بعد أن تقلصت دورة الخبر من 24 ساعة إلى 24 ثانية

الصحافة الورقية تواجه تحديات مصيرية وفي يدها مفتاح البقاء

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد العالم في عصرنا الحالي ثورة معلومات وابتكارات كبيرة، تقودها التكنولوجيا، مشكلة بذلك إحدى أهم مراحل التطور في تاريخ البشرية، التي كان من أبرز إفرازاتها التغيرات أو المستجدات التي طرأت على الصناعة الإعلامية، وأنماط استهلاك وتداول تلك المعلومات، وطريقة إنتاجها، وتوزيعها، ونشرها.

ونتيجة لهذه الثورة التي أصابت كبد الصناعة الإعلامية، ظهر ما بات يعرف بالإعلام الرقمي، أو «الجديد»، الذي دخل مضمار المنافسة مع وسائل الإعلام التقليدية بقوة، وصار ينافسها بضراوة، ويشكل تهديداً لمستقبلها، وجمهورها، وقدرتها على البقاء، مستثمراً تغلغل حياة الناس في التكنولوجيا، واعتمادهم عليها بشكل كلي أو جزئي، بما في ذلك طريقة حصولهم على الأخبار والحقائق والمعلومات.

في الاستطلاع التالي، نستجلي آراء عدد من الإعلاميين والخبراء في هذا القطاع، ونسألهم عن مدى قدرة الصحافة الورقية أو التقليدية على الثبات في منازلة الإعلام الجديد، والتكيف معه، ومجاراته بـ«أقل الأضرار»، وكذا قدرتها على الحفاظ على مكانتها، وهويتها وجمهورها، والمطلوب منها لتمديد عمرها، وضمان استمراريتها خلال الحقبة المقبلة.

اطمئنان على المستقبل

إبراهيم العابد مدير عام المجلس الوطني للإعلام، ليس قلقاً البتة على مستقبل ومصير صحافة الورق، ويرى أنها باقية ما بقيت «المهنة»، وأخلاقياتها وجمهورها، ورغبته في اختيار الوسيلة الإعلامية المناسبة للوصول إلى المعلومة الصحيحة، والدقيقة، التي تشبع فضوله ونهمه في معرفة الحقيقة.

وعلى الرغم من الثورة التكنولوجية التي ألقت بظلالها على وسائل الإعلام التقليدية، وسرقت حصة من نصيب قراء الصحف، وتعد العدة لاستقطاب النسبة المتبقية من هؤلاء القراء، إلا أن العابد لا يكترث بهذا «المد الرقمي»، ويثق عميق الثقة، بأن للصحافة الورقية قيمتها، ومكانتها، في نفوس القراء، وأنها ستبقى اختيار ومرجع النخبة والمثقفين والغيورين على الحقيقة والموضوعية والمعلومة الصحيحة، والباحثين عن التحليل، ومعرفة ما وراء الخبر.

مكانة ثابتة

ليس وحده العابد في خندق الدفاع عن مصير الصحافة التقليدية، وأهميتها، ومكانتها، وشعبيتها بين القراء، فمروان برجاس مساعد رئيس التحرير في صحيفة الرؤية، يشبه علاقة الإنسان بالصحيفة، كعلاقته بالأوكسجين، و«هل من غنى للإنسان عن الأوكسجين؟» يتساءل برجاس الذي قال: لا ننكر أن ثورة التكنولوجيا أحدثت تغييرا شاملا في كل شؤون حياتنا، بما في ذلك الإعلام ووسائطه، لكن هذا التغيير أو التأثير، لن ينال من مكانة وكيان وشخصية وهوية وجمهور الصحف.

«الصحافة الورقية لها أناسها، وقراؤها، ومريدوها، وستبقى قائمة، فارضة هيبتها، واحترامها»، يضيف برجاس، الذي يرى أن القارئ الذي يقف صباحا على الطريق، أو في محطات البترول، ليشتري صحيفة، أو ذاك الذي اعتاد تحسس ورقها في كل صباح داخل بيته، أو على مكتبه، كلاهما لا يمكنه الاستغناء عنها، حتى لو أصابت التكنولوجيا جل تفاصيل حياته، كما أن الصحيفة ستبقى خير رفيق وصديق لكل شخص يبحث عن المعلومة الصحيحة، «حتى لو وصلت التكنولوجيا إلى مراحل متقدمة من استهداف إلغاء الصحافة الورقية».

في المقابل، «على الصحف أن تواكب لغة العصر، والتطور الحاصل فيه، والتغير الكلي الذي نشأ بفعل التكنولوجيا والتقنية، والحداثة» يقول مساعد رئيس التحرير في جريدة الرؤية، الذي دعا الصحف إلى إجراء تغيير في شكلها، ومضمونها، وأساليب عرض محتوياتها، لتبقى في مسار السباق مع وسال الإعلام الأخري، وتحافظ على إرثها ورصيدها من القراء المحبين لها.

ويسوق برجاس مثالاً على ديمومة الصحف وعدم تأثرها بالتكنولوجيا، وهو أن الكثير من الأعمال الأدبية ولدت على صفحات الكتب، وفشلت عندما ترجمت إلى أفلام سينمائية وتلفزيونية، ولم تنجح في إيصال الفكرة أو المعلومة التي أرادها الكاتب أو المؤلف عندما اختار الورقة وسيلة للوصول الى القارئ بدل «الصفحة الإلكترونية أو الرقمية».

خروج من السباق

سامي الريامي رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم، يرى أن انتهاء عصر الصحافة الورقية، وخروجها من مضمار المنافسة مع وسائل الإعلام الحديثة، سيكون في غضون عقد من الزمن، أو أقل، لا سيما مع تعزيز الإعلام الحديث قوته وسطوته على الساحة الإعلامية، وسحبه البساط من تحت أقدام الصحافة التقليدية، عبر استثمار التكنولوجيا، ووسائط الاتصال الحديثة للوصول الى أكبر شريحة من المجتمع، وخصوصا الشباب الذين أضحى وصولهم الى المعلومة أسهل وأسرع من ذي قبل، ورهن لمسة واحدة على هواتفهم النقالة والأجهزة اللوحية.

ودعّم الريامي رأيه بشأن اندثار الصحافة التقليدية، بأن هذه الصحافة تتعرض لطوفان من التحديات من لدن وسائل الإعلام الجديدة التي ما برحت تفرض نفسها بقوة في زمننا الحاضر، وتحكم السيطرة على كل الطرق المؤدية الى المعلومة، سواء عبر الهواتف الذكية، أو الأجهزة اللوحية والحواسيب المربوطة بأحبال الشبكة العنكبوتية، مستغلة بذلك تحيز الأجيال الجديدة لها، بموجب امتلاكها تلك الأجهزة، مقابل عدم امتلاك الوقت للبحث عن الخبر أو الحقيقة، إلى جانب أن بقاء تداول الأخبار والمعلومات على الورق يصطدم بالجهود الدولية للحفاظ على البيئة، من كل ما يلوثها ويشوه منظرها، ويؤثر على جمالها ونقائها.

وقال بالرغم من أن الإحصائيات الخاصة برصد نسب توزيع الصحف في العالم، تشير إلى ارتفاع فيها في دول آسيا والشرق الأوسط، إلا أن ذلك لا يعطينا مساحة كافية للاطمئنان على مصير الصحافة الورقية، ولا يمنحنا الحق في التوقف عن البحث عن التطوير، والتغيير، لمواكبة عصر التحول الرقمي الذي بات أمرا واقعا الآن، ويشكل تهديدا وتحديا للصحافة الورقية التي باتت مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى، لتغيير ثوبها، وارتداء آخر بمقاس الجيلين الحالي والمقبل اللذين أمست التكنولوجيا جزءا أصيلا من حياتهم، بعدما تحول كل شيء من حولنا الى منتج ذكي مربوط بقوة بالإنترنت والأجهزة الذكية.

وأضاف رئيس تحرير الإمارات اليوم، إن استثمار وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية في نشر الأخبار، يعطينا فرصة اكبر للوصول الى أكبر عدد ممكن من القراء لم نكن لنبلغهم من خلال وسائل الإعلام التقليدية، لا سيما فئة الشباب التي زاد ولوجها الى المواقع الاخبارية بحكم سهولة الوصول إليها بلمسة اصبع واحدة.

محاولات يائسة

وفي الوقت الذي بدا فيه الريامي أكثر تعاطفا وإشفاقا على الصحافة التقليدية لجهة العمر المتبقي من حياتها وهو 10 سنوات، فإن الإعلامي علي جابر يبدو أكثر قساوة عليها، إذ يرى أن الصحافة الورقية ستموت، وستخرج من السباق، بعد أقل من هذه المدة، وأن الدفاع عن استمرارية بقائها في ظل المنافسة التي تلقاها من وسائل الإعلام الحديثة، مسألة عاطفية، لا تجدي نفعا مع الحقيقة، ورغبة الجمهور.

وقال إن أية تغييرات، على شكل ومحتوى الصحيفة، هي محاولات يائسة لتجديد عمرها، مؤكدا أن التطوير يجب أن يواكب الواقع، ومتطلبات العصر الرقمي، الذي قال إنه يعطي آفاقا أرحب للصحافيين ليحيطوا بجوانب الأخبار وما وراءها، وعرضها بطريقة مفصلة لا تتقيد بمساحة معينة على صفحات الصحيفة.

واختتم جابر أن موت الصحف لا يعني موت الخبر أو المعلومة أو الحقيقة، وبالتالي فإن المطلوب من الإعلام التقليدي اليوم، البحث عن طريقة أخرى للوصول إلى جمهوره غير الورق، من خلال الهواتف الذكية، والأجهزة اللوحية، والمواقع الإلكترونية، والمقاطع المسجلة، لأن دورة الـ24 ساعة للخبر أضحت 24 ثانية في ظل عصر السرعة الذي نعيشه.

صحيفة البيان

قال إبراهيم العابد إنه ليس ثمة خوف على الصحافة المكتوبة؛ وليس أدل على ذلك من صحيفة «البيان» التي استطاعت مجاراة التكنولوجيا ووسائل الإعلام الجديدة، وطورت محتواها على الموقع الإلكتروني والهواتف الذكية، لتضمن بقاءها ومنافستها.

حسن الخاتمة

أشار سامي الريامي إلى أن التحدي الأكبر أمام الإعلام الورقي أو التقليدي، هو استعداده لتسليم «السلطة الرابعة» إلى وسائل الإعلام الحديثة، والاقتناع بفكرة أن ما كان صالحاً للعمل الصحفي بالأمس لن يكون بالضرورة ناجعاً اليوم أو الغد، وهذا لا يمنعها من أخذ خطوات جادة، قد تزيد عمرها الافتراضي، ويضمن ثباتها، ويحسن خاتمتها، مثل مجاراة التكنولوجيا، وتوظيف التقنية لخدمتها، وخدمة القارئ، وتطوير المحتوى، وتغيير طريقة معالجة الخبر.

منافسة محتدمة في حلبة البقاء للأسرع

 

في ظل المنافسة المحتدمة بين الإعلام التقليدي والحديث، تحاول الوسائل التقليدية جاهدة مواكبة التكنولوجيا في منافسة عنوانها «البقاء للأسرع»، وبالرغم من أن كثيراً من وسائل الإعلام تسلحت تقنياً بمزايا وخصائص لنشر الأخبار بأقصى سرعة، إلا أن المنافسة تبدو قوية. وللإلمام ببعض ملامح هذه المنافسة استطلعت «البيان» آراء مجموعة من الشباب.

عمر الحميري طالب جامعي قال إن مصدره الأول للأخبار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، بسبب القدرة على الحصول على المعلومة بسرعة، فضلاً عن اختصار الوسائل الحديثة للوقت المستغرق سابقاً في تصفح وسائل الإعلام التقليدية.

وأشار محمد ياسين موظف، إلى أنه يتجه للحصول على المعلومة من مصادر موثوقة مثل شبكات الأخبار المعروفة عبر الإنترنت، كونها تتمتع بدرجة عالية من المصداقية والشفافية، وقد نافست هذه المصادر الصحف التقليدية، نظراً لاختصارها للمعلومات واختيارها الأخبار الهامة.

وقــال متعــب الناصــري طالــب جامعــي إن الإعــلام الرقمــي أو الحديـــث، بــدا أكثر قــوة وحضــوراً، بســبب خصــائصه وامتــيازاته الكثــيرة التــي وفرهــا للقــراء، مــثل ازدواج الخبــر بالصــور والفيديــو، مــــما ساعــد علــى نقــل تفاصــيل الحــدث بدقــة أعلــى مــن الســابق، لكــن فــي الوقت نفسه، لا يمكن إغفال دور الصحافة أو وسائل الإعلام الأخرى.

وقال بدر الكعبي موظف، إن وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة نافست الإعلام التقليدي بشراسة، وتمكنت من انتزاع الصدارة في سرعة وصول الخبر للجمهور، لذلك يفضلها الكثير ويعدونها المصدر الأول للمعلومة.

ورأى محمــد المزروعــي موظــف ان الإعلــام التقلـــيدي لــم يــرضَ أن يكــون مصــدراً ثانويــاً للأخـــبار والأحـــداث، بــل طــور إمكاناته وواكب الثورة التقنية، فأصحبت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها متاحة عبر التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.

أمــا محمــد الأشخــري موظــف فقال إن هناك العديد من البرامج والمواقع التي تبث الأخبار والأحدث بصورة فورية، وبفعل كثافة أعدادها وتقليدها وروتين أخبارها، فقد قلت الثقة بها.

Email