الإسلام ينهى عن القنوط من رحمة الله

الإسلام ينهى عن القنوط من رحمة الله

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة معناها في اللغة الشدة والقحط، وهذه الشدة تكون في الماديات وتكون في المعنويات، ولا تسمى أزمة إلا عند عظم الأمر من ناحية كيفه أو كمه، والحياة بحكم تقلب ظروفها لابد فيها من مرور حالات شديدة على الأفراد والجماعات تظهر آثارها في الميادين الاقتصادية والصحية والاجتماعية والسياسية والرياضية وغيرها.

ولكل فرد من الأفراد أزمته الخاصة به التي تخلقها ظروفها وتتناسب مع وضعها، والأزمات كلها انعكاس يأتي للفرد أو الجماعة، أو المؤسسة وغيرها من ظروف لا تعدو أن تكون أمراً مضى يعقبه الحزن، أو أمرا مترقباً يورث الخوف من وقوعه، والماضي المترقب إما ان يكون دنيوياً أو دينياً، ولكل ذلك علاج ودواء. فالحزن على أمر دنيوي مضى علاجه اليأس منه. فما مضى فات ولا يدرك بذاته والتعلق به عبث والتفكير فيه يورث الهم اذ نهى الآلام عن الغرق في الياس والقنوة من رحمة الله وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج الشافي.

فقال في حديث شريف «المؤمن القوي خير وأحب الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وان أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان».

فالحديث نهانا عن التفكير العقيم في شيء فات، ويأمرنا بالرضا بالقضاء وإغلاق الأبواب أمام وساوس الشيطان، ومن علاج هذا الأمر التدبر في حكمة الله. فقد يكون ما فات من الإنسان فيه شر لا يعلمه، فالذي يعلم الخير هو الله سبحانه وتعالى، «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون».

ولعل في الحوادث التي مر بها الخضر واعترض عليها موسى مما يفيد أن الخير قد يكون في الشر، أو أن الخير الحقيقي قد يكون عن طريق ما يظنه الإنسان شراً بحسب علمه المحدود. وبحسب طبيعته النفسية.

فخرق السفينة كان خيراً لأصحابها المساكين قد نجت من غضب الملك وحرمانها منها، وقتل الغلام كان خيراً لأبويه المؤمنين لأنه لو عاش كان سبباً في طغيانهما أو كفرهما والحزن على أمر ديني مضى كفوات الصلاة أو الوقوع في الإثم علاجه التوبة والندم على التقصير إن لم يكن له تعويض قال تعالى «وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد أن يذكر أو أراد شكورا».

وقال صلى الله عليه وسلم «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل والخوف من شيء مترقب يكون من الأمور الدنيوية لا ينبغي أن يكون، فان المستقبل غيب والأمور مرهونة بظروفها وإذا كانت هناك أسباب لنيل هذا الأمر فليأخذ الإنسان بهذه الأسباب ويترك النتيجة لله وحده.

وإذا كانت هناك أسباب للوقوع فيه فليحذرها الإنسان بقدر ما يستطيع «قال تعالى في شأن النبي صلى الله عليه وسلم «ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسني السوء» والخوف من شيء ديني في المستقبل لا ينبغي إذا اتخذت أسبابه.

ولئن كان مسموحاً به ليزداد العامل نشاطاً فلا ينبغي أن يسلم إلى التشاؤم أو اليأس أو القنوط كخوف العاصي من دخول النار واجب لأنه لم يتخذ الأسباب للوقاية منها وخوف المطيع من النار يحمله على زيادة العمل لكن لا ينبغي أن يورثه القنوط من رحمة الله.

فليكن في قلب المسلم المستقيم رجاء في فضل الله حتى ينشط في العبادة مع فرجة بالخوف ليحمي نفسه من التقصير قال تعالى «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً».

إن الأزمات إذا وقعت له لا ينبغي الاستسلام لها، إذا كانت المحاولات تجدي في تخطيها فالاستسلام عجز والإسلام ينهي عنه، كما تقدم في الحديث الشريف «ولا تعجز» وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل.

كما كان يستعيذ به من الهم والحزن، وقد علم هذا الدعاء لابي أمامة الذي ركبته الديون وأزمته الهموم وانزوى في المسجد عله يجد في الصلاة قضاء لدينه وتفريجاً لهمه، ولكن النبي أمره بالعمل والسعي لحل هذه الأزمة مستعيناً بالله مستعيذاً به من الهم والحزن والعجز والكسل.

إن الاتصال بالله عن طريق العبادة، والدعاء مخها والذكر من أقوى أسباب هذا الاتصال وقد يكون له بالغ الأثر في إزالة العقد النفسية التي تنتج عن الأزمات والضائقات.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أو أحزنه أمر فزع إلى الصلاة وكان يعلم أن يقولوا عند الكرب «لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع «ورب الأرض رب العرش الكريم».

وقد روى انس انه صلى الله عليه وسلم إذ حزبه أمر قال «يا حي يا قيوم برحمتك استغيث» ومما ورد عن جعفر الصادق انه قال: عجبت لمن ابتلي بضر كيف يذهب عنه ان يقول «رب أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين» والله يقول «فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر».

وعجبت لمن ابتلي بالغم كيف يذهب عنه ان يقول «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، والله يقول «فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين» وعجبت لمن خاف شيئاً كيف يذهب عنه أن يقول «حسبي الله ونعم الوكيل» والله يقول «انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء».

وعجبت لمن مكر به كيف يذهب عنه ان يقول «وافوض أمري إلى الله» والله يقول «فوقاه الله سيئات ما مكروا» وعجبت لمن انعم عليه بنعمة خاف زوالها كيف يذهب عنه ان يقول «ما شاء الله لا قوة إلا بالله».

والله يقول «إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله» مما يفيد لعلاج الأزمات النفسية الناتجة عن المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والرياضية وغيرها اعتقادات فكل شيء له أول كما لابد له من آخر، وان شأن الحياة هو التقلب والتغيير، لا يدوم أمرها على حال واحد .

كما يقول القائل «كل حال لهذه يتحول» فالزم الصبر إذ عليه المعول، وكذلك اعتقاد أن كل مشكلة لابد لها من حل ان لم يكن بيد العباد كان بيد رب العباد.

ومن هنا لا تكون عند المؤمن الصادق أزمة أبداً فكل أمره خير كما في الحديث الشريف «إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له» إن المؤمن لا يواجه الأزمة بالهم المضني ولا بالخوف المقنط بل يصبر ويصابر مع كفاح وجلاء.

وكلما ضاقت الحلقات قربت ساعة الخلاص كما يقول الله تعالى «وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب».

ومن الأشياء التي تخفف من وقع الأزمات اعتقادك أن الأمور في الحياة لا تسير كما يريد الإنسان، بل كما يريد الله سبحانه، ورب ضارة لإنسان نافعة لغيره بل رب ضارة له تكون نافعة له من حيث لا يعلم، والحياة فيها العسر واليسر والقبض والبسط والحزن والسرور.

كما يقول الشاعر الحكيم «لا يكون الأمر سهلاً كله إنما الدنيا سهول وحزون، هون الأمر تعش في راحة قلما هونت الا سيهون تطلب الراحة في دار المناضل من يطلب شيئاً لا يكون والتأسي بما يحدث للسابقين من أكبر ما يساعد على تحقيق وقع الأزمة على النفس، وسير الأنبياء والصالحين من سلف الأمة خير مثل للتحمل والصبر والمصابرة .

ولعل من احسن ما يرينا نتيجة ذلك قول عتبة بن غزوان، وكان أميراً على البصرة: ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرضت أشداقنا، ولقد التقطت بردة فشققتها لنصفين بيني وبين سعد بن مالك، فأتزرت لنصفها وأتزر سعد بنصفها الباقي، فما منا من احد اليوم إلا وأصبح أميراً على مصر من الأمصار.

ان المؤمن الصادق لا تضيق الدنيا في وجهه عند حدوث أية أزمة ولا ييأس من رحمة الله عند وقوع أية شدة، ولا يفكر فيما يفكر فيه ضعاف النفوس من الانتحار والتخلص من الحياة، بل ان الإسلام نهانا عن مجرد تمني الموت.

فضلاً عن مباشرة أسبابه قضى الحديث الشريف «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فان كان لابد فاعلاً فليقل «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي»، وبعد فان الحياة كما قلت مليئة بالمفاجآت، والمؤمن يتغلب على كل الأزمات ولا يواجهها إلا ذوو العزائم القوية والإرادات الصلبة.

عبدالكريم صقر

Email