مصر تودع «الولد الشقي» محمود السعدني

مصر تودع «الولد الشقي» محمود السعدني

ت + ت - الحجم الطبيعي

سجل حافل من المتاعب والهموم والأزمات ودعها آخر ظرفاء الصحافة المصرية الكاتب الصحافي الراحل محمود السعدني الذي ووري جثمانه الثرى ظهر أمس بعد صراع طويل مع المرض انتصر على قلبه المثقل بالآلام والأوجاع أسلم على أثره الروح ليل الثلاثاء 4 مايو الجاري.

رحل آخر ظرفاء الصحافة المصرية، الذي تعذب كثيراً، وتشرد أكثر، وكان سعيداً بهذا العذاب والتشرد، فهو الإنسان الوحيد الذي استلهم من تشرده أدباً وصحافة، ولوى عنق غربته ليخرج منها أفضل الأدب.. لم يستسلم لكونه ضحية فهم خاطئ، وسياسات غير جيدة، وفي الوقت نفسه كان حساساً جداً، ومع ذلك لم يغير جلده عندما تعرض للنبذ والرفض..

وتعامل مع كل الأوجاع والاتهامات التي تلاحقه كظله بروح تتقد سخرية.. لم يفتعل السخرية والظرف أبداً، بل كان الأدب الساخر يخرج منه كنهر رقراق فياض، تضفرت في رحلاته التي كتبها والتي لا تقل قيمة عن رحلات ابن بطوطة.. ومع ذلك لم يعرف عنه يوماً أنه من طلاب المناصب، أو الجاه، فقد كان رئيساً لتحرير «روزاليوسف»، وترك كل شيء ورحل، وظل سائحاً فى بلاد الله دون أن يأسى على أي شيء.

الولد الشقي يرحل بلا متاع

كان «الولد الشقي» هو العنوان الذي اختاره الكاتب الراحل لوصف نفسه، كما اختاره ليكون عنواناً لسيرته الذاتية التي كتبها في ستة أجزاء وصدرت خلال الفترة ما بين نهاية الستينات ومنتصف التسعينات من القرن الماضي.

تناول الجزء الأول سيرة طفولة السعدني المبكرة في حواري الجيزة ومغامراته مع أصدقاء الطفولة، بينما تناول الجزء الثاني قصة بداية اشتغاله بالصحافة والصعوبات التي واجهها والتي انتهت بنجاحه في الدخول إلى هذا المجال، بينما رصد الجزء الثالث تجربته في السجن، لم يتناول قصة سجنه أو الظروف التي أدت إلى ذلك، بل تناول صوراً من حياة بعض من زاملهم في السجن من غير السياسيين، فيما رصد الولد الشقي في الجزء الرابع حياته في المنفى.

فحكى عن الفترة التي قضاها خارج مصر بعد منعه من الكتابة فيها، متطرقاً إلى شخصيات مهمة في العالم العربي مثل الرئيس السادات والعقيد القذافي والرئيس العراقي صدام حسين، أما الجزء الخامس فكان بعنوان «الطريق إلى زمش» وتناول فيه ظروف سجنه والسجون التي تنقل بينها والعلاقات بين التنظيمات الشيوعية في السجون، وأخيراً «ملاعيب الولد الشقي» وتناول في هذا الجزء مجموعة من الذكريات والمقالب التي أجاد حبكها في أصدقائه.

حياة حافلة

وقد ولد كاتبنا الراحل في 28 فبراير 1928م بمحافظة المنوفية شمال العاصمة المصرية.. ثم انتقل للعيش في محافظة الجيزة، وعمل في بدايات حياته الصحافية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة.. كما عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة «المصري» لسان حال حزب الوفد، وعمل أيضاً في مؤسسة دار الهلال.

كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة، وقد أيد السعدني ثورة 23 يوليو، وعمل بعد الثورة في جريدة «الجمهورية» التي أصدرها مجلس قيادتها وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي. وشارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها، فترأس تحرير مجلة «صباح الخير» في الستينات.

كما شارك في الحياة السياسية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وسجن في عهد أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية، وعاد إلى مصر من منفاه الاختياري في لندن سنة 1982م، بعد اغتيال الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات.

في بلاد الله

في عام 1976م عمل السعدني في أبوظبي كمسؤول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم في الإمارات ثم عمل في جريدة «الفجر» الإماراتية وبعد فترة غادر السعدني الإمارات إلى الكويت، حيث عمل في جريدة «السياسة الكويتية»، ثم غادر إلى لندن وإصدر مجلة «23 يوليو»، واستمر السعدني متجولاً في بلاد الله حتى عاد إلى وطنه بعد اغتيال السادات بفترة، واستقبله الرئيس مبارك في القصر الجمهوري بمصر الجديدة ليطوي بذلك صفحة طويلة من الصراع مع النظام في مصر.

واعتزل السعدني العمل الصحافي والحياة العامة منذ العام 2006م بسبب المرض، خصوصاً عندما أصيب بالزهايمر.

وهكذا رحل أخيراً بعد أن أثرى المكتبة العربية بالعديد من مؤلفاته منها: «تمام يا أفندم، الظرفاء، مذكرات الولد الشقي، ألحان السماء، الولد الشقي في المنفى، الموكوس في بلاد الفلوس، الولد الشقي، عودة الحمار، الولد الشقي في السجن، مسافر بلا متاع، أحلام العبد لله، خوخة السعدان، الطريق إلى زمش، مصر من تاني، السعلوكي في بلاد الأفريكي، بلاد تشيل وبلاد تحط، وداعاً للطواجن، حمار من الشرق، أمريكا يا ويكا، المضحكون، رحلة ابن بطوطة، حكايات قهوة كتكوت».

Email