إعلانات التخسيس.. أوهام قاتلة على مواقع التواصل

ت + ت - الحجم الطبيعي

القيء والشعور بالغثيان وحساسية في الجلد.. بعض من الأعراض التي أصابت الشابة آمنة البناي، 29 عاماً، بعد كل مرة كانت تستخدم فيها منتج تخسيس الوزن الذي اشترته من خلال حساب على موقع «أنستغرام» متخصص بمنتجات إنقاص الوزن. البناي كانت ضحية إعلانات تخسيس الوزن كونها تحلم بوزن مثالي ولم تتمكن من إنقاص وزنها بالطرق التقليدية المعروفة، فكانت هذه المنتجات التي روج لها بطريقة تفتقر للمصداقية بمثابة طوق نجاة هش أوقعها في مضاعفات لم تكن في الحسبان، ناهيك عما خسرته من أموال على هذه المنتجات.

البناي ليست الوحيدة التي وقعت ضحية إعلانات تخسيس الوزن، فغيرها كثيرون بسبب انتشار هذه الحسابات بشكل هائل في الفضاءات الرقمية، فبين الحين والآخر يصادف رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبارات حفظها عن ظهر قلب مثل: «يلي بدو ينزل يراسلني.. وزنك تاعبك ارسل لي وزنك وطولك لأحدد لك المناسب.. اخسر من 12 لـ 15 كيلو بوقت قصير مع الدكتورة ر.س».

ترويج

هذه الإعلانات تنتشر بالأخص في الفضاء الإلكتروني، ومواقع الجهات الإخبارية، للترويج على ألسنة أطباء لمنتجات تخفيف الوزن وغيرها من المستحضرات الطبيّة، مستفيدين من عدد المتابعين الكبير في حسابات تلك الجهات.

هذه الظاهرة أصبحت مصدر إزعاج ليس فقط لأصحاب الحسابات الإخبارية، بل الجمهور على المنصات الاجتماعية الذي يقصد هذه الشبكات للتواصل في المقام الأول وليس للشراء. وهنا ينتاب أي منا أسئلة كثيرة كمن يقف خلف حسابات إنقاص الوزن؟ وهل هناك مراكز لهم على أرض الواقع؟ وما طبيعة الخدمات الطبية التي تقدمها؟ أسئلة بدأت «البيان» باستقصاء إجاباتها من خلال التواصل خفية عبر «الواتس أب» و«أنستغرام» مع عدة حسابات تحت أسماء لطبيبات مختلفات.

استشارات «واتسابية»

في بداية الحوار، قلنا لأصحاب الحسابات إننا نعاني من مشكلة زيادة في الوزن فطلبوا تزويدهم بالطول والوزن وبعد ذلك اقترحوا برنامج تخسيس للالتزام به بعد حسابهم للوزن الزائد. وأوضح أصحاب الحسابات أن منتجاتهم تساعد على إنقاص ما بين من 10 -15 كيلوغراما في غضون أيام قليلة.

كما تبين لنا أن الجهات التي تروج للمنتجات الطبية بعضها من خارج الدولة وعند سؤالها عما إن كانت تملك مراكز في الإمارات، أوضح أصحاب الحسابات أن البيع والتواصل يتم فقط «أون لاين» ويتم متابعة حالة المريض وتجاوبه مع المنتجات فقط عبر «الواتس أب»، حيث لا يمكن زيارة الطبيب شخصياً! وهو أمر قد يثير الشك والريبة في مدى مصداقية هذه الحسابات.

الإعلانات المتكررة لهذه الحسابات هدفها جمع المال بالدرجة الأولى، وفي هذا السياق، كتب أحد حسابات إنقاص الوزن في سياق إعلانه لمنتج تخسيس على أحد منشورات الجهات الرسمية بأن حسابه هو «باب رزق» ولا تغلقوه بحظر الحساب ومسح التعليق.

ترويج ممنوع

انساق الشباب في الآونة الأخيرة لشراء منتج التخسيس المعروف بـ«كلين 9» والذي تكثر إعلاناته على شبكات التواصل وخصوصاً «أنستغرام»، والذي يتألف من عدة برامج بناء على الوزن الذي يريد المستخدم إنقاصه، وبسؤال «البيان» لوزارة الصحة ووقاية المجتمع حول إن كان المنتج مرخصاً أم لا قالت عبير عادل مدير إدارة التنظيم والتراخيص والإعلانات في الوزارة إن هذا المنتج غير مسجل بوزارة الصحة ووقاية المجتمع في الإمارات.

وأشارت عبير عادل إلى أنه لا يحق لأي مؤسسة صحية الترويج عن دواء أو منتج طبي، لأن هذا من اختصاص الشركة المصنعة أو الوكيل المعتمد في الدولة، مضيفة أن الوزارة تراقب التجاوزات بهدف حماية مجتمع الإمارات وجعله خالياً من الممارسات الخاطئة.

وحول الإجراءات التي تتخذها الوزارة حيال المخالفين، أوضحت عبير أن الوزارة لديها أسلوب حديث وهو إبلاغ المخالف بالمخالفة وطلب إزالتها من قبله خلال مهلة قدرها 72 ساعة. وفي حال عدم إزالة المخالفة وتكرارها، فإن الوزرة تقوم بتطبيق قرار مجلس الوزراء فيما يختص بنظام الإعلانات الصحية.

ونوهت عبير عادل أن الوزارة تبذل قصارى جهدها لمراقبة الحسابات التي تقوم بنشر إعلانات ترويجية لإنقاص الوزن ومنع المخالفات فيما يختص بالممارسات الطبية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، لكن واقع الأمر أن هذه المنصات متعددة والجهات التي تقوم بمثل هذه الإعلانات عددها كبير جداً، وأغلبها موجود خارج الدولة.

وأضافت عبير عادل أن عدد الحسابات التي تم إغلاقها ليس بقليل والعدد في تزايد، لأن الرقابة تزداد ولأن الوزارة تعين مفتشين بعدد أكبر في ظل تزايد هذه الممارسات من قبل المخالفين، حيث أصبحت مواقع التواصل وسيلة سهلة للربح ويستغلها البعض بسوء نية.

مضاعفات

من جهته، قال الدكتور علي الدعمي استشاري الجراحة العامة وجراحة الصدر والأورام، إنه في الوقت الذي سهلت فيه مواقع التواصل تبادل المعلومات، يلزم على المستخدمين توخّي مزيد من الحذر؛ فقد استغلّ البعض هذه المنصات للطب التجاري بهدف المتاجرة بالنصائح الطبية الصادرة، وفي الوقت نفسه يصعب التحقق إن كان الطبيب خلف الحساب مرخصاً لمزاولة المهنة أم لا، على عكس الحال عندما يزور المريض الطبيب بشكل شخصي ويكون على علم بالتاريخ المهني للأخير.

وأشار الدعمي إلى أهمية زيارة الطبيب للمراجعة الدورية وأخذ المعلومة من أهل الاختصاص، فقد يؤدي تناول المنتجات الطبية التي تبيعها هذه الحسابات إلى أعراض جانبية تؤثر على سلامة المريض.

وتعليقاً على بعض الحالات التي زارت الدعمي بعد قصد مواقع التواصل للتداوي، أشار استشاري الجراحة العامة وجراحة الصدر والأورام، إلى هناك عدة مرضى أصيبوا بمضاعفات بعد 4 سنوات من إجراء عمليات من قبل أشخاص غير مصرح لهم بمزاولة مهنة الطب وقيامهم بشراء منتجات رخيصة غير مرخصة وضارة من مواقع التواصل، كما نجم عن استخدام الأدوية غير المرخصة حدوث تجلطات وتشوهات في المنطقة بالكامل التي تم فيها حقن العقاقير.

ونوه الدعمي إلى أهمية خضوع المريض للفحوصات الطبية قبل تناول منتجات تخفيف الوزن لمعرفة مدى ملاءمة العلاج لهم واستجابة جسمهم لها، فقد يحتاج المرضى لعلاجات قد تؤثر على نبضات القلب وعلى عمليات الأيض والبنكرياس.

هوس

«مواقع التواصل تحولت إلى عيادات يتاجر فيها البعض بمشاعر اليأس التي تصيب البعض، وخصوصاً الفتيات بسبب الوزن الزائد، فيكون الشخص كالغريق الذي يتعلق بقشة يجرب كل ما هو متاح لتحقيق هدف يبدو معقداً وصعباً للغاية لهم وهو الوصول للوزن المثالي».. بهذه الكلمات بدأت سماح ميرغني، 26 عاماً، عربية، حديثها حول الأسباب التي تدفع بعض الشباب للجوء لمثل هذه الحسابات، موضحة أن هذه الإعلانات منتشرة في كل مكان وأصبحت مزعجة لدرجة كبيرة عند تصفح مواقع التواصل.

وقالت ميرغني: إن الشبكات الاجتماعية جعلت بعض روادها وخصوصاً الفتيات مهووسات بشكلهن الخارجي، ورسمت مقاييس معينة للجمال تلك التي يرونها أثناء متابعتهن لصور مشاهير و«فاشينستات» مرت عبر عدة مراحل من الفوتوشوب والتعديل، وهو ما قد يخفى على بعض مستخدمي الشبكات وخصوصاً من المراهقين. وقالت إن عدم الوعي بأن بعض الصور قد جرى تعديلها قبل نشرها على أجمل حال قد يهز ثقة بعض الفتيات بأنفسهن ويدفعهن لعمل كل ما هو ممكن كي يصبحن مثل هؤلاء المشاهير، مما يلزم مواقع التواصل من ضمن دورها في المسؤولية الاجتماعية بتنبيه المستخدمين بالصور التي تم تعديلها.

اعتذار ورد عام

وفي الوقت الذي تجد فيها هذه الجهات التي تروج لمنتجات إنقاص الوزن الشبكات الاجتماعية فرصة لنشر إعلاناتها واختراق خصوصية المستخدمين بشكل واسع على «أنستغرام»، تواصلت «البيان» مع الشركة المملوكة لـ«فيسبوك» في الإمارات، والتي اعتذرت لـ«البيان» عن مشاركتها في الرد على الأسئلة الموجهة لها. كما تواصلت «البيان» مع شركة «تويتر» موجهة عدة أسئلة عن هذه الظاهرة منها دور شركة «تويتر» ضمن المسؤولية الاجتماعية في حماية مستخدمي الشبكة من هذه الإعلانات والإجراءات التي قد تتخذها الشركة لإيقاف هذه الحسابات، إلا أن الشركة اكتفت بإرسال إجابات عامة متوفرة على موقعها الإلكتروني حول كيفية مكافحة «تويتر» للسلوكيات المزعجة والنظم الآلية الخبيثة.

وجاء في سياسات الشركة المدرجة على موقع «تويتر»: نركز على تطوير أدوات التعلم الآلي التي تحدد وتتخذ إجراءات ضد الحسابات غير المرغوب فيها أو التلقائية. وأضافت: «في شهر مايو، حدّدت أنظمتنا أكثر من 9.9 ملايين حساب غير مرغوب فيه أو تلقائي خلال فترة أسبوع».

وفي الوقت الذي لم تزود فيه كل من «أنستغرام» و «تويتر» صحيفة «البيان» بإجابات حيال استمرارية تزايد الحسابات التي تروج لإعلانات إنقاص الوزن ومسؤوليتها تجاه ما تنشره هذه الحسابات من محتوى، تبقى علامات الاستفهام أول ما يتصدر أذهان المستخدمين حول الجهة المسؤولة عن تحديد مصير هذه الحسابات في الفضاء الرقمي والجهة المسؤولة عن محاسبتها.

Email