ألقى تقرير صادر عن الدورة السادسة من القمة العالمية للحكومات تحت عنوان «نظام النجوم العالمي لتصنيف الخدمات»، الضوء على المسيرة التي قطعتها دولة الإمارات في مجال التميز في الخدمات، بدءاً من تبني نموذج المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة والتميز «إي إف كيو إم» من جانب الحكومة وتطبيقه على مدى السنوات الـ18 الماضية، وصولاً إلى اعتمادها «نموذج نضج القدرة»، بتطوير «نظام النجوم العالمي لتصنيف الخدمات»، والذي يعد أحد العوامل المعززة لتحقيق رؤية الإمارات 2021.
ويقدم التقرير الذي تم إعداده، بالتعاون مع مجموعة «لويدز ريجستر»، تحليلاً حول أثر تطبيق «نظام النجوم العالمي لتصنيف الخدمات» داخل الهيئات الحكومية في الإمارات، وتأثير هذا البرنامج على الموظفين والمسؤولين بعد أربع سنوات من اعتماده، بالاستعانة بدراسة استقصائية أجراها طرف محايد وشاركت فيها مراكز الخدمات في إمارة دبي التي اعتمدت النظام.
دراسة
ويشير التقرير إلى نتائج الدراسة الاستقصائية التي أظهرت التزاماً كبيراً من الجهات الحكومية في دبي لضمان سعادة العملاء عبر تطبيق متطلبات «نظام النجوم»، وأظهرت الدراسة أيضاً إلى أي مدى ساعد تطبيق هذا النظام الهيئات في تحويل وجهة نظرها نحو مركزية العملاء في مهام مختلفة لم ينظر إليها من قبل بأنها تؤثر على السعادة، كما لاحظ معدو الدراسة خطط تطوير جدية من المتوقع أن تؤدي إلى تحسين كبير خلال السنوات المقبلة.
ووفقاً للنتائج، تراوحت نسبة الرضا عن التطبيق لدى الجهات الحكومية المستطلعة آراؤها بشأن تطبيق متطلبات النظام بين 85% إلى 94%، وكان رضا المشاركين بنسبة أقل في البعد المتعلق بمدى وضوح تعريف معايير الخدمة في مؤسساتهم ومتابعة إنجاز الخدمة ومؤشرات أداء تقديم الخدمة، بشأن كفاءة الخدمات والابتكار، في حين كانت نسبة الرضا عالية في بعدي توفير قنوات متنوعة للخدمة في مؤسساتهم، وقدرتها على جمع المعلومات بشأن احتياجات شرائح العملاء وتوقعاتهم، وعكسها في استراتيجيتها.
أما بالنسبة إلى نتائج الدورة الأولى لتقييم مراكز سعادة العملاء، فأكد التقرير أنه يمكن الملاحظة من التحليل أن الهيئات قد مرت «بالمرحلة الأساسية» فيما يتعلق بالأبعاد الثمانية المختلفة لـ«نظام النجوم»، وتنتقل الآن إلى مراحل أكثر تقدماً في «مراحل التطوير ونضج القدرة»، وجاءت النتائج الأولية في التقييم مماثلة للدراسة الاستقصائية، حيث أظهرت أن الهيئات وصلت في بعد توفير قنوات الخدمة إلى مرحلة «الريادة»، فيما لا تزال أبعاد أخرى في مجال النضج والتطوير.
ديناميكية
وتحت عنوان «الحكومة الديناميكية»، يشير التقرير إلى طموح الإمارات أن تكون بين أفضل بلدان العالم بحلول 2021، وإلى سعي قادتها نحو تأمين حياة أكثر سعادة للأجيال المقبلة، في ظل بيئة أفضل، وفرص أكثر ومجالات تواصل أقوى مع العالم، ويؤكد أن تخصيص المزيد من الجهود الرامية إلى رسم خريطة طريق من الممكن أن تؤدي إلى تلك الرؤية، بحيث تقدم الجهات الحكومية تجربة مثالية للعملاء، ورفع مستوى الراحة لإسعادهم.
وكانت الإمارات قد تبنت في عام 1999 نموذج «أي إف كيو إم» لتعزيز القدرة التنافسية في العالم، لكن بحلول 2013، قرر قيادة الدولة أن الوقت قد حان لتطوير نموذج تقديم الخدمة خاص بالإمارات نفسها، بما يعكس النضج في تطبيق متطلبات التميز والجودة المختلفة في القطاعين العام والخاص.
وجاءت مبادرة تطوير الخدمات الحكومية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في يناير 2011، على ضوء رؤية الإمارات 2021، لتشكل الإطار والمبادئ التوجيهية لتطوير الخدمات التي يقدمها القطاع العام في الإمارات.
وهدفت المبادرة إلى ضمان التميز في الخدمات المقدمة من خلال التركيز المشترك على سعادة العملاء وكفاءة الخدمات العامة التي يمكن تصنيفها وفق آلية تطبيق النجوم، وهي آلية مماثلة لتلك المعتمدة من قبل خدمات قطاع الضيافة، ووفرت المبادرة توجيهات مفصلة لتحقيق مستوى خدمات من 7 نجوم.
تقييم وفي عام 2015، أخذت حكومة دبي المبادرة في اعتماد النظام من قبل مراكز الخدمات لديها، وبمنتصف 2017، فإن 123 مركز سعادة خاصاً بالعملاء في حكومة دبي (نسبة 100% من المراكز في دبي) تم تقييم تطبيقها هذا النظام، الذي يهدف إلى مساعدة مؤسسات الدولة في تغيير طريقة قيامها بإدارة وتشغيل وتقديم الخدمات، باستخدام ثمانية أبعاد رئيسية، هي: المواءمة الاستراتيجية، العملاء، الخدمات، قنوات تقديم الخدمة، تجربة العملاء، كفاءة الخدمة والابتكار، والناس، والتكنولوجيا.
وكانت حكومة الإمارات قد طلبت من طرف دولي مستقل تقديم دراسة استقصائية والحصول على ردود من الجهات التي تبنت متطلبات النظام في سبيل قياس أثر تطبيق النظام من جانب جهات مختلفة في الحكومة.
ولخص التقرير نتائج الدراسة، التي شملت 100% مشاركة من مراكز الخدمات في «نظام النجوم» في حكومة دبي عام 2017، والتي تبين أن أكثر من 60% من تلك المراكز المشاركة كانت من هيئات توظف أكثر من 500 موظف.
ولفت إلى أن أكثر من 70% من الهيئات أعربت عن رأيها بأن تجربة العملاء تحسنت نتيجة لتطبيق النظام، فيما 44% من الهيئات أعربت بأن متطلبات التركيز على العملاء أضافت قيمة لتوجهاتها الاستراتيجية.
وعن الدروس المستفادة، فإن المؤسسات المستطلع آراؤها أفادت بأنها شهدت تغييرات واضحة في تصوراتها وسلوكها تجاه العملاء، وكانت أكثر تركيزاً في محاولة تقديم ليس فقط أفضل الخدمات لهم، لكن أيضاً السعي إلى منح العملاء انطباعاً جيداً دائماً، وأن النظام أظهر أهمية وعي الموظفين ومشاركتهم ليس فقط في تقديم الخدمات وفقاً لتوقعات العملاء، لكن أيضاً في إيجاد طرق أفضل لتحسين العمل وكفاءة العمليات.
وأشارت نتائج الدراسة أيضاً إلى أن تطبيق متطلبات النظام والخضوع لعملية التقييم غيّر الثقافة داخل المراكز، حيث إن نهجاً أكثر تركيزاً تم اعتماده وتطبيقه نحو تحقيق رضا العملاء بالتوازي مع تحسين نظم العمليات وكفاءتها، مع زيادة ملحوظة في الدوافع للفوز بتصنيف أعلى للهيئة المعنية.
خطط
وإلى جانب الدراسة الاستقصائية، اعتمد التقرير أيضاً في تحليله على نتائج الدورة الأولى لتقييم مراكز حكومة دبي المقدمة في النصف الأول من عام 2017، والتي من المتوقع تقديمها قريباً إلى الهيئات للبدء بخطط التحسين.
وأظهرت النتائج الإجمالية للتقييم أن المراكز كانت في «مستوى الريادة»، فيما يتعلق برضا متطلبات النظام بالبعد المتعلق بتوفير المؤسسات قنوات الخدمة، كما تمت رؤية خطط تحسين من قبل فريق التقييم من المتوقع أن ترفع مستوى رضا الخدمات، والكفاءة والابتكار، ومتطلبات الناس في المستقبل القريب جداً.
ويرى التقرير ضرورة تحليل نتائج التطبيق لتعزيز المعايير، ومراجعة المتطلبات وفقاً للزوم، ويدعو إلى توسيع معايير النظام وتخصيصها في ثلاثة أبعاد: أولاً: السماح بتطبيق النظام في القطاع الخاص، حيث تجربة العملاء تقع في صميم العديد من الأعمال كالمصارف والاتصالات والضيافة والتجزئة وغيرها.
ثانياً: السماح بتقييم تجربة العملاء ورحلتهم عبر مراكز الاتصال والقنوات الافتراضية كمواقع الويب وتطبيقات الجوال وغيرها.
ثالثاً: التنمية المستقبلية والتوسيع للنظام ومعاييره من أجل تحقيق اعتراف دولي بالنظام ونظام التقييم، والحصول على اعتراف من جانب منظمة المقاييس الدولية (أيزو) سيكون دليلاً واضحاً بالاعتراف الدولي.
مسيرة
يدرس «نظام النجوم» المحركات الرئيسية لضمان سعادة العملاء، ويرى في تعزيز تلك المحركات والبناء على ما تم تحقيقه في المسيرة الطويلة لحكومة الإمارات لضمان سعادة العملاء والتكيف مع احتياجات وتوقعات العملاء الناشئة والديناميكية، تسريعاً لمساعي الدولة في تحقيق رؤيتها 2021.
ويصف التقرير تجربة العملاء المثالية في تركيز تقديم الخدمة على العملاء، وتطوير انتقالهم السليم، وإشراك الموظفين في التجربة، كما استخدام قوة بيانات العملاء لإرضائهم بل وتجاوز توقعاتهم.
وأكد التقرير أن الهيئات الحكومية في الإمارات منذ إطلاق «نظام النجوم» في عام 2013، أظهرت اهتماماً في اعتماد متطلباته، وأن تكون الأولى التي يجري تقييمها بهدف أن تتمتع بالتميز، وقد تم إطلاق برامج توعية وتدريب مكثفة في الإمارات لإظهار متطلبات النظام.
تغيير إدارة وتشغيل وتقديم الخدمات
يساعد نظام النجوم العالمي لتصنيف الخدمات، مؤسسات الدولة في تغيير طريقة إدارة وتشغيل وتقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين، والنظام قائم على ثمانية أبعاد تشكل الركائز لضمان سعادة العملاء.
أولاً: المواءمة الاستراتيجية: مركزية العملاء هو اتجاه حاسم نحو تحقيق سعادة العملاء، بمعنى أن كل النشاطات والمهام والعمليات لمقدم الخدمات يجب أن تكون موجهة نحو تحقيق سعادة العملاء.
ثانياً: العملاء: يتطلب هذا البعد، وجود نموذج يركز على العملاء في تقديم الخدمات، وفهماً عميقاً وواضحاً لاحتياجات وتوقعات الشرائح المختلفة من العملاء، مما يستلزم بناء ملف تعريفي باحتياجات وأفضليات العملاء استناداً إلى تقسيم محدد مسبقاً لهم.
ثالثاً: الخدمات: أهمية تحديد وتعريف الهيئات بخدماتها، ومتطلبات تقديم الخدمات، بشكل واضح إلى عملائها وموظفيها كما إلى أطراف خارجية تلعب دوراً في تقديم الخدمات.
رابعاً: قنوات تقديم الخدمة: تلبية احتياجات وتوقعات العملاء وتطوير خطط لإرضاء تلك الاحتياجات تحتم على مقدمي الخدمات تطوير مجموعة متنوعة من قنوات فعالة لتقديم خدمة مناسبة للعملاء.
خامساً: تجربة العملاء: حدد النظام متطلبات لضمان إسعاد العملاء، وتشمل أن تكون الخدمة التي تقدمها الجهات مصممة لتقديم تجربة عملاء متسقة ورائعة لكل الشرائح على طول المراحل الأربع من رحلة العملاء: الحصول على المعلومات عن الخدمة، تقديم الخدمة، التفاعلات خلال معالجتها، واستكمال عملية التفاعل.
سادساً: كفاءة الخدمة والابتكار: تعتمد الجهات ممارسات مميزة في إدارة أدائها من حيث الكفاءة في تقديم الخدمة والابتكار في تطوير الحلول.
سابعاً: الناس (الموارد البشرية): النظام يشدد على مساهمة الموظفين في تطوير مستويات الخدمة وضمان سعادة العملاء مع وجود سياسات تعتمد روح الفريق وإدارة واضحة وشفافة للأداء والتقييم وممارسات الاعتراف بالجهود.
ثامناً: التكنولوجيا: استخدام التكنولوجيا لضمان سعادة العملاء والخدمات العامة الفعالة، تتطلب تجميع بيانات العملاء وتسجيل التفاعلات لإيجاد ملف تعريفي، وتحليل معلومات العملاء لتطوير احتياجات العملاء وتوقعات شرائحهم المختلفة، وتوفير خدمات كفء مع حماية البيانات بسياسات أمنية تحمي الخصوصية، عدا أتمتة العمليات.
نتائج متميزة لمتطلبات «نظام النجوم»
أظهرت نتائج الدورة الأولى لتقييم المراكز الحكومية في دبي أن الهيئات الحكومية مرت بالمرحلة الأساسية فيما يتعلق بمتطلبات «نظام النجوم»، وتنتقل الآن إلى مراحل أكثر تقدما من 3 مراحل: «التطوير» إلى «نضج القدرة» وصولاً إلى «الريادة».
وأظهرت نتائج التقييم تميز مراكز الخدمات في تحديد متطلبات العملاء وتوقعاتهم، وممارسات مثيرة للإعجاب في ربط خدمات تلك المراكز بالخطة الاستراتيجية وتحديد أنواع الخدمات المقدمة.
وخلال التقييم تمت أيضاً مراجعة خطط العمل التي من المتوقع أن تحسن مستوى الرضا ضمن متطلبات «نظام النجوم». نتائج ريادية مميزة تمت مشاهدتها أيضاً لناحية قنوات تقديم الخدمة، فقد تمكنت المراكز من إظهار مستوى عالٍ من الرضا عن مراكز الاتصال، والقنوات الناشئة، والخدمات المقدمة، مما أدى إلى تحديدها في مرحلة النضج، أما مكونات البعد المتعلق بكفاءة الخدمة والابتكار فأظهرت أنها لا تزال في مرحلة التطوير.
وبالنسبة للموارد البشرية هناك رضا عن ممارسات الاعتراف بالجهود والسياسات، مما وضع مكونات الهيئات في مرحلة النضج في رضا متطلبات النظام، أما الخطط التي تعتمدها الهيئات لتعزيز ثقافة الخدمات فتضعها في مرحلة التطوير.وأظهر التقييم أن الهيئات تستخدم بشكل فعال تكنولوجيا حديثة في إدارة معلومات وبيانات العملاء.
انتقال مفهوم الخدمة من إرضاء العملاء إلى إسعادهم
يعد نظام النجوم العالمي لتصنيف الخدمات، الذي وضعته دولة الإمارات نظاماً فريداً من نوعه لناحية حض الهيئات الحكومية للتحسين المستمر في مستوى تقديم الخدمة من أجل تحويل ثقافتها الداخلية من إرضاء العملاء أو إلى مركزية إسعادهم.
ويجري تعريف الخدمة في عالم الأعمال بأنها إجراء يتخذ لتطوير او إيجاد منفعة أو فائدة للعملاء، لكن تحسين الخدمة لا يفيد العملاء فحسب، لكن أيضاً المؤسسات، إذ يساعدها في الوصول إلى عملاء جدد، عدا تطوير العلاقة مع العملاء الحاليين، مما ينعكس إيجاباً على الإيرادات.
أما الحديث عن تطوير تجربة مثالية للعملاء، فيتعلق بإدارة تجربة العملاء عبر عملية صياغة علاقة شخصية معهم، وبشأن تلبية توقعاتهم وحتى تجاوزها. والعديد من الأبعاد يجب دراستها خلال تطوير تجربة العملاء، بما في ذلك الموظفون والعملاء والمسؤولون.
الموظفون الذين بإمكانهم إعادة تنظيم جهودهم وسلوكهم لتقديم تجربة استثنائية رائعة، والعملاء القادمون من خلفيات مختلفة بسلوكيات مختلفة وبتوقعات عالية، والمسؤولون الجالسون وراء الكواليس والذين يهدفون إلى تحقيق أهداف مؤسساتهم في التركيز على العملاء بأعلى مستوى كفاءة في استخدام الموارد. وكانت دراسات رضا العملاء الأداة المستخدمة، على مدى عقود، لقياس تقييم العملاء وردود الأفعال بشأن الخدمات والمنتجات.