اللغة والقانون

النفاذ والنفاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة فرق شاسع بين مفردتي النفاذ والنفاد، من حيث المعنى، ولعله لا يخفى اللبس الحاصل في استخدام الكلمتين، ولا سيما في اللغة القانونية، وبشكل أكثر دقة في لغة التشريع والأحكام والمحاكم، لذلك اخترنا الحديث عن الفرق بينهما في هذا المقال، عسى أن يكون إضاءة مفيدة ونافعة على لغة القانون.

قرأتُ قبل أيام تعريفاً للحكم البات أنه «الحكم الذي استنفذ طرق الطعن العادية»، وقد جاءت كلمة «استنفذ» للدلالة على أنه قد تم استخدام جميع طرق الطعن، وهذا خطأ جلي، إذ إن النفاذ يعني الاجتياز والخروج والاختراق والمرور والوصول، ولكنه لا يأتي البتة بمعنى الانتهاء والفناء.

ومن الواضح وفق السياق أنهم قصدوا «النفاد» الذي يعني الانقضاء والانتهاء والفناء حسبما جاء في معاجم اللغة، وطبقاً لدلالات الألفاظ الواردة في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: «قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا» الكهف (109)، فقد وردت كلمة «نفد» في موضعين من الآية نفسها، بمعنى واحد وهو الفناء والانتهاء والانقضاء، وهذا ما كان يجب استخدامه في تعريف الحكم البات.

أما النفاذ فهو الاختراق والخروج، كما أسلفنا، وكما ورد في المعاجم والتفاسير، وقد جاء لفظ «النفاذ» في القرآن الكريم بهذا المعنى في قوله عز وجل: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ» الرحمن (33)، فقد وردت كلمة «النفاذ»، بصيغتي المضارع والأمر، في هذه الآية بمعنى الخروج والاختراق، في سياق التحدي والإعجاز.

وقد استخدمت كلمة «النفاذ» في التشريعات للدلالة على السريان، وهذا استخدام صحيح، فهو يتوافق مع المعنى المراد وهو دخول القانون أو المرسوم أو القرار طور التطبيق والتنفيذ.

رئيس قسم البحوث والإصدارات في اللجنة العليا للتشريعات

 

Email