سكان الجبال.. حياة حضرية تلونها موروثات الماضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت انحناءات الشارع تقاوم قساوة الجبال لكنها لم تكن بتلك الصعوبة التي كانت من قبل حينما كان المارون يلجأون سابقاً إلى المشي على الأقدام أو ركوب الحمير للتغلب على وعورة الطريق ومشاق السفر في مثل هذه الدروب ويسلكون طرقاً تأخذهم بعيداً عن وجهتهم في أحيان كثيرة.

من شاطئ رأس الخيمة صعوداً حتى مناطق رؤوس الجبال مروراً بمناطق سهوات وحلحل ولمتان ولبغام ووسدين والخب حتى الوصول إلى منطقة بروت كانت صورة الإنسان الإماراتي تتجلى في أصالة التقاليد العريقة، حيث الترحيب الحار من أهالي القرى الواقعة على ممر الوادي ولا يفلت الزائر من جودهم إلا بشق الأنفس.

شريحة اساسية

المنطقة شديدة الوعورة ومع ذلك تنتشر أشجار الموز والتين الخضراء بعضها أشجار معمرة تتوغل في عمق التاريخ كما تتوغل جذورها في بطون الجبال الصلدة الموجودة في المنطقة والتي أشهرها جبال شص وديمة وبروت وفديوت والخب والشرية وسهوات وحلحل ومقاشير.

يشكل أهل الجبال في دولة الإمارات العربية المتحدة شريحة رئيسية من سكانها ولكن حياة أهل الجبال رغم احتفاظها بالكثير من التقاليد والعادات القديمة لم تعد كما كانت في الماضي.

فالثروة النفطية التي تدفقت على البلاد منذ ستينيات القرن الماضي كان لها أثر كبير في تحضير سكان الجبال في الإمارات وإحداث تغييرات جوهرية في نمط حياتهم.

وشكلت بداية السبعينيات من القرن الماضي حين قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بتوحيد الدولة نقطة انعطاف كبيرة في حياة أهل الجبال نحو التطور الكبير الذي تشهده المناطق الجبلية حالياً.

وهذا ما يذكره المواطن سالم سعيد الشحي، وهو أحد أبناء المناطق الجبلية بروت وفي العقد السادس من عمره، يوم سمعنا بخبر رئاسة الشيخ زايد للاتحاد أخذ كل واحد منا يمسك غترته ويفرها يرميها عالياً فرحاً بالاتحاد ونال الناس خيراً كثيراً.

وأوضح أنه عندما أمر لنا المغفور له الشيخ زايد بمساعدة الشؤون طلبوا منا تسجيل أسمائنا ولكن عندما عرف جيل الشباب أن المساعدة سوف تقتصر على الشواب كبار السن لذا قام بعض الشباب بطلاء لحاهم بالدقيق الأبيض وذهبوا لتسجيل أسمائهم على أنهم من ضمن فئة الشواب.

وأضاف عشنا عيشة ضنكا كلها تعب وشقاء ولكن الأحوال في هذه المنطقة الآن تغيرت وتبدلت إلى الأحسن ولم يعد جيل الشباب يعرف بمعاناتنا الكبيرة سابقا لأنها أصبحت من التاريخ .

وقال الشحي يسكن المناطق الجبلية أعداد قليلة من المواطنين في قرى متناثرة على قمم الجبال وفي مناطق تصل وعورتها وخطورة الطرق الموصلة إليها درجة لا يمكن تخيلها أو حتى وصفها وقد تتكون إحدى القرى من بيت واحد فقط ومعظم القرى تتكون من بيتين أو ثلاثة أو أربعة، سكانها متمسكون بالبقاء في أراضيهم وعدم مغادرتها لأسباب عديدة أحدها تعلقهم بأرضهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم رغم أن أعداداً كبيرة من شبابهم انتقلت للمدن وسكنت هناك واستقرت بعد أن حصلوا على وظائف في التعليم أو العسكرية أو غيرها في مدن الدولة المختلفة ويأتون في زيارات أسبوعية لأهاليهم وفي حالات الأفراح والأتراح.

وأضاف الكهرباء متوفرة في كل منزل تقريباً وهذا بحد ذاته إنجاز يشكر ويحمد عليه أهالي هذه المناطق الله سبحانه وتعالى أولًا ثم الحكومة الرشيدة، ومدارس البنين والبنات موجودة في كل مكان بعد ان كانت أحلام فتياتهم وطموحاتهن تتوقف عند المرحلة الابتدائية في أماكن كثيرة وعند المرحلة المتوسطة في كل الأماكن لسبب واحد لا غير هو صعوبة الطرق ووعورتها.

وعن الطريق الذي يصل لهذه المنطقة قال في الحقيقة لم يكن أحد يتوقع أن يصل الطريق المعبد إلى هذه القرية بسبب وجودها بين سلسلة من الجبال العالية الوعرة ولكن بفضل جهود الحكومة الرشيدة بدأ شق الطريق في عام 2000 بمسافة 15 كيلومتراً تقريبا بدءاً من مصنع الاسمنت وحتى هذه المنطقة وقد استغرق شق الطريق فترة طويلة بسبب صعوبة تضاريس المنطقة وبدأنا في استخدامه منذ عشر سنوات.

أهمية العمل

وأضاف اشتهرت المناطق الجبلية منذ القدم بكرم وطيبة أهلها وبقوة التواصل والتراحم فيما بينهم ومع جميع أهالي المناطق المجاورة وعرف عن أهالي المنطقة قوة العلاقات والروابط الاجتماعية القائمة على مبدأ المساعدة والتعاون والتراحم والمحبة وعاشوا جميعاً حياة بسيطة في مساكن متواضعة قائمة على العادات والقيم العربية الأصيلة.

وأوضح أن الأهالي أدركوا أهمية العمل والسعي طلباً للرزق وكسب لقمة العيش الكريم وذلك عبر القيام بجميع الأعمال المتاحة في ذلك الزمن سواء أعمال الزراعة أو جمع الحطب من الجبال العالية في المنطقة والمناطق المجاورة أو تربية المواشي ولا يزال هناك العديد من أهالي المنطقة يمارسون هذه الأعمال والمهن.

وقال ، كانت الأرض خصبة والوادي يأتينا بالماء الذي يكفينا على مدار العام ويزيد عن حاجتنا وأشجار التين والموز تملأ المكان وكنا نجد العسل الجبلي بكثرة، فالناس يعيشون حياة بسيطة بين الجبال ويأكلون ما ينتجونه أو يجنونه بأيديهم، وكانت الأرض كريمة معهم فالخضرة في كل مكان وتعيش عليها الأرانب والظباء والوعول. وأكد الشحي أن التطور الذي حدث بالمنطقة لم يمنع تمسك الأهالي بعاداتهم الأصيلة إذ لا يزالون يحافظون على ما بينهم من صلات وتعاضدهم في كل الأوقات . وأضاف يوم أمس كان عندنا في المنطقة عرس حفل زفاف اصطف الشبان وهم يهزجون ويرزفون على وقع آلات موسيقية تقليدية من قبيل الطبول ويرقصون رقصة الحربية التراثية وهي رقصة موغلة في القدم في تاريخ الإمارات، حيث تمثل رقصة الشموخ والاعتداد ويؤديها صفان من الرجال الذين يقابلون بعضهم البعض حاملين السلاح والسيوف وتؤدى الرقصة جماعياً وتقوم على جملة لحنية واحدة موزونة لا يصاحبها أي إيقاع أو آلة موسيقية.

Email