الدبس..مخزون الصيف بنكهة تقليدية

انتهى موسم الصيف فعلياً، وبدأ المزارعون تخزين محاصيل التمور التي قطفوها خلال الأشهر الماضية، للاستمتاع بطعمها طيلة فصل الشتاء، فبعضهم يعمل على تخزينها في الأواني الخاصة والأكياس البلاستيكية حتى موعد تناولها، فيما يفضل بعضهم الآخر استخراج الدبس منها في عملية تستغرق 60 إلى 90 يوماً ثم تخزينها حسب الحاجة.

وعلى الرغم من تطور الإمكانيات وتوفّر المعدات التي تساعد في استخراج الدبس إلا أن أغلب المزارعين يعزفون عن استقدام تقنيات جديدة واكتفوا بتغيرات طفيفة في طريقة صنع الدبس لضمان أعلى معايير السلامة والنظافة.

جودة

الدكتور خليفة بن دلموك الباحث في أنواع النخيل قال: إن التمور التي توضع في «المدبسة» بعد جفافها تكون أشكالها وجودتها أكبر من تلك التي تخزن مباشرة في الأكياس والأواني، حيث يحافظ الدبس على طراوة وطعم التمر لفترة طويلة نتيجة لحفظه في أماكن معتدلة الحرارة ومعزولة عن الهواء.

مشيراً إلى أن الدبس الذي يصنع بالطريقة البدائية والمتعارف عليها منذ مئات السنين هو الأفضل والأكثر فائدة من حيث القيمة الغذائية.

وأوضح أن «المدبسة» والمقصود بها الغرفة التي تخزن فيها التمور لم تطرأ عليها تغيرات في طريقة عملها، وإنما أدخلت عليها تحسينات طفيفة في مواد تشيدها فقط، حيث استخدم فيها السيراميك والإسمنت وبعض المواد المصنوعة من الألمنيوم لتحقيق أعلى معايير في النظافة بعد أن كانت تشيد من الطين المحروق والأخشاب.

لافتاً إلى أن دخول آلات جديدة ومعدات متطورة تقوم باستخراج الدبس عن طريق الحرارة لم تلق القبول عند المزارعين لأن استخراج الدبس بالحرارة يقلّل من قيمته الغذائية، كما أن التمور تصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي وإنما يمكن استخدامها كأعلاف للمواشي.

جهود

وعن تفاصيل صناعة الدبس قال ابن دلموك: إن صناعة الدبس مناسبة اجتماعية تتمّ بجهود جماعية منذ القدم ولها طقوس خاصة تقوم على التعاون والمشاركة بين مجموعة كبيرة من المزارعين.

وفي كل منطقة من مناطق الدولة هناك «مدابس» مشهورة مازالت تعمل إلى وقتنا الحالي، لافتاً إلى أنه في نهاية موسم الرطب وبعد الانتهاء من تجفيف التمور على «المسطاح» تحديداً أي تجفيفه في أماكن مستوية تحت أشعة الشمس، يبدأ كل مزارع في جمع تموره ووضعها في أكياس مصنوعة من السعف يطلق عليها «يراب السح» ثم يقوم بوضع علامات خاصة للتفريق بينها بعد وضعها في «الينز» أو «المدبسة».

مراحل

وأشار إلى أن المزارعين يتفقون على يوم معين لوضع محاصيلهم، ويسبق اليوم المحدد التعاون فيما بينهم لتعقيم «المدبسة» التي هي عبارة عن غرفة مظلمة مصممة بطريقة تمنع دخول الهواء وأشعة الشمس، يكون في وسطها مكان مرتفع قليلاً عن سطح الأرض وبه قنوات صغيرة تصب في إناء فخاري يطلق عليه «الخرس» أو في حفرة كانت أرضيتها من الطين المحروق وتصنع حالياً من الرخام أو السيراميك.

حيث توضع التمور فوق بعضها لفترة تصل من شهرين لثلاثة أشهر، ونتيجة للضغط والحرارة البسيطة التي تتعرض لها تفرز الدبس الذي يبدأ من الأعلى إلى أن يصل القنوات الصغيرة التي تلتقي في الحفرة المخصصة، ولا يسمح خلال فترة التخزين بالكشف عن التمور لأنه دخول الهواء وأشعة الشمس يتسببان في ضعف جودة الدبس.

وأوضح أنه بعد مضي الفترة المحددة لإنتاج الدبس التي تصل في بعض الأحيان لثلاثة أشهر تفتح المدبسة ويقسم الدبس بحسب كميات التمور التي وضعها كل شخص، ويفضل أن تكون كميات التمور التي يضعها الأشخاص متساوية حتى يحصل الجميع على نسب متساوية، لافتاً إلى أنه بعد توزيع الدبس يأخذ كل مزارع التمور التي وضعها وتكون معلومة لديه بناء على العلامات التي وضعها.

مدبسة حديثة

قال الدكتور خليفة بن دلموك إنه عمد على تطوير «المدبسة» بطريقة حديثة استخدام فيه الزجاج المعالج حرارياً والألمنيوم في السقف وجدار الغرفة المخصصة، وأصبح يراقب عملية فرز التمور للدبس من خلف الزجاج، مشيراً إلى أن التجربة أثبتت نجاحها وكفاءتها خصوصاً وأنها مستوفية لأعلى معايير النظافة والجودة ومشابهة في طريقة عملها لطريقة البدائية إلا أن الفرق هنا تعرض التمور لأشعة الشمس.

الأكثر مشاركة