بنية وقطاعات

إلغاء النص التشريعي ينهي سريانه ويجرده من قوته

فيصل العمري

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعني قيام المشرع بإلغاء أي نص تشريعي، إنهاء سريان هذا النص وتجريده من قوته الإلزامية، سواء أكان ذلك نتيجة إحلال نص جديد مكانه أو الاستغناء عنه دون أن يحل مكانه نص آخر، فلا يلتزم الأفراد بحكمه بعد ذلك ولا يطبقه القاضي باعتباره واجب الاحترام، ويزول على هذا النحو ما كان له من وصف أنه مصدر رسمي للموضوع الذي تناوله بالتنظيم.

ويقول الدكتور فيصل حسن العمري مستشار قانوني في اللجنة العليا للتشريعات: سعت معظم تشريعات دول العالم إلى حل هذه المشكلة بموجب تشريعاتها، وذلك منعاً لأي تضارب في وجهات النظر أو في الاجتهادات على نحو قد يؤدي إلى تجاهل إرادة المشرع في إحداث التغيير المنشود من وراء إصدار القانون الجديد، ومن بين تلك الدول، دولة الإمارات.

حيث نصت المادة (4) من القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 1985 بإصدار قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتعديلاته، على أنه: لا يجوز إلغاء نص تشريعي أو وقف العمل به إلا بنص تشريعي لاحق يقضي صراحة بذلك أو يشتمل على حكم يتعارض مع حكم التشريع السابق أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.

وإذا ألغى نص تشريعي نصاً تشريعياً ثم أُلغي النص التشريعي اللاحق، فلا يترتب على هذا الإلغاء إعادة العمل بالنص السابق إلا إذا نُص صراحة على ذلك.

ومن خلال نص هذه المادة، نجد أن هناك صوراً لإلغاء النص التشريعي، وهناك آثاراً قانونية تترتب على هذا الإلغاء، وهو ما سوف نتناوله وبشكل موجز فيما يلي:

صور إلغاء النص التشريعي: الصورة الأولى: الإلغاء الصريح، ويمكن أن يتحقق الإلغاء الصريح بإحدى الحالات التالية: إذا نص التشريع الجديد صراحة على إلغاء التشريع القديم إلغاءً كلياً أو جزئياً، ومن الأمثلة على الإلغاء الكلي ما ورد في المادة (3) من القانون رقم (3) لسنة 2017 بشأن مجلس دبي الاقتصادي التي نصت على أنه:

«يُلغى القانون رقم (28) لسنة 2007 المشار إليه»، أما من الأمثلة على الإلغاء الجزئي لنصوص التشريع القديم ما ورد في المادة (1) من القانون رقم (4) لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (11) لسنة 2009 بشأن مجلس دبي الرياضي التي نصت على أنه يستبدل بنصوص المواد (2) (5) (6)، (7)، (8)، (9)، (13)، (14)، (17)، (20) من القانون رقم (11) لسنة 2009 بشأن مجلس دبي الرياضي النصوص التالية.

أمثلة

ثانياً: إذا نص التشريع الجديد صراحة على إلغاء ما يخالفه من نصوص وردت في تشريع سابق، ومن أمثلة ذلك ما ورد في المادة (3) من القانون رقم (3) لسنة 2017 بشأن مجلس دبي الاقتصادي التي نصت على أنه يُلغى أي نص ورد في أي تشريع آخر إلى المدى الذي يتعارض فيه وأحكام هذا القانون، ويلاحظ أن هذا النوع من الإلغاء معمول به في أغلب التشريعات.

ويعتبر أبسط أنواع الإلغاء، إلا أنه تعتريه بعض السلبيات التي من أهمها صعوبة التعرف بشكل واضح على النصوص التي تم إلغاؤها بموجب التشريع الجديد، إضافة إلى أنه أسلوب يجعل من العسير على الناس معرفة نصوص التشريعات التي تحكمها.

ثالثاً: إذا تضمن التشريع نصاً صريحاً يقضي بأن يُعمل به لمدة معينة، بحيث إذا انقضت هذه المدة أصبح التشريع ملغى، إذ قد تدعو بعض الظروف إلى تحديد العمل بالتشريع خلال مدة زمنية معينة، فإذا انقضت هذه المدة اعتبر التشريع ملغى بصورة تلقائية.

ومن أمثلتها ما ورد في المادة (3) من المرسوم رقم (10) لسنة 2015 بشأن الإعفاء والتخفيض من الغرامات المفروضة على المنشآت الاقتصادية في إمارة دبي، التي نصت على أنه: «تكون مهلة الاستفادة من الإعفاء والتخفيض المقررين بموجب هذا المرسوم (6) ستة أشهر تبدأ من تاريخ العمل بأحكامه، ويجوز لمدير عام الدائرة تمديد هذه المهلة لشهر واحد فقط».

رابعاً: إذا كان بقاء النص التشريعي نافذاً يتوقف على توفر شرط معين أو حالة محددة، بحيث تزول القوة الإلزامية للنص التشريعي في حال إذا تحقق هذا الشرط أو الحالة.

ومن الأمثلة على ذلك ما تنص عليه العديد من النصوص التشريعية التي ينتهي مفعولها بتوفر الشرط أو تحقق الحالة التي تضمنتها كالتشريعات المنظمة للموارد البشرية، التي تتضمن نصوصاً تقضي بتسكين الموظفين الخاضعين للتشريع الجديد على الدرجات المحددة فيه، حيث ينتهي مفعول هذه المادة بمجرد إتمام إجراءات التسكين.

الصورة الثانية

الإلغاء الضمني: يمكن أن يتحقق الإلغاء الضمني في إحدى الحالتين التاليتين: الإلغاء الضمني بطريقة التعارض بين النص الجديد والنص القديم.

ويكون ذلك بصدور تشريع جديد يتضمن أحكاماً تتعارض مع الأحكام الواردة في التشريع السابق، على نحو يستحيل معه تطبيقهما معاً. فعندئذٍ تكون الأحكام الجديدة قد ألغت ضمناً ما تقرر من أحكام وردت في التشريع السابق، على أن ما تجدر ملاحظته هو أنه في هذه الحالة لا يكون من الإلغاء الضمني إلا في حدود التعارض والتناقض بين الأحكام القديمة وبين الأحكام الجديدة.

فإذا صدر تشريعان متعاقبان في الزمان ومتناقضان في الأحكام تناقضاً كلياً اُعتبر التشريع القديم بحكم الملغى، أما إذا كان التعارض جزئياً فإن الإلغاء الضمني لا يكون عندئذٍ إلا بالنسبة للأحكام المتعارضة من أحكام التشريع القديم مع التشريع الجديد، على أنه يشترط لتطبيق هذه القاعدة أن تكون النصوص المتعارضة والمتعاقبة من طبيعة واحدة من حيث العموم والخصوص.

فالنص العام يلغي نصاً عاماً والنص الخاص يلغي نصاً خاصاً إذا أتت أحكامهما متعارضة، أما التعارض بين نص عام ونص خاص فهو لا يؤدي إلى إلغاء أحدهما للآخر ولكنه يؤدي فقط إلى تقييد تطبيق النص العام بواسطة النص الخاص، سواء كان النص الخاص هو النص الجديد أو النص القديم.

وثانياً الإلغاء الضمني بطريقة تنظيم الموضوع نفسه من جديد، ويتحقق الإلغاء في هذه الصورة عندما ينظم التشريع الجديد تنظيماً كاملاً موضوعاً معيناً على أسس جديدة كان التشريع القديم قد سبق ونظمه، ففي هذه الحالة يعتبر التشريع الجديد قد ألغى التشريع السابق ولو لم ينص صراحة على هذا الإلغاء.

وتعليل ذلك أن المشرع عندما يضع تشريعاً جديداً ينظم بصورة كاملة موضوعاً من الموضوعات، فهذا يعني أنه قد استغنى عن أحكام التشريع السابق لتنظيم هذا الموضوع وقرر أنه يستعيض عنها بأحكام التشريع الجديد.

أثر

يترتب على إلغاء التشريع زواله بالنسبة للمستقبل وليس بالنسبة للماضي، ولا يملك حق إلغاء التشريع سوى السلطة التي سنته أو سلطة أعلى منها.

وهكذا فالتشريع لا يلغى إلا بتشريع آخر مساوٍ له في المرتبة أو أعلى منه، وبقي القول إنه عند إلغاء النص التشريعي فإن النص الوارد في التشريع القديم لا يعود العمل به تلقائياً، بل لا بد أن يكون هناك نص صريح واضح يقضي بإعادة الحياة للنص الوارد في التشريع القديم الذي تم إلغاؤه.

Email