آداب الإسلام في التعامل مع المرضى النفسيين

آداب الإسلام في التعامل مع المرضى النفسيين

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد أسلوب التعامل مع المريض النفسي خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية مع تزايد الوعي لدى المجتمعات وتطور أساليب العلاج.. غير أن الوصمة المرتبطة بهذا المرض تركت الباب مفتوحاً في مجتمعاتنا العربية لفرض مفاهيم مغلوطة عن المرض النفسي، من بين هذه المفاهيم شعور الأسر التي يصاب أحد أبنائها بمرض نفسي أو إعاقة ذهنية بالخزي أحياناً والذنب والحيرة أحياناً أخرى.

حتى اضطر المتخصصون إلى عقد مؤتمرات وندوات وحملات توعية، بقصد زيادة الاعتراف بالمرض النفسي، بعد أن قررت معظم الأسر الدفع بأطفالها المرضى إلى المدارس الداخلية والمصحات بقصد التخلص منهم، وليس بغرض العلاج، مما يساهم في تراجع وانتكاس الحالة الصحية لهم بسبب الجفاء والفهم الخاطئ لحالتهم.. ولكن هل هذا ما أوصى به الإسلام، وكيف حدد الإسلام طرق التعامل مع المريض النفسي والآداب التي ينبغي اتباعها معه؟الدكتور عبدالمعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أكد أنه قبل بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان الناس يعالجون الأمراض النفسية بطقوس وثنية في المعابد أو بتعاويذ وتمائم، وإذا لم يستجب المريض كانوا يحرمونه من الطعام والشراب ويربطونه بالسلاسل ويضربونه بالسياط، اعتقاداً منهم أن ذلك ينعش ذاكرته ويزيل عنه المرض النفسي، لكن بعد أن جاء الإسلام منع كل هذه السلوكيات الخاطئة ومنح هؤلاء المرضى حقوقا لم تمنحها الديانات الأخرى.

حقوق إسلامية: الإسلام في نظرته للمريض النفسي، كما يؤكد بيومي، منحه حقوقاً شتى، فلم يشترط العدل فقط، لكنه اشترط الإحسان والرحمة، حتى ينال هؤلاء المرضى وضعا ملائما ومعاملة بالمثل مع الأسوياء، بل كفل لهم ما تتطلبه الحياة الكريمة بحكم الإنسانية، مؤكداً أن الإسلام كان له السبق أيضاً في حماية حقوق هذا المريض في الداخل والخارج، منها المعاملة الطبية، وعدم استعمال القسوة؛ باعتبار أن هذا المريض لم يختر الهيئة التي يكون عليها، عاقلاً أو غير عاقل، مريضاً أو سليماً، فالله سبحانه وتعالى يقول: «هو الذي يصوِّركم في الأرحام كيف يشاء».

منهج الرسول

الدكتور منيع عبدالحليم، عميد كلية أصول الدين السابق، رأى أن المريض النفسي في ظل الضغوط الاقتصادية والأزمات المتلاحقة على المجتمع أصبح يعاني من مشاكل متعددة منها التجاهل، وأوضح أن تجاهل هذا المريض بمثابة جريمة ينبغي إزالتها باعتباره أضعف مخلوق داخل الأسرة، وينبغي على الأب والأم إحاطته بكل شيء وألا يعتبراه شراً وبلاء لقوله تعالي: «لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم».

إن الآية السابقة تحث، والكلام لعبدالحليم، على ضرورة معاملة المرضى النفسيين أو غيرهم، معاملة حسنة قائمة على الحب والمواساة والتعرف على مشاكلهم وما يتضجرون منه، بشرط الاحتواء وعدم وضعهم في مصحات بغرض التخلص منهم، موضحا أنهم إذا فعلوا ذلك فسوف يحاسبهم الله حساباً عسيراً على ما اقترفوه من إثم في حق مريض ليس له ذنب في مرضه، مشيرا إلى أن منهج الرسول، صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع مثل هؤلاء المرضى كان الرفق بهم وعدم السخرية منهم.

بدورها لم تنكر الدكتورة سعاد صالح، عميد كلية الدراسات الإسلامية سابقاً، الاعتقاد السائد الذي كان- وما زال- متوارثاً بين عامة الناس بأن مصدر المرض النفسي المسّ بالجن أو السحر أو الحسد.. لافتة إلى أن الظاهرة لم تعد تمس شريحة واحدة من المجتمعات العربية والإسلامية، بل طالت جميع طبقات المجتمع الفقيرة والغنية والمثقفة أيضاً، فأصبح مقصدهم الشيوخ والدجالين الذين اشتهروا بعلاج أثر السحر والحسد، وإذا لم تفلح تلك المحاولات قاموا بوضع أقرب الناس إليهم في غرفة، حتى لا يشعروا بالخزي من الصورة المؤلمة لهم أمام زوارهم وأقاربهم.

انطلاقا من ذلك تؤكد صالح أن ابتلاء أحد بالمرض النفسي فرصة كبيرة ساقها المولى، عز وجل، لأسرته ليضاعف أجرهم، وتنصح الأسرة التي ابتلاها الله في أحد أبنائها بأن تصبر وتتحمل قضاء الله بصدر رحب دون ضجر أو حزن أو كآبة، وتحتسب أجرها عند الله، حتى تنال رضا الله سبحانه وتعالى وجنته التي أعدها للصابرين.

ممارسات خاطئة

وإذا كانت آراء علماء الدين تؤكد ضرورة معاملة المرضى النفسيين معاملة متميزة وعدم تجاهلهم أو التخلص منهم بإيداعهم المستشفيات، فإن خبراء الصحة والنفس حذروا من بعض الممارسات الخاطئة لبعض الأسر تجاه أولادهم أو المصابين بتلك النوعية من الأمراض.

في هذا السياق، يقول الدكتور د. محمد المهدي، أستاذ الصحة النفسية، إن المرضى النفسيين ينالهم من التجاهل وعدم الاهتمام نصيب كبير في المجتمعات العربية تحديدا، وكأن المريض النفسي هو الذي جلب المرض لنفسه، دون الشعور من ذويه بالأسى والمرارة لمصيبته هو كإنسان، وإن كانت أكثر الصور شراسةً لدى بعض الأسر إنكار وجود هذا المريض خوفاً من الفضيحة، موضحا أن هذا لن يزيد الأمر إلا سوءاً. يحذر المهدى، الأسر التي لديها مريض نفسي بعزله عنها اعتقاداً منها بأنه سيفقد السيطرة على نفسه، ويمكن أن يؤذي نفسه ويؤذي من حوله، فهذا في الواقع ليس سبباً ، لكن السبب الحقيقي أن هذا المريض بات يمثل لها مصدر كآبة وخوف، وبالتالي تعلن عجزها عن تقبله وتقوم بسجنه في المنزل أو في مصحة دون النظر إلى كيفية توفير العلاج الحديث المطور الذي أثبت فاعلية مبهرة، والذي قد يساهم في شفائه.

وقال أستاذ الصحة النفسية إن الأسرة لو تقبلت الأمر على ما هو عليه وتفاعلت مع معاناته وسعت في علاجه فإن ذلك سيخفف كثيراً من تدهور حالته، وقد تستقر بشكل كبير، ويشعر بأنه إنسان طبيعي وليس مريضاً نفسياً.

بدورها تعتبر الدكتورة عزة كريم، الخبيرة الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث، الأسرة ملاذاً آمناً يأوي إليه المريض النفسي بعد أن رفضه المجتمع.. ولكن إذا رفضته الأسرة أيضاً فسيشعر بالوحدة ولا يجد سبيلاً إلا الهروب من هذا الواقع الأليم بالتخلص من حياته بالانتحار أو فعل أي شيء يؤذيه، علاوة على تراجع حالته الصحية. تنتقد كريم وسائل الإعلام لمواقفها السلبية من المريض النفسي، حيث تصفه أحياناً بالجنون، وتظهر الجوانب السلبية لتصرفاته وتظهر مؤسسات العلاج النفسي على أنها سجن أو مكان للعقاب، وأن بعض طرق العلاج مثل الصدمات الكهربائية طريقة للتعذيب، دون أن تشير إلى أن المرض النفسي مثله مثل أي مرض يصاب به شخص ويشفى منه، كما أظهرت وسائل الإعلام الأطباء النفسيين في الأفلام والمسلسلات على أنهم متوترون ويسلكون مسالك غريبة أقرب ما تكون للمختلين عقلياً.

وفيما يتعلق بالأطفال، تطالب خبيرة علم الاجتماع الآباء والأمهات بدمج الطفل المريض مع أشقائه وشقيقاته والمجتمع ككل، وتعويده على المشاركة وعدم العزلة وتهيئة الأسرة لتقبله بشكل إيجابي وبروح طيبة تساعده في تخطي هذه الأزمة.

الطب الحديث

من ناحيته يؤكد الدكتور فتحي الشافعي، رئيس إحدى المصحات النفسية الخاصة، أن الأسرة تتحمل العبء الأكبر في مساندة الطبيب النفسي، من خلال تفهم طبيعة مرض ابنهم ومساعدته على العلاج وعدم الاستسلام للواقع.. لافتا إلى أن الطب الحديث أصبح يعتمد على العلاقة الإنسانية والعلاجية بين الطبيب والمريض، مما يؤدي إلى تغير حالته الانفعالية إلى الحالة النفسية الهادئة والطبيعية، وذلك بالاستعانة ببعض العقاقير.

وإذا كان الطبيب يفعل مع المريض كل ذلك، فما بالك بأسرته التي يجب عليها تحمل نصيب الأسد من خطة العلاج، موضحا أن كل إنسان منا يشعر بالألم من حين لآخر، حينما يرى أحد أفراد أسرته غير مدرك للواقع، ويعيش في سن أقل من سنه وعقلية بعيدة تماماً عن عقليته التي كانت تتوق إليها أسرته، لكن مع تطور العلم وأساليب التعامل مع المريض النفسي أصبحت الفرصة كبيرة للعلاج.

القاهرة ـ دار الإعلام العربية

Email