مصداقية الإعلام ترتقي على قــواعد الاحتراف وأخلاقيات العمل

إعلاميون: الفضاء مفتـوح.. والمهنية مظلة نجاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

(لمشاهدة ملف "إعلاميون: الفضاء مفتـوح.. والمهنية مظلة نجاة" pdf اضغط هنا)

لكل مهنة ضوابط ومعايير وخارطة طريق تحكم العمل فيها، كما تحرسها التشريعات والقوانين التي تضبط ميثاق الشرف في المهنة ليكون المرجع الأساسي للعاملين فيها، إلا أن مهنة الإعلام وعلى الرغم من وجود قوانين وتشريعات ومواثيق شرف تضبطها، إلا أننا نرى اليوم الفضاء المفتوح جعل الإعلام مهنة لمن لا مهنة له، وأصبحت مهنة «أكل العيش والشهرة» وبات الفنان يقوم بدور المذيع المثقف والمحاور الجيد بعد أن سيطر رجال الأعمال على العمل الإعلامي، حتى أصبحت مصداقية المهنة تترنح أمام عناوين الإثارة والاستحواذ السريع على المكاسب المادية، وبات كل من يحمل هاتفاً ذكياً إعلامياً يغرد خارج أدبيات ومعايير المهنة، بل هناك من يعمل في المهنة ويفتقر إلى معاييرها وأدبياتها، وأحياناً تدفع الرغبة في الحصول على السبق الصحافي أن يكون على حساب معيار الدقة الصحافية.


يرى إعلاميون وأكاديميون أن مهنية العاملين في المجال الإعلامي ترتبط بشكل وثيق بميثاق شرف المهنة وضوابطها التي تحد من التدفق العشوائي للمعلومات، وأنه على الرغم من التطور المطرد للإعلام والتواصل الاجتماعي في زمن الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الذي عكس نفسه إيجابياً على العمل الإعلامي بنمو وظهور الإعلام الإلكتروني في كل المجتمعات، إلا أنه لا بد من إنعاش قواعد تحدد أخلاقيات العمل الإعلامي، في أشكاله وإشكالياته ومواثيقه، وتجعل العاملين بالمهنة يعملون ضمن دائرة المصداقية وموضوعية التناول وعدم الانحياز واستقاء الأخبار من مصادرها والنزاهة في تناول الأحداث، فمهنة الإعلام كغيرها من المهن الأخرى تضبطها قوانين وتشريعات وهذه المهنة مبنية على أسس واضحة لإنتاج محتوى متميز، حتى تستطيع المصداقية والحيادية في الإعلام مواجهة الإثارة والجذب وتحقيق المكاسب المالية.


نصوص تجرّم
سعيد الرميثي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، يقول: إن قانون دولة الإمارات العربية المتحدة يجرم نقل الإشاعات والأخبار الخاطئة، في مواد مثل القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ونصوص أخرى في قانون المطبوعات والنشر رقم 15 لسنة 1980.


وأضاف: مع وجود نصوص قانونية تجرم هذه الأفعال، فإنه لا توجد جهات رقابية تنظم منصات التواصل الاجتماعي ومكافحة هذه الظواهر السلبية التي تطغى عليها، موضحاً: «مواقع التواصل الاجتماعي لها أثر إيجابي، من ناحية تفاعل المواطنين والسكان مع أي قضية عامة والمساهمة في تحقيق التواصل بينهم وبين المؤسسات الحكومية، لكن البعض يستغلها لنشر أخبار خاطئة تؤثر على هذا التواصل».


وأشار الرميثي إلى أنه خلال العام الماضي كانت الجهات المعنية، والمؤسسات تتأخر في تكذيب الأخبار الخاطئة، أو نشر المعلومات الصحيحة، نظراً لكونها لا تعرف تبعات نشر مثل هذه الأخبار، لكنها في الوقت الحالي تتدارك الأمور، نتيجة لزيادة وعيها في أهمية تصحيح المعلومات والأخبار ونشر الصحيح منها، وفي أحيان كثيرة تفاعل لحظي مع الخبر والتواصل مع المعنيين.
وأكد أنه لا بد وأن يكون للجهات الإعلامية دور أكبر في أن يسارعوا إلى تصحيح هذه الأخطاء وعدم تركها لروّاد التواصل الاجتماعي.


أدبيات المهنة
بدوره، قال علي جابر، عميد كلية محمد بن راشد للإعلام، إن المشكلة الأساسية التي تواجه الإعلام تكمن في المهنية، حيث نشهد اليوم أن كل من يحمل هاتفاً ذكياً أصبح صحافياً، وهذا الأمر يعد مؤشراً سلبياً وليس جيداً لأن هؤلاء لا يعرفون أي شيء عن أدبيات وأخلاقيات مهنة الإعلام، ونحن في كليات الإعلام ندرس الطلبة ضمن المناهج القوانين والأخلاقيات والأدبيات التي تكون الموجه الذي يحمله الطالب بعد التخرج إلى مواقع العمل ويساعده على عدم الوقوع في الأخطاء المهنية، خاصة وأنه درس سمات المهنة من مصداقية وموضوعية من حيث التناول وعدم الانحياز واستقاء الأخبار من مصادرها والنزاهة في تناول الأحداث، فمهنة الإعلام كغيرها من المهن الأخرى تضبطها قوانين وتشريعات.


دراية معلوماتية
من ناحيته، أشار الكاتب الصحافي عادل حمودة إلى أنه في حين توفر وسائل الإعلام الاجتماعية كماً غير مسبوق من أدوات الاتصال والمعلومات، فإن تهديد حرية التعبير وحرية الصحافة على الإنترنت يأخذ اليوم منحى مثيراً للقلق، إذ تستخدم التعليقات التي يكتبها أشخاص مجهولو الهوية على مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت كذريعة لتبرير منع الدخول إلى بعض المواقع أو كموجب لرفع دعاوى بتهمة التشهير.


وأضاف أنه في حين يجب إيلاء اهتمام كبير لمسألة مكافحة التعليقات المحرضة على الكراهية على الإنترنت، يتعين إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لمسألة النهوض بالدراية المعلوماتية والإعلامية بغية تمكين المستخدمين من أن يكونوا الحكم النهائي على المضامين التي يقرؤونها وينتجونها على مواقع الإنترنت، مستندين في ذلك إلى فهم جيد للمبادئ الدولية لحرية التعبير والنطاق الضيق للقيود التي يمكن فرضها على الحق في حرية التعبير.

وأشار إلى القانون يضبط الوسائل الإعلامية النظامية ويضبط سماتها المتمثلة في الموضوعية والشفافية وبالتالي يسهل إخضاعها للمساءلة القانونية لوجود أدلة ملموسة، أما الوسائل الأخرى عبر الشبكة العنكبوتية فهي لا يمكن ضبطها لسهولة التلاعب فيها، لافتاً إلى انه خضع للمحاكمة 432 مرة بسبب الحملات الإعلامية التي أطلقها خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وهناك 134 ألف مليار معلومة يومية عن المستخدمين تذهب للشركات الاستخباراتية الأميركية، وهذا ما حدث مع أول سيدة محجبة تظهر في حملة رسمية لترويج أحد منتجات علامة «لوريال» للعناية بالشعر، التي اضطرت للاستقالة من الحملة الإعلانية الجديدة للعلامة الذائعة الصيت، وذلك بسبب الجدل حول تغريدات منسوبة لها يزعم أنها «مناهضة لإسرائيل» في عام 2014.


تأثير سلبي
وقال الكاتب صبحي ياغي، الصحافي بصحيفة النهار اللبنانية، إن القوانين الضابطة لتدفق المعلومات العشوائية عبر وسائل التواصل الإعلامي يحد من التأثير السلبي لهذه المواقع وما يبث عبرها من مواد، لافتاً إلى أن هذه الإشكالية هي السبب في جعل الكثير من المتلقين مازالوا يثقون أكثر في الوسائل التقليدية والصحف الورقية.


وأوضح عادل السنهوري، رئيس تحرير صوت الأمة في القاهرة: إننا نحتاج لإعادة صياغة المنظومة الإعلامية من خلال القوانين وتفعيلها وتدخل دور النقابات والجمعيات الصحافية والضبطية القضائية حسب المواد والقوانين، إما بالإيقاف أو الطرد أو الغرامة لكل من تسول له نفسه ويعبث من خلال هذه المهنة السامية، موضحاً أنه خلال الثلاثين عاماً الماضية لم تنل مهنة الإعلام الاهتمام الكافي وحدث فيها نوع من التدني والانحطاط بشكل كبير وصل لدرجة ما نراه الآن.


وأضاف: إن مهنة الصحافة قائمة على ميثاق العمل الصحافي وأدبيات العمل الإعلامي والالتزام بضوابط وأخلاقيات المجتمع الذي تعمل فيه، ومن أجل المهنة فهناك حدود لا بد الوقوف عندها.


وقال، إن الصحافة تعتمد على التثقيف والتعليم والتوعية والآن أصبحت تختلف بعد أن سلبت منها الصلاحيات واقتصرت على الوظائف الأساسية في التربية والتوعية والتعليم، مؤكداً أن هذه الظاهرة وما وصلت إليه مهنة الإعلان لها أسباب كثيرة، وهو أنه في البداية من يلتحق بمهنة الصحافة والإعلام على الأقل لا بد أن يكون من دارسي القانون أو الإعلام، ما يجعل الإعلامي يتربى على القوانين، وبالتالي يصبح لديه مبادئ وأسس الأخلاق والذوق العام في المجتمع حتى يستطيع أن يؤدي ويخاطب المجتمع من خلال الأثير أو الشاشات الفضائية.


وذكر أن الإعلامي كان يخضع في البداية لاختبارات عدة والكشف عن التأهيل النفسي، كل ذلك اختفى وأصبحت مهنة من لا مهنة له، وكل من هب ودب يلتحق بالإعلام، موضحاً أنه يعرف أن هناك خريجي دبلوم متوسط عملوا بالمهنة لمجرد أنه وجد كلمات ترحيب وصدراً واسعاً فأصبحت هناك جرأة تصل إلى حد الإساءة لمهنة الصحافة.


وبدلاً من أن يوضع الصحافي في مصاف الطبقات الاجتماعية الأعلى وهو كان هذا بالفعل في المجتمعات العربية أصبح الآن في أسفل السلم الاجتماعي وأصبح لا هيبة ولا احترام له بسبب هذا الكم من الغث الصحافي الذي دخل على هذه المهنة بلا تأهيل ولا يعرف ضوابط المهنة.


وأكد السنهوري أن المهنة في خطر وعلينا أن نلوم أنفسنا، كما نلوم المعلم أو الطبيب ونبدأ بالإصلاح وأن نفعّل مواثيق العمل الصحافي والقوانين والتشريعات وميثاق الشرف الصحافي وأن من يدخل مهنة الإعلام لا بد أن يكون مؤهلاً ومن خريجي الجامعات والمؤهلات العليا، وأن يكون هناك ردع إما بالطرد أو التوقف عن العمل لأن «من أمن العقوبة أساء الأدب».


وأضاف: إن تفعيل القوانين الضابطة للعمل المهني تسيطر على العمل الإعلامي لردع من يخرج عن أخلاقيات المهنة.


إشكالية
ويعتقد حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام المصري، أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تنضج بعد، والإشكالية تقع في عدم وعي بعض المتلقين في عدم التفرقة ما بين الإيجابي والسلبي وما بين الأخبار الصحيحة والمغلوطة، غير أن الوعي يزداد يوماً بعد يوم، لذا يجب العمل على رفع وعي المتلقين.


ويرى أن وسائل الإعلام التقليدية تفرض وتعلم وسائل الإعلام الجديد المبادئ والقيم واحترام أخلاقيات المهنة، مشيراً إلى أن الإعلام الجديد يواكب مستجدات القضايا والمشكلات التي تمس الرأي العام وتشغله، في حين أن الإعلام التقليدي قد يخضع لبعض السياسات ولكنه يبقى الوسيلة الأكثر ثقة ومصداقية في نقل الحقائق والأخبار.


وأضاف زين: مع ظهور وسائل الإعلام الجديد هناك من يردد اعتقاده بقرب انتهاء عصر وسائل الإعلام التقليدية (صحافة ورقية، إذاعة، تلفزيون) غير أن الواقع أثبت العكس فقد استفادت الوسائل التقليدية من شبكة الإنترنت، وأصبحت بعض الصحف الورقية التي تصدر في بلد ما، توزع في اللحظة نفسها في بلدان أخرى من خلال إرسال نسخ عبر شبكة الإنترنت وتطبع في أماكن أخرى من العالم.


فضاء مفتوح
وقالت ميثاء إبراهيم، إعلامية ومخرجة، وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذه المواقع منتشرة في كل مناطق العالم، وهي فضاء مفتوح يستطيع أي شخص الدخول إليها وإنشاء صفحاتهم الخاصة، والاطلاع على المحتوى، فضلاً عن أنهم يستطيعون نشر ما يريدون بطريقتهم الخاصة، مضيفة «البعض للأسف اتجه إلى نشر الأخبار الملفقة، والأكاذيب من مصادر مجهولة وغير معتمدة، تؤثر في المجتمع بشكل عام وخصوصاً أنها تنتشر بسرعة».


ولفتت إلى أن الأخبار المغلوطة تنتشر بسرعة أكبر بين الأشخاص وتؤثر بشكل مباشر على أخلاقيات مهنة الإعلام، والإعلامي على وجه الخصوص، إذ إن ليس كل شخص يدخل هذه المواقع يعتبر إعلامياً ولديه أخلاقيات المهنة، بل هو مجرد مستخدم عادي دخل هذا الموقع وتداول الأخبار من دون أن يتأكد من مصدرها ومصداقيتها، ما يؤثر سلباً على من يتابع وسائل الإعلام.


وأضافت إبراهيم أنه في حال نشرت حسابات أخباراً ملفقة، تعم حالة من الخلل والفوضى، إذ يعيشون بين التصديق والتكذيب، في انتظار أن تنفي جهات رسمية أو تؤكد هذه الأخبار، ما يعني ضياعاً للوقت والجهد، فضلاً عن أنه يؤثر في مستوى الأمن والأمان الذي يعشونه، مضيفة أنه لا بد على المستخدم العادي عدم تصديق أي خبر ينتشر سواء عبر الشبكة المعلوماتية، أو مواقع التواصل الاجتماعي، والرجوع إلى المصادر الأساسية والرسمية في الدولة.

إعلامي ناجح
حدد الأكاديميون والمتخصصون جملة من السمات التي لا بد من توافرها ليكون الإعلامي ناجحاً وأبرزها:
Ⅶ المصداقية والحيادية تجاه أي قضية يتطرق لها.
Ⅶ عدم الخلط بين الأمور الشخصية والمهنية.
Ⅶ أن تكون كلماته مؤثرة في المتلقي.
Ⅶ الحرص على استخدام الأدلة والبراهين.
Ⅶ تقديم رسالة واقعية تعبر عن أخلاقيات الناس.
Ⅶ أن يكون قيادياً وقادراً على الحوار بلباقة.

المنصوري: وسائل «التواصل» رافد رئيس في نقل الخبر
اعتبر أحمد المنصوري، المدير التنفيذي لقطاع الإذاعة والتلفزيون في مؤسسة دبي للإعلام، أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي أصبحت تشكّل حالياً رافداً رئيساً في نقل الخبر وسرعة نقله، وأن الإعلام المكتوب أصبح مهدداً بشكل كبير من قِبل وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال لـ«البيان»: «كل هذه الوسائل تعد طرقاً ذكية، تمكننا من الوصول إلى المتلقي بسرعة وبشكل أسرع، وبلا شك أصبحت وسيلة رئيسة في تلقي الأخبار وإرسالها، ولذلك يمكن اعتبارها مكمّلة لوسائل الإعلام التقليدية، التي باتت تتغذى على المحتوى والمضمون الذي ينتجه الإعلام التقليدي، الذي ينقسم فعلياً إلى 3 أشكال رئيسة، هي: المكتوب والمرئي والمسموع».


وأكد المنصوري أن التحول لتقديم خدمات إعلامية ذكية تلبي حاجة المتلقي أصبح ضرورة ملحة ولا غنى عنها.

وقال: «من وجهة نظري، إن الإعلام المكتوب أصبح مهدداً بشكل كبير، من قِبل وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب طبيعة عمله، حيث لم يعد المتلقي ينتظر الصحيفة الصباحية لتلقي أخبار أمس، في ظل ما نعيشه من ثورة رقمية واسعة الانتشار والآفاق، بينما لا يزال الإعلام المرئي والمسموع هو سيد الموقف من حيث المحتوى الذي تستفيد منه وسائل التواصل الاجتماعي».

وتابع: «أن الإعلام المرئي والمسموع أصبحت لديه القدرة على قياس ما يقدمه من خدمات إخبارية، باستخدام المنصات الذكية»، ويرى المنصوري أن التلفزيون الذكي قادم بقوة، إذ يقول: «إن التلفزيون التقليدي سيستمر في مخاطبة شريحة جماهيرية تختلف تماماً عن تلك التي تتابع المنصات الذكية»، مؤكداً أن التحول نحو تقديم خدمات إعلامية ذكية تلبي حاجة المتلقي أصبح أمراً ضرورياً وليس خياراً.


شهرة ومكاسب بأسوأ الطرق
قالت حليمة الملا، الإعلامية في المكتب الثقافي والإعلامي «مجلة مرامي» بالمجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة: «يغفل بعض الإعلاميين أخلاقيات العمل الإعلامي من المصداقية والحيادية ويعتمدون على الإثارة والجذب في عرض الموضوعات سواء أكانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية، متجاهلين في ذلك عرض الحقيقة بل تشويهها وتوظيفها من أجل تحقيق مكاسب مادية أكثر وجذب مواد إعلانية نظراً لنسبة المشاهدة العالية أو المسموعة، معتمدين في ذلك على مصادر مجهولة أو مواقع التواصل الاجتماعي، التي تفتقد إلى المصداقية في كثير من نشر الأخبار، فكل ما يهم هؤلاء الإعلاميون، وهم ليسوا كذلك ويفتقدون إلى أخلاقيات المهنة في عرض الموضوعات أو المادة الإعلامية سواء أكانت صورة أم خبراً ومدى تأثيرها وما تثيره، هم يبغون مكاسب مادية دون النظر إلى خطورة ما يعرضونه أو ينشرونه».


وأضافت: إن الإعلامي هو الناقل للخبر، وعليه تقع المسؤولية الكبرى في نقل الخبر بشفافية ومصداقية.. حقيقة لابد أن يصل إليها دون تزييف للواقع أو تشويه أو أضرار لمصالح الآخرين، ولابد أن يتحلى بالمبادئ الأخلاقية والالتزام والموضوعية والحيادية، فلا يقلل من شأن مهنته أو من شأن الآخرين، فهو صاحب رسالة إنسانية، يقوم بدور تنويري تثقيفي للمجتمع، ينقل لهم الحقائق بكل صدق وأمانة، ويفصل بين آرائه الشخصية وعواطفه، فهو ناقل للخبر وليس محللاً أو مصلحاً اجتماعياً يقدم الرأي والرأي الآخر، لا يصادر الآراء ولا يكشف عورات البيوت، يتحرى الدقة في نقل الخبر بحيادية وإنصاف دون تحيز لطرف من الأطراف.


وأوضحت أنه عندما تغيبت كل هذه المعايير تحول الإعلام إلى مشروع سياسي أخلاقي معادٍ للمشروع العام للمجتمع وأداة تضليل وتزييف وخروج عن الأخلاقيات والسياق العام، لافتة إلى أننا أصبحنا نربي من خلال الإعلام جيلاً جديداً خارجاً عن القيم، غير معترف بقيم المجتمع، لأن الذي يقدم له المادة الإعلامية إنسان غير أمين، لا يحافظ على أمانة الرسالة ومصداقيتها وفقد ثقة الناس فيها.


وسائل التواصل أجبرت الإعلام التقليدي على تحري الحقائق
قال الإعلامي مصطفى الأغا: إن الإعلام لا يختلف عن الحياة، ولذا فإن الميثاق الإعلامي لا يمكن تحقيقه بحذافيره كونه يتبع بعض السياسات التي قد تتحول في بعض البلدان، ما يؤثر على جانب المصداقية، ووسائل التواصل الإعلامي أثرت على الإعلام التقليدي وأجبرته على تحري الحقائق، كونها تنقل للمتلقي الحدث بأدلة مثل الصوت والصورة، لذا لم يعد هناك مجال لتضليل الحقائق أو تحريفها ونقلها مغلوطة للمتلقي، الذي أصبح بالوعي الكافي الذي يتيح له البحث والمقارنة.


وأضاف: إن المتلقي هو من يحدد الوسيلة الإعلامية التي يثق فيها والتي ترضي طموحه وتنقل له الحقائق من كل الزوايا، فإذا لم يقتنع بالوسيلة الإعلامية التي تتعمد نقل الحقائق من زوايا معينة تغطي أهدافاً منشودة فسينصرف إلى وسائل أخرى ترضي طموحاته في الحصول على الحقائق كاملة.


ملزم بما يقول
أكدت إيمان نجم، الإعلامية الكويتية ومقدمة برنامج «يمعة الجمعة»، أنه ينبغي على الإعلامي تحري الحقيقة قبل أن ينطق أي كلمة أو ينشر أي معلومة، وخصوصاً أنه ملتزم بما يقول، وهناك العديد ممن يتابعونه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام المختلفة، مضيفة أن بعض المستخدمين يصدقون كل ما ينقل إليهم.


وأضافت: «أتمنى ألا نجيّر نحن الإعلاميون من قبل وسائل التواصل الاجتماعي»، موضحة أن هنالك تحريضاً وتشويشاً من خلال هذه المواقع قيد يستخدم الإعلام والإعلاميون فيها، مضيفة أنه لضمان النجاح لابد وأن يلتزم الإعلامي بالحيادية وتقصي الحقائق من مصادر موثوقة، بحيث يكوّن رسالة واضحة المعالم في أي قضية في المجتمع.


وأشارت نجم إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت على عدد من الإعلاميين، بحيث تغيّروا على مدى السنوات الماضية من تغيير توجهاتهم، إذ ركزوا على الأزياء ومستحضرات التجميل، والشهرة بدلاً من التركيز على دورهم الأساسي في الإعلام، والكاريزما الخاصة بهم، في حين يوجد إعلاميون التزموا بأخلاقيات مهنتهم، ما ينم عن مصداقية وعطاء مستمر، وبحث عن الحقيقة.


استقاء المعلومة من المصدر
ذكر جاسم الشحيمي، معد ومقدم برنامج سيلفي، وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه أمام التطور الحاصل في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لزاماً علينا أن نركز على استقاء المعلومات من المصادر الرسمية، لكي لا ندخل في تفاصيل أخرى كثيرة، أمام الإشاعات والأخبار لابد أن نرى المصدر الرسمي.


شائعات
وأضاف أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لديهم وعي، ما إذا كان الخبر الذي يقرأونه صحيحاً أم خاطئاً، وخصوصاً مع وجود جهات رسمية عديدة تقف بالمرصاد لمروجي الشائعات والدخيلين على المهنة، مضيفاً أن هذه المواقع لها جوانب إيجابية عديدة، لكن لابد من معرفة كيفية استخدامها بحيث لا تؤذي أي شخص آخر.


مبادرات
ودعا الشحيمي إلى ضرورة خلق مبادرات جديدة بأساليب مبتكرة لتوعية الشباب والأطفال ممن يستخدمون هذه المواقع بحيث لا ينجرون إلى الأخبار الخاطئة وتداولها، مضيفة «ينبغي على وسائل الإعلام الاستماع إلى أفكار هؤلاء الشباب والوصول إلى جميع فئات المجتمع، لمعرفة كيف يمكن أن نخلق رسائل توعوية تهمهم، وتصل إليهم».


طفرة تقنية هائلة في الصناعة الإعلامية واستهلاك المعلومات
أشار الإعلامي معتز الدمرداش إلى أن ثورة المعلومات التي يعيشها العالم الآن تشهد طفرة هائلة في الصناعة الإعلامية وأنماط استهلاك المعلومات وإنتاجها ونشرها والتشارك في مضامينها، حيث أدى هذا التطور إلى تقسيم القطاع الإعلامي إلى مجالين هما، «الإعلام التقليدي» الذي يضم الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون، و«الإعلام الجديد» الذي يقوم على تدفق المعلومات عبر شبكة الإنترنت والهواتف المحمولة، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام» وغيرها من أدوات الاتصال الحديثة.


تحديات
وأكد الدمرداش أن الإعلام الجديد منذ نشأته في العقد الأخير من القرن العشرين، قد مثل عدداً من التحديات التي فرضها على وسائل الإعلام التقليدية التي باتت تعمل في بيئة مستقرة من النواحي المهنية والأخلاقية والقانونية، وساعدها على ذلك عُمق التجربة ورسوخها عبر عقود طويلة. وهو ما لم يتوافر للإعلام الجديد الذي يتسم بالحداثة، ومازال يعاني الكثير من المتاعب، للوصول إلى أطر وضوابط مهنية وأخلاقية وقانونية، خاصة في الدول التي عرفت هذا النوع من الإعلام في فترة حديثة نسبياً، وذلك بالمقارنة مع دول العالم المتقدم التي استقرت فيها مثل هذه الأمور، لاكتمال مقومات مجتمع المعلومات بها، بل وانطلاقها إلى ما يعرف بـ«مجتمع المعرفة».


مصداقية
وشدد الدمرداش على ضرورة عدم إغفال المعايير المهنية المتمثلة في المصداقية والدقة والموضوعية، خاصة في ظل انتشار الشائعات والفتن والأكاذيب في وسائل الإعلام الجديد، وغياب عنصر التحقق من الخبر، بسبب الرغبة في الحصول على السبق الصحفي حتى ولو على حساب معيار الدقة الصحفية، هذا بالإضافة إلى ظهور عامل جديد يتمثل في (صحافة المواطن) التي باتت تُعلي قيمة الفردية والموهبة الصحفية على قيمة المؤسسية الإعلامية والاحترافية.

قيم ومعايير
قال الإعلامي مهند الخطيب مقدم البرامج في قناة سكاي نيوز عربية، إن الحديث عن الأخلاقيات المهنية في مجال الصحافة، وكيفية الالتزام بها في العصر الرقمي، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعايير المهنة، وهذه الأخلاقيات عبارة عن مجموعة من القيم والمعايير التي يعتمدها أفراد المهنة للتمييز بين ما هو مقبول أو غير مقبول في السلوك المهني، ولتحقيق ذلك يتم وضع ميثاق يبرز هذه القيم والمعايير والمبادئ وقواعد السلوك والممارسة، والتي توفر جميعها إحساساً بالذاتية المهنية، وتُسهم في تشكيل صورة واضحة عن ممارسي المهنة، وتحدد ما يتوقعه منهم المجتمع.


معايير
وأوضح أن أي حياد عن معايير المهنة والمتمثلة في الحياد والموضوعية وتمثيل وجهات النظر المختلفة بشكل يرضي الضمير المهني والإنساني، سيخلق نوعاً من عدم الثقة لدى المتلقي، لذا يجب أن يحرص الصحفي والإعلامي على رواية الحدث بصدق وشفافية ويغطي جميع الجوانب بموضوعية، من دون أن يلقي رأيه الشخص بظلاله على المادة.


غياب القيم ينعكس على المجتمع بأثر سلبي
قال الإعلامي عبد الفتاح صبري: إننا في عصر الانفتاح الذي أتاح لكل من يريد أن يدلي بدلوه لذلك أصبحت المعلومات متاحة للجميع وضاعت معها القيم المهنية ومعها المصداقية مما انعكس على المجتمع بأثر سلبي وعلى مسيرة التماسك المجتمعي، وأيضاً تاهت الحقيقة في ظل اضطراب وتباين للمعلومات والتحليلات المصاحبة للظواهر والحوادث اليومية في المجتمع، ناهيك عن أن الإعلام ومن خلال عدم السيطرة على الحقيقة والوعي بها أن هناك تدخلات لقوى عائقة للمجتمع وتنميته تبث إشاعات ومضللات تَخلق حالة من الضبابية وعدم الوضوح الآن وفي ظل هذه الفوضى غير الخلاقة والمفضية إلى حالة من التردي وبعث أطر الانهيار في آليات تقدم المجتمع أو الدولة أو الأمة على المشتغلين بالإعلام التمسك بمنهاج وميثاق شرف للمهنة يراعي مصلحة المجموع ومصلحة الدولة والمجتمع وأن يعلي من شأن المصداقية في التعامل مع الحدث وبما يخدم المجتمع ومصلحته العليا.


«مشاهير الغفلة».. من مواقع التواصل إلى واجهات المجتمع
أكد سعود كرمستجي، ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه ينبغي على وسائل الإعلام، والإعلاميين عدم دعم ما أطلق عليهم اسم «مشاهير الغفلة»، موضحاً أن البعض في الوقت الحالي يستغل مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الشهرة حتى ولو أتى بعمل غير مقبول، أو أمر لم يعتد المجتمع عليه من قبل.


وأوضح أن عدداً من الإعلاميين والمؤسسات بشكل عام، يتحملون جزءاً من المسؤولية في شهرة هؤلاء، وخصوصاً أنهم يتعاونون معهم لحضور فعاليات رسمية للإعلان عنها، متناسين أنهم بهذه الطريقة يضرون اسم مؤسساتهم التي ارتبطت بالمشاهير الذين لا يتقبلهم المجتمع، أو أدخلوا عادات غريبة عليه، ولابد عليهم أن يدعموا الشخصيات المتميزة التي تخدم المجتمعات سواء من ناحية نشر العلوم، والتي لها دور إيجابي.


محتوى إيجابي
ولفت إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي زاخرة بالحسابات التي تقدم معلومات مفيدة للمجتمع، والتي تحوي محتوى إيجابياً ينتفع منه القرّاء والمتابعون، مضيفاً «لدينا نماذج رائعة في الوطن العربي لحسابات إلكترونية تقدم معلومات شيّقة يستفيد منها المتابعون سواء في العلوم، أو السياسة وغيرها من المجالات التي تهمهم، وهذه الحسابات التي ينبغي أن يلتفت إليها الإعلام ويدعمها بشتى الطرق».


وأشار كرمستجي إلى أن عدداً من وسائل الإعلام في الوقت الحالي تفتقر إلى وجود الصحافي المتخصص، الذي بإمكانه أن يقدم معلومات كاملة للقراء، وأن يكون متمكناً من كتابة الخبر بالطريقة الصحيحة، موضحاً «لاحظت أن العديد من وسائل الإعلام المحلية ليس لديها إلمام في النواحي العلمية، حتى أن العديد من الصحافيين لديها لا يستطيعون كتابة الخبر العلمي من دون أن يحوي معلومات ناقصة».


أخطاء
وأضاف «العديد من هذه الوسائل كذلك تعمد إلى تكليف الصحافي كتابة مقالات في عدد من التخصصات غير المترابطة، إذ إن البعض يكتب في العلوم، وفي المقابل يكتب في الخدمات، بعكس الصحافة الأجنبية التي تتميز بكونها تصنع الصحافي المتخصص وبإمكانه أن يقدم محتوى صحيح خالٍ من الأخطاء للقراء»، موضحاً أن العديد من الوسائل الإعلامية تعمد كذلك إلى ترجمة الخبر من لغات أخرى، ترجمة ناقصة تؤذي المحتوى الإعلامي، وبالتالي لا يستفيد منه أي شخص آخر.


ودعا كرمستجي وسائل الإعلام إلى تدريب الإعلاميين، وبالتحديد الصحافيين، ليصبحوا متخصصين في مجالات معينة تؤهلهم مستقبلاً لكتابة مقالات كاملة يستفيد منها القرّاء، مضيفاً أنه بعد هذا التدريب يستطيع الإعلامي الحصول على شهادة تخصصية تؤهله في العمل في المجال الذي اختاره.

المواثيق حددت أخلاقيات العمل الإعلامي
شدد إعلاميون على أن المواثيق الدولية حددت أخلاقيات مهنة العمل الإعلامي من خلال المصداقية في نقل الخبر، خاصة وأن الحقيقة هي المحور الأساسي الذي يدور حوله الإعلامي للوصول إليها من خلال العرض والتحليل والبحث عن الحقيقة دون استخدام طرق ملتوية أو تشويه لسمعة الآخرين أو حتى تلميع.


وأوضحوا أن الأخلاق والضمير والرقابة الذاتية والحيادية والشفافية والموضوعية واحترام الآخرين وعدم مصادرة الرأي الآخر هي في الأساس صفات يجب أن يتحلى بها الإعلامي وخاصة أن احترام الكرامة الإنسانية والنزاهة في عرض الخبر والتجرد والحيادية والموضوعية وتحمل المسؤولية والالتزام بالدقة جميعها تصب في أخلاقيات المهنة في العمل والتي يلتزم بها الإعلامي عند عرض الخبر.

وقالوا إن الإعلامي عليه دور كبير في تحمل المسؤولية تجاه قضايا المجتمع، فلا يجوز له نقل أخبار مجهولة المصدر أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تفتقد إلى عدم المصداقية أحياناً، فهي بوابة مفتوحه لعرض الآراء، وأحياناً الإشاعات والأكاذيب.. الإعلامي عليه نقل الخبر بعد التحقق وأن يلتزم بالدقة في معالجته.

Email