وفق تقرير القمة العالمية للحكومات بشأن مستقبل الوظائف في المنطقة

45 % من أنشطة سوق العمل قابلة للأتمتة

1111

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

 

يستعرض التقرير الصادر عن القمة العالمية للحكومات تحت عنوان «مستقبل الوظائف في الشرق الأوسط» السيناريوهات المستقبلية لتطور الوظائف وأتمتة القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط بناء على الأبحاث الأخيرة والمستمرة من معهد «ماكينزي العالمي» حول «مستقبل العمل»، ويشمل التقرير تحليلاً لــ6 دول في منطقة الشرق الأوسط هي: الإمارات والبحرين ومصر والكويت وسلطنة عُمان والسعودية، وتضم هذه الدول الست مجتمعة أكثر من 147 مليون نسمة ويبلغ ناتجها المحلي الإجمالي المشترك أكثر من 1.5 تريليون دولار أميركي لغاية 2016.

8 عوامل

وأسفرت نتائج التقرير عن 8 عوامل رئيسية في الدولة الست، وهي: إمكانية أتمتة 45% من الأنشطة الموجودة في سوق العمل حالياً استناداً للتقنيات الموجودة في الوقت الراهن، وهذا أقل بقليل من المعدل العالمي البالغ 50%، وتتجسد إمكانيات الأتمتة بقيمة اقتصادية هائلة وفرص ضمن العينة المأخوذة من تلك الدول، حيث يرتبط 366.6 مليار دولار أميركي من الأجور و20.8 مليون موظف بدوام كامل بأنشطة قابلة للأتمتة حالياً من الناحية التقنية.

وتختلف إمكانات الأتمتة التقنية بشكل كبير بين القطاعات، ويكون الخطر المحتمل لفقدان الوظائف بسبب تقنيات الأتمتة في أعلى مستوياته بالنسبة للعمال والموظفين الحاليين من ذوي المستويات المنخفضة والمتوسطة من التعليم والخبرة، حيث يبلغ متوسط احتمال أتمتة وظائف القوى العاملة الحاصلة على تعليم ثانوي أو تتمتع ببعض الخبرة المهنية 55%، في حين يبلغ متوسط احتمال أتمتة وظائف الحاصلين على مؤهل أدنى من التعليم الثانوي 50%، وينخفض متوسط احتمال الأتمتة إلى 22% تقريباً بالنسبة للموظفين الحاصلين على شهادة بكالوريوس أو دراسات عليا.

ومن نتائج التقرير أنه من المرجح أن تكون نسبة العمالة التي ستخرج من سوق العمل بحلول 2030 أقل بسبب العوامل التقنية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في اعتماد الأتمتة، وتبين النتائج أن 93% من إمكانيات الأتمتة الموفرة للعمالة في الإمارات قابلة للتطبيق على وظائف يشغلها العمال المغتربون حالياً، وقد يكون من خلال الابتكار المحلي والاعتماد السريع على تكنولوجيا الأتمتة، ولا سيما في قطاعات تكون فيها إنتاجية العمال منخفضة، ومن العوامل الكبرى المساهمة في النمو الاقتصادي وخلق وظائف مستقبلية ذات ميزة تنافسية على المستوى العالمي.

إنتاجية العمل

وتشير التقديرات إلى أن زيادة إنتاجية العمل على المديين المتوسط والطويل ستشكل دافعاً للنمو وخلق فرص عمل جديدة، ومن المتوقع أن تضيف الأتمتة من 0.3 إلى 2.2% بشكل نمو سنوي مركب في الإنتاجية إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2030.

وسيكرس العمال في المستقبل وقتاً أكبر بشكل عام لأداء مهام تتطلب مهارات عاطفية واجتماعية وتفكيراً منطقياً ووقتاً أقل لأداء مهام تتطلب مهارات حركية متكررة وعمليات منظمة لجمع ومعالجة المعلومات. ويقف عالم العمل عند نقطة انعطاف رئيسية، وكما توقع الاقتصادي «أندرو مكافي» عام 2013 «فإننا سنشهد في العالم الذي نبنيه العديد من الأمور التي تبدو وكأنها محض خيال علمي وأموراً أخرى أقل شبهاً بالمهن».

توسّع سريع

وتشهد الحدود التقنية للأنشطة التي يمكن للآلات أداءها بشكل أفضل من البشر توسعاً سريعاً، وبدأت تؤثر في جميع أماكن العمل، ويتميز العصر الجديد بتسارع وتيرة الأتمتة بسبب الطبيعة المطردة للتقنيات الأساسية، ويؤدي إلى انتشار نوع واحد من تكنولوجيا الأتمتة في كثير من الحالات إلى زيادة المكاسب المحققة وسرعة اعتماد التكنولوجيا التالية.

وأصبحت الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية وتحديات التكيف الناتجة عن ذلك أكثر وضوحاً وبروزاً مما أدى إلى ظهور مفهوم «القلق الناتج عن الأتمتة»، الجديد الذي يخلق حالة من الاستقطاب بين المتفائلين. ويشير العديد من الباحثين والمراقبين إلى أن المخاوف من البطالة نتيجة التكنولوجيا واحتمال خسارة العمل أو غيرها من الآثار الأخلاقية بعيدة المدى ليست جديدة في الواقع مع احتمال المبالغة في تقدير أثرها على المدى القصير.

والواقع يقول إن معظم دول المنطقة لا تزال تعمل في سوق عمل مجزأ يشهد انقساماً قوياً في أنماط العمل التي يؤديها المواطنون مقارنة بالوافدين، وهذا يطرح سؤالاً بشأن كيفية تطور هذا النموذج وتكيفه مع العوامل العالمية لأتمتة القوى العاملة والتقدم التكنولوجي.

تكييف التقنيات

ويمكن أتمتة نسبة صغيرة فحسب من الوظائف بالكامل عن طريق تكييف التقنيات الحالية، ولكن يمكن أتمتة بعض أنشطة العمل في جميع الوظائف تقريباً ويعكس التشابه بين النتائج العالمية والإقليمية صحة توقعات نموذجنا بإمكانية أتمتة أقل من 5% من الوظائف بالكامل، في حين يمكن أتمتة 30% على الأقل من الأنشطة المكونة لــــ60% من الوظائف، وتشتمل الوظائف القابلة للأتمتة بالكامل على وجه الخصوص على مهام تتصف بكونها روتينية إلى حد كبير مثل تشغيل الآلات أو تصنيف المنتجات الزراعية، في حين تعد الوظائف التي تتطلب قدراً أعلى من أنشطة التفاعل البشري الإبداعي والمعقد مثل تصميم الأزياء أو الطب النفسي أقل عرضة حتى للأتمتة الجزئية حالياً.

ويعد الحجم النسبي للقوى العاملة ومستويات الأجور الحالية العوامل الرئيسية لكيفية توزيع هذه القيمة الاقتصادية بين هذه الدول، فعلى الرغم من تصدر مصر للقائمة من حيث حصة العمل، إذ تتضمن 13 مليون وظيفة بدوام كامل تقريباً والتي تقوم حالياً بأنشطة عمل قابلة للأتمتة، فإن القيمة الاقتصادية المطروحة أعلى في المملكة العربية السعودية، مما يعكس متوسط الأجور الأعلى فيها.

فروق

ووفق التقرير، تبدو الفروق في إمكانيات الأتمتة الفعلية بين الدول الست طفيفة نظراً لتباين نقاط انطلاقها من حيث التركيبة القطاعية والوظيفية ويعمل تركيزنا في البحث على الإمكانات الفنية حتى الآن «تحقيق المساواة». وتختلف درجات إمكانية الأتمتة اختلافاً كبيراً بين القطاعات مما يثير الشكوك بشأن الاستدامة المستقبلية لمخططات بعض القطاعات لخلق فرص عمل، حيث تبدي بعض القطاعات التي تعتمد على المهام الروتينية بشكل مكثف، مثل التصنيع والنقل والتخزين وقطاع المعلومات، إمكانية للأتمتة في المنطقة بنسبة 50%، بينما تظهر قطاعات أخرى تعتمد على التفاعل البشري والأنشطة والخدمات والإبداع وغير الروتينية مثل الفنون والتسلية والترفيه والرعاية الصحية والتعليم، إمكانيات للأتمتة بمعدل أدنى ومتوسط أي بين 29-37%، وتتركز الحصة الأكبر من إمكانات الأتمتة في مصر مقارنة ببعض اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بسبب ضخامة القوى العاملة المطلقة والنسبية معاً.

5

يستند نموذج أبحاث معهد «ماكينزي» العالمي إلى خمسة عوامل واسعة النطاق ترسم معالم مستقبل سيناريوهات الأتمتة، تشمل الجدوى الفنية، وتكلفة تطوير الحلول ونشرها، وآليات سوق العمل، والمنافع الاقتصادية، والقبول الاجتماعي والتنظيمي.

 

التكنولوجيا.. تحوّل جذري تفرضه التحديات

يعتبر انتشار تكنولوجيا الأتمتة اتجاهاً جارفاً ونقطة تحول كبيرة، وخصوصاً في ظل إمكاناتها القادرة على إحداث تحولات جذرية تفرض بفعل التحديات على أرباب العمل والعمال والحكومة والمجتمع في جميع أنحاء العالم على المدى القصير والمدى المتوسط.

تظهر قطاعات التصنيع والخدمات اللوجستية والمعلومات وتجارة التجزئة إمكانيات أتمتة تفوق المعدل المتوسط أي في حدود 50% أو أكثر، ويثير ذلك تساؤلات بشأن مدى «الاستدامة المستقبلية» لفرص خلق وظائف جديدة صافية في بعض خطط التنمية الإقليمية، ولا سيما في حال استنادها فقط إلى المعايير القياسية الناتجة عن تطور دول أخرى في الماضي، أو عن استقراء معدلات النمو التاريخية، ويمكن أن تشهد دول الشرق الأوسط زيادة في إمكانات أتمتة أنشطة الأعمال الحالية بنسبة تصل إلى 80% حتى عام 2030 لكن من المرجح أن يكون الاعتماد الفعلي أبطأ بكثير، ومن الأهمية بمكان أن نراعي الخصوصيات الإقليمية عند دراسة السبل المحتملة في المستقبل لأتمتة مكان العمل بمنطقة الشرق الأوسط. وما زالت جميع الاقتصادات الإقليمية «حتى مع تفاوت المستويات» تحمل سمات سوق عمل مجزأ، يفصل بين وظائف أعلى أجراً للمواطنين، وخاصة في القطاع العام، ووظائف أقل أجراً للعمال المغتربين أغلبها في القطاع الخاص.

متطلبات

ويشار إلى التراجع السريع في متطلبات اليد العاملة في العديد من القطاعات بأنه «التراجع المبكر في التحول الصناعي». ويكون اعتماد الأتمتة أسرع في البداية في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بالاقتصادات الناشئة نتيجة لمستويات الأجور وتكاليف حلول الدمج، ومن ناحية أخرى، قد تتساوى وتيرة الأتمتة في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة في القطاعات التي ستتطلب حلولاً برمجية لدمج تقنيات الأتمتة.

ويمكن لتوزيع الأجور في بعض القطاعات مثل التمويل والعقارات والتأجير والاستئجار، التي أصبحت بالفعل أكثر توافقاً على الصعيد العالمي أن تحفز أنماط اعتماد متزامنة. كما يمكن لتدابير السياسة العامة، وزيادة المنافسة، وتراجع استخدام الأنظمة التقليدية التي تعرقل تطبيق الأتمتة، وتوافر درجة عالية من الإلمام بالتكنولوجيا، المساعدة على تسريع اعتماد الأتمتة.

وشكلت هذه البنية سابقاً عائقاً رئيسياً للجهود الاستراتيجية التي تبذلها العديد من الحكومات في المنطقة لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص.

تقنيات

فرص العمل المستقبلية تتطلب برامج سريعة

يتطلب وصول الأتمتة إلى كامل إمكاناتها المفيدة منظومة متكاملة لصنع السياسات والاستثمارات في القطاع، مترافقة مع نظام تأشيرات قائم على المهارات، وإتاحة المهارات المستقبلية وفرص التعلم مدى الحياة، ويتطلب استغلال الفرصة للعمل المستقبلي في مكان عمل غني بتكنولوجيا الأتمتة والذكاء الاصطناعي برامج سريعة وفعالة وناجعة لتزويد العمال على نطاق أوسع بمهارات جديدة للتفاعل مع الآلات، والحقيقة أن السبب وراء اعتبار الأتمتة تهديداً عوضاً عن فرصة لا يتعلق بالشرور التي ينظر بأن الروبوتات والتكنولوجيا الجديدة تنطوي عليها، بل بالخوف من أن تكون نظم التعليم والتدريب لدينا غير مناسبة للتصدي لهذه التحديات.

وتتركز أكثر من 60% من إمكانات الأتمتة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن 6 من أصل 19 قطاعاً في عينة التقرير، التي تشمل خدمات أخرى، كالخدمات الإدارية والدعم والخدمات الحكومية، والتصنيع، والبناء، وتجارة التجزئة وتجارة الجملة، ويسلط ذلك الضوء على وجود 90% من إمكانيات الأتمتة القائمة على التقنيات الموجودة حالياً التي تنطبق على أنشطة يؤديها المغتربون حالياً، ويمكن أن تشكّل الأتمتة حافزاً لأسواق عمل ذات إنتاجية أعلى، ونشوء وظائف مستقبلية جديدة جذابة في القطاعات الخاصة الرئيسة.

 

دراسات

مكاسب متعددة في الإنتاجية تتجاوز استبدال العمالة

توفر الأتمتة مكاسب متعددة في الإنتاجية تتجاوز مجرد استبدال العمالة استناداً إلى معهد «ماكينزي العالمي» في تقديم المشورة بشأن نشر تكنولوجيا الأتمتة الحالية ودراسات الحالة في مختلف القطاعات، فإننا نلاحظ ونقدر بأن مكاسب الأداء الأخرى ستطغى على تأثير استبدال العمالة في بعض القطاعات.

وإن كانت الأنماط التاريخية لتفويض فرص العمل توفر الدروس للمستقبل، فإن بإمكان تكنولوجيا الأتمتة أن توفر فرص عمل جديدة صافية معظمها خارج قطاع التكنولوجيا نفسه. وفي الوقت نفسه، لا تزال تكنولوجيا الأتمتة تتقدم بسرعة لتصبح متاحة أكثر لعدد أكبر من الأشخاص استناداً إلى طبيعتها الرقمية.

ويتسم بدء عصر الأتمتة الجديد بالكثير من الشكوك، فعلى الرغم من أن إمكانية استبدال العمالة البشرية تتوسع بسرعة، فإن الفرص الجديدة لخلق فرص عمل مستقبلية استناداً إلى مكاسب محتملة في الإنتاجية والأداء عبر القطاعات على الصعيد العالمي وفي الشرق الأوسط على حد سواء، تواصل الظهور. وسيلزم المزيد من الوعي والبحث لمعرفة المزيد عن الآليات المعقدة الناشئة، مع الأخذ بعين الاعتبار بشكل خاص التباين الكبير المحتمل بين البلدان وداخلها.

Email