الحبة الأولى تقدّم لأعز الناس

الرطب زينة رمضان.. و«النغال» و«الخنيزي» في الصدارة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت مواسم الخير والعطاء من أشجار النخيل تعطي ثمارها واعدة بحصاد وفير، ويتزامن موعد تباشير الرطب هذا العام مع قدوم شهر رمضان المبارك، وبدأت أسواق مدينة العين، باستقبال تباشير رطب النغال القادم من سلطنة عمان ومنطقة الظاهر، حيث تراوحت أسعار المن الواحد بين 350 و500 درهم، ويتوقع لها أن تتراجع مع الأيام القادمة إلى 100 درهم مع زيادة جني المحصول، وبدء جني محصول الرطب في الإمارات خلال شهر يونيو.

ويرى الدكتور عبد الوهاب زايد، الأمين العام لجائزة خليفة لنخيل التمر والابتكار الزراعي، أن للرطب طقوساً خاصة يمارسها أهل الإمارات خصوصاً المزارعين منهم، حيث تبدأ بترقب عذوق النخل المحملة بالخيرات ليقطفوا منها أول حبة رطب أينعت، معلنين في المنطقة أو البلدة التي هم فيها أن موسم الرطب قد دخل.

ونظراً لجمال هذا الخبر وأهميته، يتسابق المزارعون بروح أخوية وحميمية لإعلان هذا النـبأ المفرح على الملأ الذي يؤكد من خلاله المزارع أن مزرعته هي السباقة في إعلان البشرى، ولحبة الرطب الأولى وضع خاص، حيث تقدم لأعز الناس وأقربهم إلى نفس المزارع كدلالة على المكانة المرموقة التي يحتلها الشخص الذي تقدم له، سواء كان من داخل الأسرة أو من خارجها.

فالمزارع الإماراتي يعتبر قدوم تباشير الرطب كقدوم المولود الجديد، حيث يعتبرون النخلة هي إحدى أقدم الأشجار بالمنطقة التي يرجع إليها الفضل الأكبر في استمرار حياة أبناء الجزيرة العربية قاطبة، فهي مصدر رزقهم الأول.

وأضاف الدكتور عبد الوهاب زايد، على الرغم من التحولات الكبيرة التي طرأت على مجتمع الإمارات، إلا أن سمة الوفاء ظلت هي الناظم الأساسي بين المواطن ونخلته، فالنخلة معروف عنها الوفاء الدائم لأصحابها، حيث تغدق عليهم في بداية كل موسم بأجود أنواع الثمار من الرطب، فهذه العذوق التي تشكلت بألوانها الجميلة وأحجامها الرائعة ليست مجرد طعام، بل هي إعلان عن قدوم موسم الفرحة.

وهذه الفرحة لا يشعر بها إلا المزارعون الذين يرتبطون معها بعلاقة وثيقة، والذين يمنحونها جل اهتمامهم ورعايتهم لذلك لا نستغرب هذه الأجواء المفرحة التي تظهر على محيا المزارعين وهم يرون نخيلهم تزهو بهذه الثمار الغالية.

المتقدم والمتأخر

فلو نظرنا إلى موسم الرطب بالإمارات فسوف نرى أنواعاً وأصنافاً كثيرة منها ما يتسم بالمبكرة بالنضج مثل النغال وتعرف بالمتقدم، ويتبعه الخشكار، ثم اليردي، ثم خصاب أبيض وخصاب أحمر، وهناك أنواع أخرى تسمى بالمتأخر، أي التي تتأخر في النضج ومن أهمها عين بكر والخنيزي والفرض والبرحي والخلاص والذي يعتبر من أجود أنواع الرطب.

ويستذكر بعض كبار السن علاقته بالرطب بالقول، إن رطب أيام زمان كان أفضل، إذ كان له رائحة طيبة تشعر بها عند دخولك المجلس، بينما رطب هذه الأيام فلا رائحة ولا طعم، بل للرطب الشكل فقط. والسبب ببساطة هو في طريقة التسميد والري المتبعة مع النخلة، في الماضي كان المزارع يستعمل السماد الطبيعي أما الآن فيستعمل السماد الكيماوي وهكذا.

وأشار عبيد راشد مزارع، أنه يقوم في كل يوم بجني كميات محدودة من رطب النغال الذي يعتبر من أول أنواع الرطب نضجا، يليه بعد ذلك الخنيزي وذلك بسبب الظروف الجوية وطرق الرعاية لأشجار النخيل التي تختلف من مكان لآخر، وأضاف أن معظم من يشتري تباشير الرطب يقدمونه هدايا قيّمة دليلاً على التحابب والتوادد بين أفراد المجتمع.

وحول السبب في تفاوت نضج الرطب بين عُـمان والإمارات والسعودية، فيعود إلى الاختلاف في ارتفاع درجات الحرارة مع اختلاف الأصناف المزروعة، فبعضها مبكر في النضج، والثاني متوسط النضج، والآخر متأخر بالنضج، وهذا أمر طبيعي، بالإضافة إلى أن المزارعين في عمان يبكرون في التنبيت، بينما في السعودية يتأخر الرطب والتمر.

تخريف الرطب

أهل الإمارات عاشوا على الرطب والتمر على مدار العام، يخرفون الرطب في بداية الموسم للأكل المباشر فقط، أما الباقي فيحولونه إلى تمر يستخدمونه على مدار العام. وكانت الحريم أيام زمان يسرحن في الصباح الباكر لخرف الرطب بعد صلاة الفجر ويجلبنه للبيت، كما أن بعض النخيل كانت تحمل ما بين 12 إلى 18 عذقاً، وكل عذق فيه ما بين 35 إلى 50 شمروخاً، كل شمروخ يحمل ما بين 20 إلى 30 حبة رطب·

أما عن تسويق المزارع للرطب فنرى أنه في بداية الموسم تكون كمية الرطب محدودة جداً ولهذا تذهب معظمها لأصحاب المزرعة والأهل والجيران، ثم هناك بعض الأصناف الخاصة تعرف بالخرايف تنضج مبكراً، حيث تؤكل رطباً فقط مثل يردي، ويواني، وفرض، وخشكار، وريسي، وخدي وعيون بقر ونغال، أما الدباس فيزرع للتخزين على شكل تمر فقط، حيث يؤكل بعد القيظ لموسم الشتاء.

وعن أفضل وقت لخرف النخلة فهو في الصباح الباكر، والغرض من ذلك كي لا تيبس النخلة بعد مدة، أما في حال قمنا بخرف النخلة في وقت الظهيرة فقد نجدها يبست.

كـرم الضيافـة

يفخر المزارع الإماراتي بأن أهم وأجمل مظاهر الاحتفال بقدوم الرطب هو ذلك المظهر الذي ترى فيه فنجان القهوة والدلة ملازمين لأطباق الرطب التي تقدم للضيوف، حيث يعتبر موسم القيظ الذي يمتد لأربعة أشهر هو الموسم الوحيد الذي لا يغيب فيه صحن الرطب عن فوالة الضيوف، بل الكثير منهم يفضلون الرطب والقهوة على الفواكه الأخرى لما للرطب من دلالة خاصة على الحفاوة بالضيف وما يحمله من معاني الاحترام والتقدير له، ولا غرو، فالرطب يعد رمزاً للكرم وخير ممثل لتراث الإمارات·

فرحة التباشير

في حين تستذكر المواطنات المزارعات العادات والتقاليد الجميلة التي ترتبط بموسم قدوم الرطب، إذ كان الأولون يذيعون نبأ تباشير الرطب مباشرة بين أهل الفريج لتعم الفرحة في ربوع المنطقة، وينطلق أصحاب المزارع باتجاه نخلهم لقطف ما نضج منها وتوزيعه على الأهل والجيران والأصحاب، فكل صاحب مزرعة كان وما يزال يتفاخر بما لديه من أجود أنواع الرطب، وهناك عشرات المسميات للرطب منها المبكر مثل الصلاني والبقل وقش الرباب، والمزيني، والخاطرة، وخد الفرس والقرطاسي وقش جعفر وسويدي ومخلدي والنغال.

ومنها المتأخر مثل: الخنيزي، والخصاب، وقش بن زامل، والشاهون، واللولو، وهلالي والجبري.

ولا يقتصر الفـرح بموسم الرطب على المزارعين فقط، بل سرعان ما تنتقل عدواه الجميلة إلى الزائرين أيضاً، فكل من يزور المنطقة وأهلها الكرام خصوصاً في المزارع، لا بد وأن يفرح عندما يرى اللون الأخضر الذي يكسو المزارع، مما يساعد على زيادة المحاصيل وتحقيق موسم زراعي جيد، وهذا ما نجده يرتسم على ملامح المزارعين ووجوههم التي علتها الابتسامة، كما أن المواطنين الذين تعبوا وقدموا للنخلة كل الرعاية والاهتمام بدأوا يحصدون نتاج تعبهم، ويجنون ثمار ما قدمت أيديهم خيراً وفيراً، وفرحاً غامراً لهذه الأرض الطيبة، فما أجمل الحصاد وما أحلى المكافأة، وما أكبر فرحتهم اليوم بقدوم موسم الرطب.

التمر والزكاة

يعمد كثيرون من أصحاب المزارع إلى إخراج الزكاة من التمور، وكان أهل الإمارات قديما يشترون التمر بكميات فيما يعرف بالقلة أو يراب، وهو عبارة عن جراب سعفي يوضع به التمر ثم يوزن ويوزع زكاة الفطر عن كل صائم في البيت، مع بداية شهور القيض.

نخلة التمر.. حكايات في الأمثال

المثل الشعبي يلعب دوراً مميزاً في إبراز القيم الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، فمن خلال تداول المثل فإن العامة يسعون إلى تعميق وترسيخ معاييرهم الأخلاقية، ومن ثم تعميمها بين مواطنيهم. وكل ذلك يتم بالطبع بطريقة عفوية وطوعية تجعل من الأمثال الشعبية جزءاً لا يتجزأ من التراث الحضاري.

وهذه مجموعة من الأمثال الشعبية المتداولة في الخليج العربي عموماً ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، والتي تتعلق بنخلة التمر.

يامنبِّت اليردية عَطْها ثلاث عُلوبْ وتعبية، التمـر واللـبن صحـة وعافية للبدن، أكل منك المار وأكل منك الفار والفريخات الصغار، اللي ما يزرع الدباس ما ياخد بنت الناس، كناقل التمر إلى أوال، كناقل التمر إلى هجر، إن كسرت ليحله شقينا الحصير، إن كنت تاكل التمر غيرك يحسب الطعام، اللي تقصه الخوصه ما يبي سكين، نخل بوعنقه تزيده سماد ايزيدك رماد، الهوى قـلّع نخيل كيف ما يقلعني أني، واشين السعف على اليمل، الطول طول انخله والعقل عقل اصخله، التمر بالخص والعيش بالقص والماي بالمص، بسر في منسف بوزك مهب بوز الأمثل، التمره ما يجور عليها اللواحيس، مثل النخلة عطها تعطيك، راعي النخل راضي والبيدار شو يخصه، من كل بيت سحه وملاس ولا العازه للناس، فلان عسو سكه، عقب ما همدت ردت حبمبو، سنتين ترقع بسمه كلها خوص بخوص، إذا طلع سهيل تلمس التمر بالليل، اللي ما عنده دباس ما يأخذ بنت الناس، مريسة رطب الشيص في الغبه حلو.

 

محاضر ليوا.. الفزعة لتوفير مزارع جديدة

تستضيف المنطقة الغربية في شهر يوليو من كل عام مهرجان مزاينة الرطب لاختيار أجود أنواعها، وهذا يدل على اهتمام أبناء المنطقة بزراعة النخيل والعناية بها وبثمارها، وفي محاضر ليوا تعتمد مزارع النخيل على الري من الآبار وهذا يكون في بداية عمرها وبعد أن يكتمل نموها فإنها لا تروى بل تعتمد على نفسها في الاستفادة من المياه الجوفية ذات المستوى المرتفع، حيث يتراوح عمقها ما بين 3 - 5 أمتار وقد يصل إلى 10 أمتار.

وفي بعض الأحيان وعند الرغبة في إنشاء مزرعة جديدة في محاضر ليوا فإنه عادة ما يتم هذا العمل جماعيا ويعرف بالفزعة، حيث يتعاون عدد من السكان على حفر البئر وتبدأ عملية الحفر بصب الماء على المكان المراد حفر البئر فيه قبل عملية الحفر بيومين لكي لا تتهدل (تتردم) البئر عند حفرها، وعادة ما يكون موسم الزراعة بعد ظهور سهيل.

وبعد انتهاء موسم الرطب الذي يستمر لغاية شهر سبتمبر من كل عام، يتواصل الفرح بعطاء النخلة من التمور، حيث يتم تسويقها إلى جهات الاختصاص المعنية مما يجعل المزارعين على تواصل تام مع خيرات هذه الشجرة المباركة، فهي الشجرة الوحيدة التي يدوم عطاؤها طوال أيام السنة.

اشتهرت محاضر ليوا ومنذ زمن طويل بجودة التمور، وأشهرها الدباس، بالإضافة إلى أنواع أخرى من الرطب مثل: الخلاص، والدباس، والبرحي، والزاملي، والشبيبي، واليواني، والخدي، والجفري، والحمري، والخشكار، والخضراوي، والثويري.

Email