متاعب نفسية وجسدية يعانى منها الأبناء..

الزهايمر.. قصص حياتية مؤلمة لأشخاص يعانون المرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينسى الكثير من الناس أشياء بسيطة أو أحداثا منذ فترات بعيدة، ولكن إذا تكررت حالة النسيان بشكل مستمر أو إذا اتسعت لتشمل أشياء بسيطة تحدث بشكل يومي مثل عنوان المنزل أو الأقارب، فيمكن أن تكون هذه العلامات من أعراض مرض الزهايمر «الصامت»، الأغرب في هذا المرض أن مشكلته ليست في المريض قدر كونه مشكلة لأسرته؛ لأن الذي يقوم برعايته يعاني الكثير من المتاعب النفسية والجسدية.. قصص آباء وأمهات يعانون الزهايمر، يرويها أبناؤهم.

محمد حسن، (34 سنة) الابن الوحيد لوالده الذي أصيب منذ 3 سنوات بالمرض لم يخطر في باله يوما أن يعيش تجربة مؤلمة مع أغلى إنسان له، إنه والده، فهو بالنسبة له مثل أعلى ورجل حنون عاقل يمتلئ يومه بالنشاط والحيوية، أصيب بالمرض في سن ال70 عاما، واستمر هذا المرض الصامت في التسلل إلى الدماغ ليبدأ رحلة من التوهان. وكانت رحلة الألم التي عاشها محمد وزوجته بعد تركهم لمنزلهم للإقامة مع والده في منزله للاعتناء به كانت رحلتهم مع الزهايمر أصعب من رحلة المريض نفسه؛ لأنه لا يتألم ولا يشعر بأي شيء فقط ينسى كل يوم أشياء مختلفة.

يقول محمد: أعيش حاليا أصعب الأيام؛ لأنه بدأ ينساني أنا وحفيدته الوحيدة التي لا تتعدى ال6 سنوات، التي كثيرا ما تداعبه وتستغرب من ردود أفعاله معها لدرجة جعلتني أتهرب من لقائه بعد أن رافقته منذ بداية مرضه في كل شؤون حياته، لكن لم أستطع الآن أن أستكمل، فقد عاد أبي طفلا صغيرا أشعر بأنه ابني وليس والدي يحتاج لمن يرعاه ويعتني بشؤونه حتى الصغيرة منها، مضيفا أن الأطباء يؤكدون أن مريض الزهايمر عاقل، ولكن بعض وظائف الإدراك تختل وتصبح معطلة ومنها الذاكرة.

وختم محمد حكاية والده مع المرض بالدعاء لوالده ولأسرته الصغيرة للتعايش مع هذا القدر والصبر على المرض الذي يحتاج الحب والرعاية والتفهم وليس الشفقة والمبالغة.

أوجاع نفسية وجسدية

وتروي مروة بيومي، (27 سنة) حكاية والدتها الأرملة التي تبلغ من العمر 65 عاما مع الزهايمر، الذي أصيبت به منذ 4 سنوات، تقول: بعد زفافي بأقل من عام، شعرت بأن والدتي بدأت تنسى الكثير من الأحداث القريبة التي لم يمض عليها 6 شهور، لكن اعتقدت أنه أمر طبيعي مع تقدم العمر والوحدة، وشعرت بالاطمئنان بعد أن عرضتها على الأطباء الذين أكدوا لي وقتها «للأسف» أنها بصحة جيدة وغير مصابة بأي مرض عضوي.

وكان أغرب المواقف التي تعرضت لها مروة حينما سألتها والدتها المصابة بالمرض عن جدتها التي توفيت منذ 15 سنة، فسكتت طويلا ثم رأت أن أفضل إجابة أن تطلب منها أن تحكي لها بشكل أكثر عن الأشياء التي كانت تحبها وأشهى الأكلات التي كانت تطهوها والنصائح التي وجهتها لها قبل زفافها، فأجابتها بكلمات متقطعة عن بعض الأحداث المتناثرة.

أدركت مروة وقتها أن أمها مريضة وأن التشخيص السابق كان خاطئا، وشجعتها على الخروج إلى أحد المراكز الطبية وإجراء الفحوص اللازمة التي أفادت بأنها مريضة بالزهايمر، وكانت السنوات الأولى من هذا المرض مقبولة، ولكن المشكلة بدأت تتزايد بمرور الوقت شيئاً فشيئا، حيث بدأ المرض يؤثر في القدرات العقلية لها بشكل سريع، مما دفعها للقيام بأمور خارجة عن المألوف مثل إلقاء الكثير من متعلقات المنزل داخل سلة المهملات.

كانت مروة قد أهملت منزلها بسبب انشغالها بوالدتها لدرجة أنها لم تر زوجها غير يومين في الأسبوع على الحد الأقصى، وهو ما سبب لها الكثير من المشاكل، كما شعرت بالاكتئاب والقلق المستمر، كانت دائما تحاول معاملة والدتها بهدوء ورقة، لكن تحملها بدأ يفوق قدرتها.

وتتابع: الشيء الوحيد الذي يصبرني على تحمل كل هذه الأوجاع النفسية والجسدية هو ابتسامة والدتي، وحديثها الرقيق معي في بعض الأحيان، وإن كنت في أشياء مختلفة قد لا أفهمها، إلا أني متأكدة أنني سأكون فخورة حينما يرزقني الله بأولاد بما قدمته لأمي المريضة؛ لأن الحياة يوم لك ويوم عليك، أنهت مروة حديثها «لا أعرف هل أترك والدتي التي أحبها وحدها بعد سفر أخواتي الثلاث إلى الخارج حفاظا على منزلي وزوجي وصحتي، أم أستمر في رعايتها وأدعو الله أن يصبرني على رعايتها؟».

علامات مبكرة

ومن جانبه يشير د.تامر دسوقي، مدير منتجات الأمراض العصبية في إحدى شركات الدواء، إلى أن هناك سوء فهم شائع حول مرض الزهايمر، اذ يعتقد الكثيرون أن النسيان يعد عرضا طبيعيا من أعراض الشيخوخة، في حين أنه من العلامات المبكرة للمرض، والذي يتفاقم بمرور الوقت، ولكن يجب استبعاد التدهور المعرفي المرتبط بالسن والذي يعد طبيعيا في كبار السن.

وتابع «إلى جانب ذلك فإن نقص الوعي حول الأعراض المتنوعة للمرض، حيث ان أغلب الناس لا يعرفون سوى تأثير المرض في الذاكرة وحدها، يؤدي إما إلى عدم تشخيص المرض عند أغلب المرضى أو تشخيصه متأخرا»، مضيفا أن تشخيص المرض في مرحلة متأخرة يؤدي إلى تفاقم الأعباء على المحيطين بالمريض خاصة هؤلاء الذين يقومون برعايته وهم في الأغلب من أفراد الأسرة الذين يعانون ألم رؤية أحد الأعزاء، بينما يتطور المرض لديه وليس بوسعهم عمل الكثير.

ويوضح دسوقي أن الزهايمر يمثل نحو 70% من حالات الخرف في العالم، وهو يصيب المخ بالتدهور التدميري مسببا إعاقة للذاكرة والتفكير والسلوك والمشاعر، وتأتي الإصابة بالمرض نتيجة تراكم الأنسجة المعطوبة في المخ وتجمعها لتكون ترسبات، تعرف بوصف «عقد وشراشيب»، تؤدي إلى موت الخلايا العصبية كما تعيق حركة الموصلات العصبية بين خلية وأخرى في نسيج المخ، ما يؤدي إلى تدهور عمليات الذاكرة والتفكير والسلوك.

وحول معدلات انتشار المرض، كشف د. ماجد عبد الناصر أستاذ الأمراض العصبية، بكلية الطب، جامعة القاهرة أن كل عام يزداد عدد مرضى الزهايمر 6,4 ملايين مريض جديد عالميا إلى إجمالي عدد المرضى، لافتا إلى أنه كل 7 ثوان يوجد مريض جديد بالزهايمر وأعداد المرضى في مصر تقدر بنحو 300 ألف حالة، حيث تبلغ نسبة السكان فوق سن الستين 5%، ومن المتوقع أن ترتفع تلك النسبة بين المصريين إلى 8% عام 2015.

ويحذر عبد الناصر من ارتفاع نسبة المرض بالزهايمر بحلول عام 2050 لتشمل 75% من سكان الدول النامية والعالم الثالث، مرجعا السبب في ذلك إلى ارتفاع نسب المسنين بفعل طول أعمار سكان هذه الدول.

طرائق العلاج

ومن جانبه يشير د. ساهر هاشم، أستاذ الأمراض العصبية، بكلية الطب، جامعة القاهرة، إلى ارتباط مرض الزهايمر بصفة أساسية بالتقدم في العمر، خاصة المرحلة العمرية في ما بعد سن الستين عاما، إلا أن هناك أنواعا من الزهايمر تصيب الشباب لكن بفعل وراثي، وجيني ولكن بنسب صغيرة لا تتجازو ال5 في صغار السن، أي وجود المرض في «شجرة العائلة» قد تظهر الأعراض في سن مبكرة نسبيا عن سن الستين.

ويفرق هاشم بين مريض «الزهايمر» ومريض «التشيخ» في المخ، والذي يعد تطورا طبيعيا بفعل عامل السن، عكس الزهايمر الذي يعد مرضا اكتشفه عالم ألماني أطلق عليه اسمه عام 1906 لمريضة ألمانية، ويظهر على كبار السن بعد سن ال60 بنسبة تتراوح بين 1 إلى 5%، ويتضاعف كل خمس سنوات ليصل إلى 40 بعد سن ال80 عاما.

وعن طرائق العلاج ينوه هاشم إلى أن الأبحاث تقدم باستمرار بعض أساليب العلاج لهذا المرض منذ ظهوره بداية من استخدام الأكسجين المكثف لتنشيط خلايا المخ أو استخدام جرعات كبيرة من المكملات الغذائية أو استخدام أسلوب توسيع الأوعية الدموية بالخلايا العصبية بالمخ أو استخدام العقاقير ذات التأثيرات النفسية إلى جانب وجود عقاقير تستطيع أن تفرز تخليقا كيميائيا يساوي ما يفرزه الجسم ولكن بجرعات كبيرة وعلى الرغم من كثرة وتنوع الأساليب العلاجية المتاحة؛ فإنها لا تؤدي إلى الشفاء تماماً ولكن عند ظهور الأعراض المبكرة للمريض وعرضه على الطبيب بشكل سريع يستطيع الطبيب استخدام أساليب العلاج المتنوعة لإبطاء تليف الخلايا.

ويذكر هاشم «المرض ليس له علاج شاف ولكن دور الطبيب يقتصر على إعطاء المريض للعقاقير التي تبطئ التليف في خلايا المخ، لذلك ليس في يد المريض أي حيلة بعد بداية انتشار المرض..

ولكن على كل شخص تجنب الأسباب قبل ظهور المرض، كما أن هناك طريقا موازيا للعلاج تجب معرفته وهو حماية الأشخاص المستهدفين عن طريق الانتباه إلى المؤشرات المبكرة التي تتمثل في الشعور بالاكتئاب وعدم استجابة المريض للعلاج إلى جانب الشعور بمتاعب جسدية وتعدد مناطق الشكوى في الجسم دون سبب واضح وشعور المريض بالقلق واضطراب النوم واضطراب حركة العين السريعة».

Email