الطفلة أمّاً.. بدون زواج

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل الرجل مصفر الوجه إلى مكتب وكيل نيابة الأسرة وتكاد قدماه لا تحملانه، فطلب منه وكيل النيابة أن يجلس، وما إن فعل حتى قال بصوت يكاد لا يسمع «ابنتي تلد»، فلما نظر إليه وكيل النيابة باستغراب، استطرد الرجل «هي مجرد طفلة لم تتجاوز الخامسة عشرة بعد»، كان الرجل يتحدث وكأنه يخاطب نفسه.

قال إنه كان يضحك عندما يدعو له الناس بأن يراها عروساً، ويرى أبناءها، كان يجد أن هذا الدعاء سابق لأوانه، كانت مجرد طفلة، وهو لا يزال يراها بعين الحلم تكمل دراستها وتكون شخصيتها لتدخل بيت الزوجية باستحقاق وتربي أبناءها بالعلم والخلق، قال إنه لم يفكر يوماً في أن يراها الآن أماً، وأيضاً بدون زواج.

علامات

وافق وكيل النيابة على تسجيل البلاغ، وبالتحقيق قال الأب المكلوم إن صغيرته كانت قد انغلقت على نفسها في الأشهر الأخيرة، وأصبحت لا تجالس أسرتها، فكان لا يراها إلا نادراً، وإذا دخل عليها غرفتها ليحادثها، كانت تقتضب في الإجابة، ولا تنظر في عيني والدها وكأنها تريد أن تنهي الحديث بسرعة.

اعتقد أن الأمر طبيعي، فالفتاة بدأت تدخل مرحلة جديدة في حياتها، وأصبحت شابة لها حياة خاصة، وهذه هي حياة المراهقة التي سمع عنها كما اعتقد.

قال الأب إن أسرته محافظة على العادات والتقاليد متمسكة بدينها، وقد اختار لأبنائه أماً فاضلة من عائلة محترمة، وأحاط وزوجته أبناءهما بالحب المفرط، كانا يحلمان بأن تكتمل سعادتهما عندما يتممان رسالتهما مع أبنائهما ويخرجانهم للحياة رجال ونساء فضلاء متعلمين ونافعين لأنفسهم ومجتمعهم.

كان يصمت ويفكر بصوت مرتفع بأنه لا يعرف أين بدأت المشكلة، وكيف دخل الخراب لحياة ابنته في غفلة عنه، أين ومتى حدث ذلك، قال إن ابنته لم تردَّ على تساؤلاته، وكانت تجيبه فقط بالدموع الصامتة. قال ذلك دموعه بالانهمار من عينيه، فواساه وكيل النيابة بأن المشكلة في هذا الزمان أننا لسنا وحدنا من نربي أبناءنا، وأن شركاءنا في هذه التربية كثيرون وللأسف لا يمكننا أن نعرف كيف يؤثرون على أبنائنا.

بداية القصة

وفي مستشفى الولادة التقت الأخصائية الاجتماعية في نيابة الأسرة في أبوظبي بالأم الصغيرة، واستطاعت إقناعها بالحديث، فقالت الفتاة إنها وخلال وجودها مع صديقاتها في المركز التجاري حيث اعتادت أن تذهب برفقتهن أسبوعياً، التقت بشاب يكبرها بنحو ثماني سنوات، في البداية كانت تحادثه عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي.

ثم وافقت على لقائه في مكان عام، وبعد ذلك أقنعها بأن وجودهما معاً في مكان عام يشكل خطراً عليها، فربما يراها أحد أقاربها وتعلم أسرتها بعلاقتهما مما سيتسبب لها بمشكلة كبيرة، ولأنها تعلقت به فقد وافقت على لقائه في غرفة حجزها بأحد الفنادق، وتعددت لقاءاتهما حيث استغل صغر سنها واستدرجها إلى علاقة محرمة دامت أكثر من أربعة أشهر، ولم تنته العلاقة إلا عندما أخبرته أنها حامل، وكان حملها قد تجاوز الشهرين.

نكوص

ما إن علم الشاب بأمر الحمل حتى اختفى من حياة الفتاة الصغيرة، وأغلق هاتفه فلم تستطع التواصل معه، وفي أثناء ذلك كان بطنها ينتفخ دون أن تعرف كيفية التصرف، ولم يكن أمامها سوى تجنب أسرتها، والبقاء في غرفتها طوال الوقت وارتداء الملابس الواسعة، وساعدتها نحالة جسدها على أن لا يكون لها بطن شديد البروز، كما ساعدها بداية الإجازة الصيفية بأن تبقى منعزلة في غرفتها وأن لا تخرج من المنزل.

وفي يوم الواقعة شعرت بآلام لم تتوقعها كونها دخلت للتو في الشهر السابع من الحمل، حاولت في البداية تحمل الألم في صمت ولكنها لم تستطع، وعلا صراخها ليأتي والداها ويأخذها إلى المستشفى حيث اكتشفا أنها في حالة وضع. كانت الفتاة تتحدث ودموعها تسبقها وهي تنظر بحسرة نحو الطفلة الممدة إلى جوارها، ثم تنظر برجاء إلى الأخصائية الاجتماعية علها تجد عندها حل لمصيبتها.

في قبضة العدالة

أما الشاب فلم تكن هناك صعوبة في الاستدلال على مكانه والقبض عليه، ولكنه أنكر في التحقيقات علاقته بالفتاة، وقال إنه فعلاً تعرف عليها في المركز التجاري، ولكنه لم يخرج معها لوحدهما، ورغم مواجهته بالمحادثات التي كانا يجريانها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا أنه أصر على الإنكار.

مما اضطر النيابة إلى إصدار قرار بعمل فحص الحمض النووي للطفلة والمتهم، وقد أكدت النتيجة أنه هو والد الفتاة، ولكنه بقي معانداً ومصراً على إنكار أبوَّته للطفلة وعلاقته بأمها، خوفاً من توجيه تهمة الاغتصاب له كون الفتاة قاصراً عند ارتكاب الجريمة.

وفي محكمة الجنايات أدين الشاب والفتاة بتهمة الزنا كونها بالغة شرعاً، وحكم عليهما تعزيرياً بالسجن سنة للشاب، وإيداع الفتاة وطفلتها في مركز رعاية الفتيات، حيث لاتزال هناك لا تعرف ما سيحل بها وبطفلتها بعد أن تنتهي عقوبتها ويفرج عنها.

تخصِّص «البيان» مواضيع مجتمعية عبر حكايا وقصص تُستخلص منها العبر والدروس.. تحدث في مجتمعنا في قوالب فيها كثير من المشاعر المستعرة بنار الألم تارة واليأس أخرى، تحاول هذه النافذة أن تنير سراجاً في دروب الحائرين.. تابعوا هذه المواضيع كلَّ أحد بالتعاون مع دائرة القضاء في أبوظبي

Email