Ⅶبنية وقطاعات

شراكة القطاعين العام والخاص.. قاطرة بيئة الأعمال نحو الريادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُمثّل مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص Public-Private Partnership (PPP) ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد العالمي المعاصر، إذ حرصت معظم السياسات الحكومية المعنية على تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في مختلف بلدان العالم، ولا سيما في السنوات الأخيرة التي عرفت العديد من التحولات في المشهد الاقتصادي العالمي. وأولت السياسات الحكومية هذا المفهوم مزيداً من الاهتمام والعناية، باعتباره أحد أهم الأساليب الاقتصادية التي أثبتت نجاحها في تحقيق إنجازات مهمة في مختلف ميادين التطوير والتنمية.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في قلب التوجه العالمي نحو تكريس الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وجعله إحدى العلامات المميزة للاقتصاد الوطني.

نجاح

وأظهرت إمارة دبي نجاحاً لافتاً وفريداً من نوعه في هذا المضمار، فاتخذت حكومة دبي خطوات سباقة لتعزيز مفهوم الشراكة مع القطاع الخاص، والارتقاء به إلى صيغة مؤسسية ذات بنية قانونية وتنظيمية حديثة، تمثل دعم قاطرة مهمة لبيئة الأعمال في الإمارة نحو الريادة، ورافداً مهماً لمناخها الاستثماري الجاذب، مستنيرة برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتوجيهاته التي أكد من خلالها أن «القطاع الخاص هو شريك فاعل للقطاع الحكومي، بما له من دور مؤثر في دعم مسيرة التنمية الاقتصادية»، ومسترشدة بمرتكزات خطة دبي 2021 التي تسعى فيها الإمارة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للأعمال، والوصول إلى أهم خمسة مراكز عالمية للتجارة والنقل والتمويل والسياحة، من خلال تحقيق نمو اقتصادي مستدام وضمان سهولة الأعمال، وأن تكون الوجهة المفضلة للاستثمار.

محطات

ومرّت مسيرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دبي بمحطات بارزة جعلت منها مثالاً يستقطب اهتماماً إقليمياً وعالمياً، يغذيه النجاح المتواصل للقطاع الخاص في ترك بصمة مهمة في كثير من المبادرات والمشاريع النوعية ذات الأثر التنموي الذي يعود بالفائدة على الطرفين.

ويمثل «القانون رقم (22) لسنة 2015 بشأن تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في إمارة دبي» إحدى أهم تلك المحطات، إذ أحدث نقلة نوعية في تطوير منظومة هذه الشراكة، عبر وضع الأساس التشريعي المتكامل للعلاقات التعاقدية الناشئة في إطارها، وتحديد معاييرها وآلياتها وتوضيح أنماطها المختلفة، على نحو يضمن تحقيق الشفافية والعدالة في التعامل مع الشريك الخاص، ومنح المرونة الكافية للجهات الحكومية في اقتراح مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، والتعامل مع هذا القطاع وفقاً للمصالح المشتركة.

إن الأهداف التي حددها القانون للمشاريع القائمة على الشراكة بين القطاع الخاص والجهات الحكومية تأتي انعكاساً للرؤية الواضحة لدى المشرّع فيما يتعلق بسبل الوصول بهذا الأسلوب الاستثماري إلى نتائجه المرجوة التي تصب في خدمة مسيرة التنمية المستدامة التي تقودها إمارة دبي في سعيها الدائم نحو التميز.

لقد استطاع هذا الإطار التشريعي المتميز الذي طورته دبي لتنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال المعايير التي أوجب مراعاتها لبناء مثل هذه الشراكة، إلى إبراز حرص الحكومة على إيجاد الضوابط الملائمة لجعل مثل هذه المشاريع والمنجزات جسراً نحو خدمة المصالح الحكومية والخاصة، وجلب المنفعة العامة لأفراد المجتمع والقطاع الخاص.

وراعى القانون بصورة فذّة أهمية تنويع الأساليب التي يمكن من خلالها إبرام عقد الشراكة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ووضع عدة خيارات مرنة لصيغ التعاقد المقبولة من حيث تحديد الطرف الذي ينشئ المشروع ويموله ويمتلكه وينتفع به تجارياً ويشغله خلال مدة التعاقد، ومآل ملكية المشروع وحقوق الانتفاع، على نحو يضمن إتاحة الفرصة لمختلف فئات المستثمرين للدخول طرفاً في هذه التعاقدات وفق الصيغة التي تناسبهم تبعاً للاتفاق، وطبيعة المشروع وأهدافه وإمكانات الشريك المستثمر، وغيرها من العوامل المؤثرة في مثل هذه العلاقة، وبما يتوافق مع الأسس والمعايير المنصوص عليها في مواد القانون.

كما أخضع القانون عملية اختيار الشريك الخاص لمجموعة من المبادئ، في مقدمتها العلانية، والشفافية، وحرية المنافسة، وتكافؤ الفرص، والمساواة، والإعلان عن المنافسة، وتحقيق مقتضيات المصلحة العامة.

ووضع القانون أساساً متيناً من القواعد التنظيمية التي شملت مختلف الجوانب المتعلقة باعتماد مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتنفيذها وتشغيلها وإدارتها، وفقاً لحدود مالية معينة، إذ أورد توضيحاً مفصلاً للاختصاصات المنوطة بكل جهة من الجهات المعنية على نحو يضمن توفير الأرضية الصلبة لبناء هذه الشراكات ونموها.

وبناء على ما تقدّم، أعدّت دائرة المالية الدليل الإرشادي لمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، استناداً إلى الفقرة الخامسة من المادة التاسعة من القانون رقم 22 لسنة 2015 المُشار إليه، الذي تم إعداده في ضوء أفضل الممارسات والخبرات الدولية مع مراعاة خصوصية إمارة دبي.

ويهدف الدليل الإرشادي إلى توجيه الجهات الحكومية ومستثمري القطاع الخاص المهتمين بمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

لقد أثبت اقتصاد دبي، والاقتصاد الإماراتي عموماً، قدرته على مواجهة مختلف التحديات والتعامل الأمثل مع المتغيرات الاقتصادية التي شهدتها المنطقة والعالم، بفضل الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة التي وجهت مبكراً إلى ضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز القدرات التنافسية للدولة، والتوجّه إلى اقتصاد معرفي مستدام يقوم على الابتكار والتكنولوجيا والبحث والتطوير بقيادات وكفاءات وطنية متمكنة وقادرة على قيادة مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والشاملة في الدولة إلى مستقبل مزدهر. ويعد القطاع الخاص شريكاً أساسياً في دعم هذه الرؤية.

Email