تروي التاريخ والحاضر والمستقبل

العين.. واحة تراثية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر مدينة العين المتكئة في أحضان جبل حفيت، والغافية على أطلال هيلي والحالمة وسط واحة النخيل، تحرسها قلاع وحصون، وترويها أفلاج عذبة الماء، واحدة من أهم المدن الحضرية ذات الرؤية المستقبلية الطموحة، ليس بسبب ما تحفل به من مبان برجية متطاولة أو مستعرضة، من أسمنت وحديد أو حدائق مزينة بالألوان وترقص نوافيرها على أنغام الموسيقى، بل كونها مدينة الحضارة الضاربة في القدم، بيوتها وأبراجها من تراب وطين جبلت من أرضها ومائها، تعكس قدرة الإنسان على البناء والنماء وترسم حضارة زاهرة مزدهر، عاشت آلاف السنين، انتقلت عبر الآباء والأجداد، لتصل إلى أيادي الأبناء الذين بات عليهم إعادة نفض الغبار عن ذاك التاريخ وإعادة تكوينه ليكون صورة مشرقة ستمتد من ماضيها صورة حاضرها ومستقبلها.

يقول العلماء الأثريون، أينما وجدت المياه وجدت الحياة، وأينما وجدت الآثار وجد التاريخ والحاضر والمستقبل، فالآثار هي بدايات التشكل الحضاري ودلالات وقيم ومعان كانت تمتلكها الشعوب صاحبة تلك الآثار، والتي تشكل بدورها منهلاً ومرجعاً تاريخياً تبني عليه الشعوب والأمم حاضرها وتنبني صورة مستقبلها، فالحفاظ على الآثار هو صون للتاريخ الذي يكشف دور الآباء والأجداد، وهي مرجع للأبناء كي يرسم صورة الحاضر والمستقبل.

رعاية واهتمام

ومن هذا المنطلق وفي كل عام تحتفل منظمة اليونسكو في الثامن عشر من أبريل بيوم المواقع التاريخية، ما يتيح الفرصة لزيادة الوعي بالتنوع التراثي الدولي، وما تبذله الدول والمجتمعات من جهود للحفاظ على تراثها ومورثها الشعبي، وكانت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث قد أولت اهتماماً كبيراً للاستفادة من هذه المناسبة من خلال تسليط الضوء على المواقع الأثرية وعلى الكيفية التي شكل فيها الماء ثقافة واحة هيلي في مدينة العين وسمح لحضارتها أن تزدهر لآلاف السنين، وأثره في الموارد التراثية اليوم، وبفضل نظام ضخم ومعقد لإدارة المياه توسعت الرقعة الزراعية كثيراً، وزاد عدد السكان على نحو مطرد، وتطورت المبادلات التجارية لفائض المحصول، ما حوّل مدينة العين إلى نقطة تقاطع رئيسية على الطرق التجارية بين الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين ووادي السند.

قلاع وحصون

وتقع واحة هيلي شمال شرق مركز مدينة العين، وتبدأ حدودها من برج بن رايح الدرمكي (برج رميلة) على شارع محمد بن خليفة، بين شارعي بني ياس والآثار، حيث مازالت المباني الطينية التاريخية كأبراج هيلي للمراقبة، وبيوت بن هادي وبن هضيبة وبن رحمة الدرمكي والقلاع والمسجد، وفي الطريق يمكن للزوار أن يتمتعوا بحدائق النخيل الكثيفة وبراعة نظام الفلج الموروث المائي للري.

واحة هيلي

تقع على بعد نحو كيلومتر جنوب غرب حديقة آثار هيلي، وتعد هيلي ثاني أكبر الواحات في العين وتغطي مساحة 62 هكتاراً. وتشير الأدلة الأثرية إلى أن منطقة هيلي سكنت وزرعت منذ العصر الحديدي (1200 سنة قبل الميلاد). ولا تنمو أشجار النخيل فيها فحسب بل تزرع فيها الخضراوات والفواكه والحبوب كذلك. وشكلت الواحة ونظام الفلج للري فيها أهمية بالغة للعائلات التي عاشت فيها إلى حد أنهم بنوا برجين دفاعيين لحمايتها. كما بقي عدد من المباني الطينية التاريخية حتى اليوم في الواحة.

برج رميلة

ينتصب هذا البرج المستدير الكبير على المدخل الشرقي لواحة هيلي. ورغم الجدران التي تحيط به، يمكن رؤية البرج من مسافة بعيدة ضمن الواحة، ما يعكس أهمية موقعه الفريد في حماية مدخل الواحة من أي هجوم في الماضي.

بيت حمد بن هادي الدرمكي

يعد بيت حمد بن هادي الدرمكي نموذجاً جيداً للبيوت الحصينة التي حرست الواحة، وسوره ذو شكل مستطيل معتاد مع برج كبير مربع في إحدى زواياه. ويرجع التاريخ الشفوي المنقول لبناء هذا البيت إلى الجيل الذي سبق وصول عائلة الشيخ زايد الأول إلى العين، أي نحو عام 1820م.

وأجرت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عمليات ترميم وصيانة بإشراف إدارة الصون والبيئة التاريخية على مرحلتين عام 2007 و2010 بهدف تقوية البناء وصيانة السطوح التاريخية دون تغيير جذري على المظهر الأثري للهيكل، وهدفت عمليات الصيانة إلى أن تشكل مشروعاً نموذجياً لصيانة المباني الطينية التاريخية في إمارة أبوظبي.

بيت حميد بن هضيبة الدرمكي

يمكن الوصول إلى قلعة حميد بن هضيبة الدرمكي عبر مزرعة بن هضيبة الدرمكي. وتتخذ القلعة شكلاً مضلعاً مع اتصال بعض أجزائها بالبناء. ويقع البيت في جهتها الشمالية ويعود بناؤه إلى نحو 260 عاماً مضت.

وخضع البناءان منذ أكتوبر 2008 إلى مارس 2009 لعمليات صيانة طارئة، وتم تثبيت أجزاء القلعة التي تأثرت بالحفريات الأثرية وتدعيم جدرانها الفاصلة.

قلعة جمعة بن رحمة الدرمكي ومسجده

تقع قلعة جمعة بن رحمة الدرمكي في موقع استراتيجي لحماية السكان والواحة، ما أتاح لها أن تؤدي دوراً عسكرياً بارزاً، بالإضافة إلى دورها الاقتصادي والاجتماعي، ويعتقد أن القلعة بنيت في القرن الثامن عشر، وبناء المسجد التاريخي صغير من حيث الحجم ويضم فناء صغيراً وغرفة للصلاة. ويحده الآن من جهة الشمال مسجد حديث.

أبراج المراقبة في هيلي

ينتصب في المدخل الشمالي للواحة برجان حصينان. ويشكل الحصنان اللذان يفصل بينهما 56 متراً، بوابة حامية لهيلي ومواردها المائية الحيوية، ويشير موقعهما الاستراتيجي إلى أهمية دورهما في الصراع الذي وقع في الخمسينات من القرن الماضي في ما عرف باسم «هجوم هيلي». تم ترميم البرجين باستخدام مواد محلية كالطوب الطيني وجذوع النخل والسعف.

برج الشيخ زايد بن سلــــطان آل نهيان

ينتصب البرج على قمة تلة اصطناعية، ويتمتع بالملامح الدفاعية التقليدية لـ«المربعة» أو أبراج الدفاع المربعة، ولا يحتوي الطابق الأرضي على أية نوافذ بل يتضمن سلماً خشبياً يقود إلى الأسوار الحربية التي كان الحرس يقفون عليها لمراقبة المنطقة المحيطة. واستعمل هذا المبنى من قبل ممثل الحاكم الذي كان مكلفاً بالفصل بين النزاعات العشائرية، كما كان يعلم أبناءهم القراءة والكتابة ويلقنهم مبادئ الإسلام.

برج خليفة بن نهيان الدرمكي

يعرف برج المراقبة الدائري البالغ قطره 7.4 أمتار باسم «سيبة خليفة بن نهيان»، ويهيمن على تلة أخرى بارتفاع وقطر مشابهين. ومثلما فعلت «مربعة» الشيخ زايد، حمى البرج مدخل القرية ومواردها المائية الحيوية.

شرايين الحياة

 

وفي منطقة تندر فيها المياه، شكلت حماية المياه وحراسة منابعها مسألة حياة أو موت، ويقول محمد خلف المزروعي، مستشار الثقافة والتراث في ديوان سمو ولي عهد أبوظبي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث: «إن ثقافة الماء، إدارته وحمايته، كانت عاملاً أساسياً في تشكيل ثقافة إمارة أبوظبي التي توفر لها الواحات رصيداً تراثياً مهماً، ولم تكن هذه الواحات مهمة لقيمتها البيئية فحسب، ولكن للقيمة الثقافية المهمة التي تحملها كذلك، والتي ترتبط بنمط معيشة بقي حياً حتى اليوم، إذ بُني المعمار التاريخي الذي نشأ في هذه الواحات بهدف حماية مصادر المياه والسكان ومنتجاتهم.

Email