قصيدة جديدة لسموه موشاة بحلل معاني الإباء والشموخ

«كم بذلْنا...» لمحمد بن راشد سيرة مجد الإمارات وبأسها وفخرها

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتحف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، متابعيه على حساب سموه الرسمي على موقع «إنستغرام»، أمس، بقصيدة جديدة ألقاها سموه بصوته، حملت عنوان «كم بذلْنا ولم نَقلْ كم بذلْنا»، حيث ترفل فيها المعاني بحلل الفخار والمشاعر الوطنية، إذ يؤكد سموه في أبياتها أن أهل الإمارات، قادةً وشعباً، أهل العزة والمجد.

والأبطال الذين لا يدخرون أرواحهم وأموالهم وجهودهم في سبيل دوام رفعة وطنهم ونصرة الحق وردّ الظلم وصد المعتدي. كما يستعرض سموه في هذه الرائعة الشعرية ما يتحلى به أبناء الإمارات من إباء وشموخ وشجاعة، فهم، كما يقول شاعرنا، خبروا وعرفوا الأهوال على الدوام، لكنها لم ترهبهم يوماً بل استمروا في البذل والتفاني في ساحات الوغى .

وفي ميادين التحدي كافة، لحماية أهليهم وصون كرامتهم وحفظ مقدرات مجتمعهم، وهم في هذه الطريق قهروا الويلات والريح العاصفة الحبلى بالمخاطر، فلم يدعوها تثنيهم عن مراميهم في السعي لتحقيق النصر باستمرار، إذ كيف يمكنهم أن يفعلوا ذلك وهم، كما يوضح شاعرنا، طالما اعتادوا أن يسارعوا ويتسابقوا إلى ساحات التضحية والفداء بصمت وأنفة، وبلا تبجح أو مباهاة.

ولم ينسَ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن يُذخر ويُغني مضمون هذي الأبيات الحماسية الراوية لسيرة شعب همه العلياء وبوصلته الإباء وشيمته الكرم، وأن يشير إلى فرائد صفات وأخلاق الإماراتيين،، فهم سليلو العظمة والشموخ، وطالما عُرفوا بأنهم لا يهابون لجاج البحار وأهوال المخاطر، إذ كانوا ويبقون أمهر الربابنة في ساحات الوغى المختلفة وفي ميادين السباق لتحقيق النجاح.

عوّدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على قصائده الجزلة التي يكتبها بالفصحى مرةً وبالنبطي مراراً.

وعندما يكتب سموه بالفصحى لا بد أن يكون هناك ما يحرك قريحته نحو هذا اللون من الشعر أكثر من النبطي، لأن الفصحى توحي بالعالمية أكثر، ومَن يفهمها الشريحة الأكبر.

ومِن المؤكد أن الشاعر الكبير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لا يكتب الشعر من غير مناسبة، ولا ينوّع بين الفصحى وبين النبطي إلا لمناسبة أو لسبب، وليس بالضرورة أن نعرف نحن السبب، فشاعرنا حاكم وزعيم يتابع أمور الداخل والخارج ليلاً ونهاراً، وهي تجري أمامه كالأمواج المتلاطمة في أعماق البحار مرة، وكالعواصف الهوجاء في قلب الصحاري مرة أخرى.

وبين هاتين نسمات رقيقة هادئة تهب بين فينة وأخرى، أو تمر في ساعات من الليل أو النهار من غير إشعار، ومثل هذه النسمات تحمل في ثناياها الكثير من التفاؤل والبِشر، ولولا هذه النسمات لم يبق للإنسان أمل على وجه الأرض.

والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بما يحمل من طموحات وآمال وهموم وأثقال، ليس أقل من البحر في تقلباته، لكن الفارق بينه وبين البحر أن البحر كله أهوال، والشيخ محمد بن راشد كله آمال.

لذلك فإننا نجد البحر يفقد صبره فيهاجمنا بأعاصيره وأمواجه بين حين وآخر، فمرة نسمع أن البحر الهائج أغرق بلداً بأكمله، ومرة أخرى نسمع أنه فجّر بركاناً نارياً فأحرق ما أحرق. أما الشيخ محمد بن راشد، رعاه الله، فبفضل ما أعطاه الله من قوة التحمل وامتصاص ساعات الغضب والانفعال، لا يزداد في وقت الأزمات إلا إيماناً بالله، وصبراً على مواجهة الشدائد.

لذلك تلقاه يصارع الأهوال والأعاصير بينه وبين نفسه، من غير أن يشتكي أو يتأفف، فتراه تارة وهو جالس جلسة تأملية على ربوة بعيدة وحده وبيده كوب من الشاي أو العصير، ومرة على صهوات الخيل، وفي كل الأحوال يبدل طاقة سلبية بطاقة إيجابية من غير أن يشعرك بما يفكر فيه وبما يعترضه وما يمر من تحديات.

وفي خلواته تلك كم يرى من الداء فيوجد له الدواء من غير أن يعلن، وكم يفاجأ بأزمات هنا وهناك تتفاقم حوله حتى تكاد الأرجاء تفقد صبرها وثباتها، لكنه لا يفقد صبره ويقف لها وقفة صخرة الوادي أمام التيّار الجارف، فلا يتزعزع من أجل أن يمر السيل بسلام، بل يقول للسيل غيّر أنت مسارك.. ولعله يستحضر قول المتنبي:

أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمتْ

وإذا نطقتُ فإنني الجوزاءُ

أجل فعندما نسمع سموه يقول:

كم بذلْنا ولم نَقُلْ كم بذلْنا

مِن دماءٍ ونصرةٍ وكفاحِ

ما خَشِينا فداحة الهولِ يجري

لا ولا هزَّنا عصوفُ الرِّياحِ

عندما يقول شاعرنا الكبير مثل هذا الشعر بملء فيه، يفهم من قوله أنه وقف أمام مستعصيات من الأمور استهلكت منه -كقائد للأمة- الكثير من فكره ووقته وطاقته وقواه، وما بذله لم يكن مالاً فقط، ولم يكن فكراً فقط، بل كلّفه الكثير مما لا يُثمّن ويتحمل مسؤوليته.

ويبين لنا الشاعر أنه مرّ بصراع مرير مع العدوّ اللدود، ولم يكن أمامه إلا الاستمرار قدماً حتى النصر، ولو لم يكن هو أقوى وأجسر من خصمه لما تحقق له النجاح، ولما انتصر في كفاحه مع هذا العدو المارد الذي لا يؤمن بأي قانون.

نعم، كان الدخول في هذا الهول مجازفة، والاشتباك مع هذا الإعصار مغامرة، لكن ما العمل إذا وجدت نفسك فجأة أمام خطر محدق؟

ورجل كالشيخ محمد بن راشد الذي تعوّد على ركوب الأهوال وعلى مبارزة الأسود لا يخاف الأهوال، فهو كما قال حيان بن ربيعة الطائي:

لقد علمَ القبائلُ أن قومي

ذوو جدٍّ إذا لُبس الحديدُ

وأنَّا نعمَ أحلاسُ القوافي

إذا استعر التنافرُ والنشيدُ

وأنا نضربُ الملحاءَ حتى

تولّي والسيوفُ لنا شهودُ

ويقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بعد ذلك:

وبرزْنا بكلِّ شهم كريمٍ

ووهبنا الغالي مِنَ الأرواحِ

يا زماناً كلجَّة البحر يبدو

لك منَّا مهارة الملاحِ

ولنا النَّصر والصَّدارة دوماً

في نهارٍ يضجُّ بالأَفراحِ

نعم، نفهم من هذا المقطع من أبيات القصيدة أن دولة الإمارات العربية المتحدة، بفضل الله تعالى، ثم بفضل قيادتها الواعية، لن تفاجأ بشيء، لأنها تنطلق من منطلق إيماني واعٍ، وتقف على أرضية صلبة، وتتدرع بدروع لا تخترقها رماح العدو الأرعن، فالمغفور له الشيخ زايد، مؤسس الدولة، حسب لكل يوم حسابه، وفسّر قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)، تفسيراً دقيقاً وفهماً عصرياً يناسب الزمن، وهكذا يقف اليوم أنجاله صامدين.

وها نحن اليوم بحمد الله مشهود لنا بالأسبقية والتقدم، لأننا أعددنا القوة في صمت، وتقدمنا على غيرنا من غير تباهٍ ولا خيلاء، والحرب خدعة لا تريد الكثير من الأقوال، بل الكثير من الدهاء والأفعال.

وما قدّمناه في سبيل إحراز النصر لم نقدمه رياء ولا سمعة ولا منّة، بل لأن الواجب يدفعنا لأن ندافع عن الأمة، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.

نعم، بذلنا الكثير وفقدنا الكثير، والكل يعلم هذا، ولا يزال المشوار طويلاً، لكن لا انتصار من غير خسارة، ولا بطولة من غير تألم، المهم أن لا تضعف أنت أمام المحبّطين، ولا تنهزم أمام المرجفين.

والأيام شهدت للقاصي والداني أننا رجال الحروب، نخوض البحر والبر من غير بوصلة، فخبرتنا كافية على أن تدلنا على مواطن الخير، ويقظتنا تكفي أن تدرأ عنا الخطر، من أجل ذلك فإن شاعرنا الكبير الواثق بوعد رب العالمين يقول:

ولنا النَّصر والصَّدارة دوماً

في نهارٍ يضِجُّ بالأَفراحِ

روح تفاؤلية

عرفنا الشيخ محمد بن راشد بروحه التفاؤلية، وبهمته العالية، وعزمه الذي يكسر ولا يُكسر، ومثل هذا الشعور لا بد أن يحقق النصر والفوز.

أقول: وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فارس العرب وقائد الشجعان، لم تبرز مواهبه الوطنية والدفاعية في هذه الأبيات فقط، بل قرأنا له قصائد كثيرة يفتخر فيها بمجد الآباء، وأيضاً يعتد بشجاعته في مواطن الحق، فهو الذي يقول في قصيدة «الزمن رحال»:

الــزِّمَــنْ رَحَّــــالْ والــدِّنـيـا تــــدورْ

غــيــرْ أنَّــــا مــــا يـغـيّـرنا الــزِّمـانْ

نـحـنْ لــي وافـيـنْ لـلفَزعِهْ حـضورْ

ونـحـنْ لـي كـافينْ حَـزَّةْ الإمـتحانْ

لــي نـخـاطِرْ سـاعَةْ الـمخطِرْ يـثورْ

ولــي نـشَمِّر سـاعَةْ إيـبورْ الـجبانْ

عَـــنْ حـمـانا حَــزَّةْ الـحَـزِّهْ حِـضـورْ

ومـنْ لـقانا يـخافْ فـرسانْ الـطِّعانْ

عـزمنا مـشهورْ فـي سـنينْ ودهورْ

كــمْ رووهـا الـنَّاسْ فـي كـنَّا وكـانْ

أمل وحماسة

هكذا إذاً تتجدد طاقات الشيخ محمد في كل يوم وفي كل لحظة، وتتوقد عزائمه في كل حين، ويبعث فينا الأمل، ويحثنا على مواصلة العمل من غير كلل ولا ملل.

وإنني أستشف من هذه الأبيات الأخيرة التي قرأنا لسموه بالأمس، أن بشائر النصر قد لاحت، وأننا بين قاب قوسين أو أدنى من الفوز، بدليل أن سموه يقدم لنا ما يشبه الإحصاءات الأخيرة: (كم بذلنا، دماء، نصرة، كفاح، برزنا، الغالي من الأرواح، لنا النصر).مثل هذه المصطلحات لا تستخدم إلا في مواقف بطولية تتكلل بالنجاح عادة بإذن الله، مصداقاً للحديث النبوي: واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.نعم، وإنني أبارك لسموه هذا الطموح، وأشترك معه في هذا التفاؤل، وأقول:

الصبح بدا من طلعتِهِ

والليل دجا من وفرتِهِ

فليفرح المؤمنون بنصر الله، ونصر الله قريب إن شاء الله.

 

Email