك تحدّث محمد تقي عثماني، عضو المجلس الفقهي بكراتشي - باكستان، فقال: «لو نظرنا إلى شريعة الإسلام، نجد أنها من بدايتها حتى نهايتها مرتبطة بعهود، وهي عهود ليست مقتصرة على الدول، وإنما تطول كل فرد، فالعلاقة بين الولد والوالد هي عقد، والعلاقة بين فرد وآخر هي عقد، وهذه العهود دخل فيها الرسول الكريم مع الصحابة وعموم المسلمين»، مشيراً إلى أن حلف الفضول كان ينبغي أن تعتمده الأمم المتحدة ضمن مواثيقها المتعلقة بنصرة المظلوم.

رؤية راهنة

في الجلسة الثالثة، التي عُقدت تحت عنوان «حلف الفضول: رؤية راهنة»، تحدّث الدكتور محمد ولد أحظانا، الأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين، فتناول الأسس التي يفترض أن يقوم عليها حلف الفضول، سواء على مستوى المنظومة الأخلاقية أو على مستوى المنظومة القانونية والحقوقية، ولذلك يرى أن فرصة تبادل الخبرات بالإطلاع على التجارب الإنسانية الأخرى قد ترشدنا إلى مخرجات يكتب له النجاح في التطبيق والممارسة، ومع ذلك عرض مقاربة عن نشأة حلف الفضول التاريخي، معتبراً أن أول موجبات قيامه كانت اجتماعية.

وختم أحظانا بالتركيز على ضرورة إزالة الحاجز المعرفي، فالاطلاع على ثقافات الآخر من موجبات قيام تحالف إنساني جديد يستلهم قيم الفضول التاريخية.

مفاهيم

عرض الشيخ محمد المختار ولد أمبالة، رئيس المجلس الأعلى للفتوى والمظالم في موريتانيا سابقاً، عضو مجلس أمناء «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، مفاهيم العقد والعهد في العربية قبل الإسلام.

وأضاف أن للإسلام معاني متجددة ومعززة بقول الله تعالى: «وأوفوا بعهد الله»، وأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما اتفق مع قريش على أن لا يستقبل منهم أحداً يأتيه مسلماً، بل يردّه إليهم، التزم بعهده، ولما قيل له: «يا رسول الله، كيف أعود وأنا مسلم؟»، قال: «أنا لا أخيس بالعهد، فاحفظ إسلامك في صدرك إلى أن يفرّج الله عنك»، وربما تشكّل صحيفة المدينة المحطة الأهم من احترام العهود والمواثيق في الدولة الإسلامية.

Email