بنية وقطاعات

تشريعات الملكية الفكرية تنظم حماية الابتكارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل، والعقول التي تفكر لتبتكر وتبدع هي المحرك الرئيسي لمسيرة نهضة الحضارة البشرية. تقول الدكتورة مايسة النقر قانوني أول بالأمانة العامة للجنة العليا للتشريعات:

إن الاهتمام المتزايد في التشجيع على الابتكار، سواء على المستوى العالمي أو من جانب القيادة الحكيمة للدولة، هو نتيجة إدراك بأن عالمنا يتوجه بخطى متسارعة نحو مستقبل سيقاس فيه ثراء الأمم لا بما في باطن أرضها، وإنما بما تنتجه العقول التي على ظهرها من مساهمات فاعلة في إثراء الحضارة البشرية وفي إيجاد حلول للتحديات المستقبلية.

حماية

وتضيف: «تهدف تشريعات الملكية الفكرية إلى تنظيم حماية ما يبتكره العقل في مجالات عديدة تحيط بنا من كل جانب. ولا يكفي لتحقق الحماية أن تبقى الفكرة حبيسة في ذهن صاحبها، بل يجب أن يخرجها إلى حيز الوجود عبر توثيقها في وسيط مادي يمكن من خلاله التعرف إليها، أو أن تتم بلورتها في أحد مجالات المعارف من اختراعات وآداب وعلوم وفنون».

كما تشمل الحماية فكرة «السمعة التجارية» المتضمنة في العلامة التجارية للمنتج أو الخدمة. وتمتد الحماية لتشمل الأسرار التجارية المستوفية لشروط معينة كأن تكون الفكرة سرية وذات قيمة تجارية مع اتخاذ إجراءات عملية كافية للحفاظ على سريتها، ومن أشهر أمثلة الأسرار ذات القيمة التجارية الهائلة: الخلطة السرية لتحضير مذاق مشروب الكوكاكولا وخلطة البهارات الأصلية لدجاج كنتاكي.

وتم تنظيم حقوق الملكية الفكرية بموجب تشريعات وطنية واتفاقيات دولية، وهو مجال قانوني واسع لا تتسع المساحة هنا لعرضه تفصيلاً ولكن نلقي الضوء على بعض مبادئه الأساسية.

وتشمل تشريعات الملكية الفكرية الرئيسية لدولة الإمارات العربية المتحدة: القانون الاتحادي رقم (37) لسنة 1992 في شأن العلامات التجارية وتعديلاته، والقانون الاتحادي رقم (7) لسنة 2002 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتعديلاته، والقانون الاتحادي رقم (17) لسنة 2002 في شأن تنظيم وحماية الملكية الصناعية لبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية وتعديلاته.

وقطاع الملكية الفكرية التابع لوزارة الاقتصاد في الدولة هو الجهة المعنية بشؤون حقوق الملكية الفكرية وتسجيلها في الدولة وبمتابعة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بها بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة. وأما على الصعيد الدولي فإن المنظمة العالمية للملكية الفكرية وايبو (WIPO) التابعة للأمم المتحدة هي الجهة الرائدة المختصة بشؤون الملكية الفكرية وبتعزيزها على مستوى العالم.

شروط وضوابط

وتضيف الدكتورة مايسة النقر: إن أهم ما يميز حقوق الملكية الفكرية هو أنها تمنح صاحبها صلاحية منع الغير من استخدام الحق محل الحماية، إلا بإذن مسبق من صاحب الحق، في حين يتمتع صاحب الحق وخلفه من بعده بمزايا استغلاله وجني ثمراته. وتحكم هذه الحماية مجموعة ضوابط تهدف في جوهرها إلى إرساء موازنة عادلة بين ما يتعين حمايته كحق ملكية فكرية يتمتع صاحبه باحتكاره.

وما يجب الإبقاء عليه في الصالح العام ودون أن يحتكره أحد، أي أن يكون متوفراً للجميع لاستخدامه عند الحاجة في ظل المنافسة المشروعة، دون تعريض أنفسهم لشبهة التعدي على الحق المحمي وللمساءلة القانونية التي قد تتبع ذلك. فعلى سبيل المثال، فإن حقوق المؤلف لا تحمي الأفكار والحقائق والمبادئ المجردة إلا إذا تم عرضها أو التعبير عنها بأسلوب مبتكر.

ولا يجوز أن يحتكر أي شخص كعلامة تجارية ما يعد من الكلمات والمصطلحات والخصائص التي درج عرف التجار على استخدامها في شؤون تجارتهم.

إلا إذا أثبت هذا الشخص أنه قد استخدمها بأسلوب متميز وبشكل مكثف ولفترة زمنية كافية بحيث تحولت الكلمة أو المصطلح إلى رمز مميز للبضاعة أو الخدمة. ويشترط لمنح براءة الاختراع أن يكون الاختراع جديداً ناتجاً عن فكرة مبتكرة أو فيه تحسين مبتكر لاختراع موجود، ويجب أن يكون قابلاً للاستغلال الصناعي كمنتج صناعي جديد أو وسائل صناعية مستحدثة لطرق صناعية معروفة.

مدة

وتتمتع معظم حقوق الملكية الفكرية بالحماية القانونية لفترة محددة، ينتقل الحق بعد انتهائه للصالح العام، فمدة براءة الاختراع هي 20 سنة، وحماية الحقوق المالية للمـؤلف تستمر مدة حياته ثم لخمسين سنة تالية لسنة وفاته، لكن لا تتقادم الحقوق الأدبية للمؤلف، كحقه في نسبة المصنف إليه وفي تقرير نشره لأول مرة وفي الاعتراض على تعديله إذا وجد أن في ذلك تحريف أو تشويه لعمله أو إضرار بمكانته كمؤلف.

والعلامات التجارية مستثناة من الحماية المؤقتة، حيث تحظى العلامة لدى تسجيلها بحماية لمدة 10 سنوات يجوز تمديدها لفترات مماثلة دون حد أقصى، وفقاً للشروط القانونية، وتبقى الأسرار التجارية مملوكة لأصحابها، طالما حافظوا على سريتها، مهما طال الزمان.

ويتولد الابتكار نتيجة جهد ذهني من تفكير وبحث وتجارب، حسبما يقتضيه الأمر، وما يصاحب ذلك من استثمار الإنسان لوقته وطاقته الجسدية والمالية غالباً،.

لذلك فإن في حماية الملكية الفكرية تقدير لما تنتجه العقول، فهي مكافأة للشخص الطبيعي أو المعنوي على ما بذله لابتكار الشيء محل الحماية، كالجهود المبذولة التي نتج عنها اختراع آلة أو تطوير جهاز إلكتروني بأسلوب مبتكر أو تأليف كتاب أو إعداد مخطط معماري أو لحن موسيقي أو تطوير سمعة قوية لعلامة تجارية، كطيران الإمارات Emirates ومرسيدس وشانيل، وغير ذلك من الإنجازات المستوفية لشروط الحماية.

إلهام

وعندما يشعر الشخص بأن سمعته التجارية أو إنتاجه الفكري سيكون محمياً بالقانون، فإن ذلك سيحفزه على المزيد من الاجتهاد لابتكار ما هو جدير بتلك الحماية.

ويقول توماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي: «العبقرية هي 1% من الإلهام و99% من العمل الجاد وإذا فعلنا كل الأشياء التي نحن قادرون عليها لأذهلنا أنفسنا».

وأما والت ديزني صاحب مملكة ديزني الساحرة بإنتاجها الضخم من الرسوم المتحركة والأفلام والذي وصلت قيمة أرباح شركته في 2017 ما يفوق 55 بليون دولار أميركي، فقد أوصى بأن لا ننسى أبداً بأن أصل كل ذلك هو ابتكاره لفكرة استوحاها من فأر «ميكي ماوس».

 

Email