المشروع آتـى ثماره منـــذ الـــدورة الأولـــــى

«تحدي القراءة 2» بنـاء فــكـري ومعــرفي مستـــدام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأخذ التحدي الإنسان إلى ما هو جديد ومختلف ما يستدعي بذل المزيد من الجهد والعزيمة، أما مشروع تحدي القراءة العربي، فيأخذ الإنسان إلى بعد مختلف فيه المتعة والمعرفة والخيال والابتكار والإبداع في وقت واحد.

ليس هذا فقط بل يساعده على التجدد بإعادة صياغة أفكاره وتصالحه مع نفسه وتناغمه مع محيطه والانفتاح على الثقافات والحوار الحضاري. وبهدف تلمس ما يؤسس له هذا المشروع من بناء فكري معرفي مستدام، استطلعت «البيان» انطباعات عدد من المشاركين والمتابعين له أمس خلال الإعلان عن أسماء الفائزين بالدورة الثانية.

منصة إبداع

يصف فهد علي المعمري مدير إدارة الآداب في هيئة دبي للثقافة والفنون انطباعه حول هذه المبادرة الفريدة من نوعها على المستوى العربي بقوله: هذه الفـــعالية بدورتيها الأولى والثانية أثبتت أننا أمة تقرأ، وأكدت مصداقية «العربي قارئ».

والأهم تفعيل الحراك الثقافي في العالم العربي والذي سيشكل في السنوات القريبة بيئة أو منصة للإبداع وتنوع المعارف والابتكار والتميز. والأهم تعلّم فنون القراءة الإبداعية التي تعكس الكثير من المهارات.

ومثال على ذلك ما قرأته على أحد وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية التعامل مع الكتاب، حيث قال إنه يقرأ 100 صـــفحة في ست دقائق.

مشاركة

أما المشاركون في هذه الفعالية بصفتهم مشرفين على الطلبة والمدارس والقادمين من بلدان عربية مختلفة، فيحكون عن أبعاد هذه المبادرة من عمق تجربتهم العملية على مستوى الطلبة والمدارس والجهة المنظمة. يقول يعقوب العبدلي المشرف على مدارس المحافظات الداخلية بسلطنة عمان:

«شاركت في هذا التحدي 200 مدرسة من المحافظات، وبلغ عدد من تأهل منهم للتصفيات الأولى 165، ليصل عدد من تأهلوا في التصفيات الأخيرة 10 طلاب من أصل 64. ونحن فخورون بمشاركتنا في هذه المبادرة التي تحفز إلى نشر الثقافة وحب القراءة».

وأضاف صديقه بريك المعمري مشرف مدارس الظاهرة بحماس: «يكفي وصف الأثر الذي تركته في المدارس حيث باتت المكتبات العامة والمدرسية أكثر حيوية، خاصة بعد ارتفاع نسبة استعارة الكتب فيها بشكل غير مسبوق».

عمل جبار

ويقول الطاهر بنو أحمد المنسق العام لتحدي القراءة في موريتانيا: «المبادرة عمل جبار ويؤسس لصياغة جديدة للمواطن العربي الحقيقي وكسر الحدود بين البلدان العربية. وهذا التحدي ينمي ما يسمى بالكفاية التواصلية اللغوية والكفاية العامة للدراسين.

وهو مشروع قومي كبير يصوغ المواطن العربي صياغة جديدة تخول الدارس أن يمتلك موروثه الثقافي وأن ينفتح على العالم ويشارك في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأمة العربية.

أما ما سنعود به من هذه الدورة التي شارك فيها 10 طلبة اخترناهم من أصل 250 ألف طالب بعد مراحل من التصفيات بين أكثر من 600 مدرسة، فهو إدراك الجهود الجبارة التي وضعتها المدارس التي فازت بالمركز الأول من عمل في المكتبات ومعارض كتب وبرامج حيوية بين الطالب والمجتمع وغــيرها، كذلك الأمر بالنسبة للطلبة».

ثمار

وتتناول وحيدة عبد العزيز مديرة مشاريع المبادرات القرائية في وزارة التربية والتعليم، الفائزة بالمركز الثاني لفئة «المشرفة المتميزة» في هذه الدورة، المفهوم المستدام لنتائج الحدث قائلة: «مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، آتت ثمارها منذ الدورة الأولى.

ويتجلى هذا في القراءة التفاعلية التي لا تقتصر على الطلبة المشــاركين فقط، بل تشـــمل أسرهم الذين باتـــوا بدورهم مشاركين في فعل القراءة ويسابقون الزمن في التواصل مــــعنا، ليكونوا أبناءهم في المقدمة. فالكثير منهم اختار القراءة كنشاط رئيس خلال الصيف».

قيمة نوعية

وتقول الدكـــتورة حــورية الظل الفائزة بالمركــز الأول كمشرفة متميزة عن الحوافز التي جعلتها تصل إلى الفوز في التحدي الثاني:

«دورنا كمشرفين يتمثل في استقطاب مشاركـــــة أكبر عدد من الطلبة، حيث شارك الدورة الماضية 23% وأتمنى الوصول إلى 50% في الأكاديمية التي أمثلها بمدينة فاس في الدورة المقبلة. ما قمت به منذ البداية حماسي الكبير للمشروع وعشقي للــــقراءة وأعرف قيمتها النوعية. كنت أركز على التواصل واختيار المشرفين وزيارة المؤسسات ومــديري المدارس للتعريف بالمشروع.

شريف مصطفى: سأتابع مسيرتي في البحث العلمي

يقول شريف مصطفى الطالب في مدرسة الأزهر والفائز بالمركز الثاني: «قرأت كتباً في مختلف مجالات المعرفة والعلوم والأدب. وسأتابع مسيرتي في البحث العلمي في المجالات التنموية وآخرها البحث إصلاح التعليم والإعلام والخطاب الديني.

وإن شاء الله بعد عشر سنوات سأحصل على جائزة نوبل في الطب والأحياء. أشعر بالفخر لفوزي بالمركز الثاني على مستوى العالم العربي، وكل التقدير والاحترام والشكر لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وفضيلة شيخ الأزهر، ووالديّ الكريمين الذين لولاهما لما كنت هنا اليوم. وكنت أقرأ ما بين ساعة إلى 24 ساعة في اليوم الواحد».

شذا الطويرقي..نظرة إيجابية للحياة

تحكي الطفلة السعودية شذا الطويرقي التي تعتبر أصغر الفائزين والتي حازت المركز الرابع عن رحلتها مع القراءة قائلة: «أحب الكتب إليّ سيرة عمر بن الخطاب وفيه حديث أثر في. أما من قصص الأطفال كتاب «سر الحياة» لهديل غنيم، ومنه نتعلم عدم الإسراف أو هدر الماء الذي يعتبر مهماً لحياتنا».

وتقول شذا الطالبة في الصف الخامس والتي أدهشت اللجنة والحضور بطلاقة لسانها وثقتها بنفسها وقوة أدائها، عن أسباب اختيارها لمقتطفات من كتاب «ومضات من فكر» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال الإجابة عن أسئلة لجنة التحكيم في المقابلة الأخيرة:

«نقل صاحب السمو تجربته في الفكر وصناعة الأمل واستئناف حضارتنا وأهمية النظرة الإيجابية للحياة. وأدعو الأطفال أن يقرؤوا ولو ساعة من الزمن، لأنها تفك اللسان وتدربه على الكلام وترفع الجهل عن النفس وتغذي العقل».

حنان الحروب.. لجنة التحكيم ومصداقية المشاركين

تصف حنان الحروب من فلسطين عضو لجنة التحكيم  والتي تضم ايضا الأديب بلال البدور، والروائية الإعلامية الدكتورة بدرية بشر من السعودية ، انطباع اللجنة عن المشاركين الفائزين قائلة:

«جميع المشاركين كانوا بارعين في الإجابة على الأسئلة التي طرحتها اللجنة. وحاولنا بدورنا تبسيطها لنلمس أثر ما قرؤوه في نفوسهم. أما جاهزيتهم الكاملة في الرد على أسئلتنا، فتعكس تمكنهم بعد الاختبارات العديدة التي أجروها خلال اليومين السابقين.

ونحن اعتمدنا في معايير اختيار الفائزين العديد من المحاور مثل: الإبداع في اللغة وانعكاس ما قرأه المشارك على فهمه وشخصيته وجرأته في الكلام وثقته بنفسه.

نموذج مشرّف

وتضيف حنان التي فازت العام الماضي بجائزة أفضل معلم في العالم لعام 2016: «كان المشاركون الخمسة متقاربين والفوارق بينهم بسيطة. وفاجأتنا الطالبة عفاف شريف التي فازت بالمركز الأول بشخصيتها القيادية وشجاعتها وذكائها وسرعة بديهتها، وقدرتها على التعبير عن نفسها. وهي نموذج مشرف للفلسطينيين الذين يعيشون تحت ظروف صعبة وتحديات أقسى».

جدوى

وتلخص حنـــان انطباع لجــنة التحكـــيم فــي الدورة الثــانية قـــائلة: «كانــت الدورة ناجحة بجدارة لوصولها إلى سبعة ملايين ونصف الملــيون قارئ من الطلبة، وهذا يعكس إيمان المجتمعات العربية بجدوى المبادرة، وتنسحب جدوى هذه المبادرة على أسر المشاركين من أم وأب وشــباب وجد وجدة بشكل خاص، لتـــتسع الحلقة وتشمل تربويين وأفراداً. وستكون كأفراد ومجتمعات عربية قريباً، مخــتلفين بقراراتنا ورؤيتنا المستقبلية.

3 ملايين دولار إجمالي الجوائز

بلغ إجمالي جوائز تحدي القراءة العربي هذا العام 3 ملايين دولار أميركي، فإلى جانب تكريم المدرسة المتميزة والمشرف المتميز والفائز الأول بالتحدي، تم تكريم جميع الطلبة الذين وصلوا نهائيات التحدي، إلى جانب تكريم أوائل الطلبة المشاركين في التحدي على مستوى دولهم. وشارك في تحدي القراءة العربي هذا العام أكثر من 7 ملايين و400 ألف طالب وطالبة، من 25 دولة عربية وأجنبية في التحدي، قرأوا أكثر من 200 مليون كتاب.

وعلى صعيد المدارس، شاركت نحو 41 ألف مدرسة، من القطاعين العام والخاص، ضمن مراحل دراسية مختلفة. وانضم إلى التحدي أيضاً أكثر من 75 ألف مشرف ومشرفة، من معلمين ومعلمات، أشرفوا على تنظيم الأنشطة القرائية المتنوعة في مدارسهم ووفروا كل أشكال الدعم للطلبة.

كما شارك في التحدي أكثر من 1500 محكّم في مختلف الدول العربية، حرصوا على تقييم مراحل التحدي بدءاً من التصفيات المدرسية، فالتصفيات على مستوى المناطق والمحافظات التي تتبع لها المدارس، وحتى التصفيات على مستوى الدولة، بالاستناد إلى آليات تقييم وتحكيم معتمدة ومحددة بالتنسيق مع فريق تحدي القراءة العربي في الإمارات.

50

وتعين علـــى الطلبة خــلال مراحل التحدي قراءة 50 كــــتاباً على الأقل، تغطي مختلف المجالات والاهتمامات الثقافية والمعرفية، وتلخيصها في دفاتر خاصة تــــعرف بجوازات التحدي ومناقشتها مع المعلمين، قبل الخضوع للاختبار والتقييم أمام لجان تحكيم تم تحــديدها حسب مراحل التحدي وتصفياته.

ترسيخ

أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تحدي القراءة العربي في العام 2015 بهدف ترسيخ ثقافة القراءة في المجتمع وتكريس عادة القراءة لدى شباب الوطن العربي تحديداً والنهوض باللغة العربية، كلغة حوار وإبداع، وتعزيز قيم الانفتاح الحضاري والتسامح لدى الأجيال الجديدة.

واستقطب التحدي في دورته الأولى أكثر من 3.5 ملايين طالب وطالبة قرأوا 150 مليون كتاب خلال عام، حيث فاز الطالب محمد عبدالله جلود من الجزائر بلقب «بطل تحدي القراءة العربي»، بينما نالت «طلائع الأمل الثانوية للبنات» في فلسطين جائزة «المدرسة المتميزة».

الإرهاب ضعف والحرف قوة

صفق الجمهور طويلاً عندما اعتلى المطرب الإماراتي حسين الجسمي خشبة المسرح، ليقدم أغنية بعنوان «الإرهاب ضعف والحرف قوة» لتعكس كلماتها دور القراءة، بصيغة من يتصفح الكتاب مبتدئاً بالإهداء، قائلاً: الإهداء الأول إلى الجد الأكبر آدم ومن بعده الجدة الكبرى حواء، ليصل إلى الجزء الثاني من أغنية في الفصل الأول التي منها «اقرأ.. على بعد جهل/‏‏‏ لنلتقي على وعد كتاب/‏‏‏ اقرأ على الزيف علــــماً/‏‏‏ اقرأ في الإرادة والسعادة».

وحلّق بعدها الحضور مع صوت مغنية الأوبرا اللبنانية عبير نعمة، إلى فضاءات وحدت أشجانهم بغنائها «وطني حبيبي.. الوطن الأكبــــر يوم ورا يوم أمجاده بتكبــــــر/‏‏‏ وانتصاراته مالية حياتـــــــه وطني بيكبر وبيتحـــــــرر»، وهي كلمات مقتطفة من النشيد الوطني العربي الذي ألفه أحمد شفيق كامل ولحنه محمد عبد الوهاب عام 1960.

كما صدح الفنان العراقي كاظم الساهر بأغنية بلاد العرب أوطاني.

مشهد ينتصر للقراءة

اجتمع الوطن العربي كله تحت سقف دبي أوبرا أمس، في حفل تتويج بطل تحدي القراءة، وارتفعت أعلام الدول العربية لتعانق بلد السعادة والتسامح، كما اجتمعت القلوب في حضن واحد اتسع للجميع، وفي مشهد رائع يحتفي بالكتاب وينتصر للقراءة.

وبين أعلام الإمارات والسعودية والبحرين وعمان ومصر وفلسطين والأردن والمغرب والجزائر وغيرها من بلدان عربية، كان لقاء الكبير والصغير حافلاً بالحب ومغموراً بالثقافة والمعرفة.. هو مشهد سيبقى محفوراً في ذاكرة أجيال ستكبر على حب الكتاب.

ياسمين شبعان: وجدت نفسي في القراءة

يترك كتاب ما دون غيره أثره العميق في نفس القارئ، وتنشأ بينهما علاقة تفاعلية على الصعيد الفكري أو الأدبي، وتدفعه في كثير من الأحيان إلى مراجعة النفس وإعادة صياغة بعض أفكاره.

وفي هذا السياق توقفنا مع الطالبة المشاركة في التحدي من «أصحاب الهمم» ياسمين شبعان والحاصلة على المرتبة الرابعة في «تحدي القراءة» بالمملكة المغربية. وتحكي ياسمين عن كتابها المفضل قائلة: «الخيميائي» من أجمل ما قرأت. ومع الروائي والكاتب البرازيلي باولو كويلو تعرفت على عوالم جديدة على صعيد جغرافية المكان والفكر، ورحلة الإنسان للوصول إلى المعرفة والحكمة التي تأخذه إلى أصقاع الأرض ليكتشف في النهاية أنها تكمن في جوهره.

قبل وبعد

قرأت خلال عامين 157 كتاباً، ولم أقرأ قبلها سوى كتبي المدرسي. بالطبع شعرت بفارق كبير، حيث ساعدتني القراءة على استيعاب وفهم الكثير من القضايا التي كانت مستعصية عليّ. وكما يقول باولو كويلو: «لكل منا أسطورته الشخصية»، وأنا وجدت نفسي في القراءة والكتاب.

Email