الأخطاء بحق «العربية».. اعتداء على الهوية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت الأخطاء الإملائية ظاهرة مرَضية تطرح أكثر من سؤال حول جدية تعامل المجتمع مع اللغة العربية التي باتت عند «لا مبالاين» آخر اهتماماتهم رغم ما تحفل به من كنوز قل نظيرها في اللغات الأخرى، وهو ما ينعكس على المزاج العام لدى الأفراد، وبالتالي الوقوع في أخطاء جسيمة قد تكلّفهم الدخول في قضايا هم في غنى عنها، ناهيك عن الالتباس الذي يقع عند الشخص خلال قراءته «يافطة» غير مفهومة أو إعلان لا يمتُّ إلى اللغة العربية بصلة إلا مجرد عبارات مصفوفة بالأحرف العربية.

من النماذج التي نقف عندها اليوم، قصة دفعت فيها اللغة العربية الجاني إلى المحاكم بعد أن قدّم تقريراً طبياً مزوراً لشركة تأمين بغرض الاستيلاء على المال دون وجه حق، وحكم عليهم جميعهم بالحبس على خلفية جريمتهم، المثير في الأمر أن الأخطاء الإملائية في التقرير هي التي كانت وراء انكشاف جريمتهم.. موقف غريب يتركنا أمام تساؤل لا ينفك آنفاً عن خدش لغتنا الجميلة بفعل الكثير من المتغيرات التي أثّرت سلباً في التعامل مع «العربية».

انعكاس

في هذا السياق، وفي استطلاع لآراء أبناء الضاد، يرى أحمد محمد أن كثرة الأخطاء الإملائية في الكتابة باللغة العربية، تلقى بظلالها على شخصية الإنسان، وتعكس مدى وعيه وتعلمه ومع كثرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن ذلك سهل التعرف على مدى تعلم الفرد ومعرفته باللغة الأم، ولكن ما يتفاجأ منه أن ترى أحدهم يتصف بقوة الشخصية أو يحمل مركزاً مهماً في المجتمع، ولكن كتابته في اللغة العربية أسوأ من كتابة طفل مستجد في التعلم. ما يتركنا أمام تساؤلين هل كتابة اللغة العربية من الأمور التي تعكس وعي وتعلم الإنسان أم العكس؟ وهل يعتبر الضعف في ذلك سلبية كبيرة؟.

ويوضح إيهاب كامل الأخطاء الإملائية في مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل الهواتف، ووصل الأمر إلى حد الاستغراب من جيل لم يعد قادراً على كتابة صحيحة ونحوية للغته، أو التعبير عنها بجملة مفيدة، حيث بات واضحا أن هناك أخطاء فادحة بدءاً من الخطأ الشهير «الضاد» و«الظاء» و«التاء المربوطة» و«التاء المفتوحة»، وانتهاءً بالهمزات وأيضا حروف المد، في حين إن السؤال المثير الذي يتكرر دوما من قبل الكثير الذين وصلوا في تعليمهم مراحل متقدمة بقول «بعصا وإلا بدون عصا». والمثير في الأمر عدم مبالاة الآخرين بالأخطاء الواردة ومصادرتها بإعادة إرسالها من جديد.

تحديات

ويؤكد سيف سالم بأن الأخطاء الإملائية باتت تغزو لوحات المحلات والإعلانات التجارية، على غرار أخطاء الأسماء على قمصان اللاعبين التي باتت تثير الدهشة لدى الكثيرين، وأيضا العروض في الحلقات النقاشية والبرامج التدريبية التي باتت تأخذ بعداً آخر في الأخطاء اللغوية والإملائية وصولاً إلى أخطاء الكتاب الصحفيين والمدققين اللغويين؛ ما نتج عن هذا وجود ركاكة لغوية وأخطاء إملائية ونحوية في عدد من الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام ما يزيد من حدة الانتقادات بحق انتهاء زمن اللغة الأم في أيادي المختصين والمهنيين والأكاديميين من حملة الماجستير والدكتوراه والعاملين في تعليم اللغة العربية بوجه خاص.

خلل

ويقول ماجد الخاطري: ترى الكثير من الأخطاء اللغوية التي قد تكون فادحة في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك أثناء المحادثة أو كتابة تعليق معين، موضحاً أن تكرار تلك الكلمات وتداولها مع الجميع جعلت الكثير يتقبلها ويعدها صحيحة، ومع مرور الأيام يتم اكتشاف أنها خطأ كبير لم يستطع أحد تفاديه، ولم يهتم به أحد ويبحث عن الصحيح منها، بل كل ما يكون من البعض هو اجتهاد فقط لإظهار الكلمة الصحيحة، مشيراً إلى أن كل ذلك يعكس خلل التعليم وقلة الاحترام للقارئ والذوق العام والازدراء للغة العربية على اعتبار أن الأخطاء نحوية قبل أن تكون إملائية.

يوم للإملاء

وتقول المواطنة هدى الشحي أنها تجد صعوبة كبيرة في انتقاء الكلمات الصحيحة ما يضطرها أن تبحث عبر مواقع البحث في الإنترنت أو المواقع الإلكترونية، وهذا يرجع إلى أنها اعتادت رؤية بعض الأخطاء صحيحة خصوصاً أن الكثير لا يبالي في تصويبها، مؤكدة أن عدم استشعار أهمية تعلم الإملاء الصحيح من أسباب استمرار الناس في الخطأ، ما يجعل الأمر يتوارث عند البعض بهذه الأخطاء، مبينة أن الكتابة باللغة العامية له أثر كبير في وجود أخطاء إملائية مستمرة، موضحة أن من يعملون في مجال الدعاية والإعلان ليسوا بعرب، وهؤلاء الخطأ في الكتابة ملازم لهم. مقترحة في الوقت ذاته، أهمية أن يطلق سنوياً «يوم للإملاء الإماراتي» ويعرض في بث مباشر حتى يستطيع الشخص أن يتذكر يومياً أهمية انتقاء الكلمات والكتابة الصحيحة لها.

أسباب

ويرجع يوسف حسين تربوي متقاعد - أسباب انتشار الأخطاء الإملائية لسببين؛ منها ما يعود على الكاتب نفسه، ومنها ما يعود على المجتمع، فأما ما يعود على الكاتب، فيتمثل في أمور من أهمها ضعف مستواه، وضحالة ثقافته اللغوية، أما فيما يختص في المجتمع فإن الأفراد من أولياء الأمور تحديداً لا يعنى بالكتابة الصحيحة والتعامل اللازم في استخدام قواعد اللغة العربية على وجه الخصوص، مبيناً أن المجتمع حالياً بات يعلي من قيمة اللغات الأخرى وبالأخص الانجليزية على حساب اللغة العربية. لافتاً إلى أن التعليم هو البذرة الأساسية في تعلم الكلمات النحوية الصحيحة وكتابتها، وأصبح الآن دور المعلم كبيراً في تصحيح الأخطاء الإملائية منذ الصغر، لافتاً إلى أهمية أن يجد يوم الاحتفال باللغة العربية فرصة للترويج إلى الكتابة الإملائية الصحيحة في المجتمع كمفهوم يعزز الارتقاء في الإملاء وقواعد اللغة ارتقاء بصحتنا النفسية وهويتنا العربية التي هي لغة القرآن.

 حق

قال الدكتور هاشم سعيد النعيمي مدير إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد إن «عدم وضع أي بيانات أو بطاقات باللغة العربية يعد مخالفة لقانون حماية المستهلك، الذي تنص بنوده على ضرورة التزام مزودي السلع، عند عرضها للتداول، بأن تلصق على غلافها أو عبوتها بطاقة باللغة العربية، وتكون واضحة ومفهومة وبشكل بارز»، وأضاف أن «القانون وضع معايير للبطاقات التعريفية للسلع، بحيث تتضمن بيانات حول اسم السلعة، تاريخ الإنتاج والتعبئة، الوزن الصافي، بلد المنشأ من دون حروف اختصار، بحيث تدل على كونها صنعت في أي دولة، مع تاريخ انتهاء الصلاحية».

2500

شهدت مدينة دبي في مايو 2016 أحد أكبر المؤتمرات التي تختص بنقاش قضايا اللغة العربية، وذلك بحضور حوالي 2500 مشارك من مختلف دول العالم، في المؤتمر الدولي الخامس للغة العربية الذي ينظمه المجلس الدولي للغة العربية بالتعاون مع منظمة يونيسكو وجامعة الدول العربية.

 حظر

يحظر أي إعلان من شأنه تضليل المستهلك وإيقاعه في خطأ حول السلعة أو الخدمة المُعلن عنها، إذ نصت المادة (26) من اللائحة التنفيذية لقانون حماية المستهلك الإماراتي على أنه يحظر على أي شخص الإعلان بأية وسيلة كانت عن سلعة أو خدمة بشكل يؤدي إلى تضليل وخداع المستهلك.

حماية اللغة العربية مطلب عام

يعتبر إنشاء جمعية حماية اللغة العربية في الإمارات من أهم الإنجازات في مجال حماية اللغة العربية الفصحى، وحفظها من تنامي اختلاط المفردات العامية، ومن الأخطاء النحوية الشائعة التي تؤثر على قوتها وقدرتها على التعبير الدقيق وتضعفها أيضاً. وأُنشئت جمعية حماية اللغة العربية في الشارقة بتاريخ 28 سبتمبر عام 1999، بموجب القرار الوزاري رقم 559، بهدف خدمة لغة الضاد، وتنمية الاعتزاز بالانتماء لها في نفوس أبنائها، والتنبيه لأهميتها، كونها لغة ديننا الحنيف، وتشجيع مدارس تعليم اللغات على تدريسها للناشئة ولغير الناطقين بها، ومخاطبة وسائل الإعلام، والهيئات العاملة في الدولة بأهمية تفعيل استخدامها في المراسلات، والدعاية، والإعلان.

 

Email