صلة الرحم فرضت على المسلم وجعلها الله أساساً للمجتمع المستقر

صلة الرحم فرضت على المسلم وجعلها الله أساساً للمجتمع المستقر

ت + ت - الحجم الطبيعي

صلة الرحم وحسن التعامل مع الأقارب من المفاهيم الأساسية التي نص عليها الدين الإسلامي منذ بزوغ فجره.. والمقصود منها عدم القطيعة بين الأقارب، والحث على زيارتهم.. لكن مع تطور الزمن واختلاف الحياة قصّر كثير من المسلمين في وصل أرحامهم بالشكل الذي حدده الإسلام، بل إن البعض قطعه نهائيًا، ولا يعرف عن أقاربه شيئًا، وامتد الأمر إلى تزايد الجرائم العائلية بدافع الظروف الاقتصادية الصعبة.. في السطور القادمة نتعرف إلى حدود صلة الرحم الواجبة، وكيفية تطبيقها في عصرنا الراهن.

بداية تؤكد د.ناهد عبدالمجيد أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة أن الرحم وصف عام يشمل كل الأقارب دون تفريق بين المحارم وغيرها، ومن ثم فإنه يدخل تحت هذا التعريف أي شخص قريب للمسلم سواء كان من أرحامه أم بعيد عنهم، لافتة أن هناك من العلماء من يقصّرون الأرحام على محارم الشخص فقط، أي الذين يحرم عليه الزواج منهم، بل إن البعض كذلك يقصّر الأرحام على الوارثين فقط، وهذا ما يذهب إليه بعض فقهاء الحنفية.

وتشير عبد المجيد إلى أنه لا خلاف أن صلة الرحم من الأمور الواجبة التي فرضها الله على المسلم، وجعلها أساسًا لابد منه، بل قرنها أيضًا بعبادته سبحانه في قوله تعالى »واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى«.

وحذر المولى سبحانه كذلك من قطيعة الرحم، وبيَّن خطورتها في قوله تعالى »والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار)، من هنا فإن على كل مسلم البحث عن أقاربه وزيارتهم والسؤال عنهم حال غيابهم، وألا يربط صلة أرحامه بصلتهم له لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها»، أي أن واصل الرحم لا ينبغي أن يعلق هذه الصلة على قيام أهله بوصله، والسؤال عنه، لأن صلة الرحم ليست مكافأة يؤديها لأقاربه إنما أمر واجب عليه.

الأقارب أولى

ويتدخل في الحديث د.طه حبيش أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر مؤكدًا أن صلة الرحم معناها أن يحسن المسلم إلى أقاربه، ويسأل عنهم سواء كانوا من ذوي النسب أم الأصهار أم الأقارب بالطبع، والله سبحانه أمر بصلة الرحم في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى «وآت ذا القربى حقه» ومن حق ذوي القربى صلتهم والإحسان إليهم والسؤال عن أحوالهم والوقوف إلى جوارهم في الشدائد والمحن، وفي آية أخرى يقول المولى سبحانه »واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام« أي أن المسلم كما سوف يسأل عن التكاليف التي كلفه الله بها، سيسأل كذلك عن مدى صلة رحمه.

وكما يؤكد أستاذ الفقه المقارن فإن هناك رحمًا من الدرجة الأولى هم الأب والأم والأخوات والأعمام والأخوال والجد والجدة، وهؤلاء لهم صلة رحم خاصة يجب على المسلم فيها السؤال عنهم وزيارتهم بشكل مستمر، وتنفيذ أي أمر يطلبونه لقوله تعالى »قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين« من هذه الآية نعلم أن الأقارب أولى بالإنفاق عن غيرهم، ومن ثم فإن إخراج أموال الزكاة للفقير القريب أفضل من الفقير البعيد، وفي كل خير، ويشترط في الشخص الذي يربط المسلم به صلة رحم أن يكون قريبًا منه، بالشكل الذي يجعله يستطيع صلته، وإلا لو اعتبرنا الأمر مفتوحًا لصار كل المسلمين أولوا أرحام لأن أبيهم آدم واحد.

مسؤولية الأسرة

وتلتقط الداعية الإسلامية وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر د.سعاد صالح طرف الحديث؛ وتقول: إن الأب والأم والإخوة والأخوات وكذلك الأبناء هم أولوا أرحام من الدرجة الأولى، يجب على المسلم السؤال عنهم وبرهم بكل ما أوتي من سبل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قاطع رحم».

وتؤكد صالح أن لصلة الأقارب فوائد عظيمة منها أنها تطيل العمر وتوسع الرزق، وتستند إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه».. مشددة على ضرورة أن يقوم الآباء والأمهات بتعريف أبنائهم وأحفادهم حقوق الأقارب عليهم، لأن الكثير من شباب اليوم بحكم التقدم العلمي وتطور الحياة وتباعد المسافات مع أقاربهم لا يعرفون عنهم شيئًا، وهذا أمر خطير تقع مسؤوليته على آبائهم وأمهاتهم.

بر الزوجة بأقاربها

نفس الأمر تؤكده د.آمنة نصير أستاذ العقيدة الإسلامية حيث توضح إن المحارم بالدرجة الأولى كالآباء والأجداد والأعمام والأخوال نساءً ورجالاً هم أولى الناس بصلة الرحم، وهناك أشكال عديدة لصلة الرحم منها الإحسان إليهم، وزيارتهم، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم، واحتمال جفائهم هذا مع كل الأقارب، وإذا كان الوالدان فيزيد عليهما (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة). وتلفت إلى أن المرأة يجب عليها صلة رحمها ما أمكن لها ذلك، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يمنعها الزوج من بر أقاربها، أو أن يمنعها من زيارة أهلها، وإن حدث ومنعها من صلة أهلها «فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وعليها أن تحاول قدر الإمكان السؤال عنهم بأي طريقة كانت.

رحم الإسلام

إلى هنا يؤكد د.منيع عبدالحليم عميد كلية أصول الدين الأسبق جامعة الأزهر أن الله أمر بصلة الرحم أمراً وجوبيًا في قوله تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)، أما حدود صلة الرحم الواجبة فهي نوعان: رحم عام وهي رحم الإسلام، تلك الرحم التي تشمل جميع المسلمين في كل بقاع الأرض، وتختلف صلتهم طبقًا لقربهم وبعدهم عن الدين ومدى التزامهم بتعاليم الإسلام.

أما النوع الثاني فهو رحم القرابة، وهم الأقارب من جهة الأبوين سواء الأعمام والعمات أم الأخوال والخالات، وهؤلاء جميعًا صلتهم واجبة، وقطعها كبيرة من الكبائر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الخلق فلما فرغ منهم قامت الرحم؛ فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى، ثم قال صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم، قوله تعالى (فهل عسيتم إن توليتهم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).

القاهرة ـ دار الإعلام العربية

Email