«الترامادول» عدو خفي يتربص بالشباب

رجع الشاب (م) إلى بيته في حالة خمول وهلوسة استدعت نقله الى المستشفى ، ليتبين هناك تناوله جرعات مفرطة من عقار مخدر، فهرعوا به إلى الشرطة، التي كشفت تعاطيه عقار «الترامادول».حالة الشاب هذا ليست فردية،بل هي ظاهرة تحفر بهدوء وخفية في جذور مجتمعنا، ما استدعى قرع جرس الإنذار: هذا العقار غير مدرج في قائمة الممنوعات في الدولة.

الترامادول عقار خطير له العديد من الأعراض السلبية كالدوخان والصداع والدوار والنعاس والإمساك والغثيان وارتباك وهلوسة ورعشة وهرش وطفح جلدي وعسر هضم وانتفاخ وزغللة في الرؤية، وفي حالات نادرة قد يسبب صعوبة في التنفس وخللا بالكبد وتشنجات ومتلازمة ستيفن جونسون مما يؤدي للقابلية للانتحار.

والإفراط في تعاطيه يؤدي إلى التعود ويحتاج المريض إلى زيادة الجرعة بشكل مستمر للحصول على التأثير المطلوب مما يؤدي إلى الإدمان، قد يزيد من احتمالية حدوث تشنجات للمرضى المعرضين لذلك وقد يسبب التثبيط للجهاز العصبي والجهاز التنفسي.

يقول أحد متعاطي عقار الترامادول إنه بدأ تعاطي هذا العقار منذ سنة ونصف السنة وكان يتعاطى قبله عقار الآرتين والكامدرين وأرجع سبب تعاطيه هذه العقاقير الى أنها غير مدرجة في قانون الممنوعات وخلال الفحوصات التي تجريها الشرطة لا يمكن اكتشاف نتائجه سواء في عينات البول أو الدم على عكس المشروبات الروحية التي يجرمها القانون ويعاقب عليها حسب الحالة وخاصة قائدي المركبات، وهذا ما شجعه على تعاطيها.

وأضاف أن بدايات تعاطيه المخدرات كانت عن طريق تجريب بعض أصناف من الحبوب كان يحصل عليها صاحبه من طبيب نفسي ولكن بعد نصائح حصل عليها من بعض رفاقه أن قد تلقي الشرطة القبض عليه في أي وقت وأوصوه بتعاطي الآرتين والكامدرين لعدم ادراجها في قانون الممنوعات وبعد سنتين كثر الكلام عن طلب الشرطة ادراج المادتين في قانون الممنوعات وبعدها اكتشف من بعض أصحابة أن عقار الترامادول غير مدرج كالعقارين اللذين كان يتعاطاهما وأن العقار الجديد أفضل بكثير بحيث انه مشابه لتعاطي الهيروين ولكنه أغلى من الآرتين والكامدرين حيث كان يشتري الشريط الذي يحتوي على 10 حبات الآرتن بثلاثين درهما والكامدرين بخمسين درهماً والترامادول بمئة درهم.

طالب يتعاطى المخدر منذ عامين قال انه يتعاطى جرعات خفيفة قبل الذهاب إلى المدرسة وبعد انتهاء الدوام يقوم بأخذ جرعات أخرى مشيرا إلى أن السبب وراء استخدام العقار انه لا يشعر بالوقت في المدرسة والعديد من أصحابة يتعاطون نفس العقار ويسهل الحصول عليه في الدولة وأنه لاحظ توفره في العديد من الدول وله مسميات مختلفة كالترامال أو الأمادول أو الترامكس أو الألترادول.

وأضاف ان لا يعرف أعراضه السلبية إلا أنه دائم الخمول ويصعب عليه النوم وفاقد للشهية وغائب الذهب عندما يتطلب الأمر التركيز وهذا ما يعجبه في تعاطي العقار ويدعى ان العقار يوجد به ميزة مختلفة عن العقاقير المخدرة وهو انه غير مدرج في قانون الممنوعات.

ونبه إنه لاحظ ان العديد من الفتيات يتعاطون نفس العقار حيث طلبت منه عدة بنات توفير العقار لهن وأغلبيتهن من جنسية الدولة وأن الشخص الذي يشتري منه العقار أوضح له أن العديد من النساء يلجأن إليه لشراء العقار وأغلبيتهن تتراوح أعمارهن من 16 إلى 30 عاماً، وأنهن يعرفنه عن طريق شباب قاموا بشراء العقار منه سابقا.

في صيدليات الدولة

أحد متعاطي «الترامادول» يقول إن هناك طريقتين للحصول على هذا العقار : الأولى عن طريق طبيب نفسي وهي الطريق التي تكلفه وتتطلب فتح وصفة طبية، والثانية عن طريق بعض الباعة من معارفه وهم متغيرون في كل فترة يظهر شخص جديد وهناك أشخاص في كل منطقة حيث إذا نفد العقار من البائع القريب منه اتجه إلى آخر في منطقة أخرى وأن غالبيتها من خارج الدولة وأرجع معرفته بمصدرها أن يكتب على الشريط بلغة غير العربية والإنجليزية و بألوان مختلفة ولا يشابه التي حصل عليه عن طريق وصفة طبية ويباع في صيدليات الدولة، وهناك صنفان الأول 50 مج وهو غالبا يتوفر عن طريق وصفة طبية أما 100مج فيكون مهربا من خارج الدولة.

وأشار متعاطي آخر إلى أن الشخص الذي يقوم بشراء العقار منه يقوم بإخفائه في الأتربة بعيدا من المكان الذي يجلس فيه ويجلب الحبوب على حسب الكمية التي يرغب بشرائها الشخص الذي يقوم بالاتصال به قبل قدومه بعشر دقائق وهذا سبب فساد بعض الأشرطة التي تتعرض لأشعة الشمس والحرارة.

مستشار الأدوية والمنتجات الطبية حذر من إساءة استخدام عقار الترامادول (شْفٍفلٌُ) لتجنب المضاعفات والآثار الجانبية الخطيرة، قائلا إن الدواء عبارة عن مسكن أفيوني فعال في علاج الآلام الحادة أو المزمنة بما في ذلك آلام ما بعد الجراحة، وآلام الولادة والعمليات القيصرية كذلك الألم الناشئ عن أسباب أخرى مثل السرطان وذلك بناء على البيانات المتوافرة من برامج متابعة الدواء بعد التسويق والتي أوضحت أن ترامادول يمكن أن يؤدي إلى اعتماد جسدي وسيكولوجي كما هو الحال مع المورفين.

كما تم تسجيل حالات من فرط جرعة ترامادول بما في ذلك حالات قاتلة، منها ما هو بقصد أو من دون قصد وتشمل النتائج الخطيرة التي قد تنتج عن فرط جرعة ترامادول حدوث قصور تنفسي، نوم، استرخاء العضلات الهيكلية، غيبوبة، تشنجات، بطء ضربات القلب وانخفاض ضغط الدم، توقف القلب والموت بالإضافة إلى آثار أخرى تتمثل في ضيق حدقة العين والقييء وبرودة الجلد وانخماص القلب.

ونوه إلى أن بعض الشباب اعتادوا على استعمال جرعات من ترامادول لعلاج سرعة القذف مما قد يؤدي إلى خطر حدوث الاعتماد والإدمان عليه وذلك لأنه يشابه في خواصه الكيميائية كلا من عقاري المورفين والكودايين لافتا إلى ضرورة الالتزام بالجرعات الموصى بها من قبل الطبيب او الصيدلي لتجنب آثاره الضارة.

الحل قادم

الرائد دكتور جمعة سلطان الشامسي رئيس قسم التوعية في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بشرطة دبي أبلغ «البيان» أن هناك حلا قادما للحد من انتشار عقار الترامادول وغيرها من العقاقير التي يساء استخدامها، مشيرا إلى أنه في صدد تشكيل لجنة تضم وزارة الصحة وشرطة دبي ووزارة الداخلية ووزارة العدل لمتابعة العقاقير التي تستخدم بشكل خاطئ لإدراجها ضمن قائمة الممنوعات حيث تم إعداد محضر وهو في مرحلة النهائية.

وفي بحث سابق أعده الشامسي أظهر أن هناك إفراطاً على المستوى العالمي في تعاطي عقاقير المخدرات الكيميائية، لافتاً إلى أن متعاطييها يزيدون عن مجموع الذين يتعاطون الكوكايين والهيروين، وتقدر قيمة السوق العالمية المتعاملة في مثل هذه العقاقير بنحو 65 مليار دولار ، كما أن هناك إفراطا في تناول الأقراص المعروفة باسم المنشطات من مجموعة الأمفيتامين (فَُّّ)، وذلك سعياً إلى تحسين أدائهم، مشيرا إلى أن أكثر من 30 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم يتناولون الأمفيتامين، والميتا أمفيتامين، أو عقار النشوة، مرة واحدة على الأقل في العام .

وأشار إلى أن من عوامل الجذب في هذه العقاقير المخلقة أنها متاحة بسهولة، وبأسعار معقولة، واستخدامها سهل وتفشي ثقافة خاطئة لدى متعاطيها بأنها غير ضارة ولا تتسبب في الإيدز أو الأمراض الأخرى المعدية، مستدركاً أن هذه ثقافة خاطئة لأنهم قد يعانون من جنون الشك والاضطهاد، والفشل الكلوي، والنزيف الداخلي، بل ومن بعض المشكلات العقلية الخطيرة، أو الأزمات القلبية، بل إن كثيراً منهم يصابون بتسوس الأسنان ونوع رهيب من الجرب الناتج عن رغبتهم المتواصلة في حك جلودهم بسبب شعورهم وكأن حشرات تزحف تحتها.

ولفت إلى أنه من خلال قراءة الواقع العملي فإن هناك أنواعاً عدة من العقاقير المخدرة تتداول بين الشباب في دبي ويمكن تقسيمها إلى نوعين، حسب مصدرها، الأول يأتي من الخارج مثل الترامادول والارتان والكيمادرين وكذلك عقار الديزبام، والنوع الثاني يصرف محليا من خلال العيادات والمستشفيات النفسية التي يتجاوز بعضها أحيانا في عملية الصرف.

وأضاف أنه من خلال الواقع الميداني لقضايا المخدرات والضبطيات في الأعوام الأخيرة، لوحظ أن هناك تزايداً في عدد ضبطيات العقاقير المخدرة، خصوصا تلك التي لا تقع تحت قانون المخدرات، وأنه تم ضبط عقاقير ومدمنين في حالة غير طبيعية لكن بعد إحالتهم إلى الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة لفحص عينة كانت النتائج سلبية لأن تلك العقاقير التي ضبطت معهم غير مدرجة في جداول المخدرات، موضحا أن هناك العديد من المصادر التي تؤكد وجود عقاقير مخدرة في الأسواق خاضعة لقانون وزارة الصحة ويساء استخدامها بين الشباب، إضافة إلى تأكيدات من الطلبة بأن هناك عقاقير منتشرة بينهم لا تظهر في الفحص.

وأفاد أن شرطة دبي سعت إلى إدراج عدد من هذه العقاقير في جدول المخدرات لكن يحتاج الجدول إلى تحديث مستمر، لافتا إلى أن هناك ثلاثة أنواع رئيسة يساء استخدامها من قبل المتعاطين، تشمل الترامادول والأرتان والكيمادرين، موضحا أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سجلت 39 قضية تعاطي ترامادول منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية شهر مايو الماضي مقابل 50 قضية في العام الماضي و62 قضية في عام 2007 و23 قضية في عام 2006 فيما سجلت ثماني قضايا تعاطي مخدر الأرتان في 2009 مقابل 20 قضية في 2008 و22 قضية في 2007 وخمس قضايا في 2006 كما سجلت الإدارة 17 قضية تعاطي مخدر الكيمادرين في 2009 مقابل 15 في 2008 و17 في 2007 وتسع في2006 .

وأوصى رئيس قسم التوعية في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بشرطة دبي بتعديل المادة (3) من القانون الاتحادي لمكافحة المخدرات ليسمح بصدور القرار من وزير الصحة مباشرة من دون الحاجة إلى عرضه على مجلس الوزراء وذلك لتسهيل عملية سرعة إخضاع المواد التي يساء استخدامها بين فئات المتعاطين.

وطالب بتشديد العقوبة على مدمني ومهربي وبائعي تلك العقاقير وفرض رقابة صارمة على الصيدليات والعيادات وإيجاد نظام الكتروني ( البطاقة الذكية ) للسيطرة على عمليات صرف الأدوية والعقاقير المخدرة من قبل الأطباء المصرح لهم بصرفها.

وحول مصادر الأدوية المخدرة وطرق تداولها أشار الرائد الشامسي إلى أن تجارة المخدرات المصنعة داخليا تتم عن طريق العقاقير التي يحصل عليها المتعاطون من خلال الوصفات الطبية التي يقومون بالحصول عليها من العيادات النفسية المنتشرة، أو عن طريق العقاقير التي يحصل عليها المتعاطون من المستشفيات الحكومية النفسية، أو تلك العينات التجريبية التي تصرف للأطباء النفسيين يقومون ببيعها للراغبين، وقيامهم ببيع الأدوية التي يحصلون عليها من العيادات الخاصة بوصفات طبية .

وأوضح أن هناك 3 أنواع رئيسية من العقاقير يساء استخدامها من قبل المتعاطين تشمل الترامادول والأرتان (بنزهكسول) والكيمادرين (بروسيكليدين)، حيث سجلت 85 قضية في عام 2008 ضد المتعاطين لهذه العقاقير، فيما سجلت الخمس شهور الأولى من 2009 ما يقارب 64 قضية، وهو ما يعني أن هناك زيادة في استخدام هذه العقاقير .

توصية

دراسة علمية

كما أوصت إدارة الأدلة الجنائية في القيادة العامة لشرطة أبوظبي بإدراج دواء «الترامادول» ضمن المؤثرات العقلية المخدرة في القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 5991 الخاص بمكافحة المخدرات، مؤكدة أن «هذا الدواء يخضع لدراسة علمية بهدف حظر تداوله، بعد أن أثبتت أبحاث علمية أنه من المؤثرات العقلية التي تحظى بإقبال كبير من متعاطي المخدرات».

وقال الرائد خبير محمد سعيد الجابري رئيس قسم التحاليل الكيميائية في الإدارة إنه خلال نتائج تحليل المختبرات، تكرر اكتشاف وجود مركب دواء «الترامادول» في عينات البول والدم لبعض الشباب من المدمنين. وهو ما لفت الانتباه إلى استخدام هذا الدواء بجرعات عالية لديهم لإحداث تأثير المخدر، مؤكدا أهمية إدراج هذه المواد المؤثرة ضمن قانون مكافحة المخدرات لتأثيرها الذي يشابه تأثير المواد المخدرة، لافتا الى أن هناك قضايا تعاطي مخدرات لا يدان فيها المتهمون، على الرغم من ثبوت وقوعهم تحت تأثير المخدر بفعل هذا الدواء، وذلك لعدم وجوده ضمن قائمة المواد المخدرة التي نص عليها القانون.

وأشار الجابري إلى وجود تنسيق مع الجهات الرقابية، مثل الصحة والنيابة والقضاء، لتنفيذ القانون الاتحادي الخاص بمكافحة المخدرات ومراجعة جداول المواد المخدرة.

الأدوية القاتلة

أصدر المركز النيوزيلندي لرصد الآثار الجانبية للأدوية في الخامس من ديسمبر 2007م، تقريرا شمل تحديثا في معلومات مأمونية العقار الذي ينتمي لمجموعة أدوية معروفة بالأدوية القاتلة للألم، وقد تطرق التقرير إلى ازدياد خطر حدوث أعراض جانبية حادة جراء استخدام الترامادول تعرف بمتلازمة السريتونين، بالإضافة إلى تحديث معلومات المأمونية في زيادة خطر الإصابة بنوبات الصرع المصاحبة لاستخدام الدواء.

دبي ـ مصطفى الزرعوني